< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الفقه

34/07/24

بسم الله الرحمن الرحیم

 كان كلامنا في احقية السابق في المسجد او في السوق من الله , هل هو حق شرعي كحق الاختصاص مانع من تصرف الغير فيه كالملك او انه ليس بحق شرعي وانما لا تجوز مزاحمة السابق اليه , فيه قولان في المسألة , وتقدم ان الظاهر منهما هو الثاني , وانه لا تجوز مزاحمة السابق لا انه يحدث له حق شرعي كحق الاختصاص , فلا يجوز التصرف فيه الاّ باذنه كما لو كان المكان ملكاً له , وقد استدل على ذلك بجملة من الروايات : منها : مرسلة اسماعيل بن بزيع , وذكرنا ان هذه الرواية ضعيفة من ناحية السند والدلالة , فان فيها قوله ( فهو احق به يومه وليلته ) وهذا غير محتمل , فان من صلى في مكان من المسجد معناه انه لا يجوز لغيره ان يصلي فيه بعد تركه المكان ليومه وليلته , وهذا غير محتمل , فمن اجل ذلك لا يمكن الأخذ بهذه الرواية لا سنداً ولا دلالة .
 ومنها : رواية طلحة بن زيد وفيها ورد ( سوق المسلمين كمسجدهم , فمن سبق الى مكان فهو احق به الى الليل ) اما سند هذه الرواية فالظاهر ان الرواية معتبرة , فان الشيخ (رض) ذكر عند ترجمة (طلحة بن زيد) ان له كتاباً معتبراً , وهذا التعبير من الشيخ يدل على انه يعتمد رواية كتابه , وانه يرى انه ثقة , وهو عبارة اخرى عن توثيقه , ويؤيد ذلك وروده في اسناد كتاب كامل الزيارات واسناد التفسير المنسوب الى علي بن ابراهيم القمي . وكيفما كان فالرواية لا بأس بها سنداً وكذلك لا بأس بها دلالة . فان التقدير الى الليل فهو حسب المتعارف فان السوق مفتوح ومشغول بالعمل الى الليل وغالباً السوق كذلك , فالتقدير هو حسب الغالب والمتعارف ولا مانع منه , واما في المسجد فحسب الحاجة فلو صلى في مكان او يقرأ القرآن في مكان طالما يكون مشغولاً بالعبادة فهو احق به ولا يجوز مزاحمته , واما اذا تركه ورفع اليد عنه وذهب فقد انتهت احقيته , فلا حق له بعد ذلك , او انه ازاله عن المكان جبراً , فان ازالته وان كانت لا تجوز وهو ارتكب معصية الاّ انه بعد الازالة اذا جلس في المكان او جلس شخص آخر فيه فلا اشكال فيه , فالمراد من كونه احق به هو ( اولى به ) مادام انه موجود فيه فهو اولى به , لا انه يحدث له حقاً شرعياً كحق الاختصاص ونحوه ,
 ونظير ذلك مضمون ما ورد في الروايات ( ان اولى الناس بميراثه اولى الناس بصلاته ) [1] بالنسبة الى اولياء الميت , فلا يجوز لغير الاولياء ان تزاحم الاولياء في الصلاة على الميت , واما اذا لم يصل الولي على الميت فيجوز لغيره الصلاة عليه , فلا حاجة الى الاذن وانه مبني على الاحتياط , فمزاحمته لا تجوز . فمعنى كونه احق به انه اولى به طالما هو موجود فيه , واما اذا ذهب فقد انتهت احقيته بانتفاء الموضوع وعندئذ يجوز لغيره الانتفاع به .
 وهنا رواية ثالثة : وهي مرسلة ابن ابي عمير وقد ورد في هذه المرسلة نفس المضمون الوارد في رواية طلحة بن زيد ( سوق المسسلمين كمسجدهم فمن سبق الى مكان فهو احق به الى الليل ) [2] . يعني اذا سبق الى السوق كان له مثل المسجد , فان هذه الرواية بحسب الدلالة واضحة , ولا تدل على انه يحدث له حقاً شرعياً , ولا تدل الاّ على انه اولى بهذا المكان واحق به طالما انه موجودٌ لا مطلقاً , الاّ ان هذه الرواية من جهة السند يشكل العمل بها , الاّ اذا قلنا بان مراسيل ابن ابي عمير كمسانيده كما هو المعروف والمشهور بين الاصحاب , بدعوى انه لا يروي الاّ عن ثقة , وذكر السيد الاستاذ (قده) ان منشأ هذا القول هو اجتهاد الشيخ (رض) وانه ( لا يروي الاّ عن ثقة) وهي مبنية على الحدس والاجتهاد منه (رض) وليست مبنية على الحس فلو كانت مبنية على الحس لامكن اعتبارها اذا كان في اكثر الموارد لا يروي الاّ عن ثقة , واما روايته عن غير الثقة فشاذ ونادر , فاذا فرضنا ان روايته عن الثقة بنسبة (90%) وروايته عن غير الثقة بنسبة (10%) فعلى هذا فبحساب الاحتمالات اذا شككنا في رواية انه يروي عن الثقة او انه لا يروي عن الثقة فلا مانع من الحاقه بالغالب اذا كان الغالب موجبا للثبوت او الوثوق والاطمئنان .
 لكن هذه الشهادة لما كانت مبنية على الاجتهاد والحدس فلا اثر لها , مضافاً الى ان ابن ابي عمير روى عن الضعفاء ايضا في عدد من الموارد . وكيفما كان فالرواية ضعيفة من ناحية السند فلا يمكن الاعتماد عليها .
 ثم ذكر الماتن (قده) : وكذا اذا جلس على الفراش المغصوب .
 وقد اشكل عليه السيد الاستاذ (قد) : بانه لا وجه للبطلان فان الجلوس على الفراش المغصوب وان كان محرماً الاّ انه غير المكث في المسجد ,والمكث في المسجد غير حقيقة الاعتكاف وان كانا متلازمين , ولكن الحرمة لا تسري من احد المتلازمين الى الملازم الآخر , فلا مانع من الحكم بصحة الاعتكاف وان ارتكب محرماً من جهة الجلوس على الفراش المغصوب , وهذا نظير من اعتكف بلباس مغصوب فان تصرفه فيه محرم ومع ذلك لا يضر بصحة الاعتكاف .
 ثم ذكر الماتن (قده) : بل الاحوط الاجتناب عن الجلوس على ارض المسجد المفروش بتراب مغصوب على وجه لا يمكن ازالته .
 ذكر الماتن ان الاحوط بطلان اعتكافه , وان الاحوط الاجتناب عن الجلوس على التراب المغصوب المفروش في المسجد وكذلك الآجر .
 وذكر السيد الاستاذ (قده) : انه ذكرنا ان المال اذا تلف سقط عن الملكية والمالية , فالتصرف الحرام انما موضوعه المال , فلا يجوز التصرف في مال المسلم , واما اذا سقط عن المالية كما اذا غصب تراب شخص او غصب آجره وفرش به المسجد او البيت فانه قد اتلف مال الغير فلا شبهة في انه ضامن بعد الاتلاف , وهل يجوز تصرفه بهذا المال بعد اتلافه ؟ او تصرف شخص آخر به ؟ سيأتي الكلام عنه ان شاء الله تعالى .
 


[1] الوسائل (آل البيت) /ج 10 / ص330 / باب 23 / ابواب من يصح منه الصوم / الحديث 5 .
[2] الوسائل (آل البيت) /ج 17 / ص 405 / باب 17 /ابواب آداب التجارة / الحديث 1 .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo