< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الفقه

34/07/23

بسم الله الرحمن الرحیم

 ذكر السيد الأستاذ (قده) على ما في تقرير بحثه ان بطلان الاعتكاف باحد امرين :
 اما بايجاد المانع , او بترك جزء او شرط عالماً ملتفتاً . او بغير عمد وهو في بعض الموارد .
 اما الأول فهو لم يتحقق , لان ارتكاب الحرام لا يوجب البطلان طالما لم يكن مانعاً , كما لو اغتاب احداً , او كذب , او هتك مؤمناً , او ما شاكل ذلك . فانه ارتكب محرماً ولكنه لا يوجب بطلان الاعتكاف , وكذلك بقاءه في المسجد جنباً فانه محرم ولكنه لا يوجب بطلان الاعتكاف لانه ليس بمانع ,
 ولكن ذكرنا ان بقاءه ومكثه في المسجد وان لم يكن موجباً لبطلان الاعتكاف من جهة انه مانع , بل من جهة انه محرم فلا يمكن انطباق الاعتكاف المأمور به عليه , فمن هذه الناحية موجب لبطلان الاعتكاف فانه ليس مصداقاً للاعتكاف المأمور به , فان المبغوض لا يمكن ان يكون مصداقاً للمحبوب .
 واما ترك الجزء او الشرط : فقد ذكر(قده) انه لابد من التفصيل في المقام , فان حقيقة الاعتكاف هو المكث في المسجد ثلاثة ايام , وظاهر هذا الدليل استمرار المكث في المسجد ليلاً ونهاراً الى ان يتم ثلاثة ايام و ولكن قد ورد عليه الأستثناء بجواز الخروج من المسجد عند الضرورة العرفية او الشرعية او لأجل تشييع الجنازة او لأجل الشهادة او لأجل عيادة المريض او ما شاكل ذلك , فهذا المقدار ليس جزءاً من الاعتكاف , وكذلك الحال في الجنب فانه اذا تمكن من الغسل في المسجد بمقدار زمان الغسل وما يتوقف عليه من المقدمات كتحصيل الماء او غير ذلك من المقدمات , بمقدار هذا الزمان لا يكون جزءاً من الاعتكاف , فاذا فرضنا ان اعتكافه في مسجد الكوفة وتحصيل الماء من النهر بحاجة الى وقتٍ - مثلا - نصف ساعة اذا ذهب الى النهر واغتسل فيه ثم رجع الى المسجد , او ان يبعث شخصاً آخر ليجلب الماء له ويغتسل به يحتاج الى وقت مقداره نصف ساعة , فهذا المقدار من الوقت (نصف ساعة) ليس جزءاً للأعتكاف , ويجب على الجنب ان يخرج من السجد وينتظر الى وقت المجيء بالماء , لان بقاءه في المسجد وان لم يكن جزءاً للاعتكاف ولكنه محرم , واما اذا ذهب الى النهر بنفسه واغتسل ثم ذهب الى مكان آخر لقضاء حاجة او للأكل او الشرب وهذا يستغرق من الوقت اكثر من نصف ساعة , فهذا الزائد يوجب بطلان الاعتكاف , لانه ترك جزءاً من الاعتكاف عمداً , وترك الجزء موجب للبطلان , لان المستثنى بمقدار نصف ساعة دون الأكثر من ذلك .
 هذا الذي ذكره (قده) صحيح . وانما الكلام في ان الجنب اذا ارسل شخصاً لجلب الماء, ويجب عليه الخروج من المسجد والانتظار خارجه , فذكر انه اذا بقي في المسجد فمكثه في المسجد حرام ولكنه لا يوجب بطلان الاعتكاف لانه ليس مصداقاً للأعتكاف .
 وهذا لا يخلو عن اشكال , فان من يجوز له الخروج من المسجد انما لحاجة ضرورية عرفية او شرعية , فاذا فرضنا انه لم يخرج ومكث في المسجد فهل هذا المكث ليس جزءاً من الاعتكاف باعتبار انه يجوز له الخروج من المسجد لاجل حاجة ضرورية بمقدار نصف ساعة او اقل او اكثر, فاذا لم يخرج وبقي في المسجد فلا شبهة في ان هذا المكث جزء الاعتكاف , وان كان يجوز له تركه والخروج من المسجد لتشييع جنازة او شهادة او عيادة مريض او ما شاكل ذلك بمقدار نصف ساعة , واما اذا لم يخرج فلا شبهة في ان المكث في المسجد جزء الاعتكاف , وكذلك الحال في الجنب فيجب عليه الخروج من المسجد , واما اذا عصى ولم يخرج من المسجد ومكث فيه , فهذا المكث لو لم يكن جنباً فلا شبهة في انه جزء الأعتكاف , ولكنه اذا صار حراماً فلا يكون مصداقاً له من جهة حرمته و مبغوضيته . ومن أجل ذلك لايبعد الحكم بالبطلان اذا لم يخرج من المسجد وينتظر خارج المسجد. وفي هذا الفرض ( اذا لم يخرج وبقي في المسجد ينتظر وارتكب الحرام ) ذكر السيد الأستاذ (قده) انه لا يوجب البطلان لان هذا الوقت مستثنى ويجوز له ترك الاعتكاف فيه , والمكث في هذا الوقت ليس جزء الاعتكاف ,
 ولكن اتمام ذلك مشكل كما هو الحال في سائر الضروريات , فيجوز له الخروج بمقدار نصف ساعة فاذا لم يخرج فلا شبهة في ان مكثه في المسجد جزء الاعتكاف .
 المسألة (32) : اذا غصب مكاناً من السجد سبق اليه غيره بان ازاله وجلس فيه فالاقوى بطلان اعتكافه , وكذا اذا جلس على فراش مغصوب .
 وهذا مبني على ان جلوسه في المسجد للصلاة او لقراءة القرآن او ما شاكل ذلك من الاعمال العبادية يوجب ثبوت حقه في هذا المكان , واذا زاحمه غيره وازاله عن هذا المكان وجلس فيه فقد تصرف في حقه , وحيث ان التصرف في حقه غير جائز فمكثه في هذا المكان محرم لانه تصرف في حق الغير ومبغوض ولا يكون مصداقاً للواجب ولا يكون مصداقا للاعتكاف المأمور به , فلا محالة يكون اعتكافه باطلاً .
 واما اذا قلنا انه لا يوجب حدوث حق له , ولكن لا يجوز مزاحمته تكليفاً , فاذا سبقه غيره الى مكان في المسجد للصلاة او نحوها فلا يجوز مزاحمته تكليفاً , واما اذا ازاله وجلس فيه فعبادته صحيحة , وليس جلوسه حراماً بل ازالته حرامٌ لا تجوز, واما بعد الأزالة فالمقام مباح يجوز له الجلوس فيه والصلاة والاعتكاف وغير ذلك .
 الظاهر ان الأمر الثاني هو الصحيح , وان مجرد جلوسه فيه لا يوجب اثبات حق له فيه , فحيث لا يجوز التصرف فيه اذا ازاله وجلس فيه , فهو تصرف في حقه وجلوسه محرم , ليس الأمر كذلك وهو بحاجة الى دليل ولا دليل على ذلك ,
 وقد استدل على ذلك بجملة من الروايات :
 منها : مرسلة محمد بن اسماعيل عن ابي عبد الله (ع) : قال : فقلت نكون بمكة او بالمدينة او الحيرة او المواضع التي يرجى فيها الفضل فربما خرج الرجل يتوضأ فيجيء آخر فيصير مكانه , فقال : من سبق الى موضع فهو احق به يومه وليلته . [1]
 قد يستدل بهذه الرواية على ان من سبق الى مكان فهو احق به , لانه يوجب حدوث حق له فيه .
 ولكن الرواية ضعيفة من ناحية الأرسال فلا يمكن الأعتماد عليها , مضافاً الى ان الأخذ بدلالتها مشكل , فان قوله (أحق به يومه وليلته ) لا يلتزم به أحد , فانه طالما يوجد في هذا المكان فله حق فيه , واما اذا رفع اليد عن هذا المكان فلا يبقى حقه فيه واما انه يبقى حقه يومه وليلته فهذا مما لم يقل به أحد , بل هو خلاف المرتكز في الأذهان . فان المرتكز ان من اخذ مكاناً في المسجد فله حق فيه طالما هو فيه واما اذا تركه فلا حق له فيه فيجوز لكل احد الجلوس فيه للصلاة او لقراءة القرآن وغيرهما لهذا لا يمكن الالتزام بدلالة هذه الرواية .
 فالنتيجة ان هذه الرواية ضعيفة السند والرواية .
 ومنها : رواية طلحة بن زيد عن ابي عبد الله (ع) :قال : قال امير المؤمنين (ع) : سوق المسلمين كمسجدهم , فمن سبق الى مكان فهو احق به الى الليل , وكان لا يأخذ على بيوت السوق كراء . [2]
  فان هذه الرواية تدل على ان سوق المسلمين كمسجدهم , فمن سبق اليه فهو احق به الى الليل , وهذا مطابق للمتعارف باعتبار ان السوق باقٍ الى الليل لاعمال التجارة وهذا امر متعارف , وفي المسجد كذلك فمن سبق اليه فهو احق به الى ان يرفع اليد عن المكان فيجوز لغيره الصلاة فيه , لا انه يبقى الى الليل فانه لا ينطبق في المسجد كما انطبق في السوق .
 واما الكلام في السند فيأتي ان شاء الله تعالى .


[1] الوسائل (آل البيت) /ج 5 / ص 278 / باب 56 / ابواب احكام المساجد / الحديث 1 .
[2] الوسائل (آل البيت) / ج 5 / ص 278 / باب 56 / ابواب احكام المساجد / الحديث 2 .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo