< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الفقه

34/07/18

بسم الله الرحمن الرحیم

 ذكرنا ان السيرة القطعية للعقلاء قد جرت على حجية اخبار الثقة , وهذه السيرة ممضاة من الشرع ولا رادع لها .
 ودعوى : ان رواية مسعدة بن صدقة رادعة عن هذه السيرة , فان هذه الرواية تدل على ان الأشياء كلها على الأباحة حتى يستبين لك او تقوم عليه البينة , فمعنى ذلك ان شهادة او اخبار العدل الواحد لا يكفي , او اخبار الثقة لا يكفي , فتكون هذه الرواية رادعة عن السيرة فلا تكون السيرة حجة في اخبار الثقة في الموضوعات , وفي حجية اخبار العدل الواحد في الموضوعات .
 والجواب عن ذلك :
 اولاً : ان الرواية ضعيفة من ناحية السند فلا يمكن الأعتماد عليها .
 ثانياً : ان المراد من البينة ليست البينة المصطلحة , وان الحقيقة الشرعية لم تثبت , والبينة في مصطلح الشرع أسم لشهادة العدلين وهذا الأصطلاح لم يثبت , والبينة معناها اللغوي والعرفي مطلق الحجة , كما ورد في الروايات والآيات كما في قوله تعالى [َلمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ] [1] . المراد من البينة الحجة , او قوله تعالى [وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ ] [2] . المراد من البينة مطلق الحجة , وكذا في قوله تعالى [فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآؤُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ] [3] . فان المراد من البينة مطلق الحجة , وقد ورد في الآيات والروايات البينة وليس المراد منها شهادة العدلين فقط .
 هذا مضافا الى ان هذا الحصر غير صحيح , لو سلمنا ان المراد من البينة شهادة العدلين فان الحرمة كما تثبت بالبينة , تثبت بالأقرار , وحكم الحاكم , وبالشياع المفيد للأطمئنان , وبالأستصحاب , وما شاكل ذلك , فان الحرمة كما تثبت بالعلم الوجداني وبشهادة العدلين تثبت باقرار ذي اليد ايضا وبالشياع المفيد للأطمئنان ايضاً وبأستصحاب عدم التزكية ايضاً,وهكذا .. فالحصرالوارد في الرواية [ الأشياء كلها على ذلك حتى تستبين او تقوم به البينة ] غير صحيح , فاذا لم يكن حصر فلا مانع من الحكم بان اخبار الثقة حجة وكذلك اخبار العدل الواحد .
 فالنتيجة ان هذه الرواية على تقدير تسليم سندها لا يمكن ان تكون رادعة عن السيرة .
 ثم ذكرالماتن (قده) : والظاهر كفاية حكم الحاكم الشرعي .
 وهذا مبني على ان حكم الحاكم في غير المرافعات والدعاوى هل هو نافذ وحجة او لا يكون حجة ؟ فان قلنا بحجية حكم الحاكم ونفوذه فهل هو حجة في المقام او لا يكون حجة في المقام ؟ فانا بنينا على ثبوت الهلال بحكم الحاكم من جهة صحيحة محمد بن قيس [4] , فان ظاهر الصحيحة هو ان حكم الحاكم نافذ اذا شهد عدلان عند الامام , وذكرنا ان المراد من الامام من بيده الامر , وليس المراد من الأمام الأمام المعصوم (ع) بل شهد عند الأمام شاهدان انهما رأيا الهلال , فاذا حكم الحاكم حكم الأمام بذلك , ففيه عناية زائدة وألاّ فالأمام (ع) يقول أفطر اذا شهد شاهدان برؤية الهلال , فالمراد من الأمام من بيده الأمر وهو يشمل الحاكم الشرعي ايضاً , فمن أجل ذلك بنينا على ان الهلال يثبت بحكم الحاكم الشرعي .
 واما في المقام فهل ثبوت كون هذا المكان مسجداً مورداً لحكم الحاكم الشرعي او انه ليس مورداً لحكم الحاكم ؟ فان حكم الحاكم لابد من ان يكون في المسائل العامة البلوى والمهمة مثل مسألة ثبوت الهلال وان هذا اليوم يوم العيد او ان هذا اليوم اول يوم من شهر رمضان او حكم الحاكم بالجهاد او ما شاكل ذلك اذا رأى مصلحة في ذلك , واما في المقام فهل هو مورد لحكم الحاكم او لا ؟ فاثبات كون ذلك موردا لحكم الحاكم مشكل . فمن هذه الناحية لا يمكن الجزم بثبوت كون المكان مسجدا بحكم الحاكم .
 المسألة (25) : لو اعتكف في مكان باعتقاد المسجدية او الجامعية فبان الخلاف تبين البطلان .
 الامر واضح فان الاعتكاف لابد ان يكون في مكان يكون مسجدا واقعا ولا يكفي في مشروعية الاعتكاف المسجد الأعتقادي الخيالي .
 المسألة (26) : لا فرق في وجوب كون الاعتكاف في المسجد الجامع بين الرجل والمرأة فليس لها الاعتكاف في المكان الذي أعدته للصلاة في بيتها بل ولا في مسجد القبيلة ونحوها .
 باعتبار ما ورد في الروايات من كون مسجد المرأة بيتها , والظاهر ان نظر الماتن في هذه المسألة ليس من ناحية الفرق بين الرجل والمرأة في وجوب الاعتكاف في المسجد كما هو الظاهر من تقرير السيد الأستاذ (قده) , فمن الواضح انه لا فرق بينهما , بل ان في بعض الروايات التصريح بذلك كما في صحيحة (داود بن سرحان) [5] فقد صرح بان المرأة مثل الرجل , بل نظر الماتن الى احتمال انه يجوز للمرأة الاعتكاف في بيتها في المكان الذي اعدته للصلاة , فالفرق من هذه الناحية ونظر الماتن الى هذه الناحية وهي جواز اعتكاف المرأة في بيتها فان هذا الأحتمال في الرجل غير موجود وفي المرأة موجود , او في مسجد القبيلة اذا كان قريباً منها باعتبار انه مناسب لحال المرأة اذا كان المسجد الجامع بعيداً عنها , فنظر الماتن الى الفرق بينهما من هذه الناحية لا في أصل الاعتكاف فانه لا فرق بينهما .
 المسألة (27) : الأقوى صحة اعتكاف الصبي المميز فلا يشترط فيه البلوغ .
  الكلام في مشروعية عبادات الصبي يقع في موردين :
 الاول : في العبادات الواجبة كالصلاة والصيام والحج .
 الثاني : في العبادات المستحبة كالاعتكاف وصلاة الليل والصوم المستحب وما شاكل ذلك .
 اما الكلام في الاول : فقد استدل جماعة منهم السيد الحكيم (قده) في المستمسك على مشروعية عبادات الصبي بان اطلاقات ادلة الصلاة والصوم والحج والزكاة تشمل البالغ وغيره , فان هذه الاطلاقات تدل على امرين :
 أحدهما : الوجوب . وألآخر : المحبوبية للفعل .
 وحديث رفع القلم عن الصبي يرفع الوجوب فقط . واما اصل المحبوبية فهي باقية , فمن أجل ذلك تكون الصلاة محبوبة للصبي , وهكذا الصوم والحج .
 ولكن هذا البيان غير تام , اذ لا شبهة في ان لهذه الاطلاقات مدلولاً واحداً وهو الوجوب وهو ليس مركباً من ( طلب الفعل والمنع من الترك ) واما المحبوبية فهي ملاك الوجوب , فالمصلحة والمحبوبية هي ملاك الوجوب , نعم هذه الاطلاقات تدل على الوجوب بالمطابقة وعلى المحبوبية بالألتزام , وليست دلالتها على المحبوبية في عرض دلالتها على الوجوب , بل دلالتها بالألتزام , فاذا كان حديث رفع القلم يرفع الوجوب فقد سقطت الدلالة المطابقية ومع سقوطها تسقط الدلالة الألتزامية ايضاً , فلا طريق لنا الى ان الصلاة محبوبة او الصوم محبوب او الحج محبوب , فلا يمكن اثبات مشروعية عبادات الصبي بهذه الاطلاقات لان دلالتها على محبوبية الصلاة انما هي بالدلالة الألتزامية وهي تسقط بسقوط الدلالة المطابقية . فبعد سقوط الوجوب لا طريق لنا الى ان الصلاة او الصوم او الحج محبوب .
 انما ثبتت مشروعيتها بالروايات الخاصة الدالة على أمر الأولياء صبيانهم بالصلاة والصيام ( مروا صبيانكم بالصلاة والصيام ) [6] فان امر شخص لشخص آخر أمر لهذا الشخص فالامر من المولى تعلق بصلاة الصبي وصومه وحجه , وهذا الأمر يدل على المشروعية .
 فالنتيجة ان مشروعية عبادات الصبي انما هي ثابتة بالروايات الخاصة .
 واما المورد الثاني : وهو العبادات المستحبة فان اطلاقاتها كافية لمشروعية العبادات المستحبة على الصبي , فان حديث رفع القلم لا يشمل المستحبات , كما ان حديث الرفع لا يشمل المستحبات وخاص بالأحكام الألزامية , وأدلة العبادات المستحبة مطلقة , وباطلاقها تشمل البالغ وغير البالغ . فهذه العبادات كما انها مستحبة للبالغ كذلك مستحبة لغير البالغ ايضاً .


[1] سورة البينة / الآية 1 .
[2] سورة البينة / الآية 4 .
[3] سورة آل عمران / الآية 184 .
[4] الوسائل (آل البيت) /ج 10 / ص 275 / باب 6 / ابواب احكام شهر رمضان / الحديث 1 .
[5] الوسائل (آل البيت) /ج 10 / ص 549 / باب 7 / كتاب الاعتكاف / الحديث 1.
[6] مستدرك الوسائل (النوري) /ج 3 / ص 19 /باب 4 / ابواب اعداد الفرائض ونوافلها / الحديث 2 , 3 , 4 .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo