< قائمة الدروس

الأستاذ آيةالله محمداسحاق الفیاض

بحث الفقه

34/07/11

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع : عدم استصحاب الشهر المنذور
 ذكر الماتن (قده) : لو عمت الشهور ولم يتعين عنده ذلك المعين ، عمل يالظن ومع عدمه يتخير بين موارد الاحتمال [1] .
 هذا وان كان معروفا ولكن استشكل عليه السيد الاستاذ(قده) على ما في تقرير بحثه ان الظن لا يكون حجة ولا أثر للظن والمرجع الاحتياط في المقام ، للعلم الاجمالي بان الشهر المنذور احد هذه الشهور ، فاذا فرضنا ان الشهر المنذور مردد بين ثلاثة شهور يعلم اجمالا بان الشهر المنذور احد هذه الشهور ، ومقتضى العلم الاجمالي هو الاحتياط ، والاعتكاف في تمام هذه الشهور الاّ اذا كان حرجيا ، طالما لم يكن حرجيا وجب عليه ذلك بمقتضى العلم الاجمالي .
 ولكن قد يقال كما قيل : ان استصحاب بقاء الشهر المنذور الى الشهر الاخير يوجب انحلال هذا العلم الاجمالي ، بتقريب انه في اليوم الاول من الشهر الاخير يعلم ان الشهر المنذور قد دخل اما من الآن وهذا اليوم اول يوم الشهر المنذور ، او دخل من السابق من الشهرين السابقين ، فهو يعلم اجمالا من الآن بدخول الشهر المنذور اما من الآن او من السابق ، وشك في بقاءه وان هذا التردد منشأه الشك في البقاء فيستصحب بقاء الشهر المنذور الى الشهر الاخير ، وهذا الاستصحاب موجب لانحلال العلم الاجمالي حكما ، فان الاصل العملي اذا جرى في بعض اطراف العلم الاجمالي دون البعض الاخر فهو يوجب انحلال الحكم وما نحن فيه كذلك .
 ولكن اورد عليه السيد الاستاذ (قده) : بان هذا الاستصحاب معارض باستصحاب بقاء عدم الشهر المنذور ، لان المكلف في هذا الوقت - اي في اول الشهر الثالث كما يعلم بدخول الشهر المنذور اما من الآن او من السابق كذلك يعلم بعدمه الجامع بين العدم الازلي والعدم الحادث ، فان الشهر المنذور ان حدث في الشهرين السابقين فعدم الحادث باق الآن ، وان لم يحدث فالعدم الازلي باق الى الآن ، فهو يعلم بالعدم الجامع بين العدم الازلي والعدم الحادث . وهذا الترتب منشأ للشك في بقاء هذا العدم ، وعندئذ استصحاب بقاء الشهر المنذور معارض باستصحاب بقاء العدم الجامع بين العدم الازلي والعدم الحادث ويسقطان من جهة المعارضة والمرجع اصالة الاحتياط في المقام .
 ولكن قد ذكرنا في محله ان كلا الاستصحابين لا يجري في نفسه ، لا استصحاب بقاء الشهر المنذور ، ولا استصحاب بقاء العدم ، كلا الاستصحابين لا يجري في نفسه حتى يقع التعارض بينهما :
 اما استصحاب بقاء الشهر المنذور : فان اريد من بقاء الشهر المنذور بقاء الجامع بين الشهر السابق وبين الشهر اللاحق كما هو المفروض ، لان الجامع هو المعلوم بالاجمال لا الفرد ، فانه من الآن يعلم اجمالا بتحقق الشهر المنذور اما من الآن او من السابق ، فالمعلوم انما هو الجامع وعندئذ يشك في بقاء الجامع .
 فيرد عليه ان الجامع ليس موضوعا للاثر حتى يجري استصحاب بقاءه ، فانا ذكرنا ان الاستصحاب متقوم بثلاثة عناصر :
 العنصر الاول : اليقين بالحدوث .
 العنصر الثاني : الشك في البقاء .
 العنصر الثالث : ترتب اثر شرعي على المستصحب .
 والمفروض ان الاثر الشرعي غير مترتب على الجامع ، والاثر الشرعي مترتب على الفرد ووالشهر المنذور المعين الذي هو فرد خارجي . فالمستصحب اذا كان هو الجامع فلا اثر له ، فلا يجري الاستصحاب بلحاظ الجامع .
 وان اريد به واقع الشهر ، فهو مردد بين فردين مقطوع الارتفاع وبين فرد مقطوع البقاء على تقدير الحدوث ، فان الشهر المنذور ان تحقق سابقا فهو مقطوع الارتفاع ، وان تحقق فعلا فهو مقطوع البقاء ، فيدور الامر بين فردين مترددين احدهما مقطوع الارتفاع على تقدير الحدوث ، والآخر مقطوع البقاء على تقدير الحدوث ، فلا يكون الشك في بقاء شيء منهما حتى يجري الاستصحاب . الاستصحاب في الفرد المردد غير جاري ، لان الشك ليس متمحضا في البقاء ، وفي المقام الشك ليس متمحضا في البقاء لان احد الفردين مقطوع الارتفاع على تقدير حدوثه ، والفرد الآخر مقطوع البقاء على تقدير حدوثه ، فلا اليقين بالحدوث موجود النسبة الى الفردين ، ولا الشك في البقاء ، فاركان الاستصحاب غير تامة حتى يجري .
 فالنتيجة : ان اريد من استصحاب بقاء الشهر الجامع بين الشهرين فالجامع ليس موضوعا للاثر حتى يجري الاستصحاب بلحاظه ، وان اريد واقع الشهر فهو مردد بين فردين احدهما مقطوع الارتفاع ، والآخر مقطوع البقاء على تقدير الحدوث فلا يجري الاستصحاب .
 واما استصحاب بقاء العدم الجامع بين العدم الازلي والعدم الحادث :
 فان اريد من استصحاب بقاء العدم بقاء الجامع العدم بين العدم الازلي وبين العدم الحادث ، والجامع العدم ليس موضوعا للاثر وموضوع الاثر عدم الشهر المنذور وهو عدم خاص ، واما الجامع العدم فليس موضوعا للاثر حتى يجري الاستصحاب بلحاظه ، فاركان الاستصحاب وان كانت تامة الاّ ان المستصحب ليس موضوعا للاثر فمن اجل ذلك لا يجري الاستصحاب .
 وان اريد بذلك واقع جامع العدم ، وواقع العدم مردد بين فرد مقطوع الارتفاع ، وبين فرد مقطوع البقاء على تقدير حدوثه ، فان العدم الازلي مقطوع الارتفاع على تقدير حدوث الشهر المنذور في ضمن الشهرين السابقين ، واما العدم الحادث فهو مقطوع البقاء على تقدير حدوث الشهر المنذور في احد الشهرين السابقين ، فاركان الاستصحاب غير تامة من اليقين بالحدوث والشك في البقاء ، فان اركان الاستصحاب اليقين بالحدوث متمحضا بالحدوث والشك متمحضا في البقاء ، وهي في المقام غير تامة بالنسبة الى الفردين الواقعيين . فمن اجل ذلك لا يجري استصحاب بقاء عدم الشهر المنذور ، ولا يجري في نفسه حتى يقع التعارض بين الاستصحابين ولا استصحاب بقاء الشهر حتى يقع التعارض بينهما .
 واما استصحاب عدم دخول الشهر المنذور : فان المكلف يشك في الشهر الاول انه دخل الشهر المنذور او لم يدخل ؟ فلا مانع من استصحاب عدم دخوله ، وكذلك في الشهر الثاني ، وفي الشهر الثالث يعلم بدخوله سابقا او لاحقا ، ولكن هذا الاستصحاب ايضا معارض ، فان استصحاب عدم الدخول لا يجري في جميع الشهور لاستلزامه المخالفة القطعية العملية ، وجريانه في البعض دون البعض الآخر ترجيح من غير مرجح ، فاستصحاب عدم الدخول ايضا لا يجري .
 كما لا يمكن التمسك باصالة البراءة : فان اصالة البراءة عن وجوب الاعتكاف بالنسبة الى جميع الشهور لا تجري ، لاستلزام جريانها المخالفة القطعية العملية ، كما ان جريانها في بعض الشهور دون البعض الآخر ترجيح من غير مرجح .
 فمن اجل ذلك لا تجري لا اصالة البراءة عن الجميع ، ولا استصحاب عدم الدخول ، ولا استصحاب بقاء الشهر المنذور ، ولا استصحاب بقاء عدمه .
 فلا يجري شيء من هذه الاصول، فلا مناص من الاحتياط والاعتكاف في جميع الشهور، لان العلم الاجمالي في المقام منجز، والاصل العملي المؤمن لا يجري في اطرافه ، الاّ اذا استلزم الحرج والضرر ، فطالما لم يستلزم الحرج والضرر يجب عليه الاعتكاف .


[1] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي، ج3، ص681، ط جماعة المدرسين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo