< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

39/03/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:الدعوى الثانية من الوجه الثالث للجهة الثانية

من المقام الأول لحرمة التجري

الدعوى الثانية من الوجه الثالث من المقام الأول من الجهة الثانية من المقام الأول الذي طرحه السيد الخوئي "رحمه الله" قلنا السيد الخوئي بحث مباحث التجري في مقامين:

المقام الأول مؤلف من جهتين الجهة الثانية فيها ثلاثة وجوه، الوجه الثالث من الجهة الثانية ذكر فيها السيد الخوئي "رحمه الله" دعويين، الدعوى الأولى كانت بمثابة الصغرى وهي قبح الفعل المتجرى به عقلاً وقال لا مناص من التسليم بهذه القضية، الدعوى الثانية وهي بمثابة الكبرى وهي دعوى الملازمة يعني قبح الفعل عقلاً يستلزم حرمته شرعاً وحسن الفعل عقلاً يستلزم وجوبه شرعاً لقاعدة الملازمة.

في الدرس السابق انتهينا بحمد الله عزَّ وجل من بحث الدعوى الأولى التجري قبيح عقلاً، وفي هذا الدرس نتناول الدعوى الثانية التي بمثابة الكبرى وهي أنه إذا قبح الفعل عقلاً حكم الشرع بالحرمة وإذا حكم العقل بالحسن عقلاً حكم الشرع بالوجوب، فهل توجد ملازمة بين قُبح الشيء عقلاً وحرمته شرعاً؟ وهل توجد ملازمة بين حُسن الشيء عقلاً ووجوبه شرعاً أو لا؟

السيد الخوئي "رحمه الله" يناقش هذه الملازمة وينكر هذه الملازمة ويقول هذه الملازمة غير تامة أولاً وأجنبية عن المقام ثانياً والصحيح ما ذهب اليه السيد الخوئي "رحمه الله" تبعاً للمجدد الشيرازي "رضوان الله عليه".

المجدد الشيرازي صاحب ثورة التنباك ومطبوعة تقريراته أربعة أجزاء تحقيق مؤسسة آل البيت لأحياء التراث فرق بين ما هو في سلسلة علل الأحكام الشرعية وبين ما هو في سلسلة معلولات الأحكام الشرعية فقال: إن دعوى الملازمة إنما تتم لو قيل بها في خصوص سلسلة علل الأحكام الشرعية ولا تجري دعوى الملازمة لو قيل بها في سلسلة معلولات الأحكام الشرعية، إذاً عندنا ما هو في سلسلة العلل وعندنا ما هو في سلسلة المعلولات، مثلاً المصالح والمفاسد رتبتها رتبة العلة للحكم فالمصلحة الأكيدة علة للوجوب والمفسدة الأكيدة علة للحرمة، إذاً المصالح والمفاسد الواقعية هي في رتبة علل الأحكام الشرعية، ولكن حُسن الطاعة قُبح المعصية هذه تقع في سلسلة معلولات الحكم الشرعي أولاً يثبت الوجوب ثم بعد ذلك يثبت حسن الطاعة أولاً يثبت التحريم ثم بعد ذلك يثبت قبح المعصية، فإذا أثبتنا الوجوب أو الحرمة أولاً بعد ذلك يثبت عنوان الطاعة إذا ترك الحرام وفعل الواجب والمعصية إذا ترك الواجب وفعل الحرام.

إذاً حُسن الطاعة وقُبح المعصية يندرجان في مرتبة معلولات الأحكام الشرعية لا في مرتبة علل الأحكام الشرعية.

بحثنا في قُبح التجري وحُسن الانقياد ـ قُبح التجري وحُسن الانقياد ـ هذا البحث يجري بعد ثبوت الأحكام الشرعية يعني إذا قطع العبد بتكليف وخالفه أو قطع العبد بتكليف وامتثله وانكشف خلاف الواقع هنا يكون منقاد إذا امتثل ومتجرياً إذا خالف، إذاً حُسن الانقياد وقُبح التجري فرع ثبوت الأحكام الشرعية لكي نرى أن هذا الانقياد لم يكن مطابقاً للواقع وهذا التجري على حكم مخالف للواقع، قاعدة الملازمة إذا قطع العقل بحُسن شيء قطع الشرع بوجوبه إذا قطع العقل بقُبح شيء قطع الشرع بحرمته هذه الملازمة إنما تتم في سلسلة العلل يعني إذا قطع العقل بالمصلحة إذا قطع العقل بالمفسدة، ولا تتم في سلسلة المعلولات إذا قطع العقل بحُسن الطاعة أو قطع العقل بحرمة المعصية أو قطع العقل بقُبح التجري أو قطع العقل بحُسن الانقياد، إذاً أولاً الملازمة أجنبية عن بحث التجري والانقياد، لماذا؟ لأن التجري والانقياد قُبح التجري وحُسن الانقياد إنما هما في مرتبة سلسلة معلولات الحكم الشرعي وليس في سلسلة علل الأحكام الشرعية والملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع إنما تجري في سلسلة العلل لا في سلسلة المعلولات هذا أولاً، إذاً الملازمة أجنبية عن بحثنا.

ثانياً لو قلنا بجريان الملازمة أو في نفس مورد جريانه سلسلة العلل والمعلولات هل الملازمة تامة أو لا؟ الجواب: الملازمة غير تامة، لأنه أولاً لابد أن نحرز المصلحة الأكيدة ثانياً لابد أن نحرز عدم وجود مزاحم للمصلحة الأكيدة هذا في الوجوب وهكذا في الحرمة لابد أن نحرز المفسدة الواقعية الأكيدة الملزمة ولابد أن نحرز عدم وجود مزاحم لهذه المفسدة الملزمة، وأنَّا للعقل أن يطلع على المصالح والمفاسد الواقعية أولاً وثانياً أن يطلع على عدم وجود مزاحم للمصلحة الملزمة أو المفسدة الملزمة.

إذاً العقل لا يدرك، نعم لو استطاع العقل أن يدرك المصالح والمفاسد الواقعية وأن يدرك عدم وجود مزاحم لها في هذه الحالة تتم الملازمة، ولكن قد يندر أن يدرك العقل أو يستحيل أن يدرك العقل، إذاً خلاصة البحث الى هنا المراد بحكم العقل ادراك العقل وبحث الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع إنما يتم فيما إذا أدرك العقل ما هو في مرتبة علل الأحكام الشرعية ولا تجري الملازمة في مدركات العقل التي هي في مرتبة معلولات الأحكام الشرعية وما نحن فيه وهو قُبح التجري وحُسن الانقياد إنما هو في مرتبة المعلولات الأحكام الشرعية إذاً بحث الملازمة أجنبي عن بحث قُبح التجري وحُسن الانقياد.

وثانياً بالنسبة الى مورد جريان الملازمة وهو سلسلة العلل للأحكام الشرعية نقول الملازمة غير تامة، لماذا؟ لأن جريان الملازمة فرع ادراك المصالح أو المفاسد الملزمة أولاً وثانياً ادراك عدم وجود مزاحم للمصالح أو المفاسد الملزمة وأنَّا للعقل أن يطلع على المصالح والمفاسد الواقعية، فصغرى هذه الكبرى غير متحقق أو نادراً جداً لأن العقل لا يحيط بالمصالح والمفاسد الواقعية والنفس أمرية والجهات المزاحمة لها، لذلك ورد في الروايات الشريفة (إن دين الله لا يصاب العقول) وأنه ليس شيء أبعد عن دين الله من عقول الرجال، طبعاً في المستدرك (إن دين الله لا يصاب بالعقول)[1] ، والموجود في الوسائل هكذا (ليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن).[2]

الى هنا أصل المطلب طرحناه وهو أن بحث الملازمة يجري في ادراك العقل لما هو في مرتبة علل الأحكام الشرعية ولا يجري بحث الملازمة في مدركات العقل التي هي من قبيل معلولات الأحكام الشرعية، فإن حُسن الطاعة وقُبح المعصية وكذلك حُسن الانقياد وقُبح التجري هذا الحكم العقلي فرع ثبوت الحكم الشرعي المولوي وبالتالي قاعدة الملازمة تكون أجنبية، إذاً لا دليل على أن حكم العقل بقُبح التجري الذي سلم به السيد الخوئي في الدعوى الأولى يستلزم الحرمة الشرعية، ثم يترقى السيد الخوئي ـ ونِعْمَ ما ترقى ـ قال لنا دعوى أخرى نحن لا ننكر الملازمة ونقول أنها أجنبية بل ندعي عدم إمكان جعل حكم شرعي مولوي في المقام يعني لا يمكن جعل حكم شرعي مولوي بحرمة التجري ولا يمكن جعل حكم شرعي مولوي بحُسن الانقياد أو وجوب الانقياد، لماذا؟ يذكر أمرين:

يقول لو كان حكم العقل بحُسن الانقياد وقُبح التجري وهكذا حكم العقل بحُسن الطاعة وقُبح المعصية لو كان حكم العقل يكفي في اتمام الحجة على العبد إذاً لا حاجة لجعل حكم شرعي مولوي لأنه يكفي حكم العقل، تلزم اللغوية، إذا كان الحكم العقلي بحسن الطاعة والانقياد بحرمة المعصية أو التجري لو كان هذا الحكم العقلي تاماً وكافياً في اقامة الحجة على العبد واتمام الحجة على العبد يعني في بحث العبد نحو العمل وفي زجره عن العمل، في هذه الحالة لا حاجة الى جعل حكم شرعي مولوي آخر، وإن لم يكن الحكم العقلي كافياً في اتمام الحجة على العبد فلا حاجة أيضاً الى حكم شرعي آخر لأن الحكم العقلي غير تام بالنسبة الى هذا العبد، فيكون جعل الحكم الشرعي المولوي لغواً ويستحيل صدور اللغو من الحكيم جلَّ وعلا، لذلك الأحكام الشرعية نحملها على الارشاد، ارشاد الى حكم العقل بحُسن الطاعة أو الانقياد وكذلك ارشاد الى حكم العقل بقُبح المعصية أو التجري، هذا تمام الكلام في الدليل الأول.

خلاصة الأمر الأول لو كان الحكم العقلي بحُسن الانقياد أو قُبح التجري يكفي في اتمام الحجة على العبد لما كانت هناك حاجة لإثبات الحكم الشرعي المولوي فيكون اثباته لغواً وإن كان الحكم العقلي غير كافي في اتمام الحجة فجعل حكم آخر لا فائدة في ذلك لأن الحجة غير تامة هذا الدليل الأول.

الدليل الثاني: يقول السيد الخوئي أبسط لكنه أدق ـ دقيق ـ ولكن إذا تتوجه له يكون أقوى من هذا الدليل الذي ذكرناه، دليل على عدم امكان جعل الحكم الشرعي المولوي بالنسبة الى حرمة التجري ووجوب الانقياد، طبعاً قبل ذلك يأتي بمنبه يشير الى أن القُبح الذي يدعى ثبوته للتجري هذا القُبح ليس مختصاً بالتجري بل هذا القُبح كما يشمل التجري أيضاً يشمل المعصية كما أن الحُسن كما يشمل الطاعة يشمل أيضاً الانقياد، لماذا؟ يقول حكم العقل بحرمة التجري يعني بحرمة مخالفة القطع المخالف للواقع ملاكه واحد هو هتك حرمة المولى هتك الحرمة كما يصدق على مخالفة القطع المخالف للواقع يصدق أيضاً على مخالفة القطع المطابق للواقع، وهكذا بالنسبة الى الوجوب والانقياد يعني الطاعة والانقياد ملاكه واحد على الثواب هو ماذا الامتثال الانقياد هذا الامتثال والانقياد كما هو موجود بالنسبة الى الطاعة أيضاً موجود بالنسبة الى الانقياد لأن الملاك واحد وهو الحفاظ على هيبة المولى، التمسك بمولوية المولى.

الدليل الثاني على أنه العقل إذا حكم بقُبح التجري هنا يستحيل جعل التحريم المولوي الدليل الأول ذكرنا، الدليل الثاني جداً لطيف.

يشترط في صحة التكليف الالتفات، وفي موارد التجري بمجرد الالتفات ينتفي الموضوع، حال التجري حال النسيان، يقولون يستحيل تكليف الناسي يستحيل توجيه الخطاب الى الناسي لأن الناسي إذا وجّه اليه خطاب على أنه ناسي والتفت ارتفع نسيانه، فلو قال المولى: أيها الناسي يجب عليك إذا نسيت كذا إذا هو التفت أنه ناسي إذاً ما يجب عليه كذا لأن الموضوع قد ارتفع، كذلك بالنسبة الى التجري إذا قلت للمتجري هكذا: يا من تجريت إذا قطعت بقطع وكان قطعك مخالفاً للواقع إذا التفت أن هذا القطع مخالف للواقع إذاً انتفى في هذه الحالة التجري.

إذاً يشترط في صحة التكليف والالتفات وبالتالي في عالم الامتثال يقولون هكذا من مبادئ قدرة المكلف على التكليف ومن مبادئ قدرة المكلف على امتثال التكليف هو الالتفات الى الموضوع، كيف يمتثل المكلف وكيف يكون امتثال المكلف لفعل صحيحاً إذا لم يكن ملتفتاً الى الموضوع، والالتفات الى هذا العنوان قطعاً مخالف للواقع مساوق لزواله مثل الالتفات الى النسيان وبالتالي كما لا يمكن توجيه التكليف الى الناسي بعنوان الناسي إذ الالتفات شرط للتكليف ومع الالتفات الى كونه ناسياً ينقلب النسيان الى ذكر يصير ذاكر وليس ناسي وينتفي الموضوع كذلك لا يمكن تكليف القاطع بعنوان مخالفة قطعه للواقع مع عدم الالتفات لا يصح التكليف ومع الالتفات الى مخالفة قطعه للواقع يزول القطع إذا التفت أنه قطعك يا فلان مخالف للواقع فإذا التفت الى أنه قطعه مخالف للواقع صار هذا ليس قطع صار وهم لماذا أصبح وهم؟ بعد ينتفي عنوان التجري لأن عنوان التجري هو الانقياد إذا قطع بحرمة شيء وكان قطعه مخالفاً للواقع واقتحمه، ما هو الانقياد إذا قطع بحرمة شيء أو وجوب شيء وامتثله وانكشف خلاف الواقع فإذا قلت له هذا القطع مخالف للواقع يعني القطع ليس بقطع هذا وهم وهذا نسيان.

النقطة الأولى السيد الخوئي يقول بحث الملازمة يجري في مدركات العقل التي هي في مرتبة معلولات الحكم الشرعي لا يجري فيه وإنما يجري في حكم العقل ومدرك العقل الذي هو في مرتبة سلسلة علل الأحكام الشرعية هذا النقطة الأولى.

النقطة الثانية قال بالنسبة الى مورد بحثنا قُبح التجري وحُسن الانقياد هذا من مدركات معلولات الحكم الشرعي يقول نحن لا نقول إن قاعدة الملازمة لا تجري فقط بل يستحيل جعل الحكم المولوي، لأن أولاً جعل الحكم المولوي لغو هذا الدليل الأول الدليل الثاني جعل الحكم المولوي معنا انتفاء الموضوع لأن من شروط امتثال المكلف للتكليف الالتفات الى الموضوع فإذا التفت المكلف الى أن قطعه مخالف للواقع زال هذا القطع كتكليف الناسي فإذا التفت الى أنه ناسي زال النسيان وجاء الذكر.

السيد ذكر دعوى أنه إذا كان إدراك العقل إذا كان المدرك العقلي في مرتبة معلولات الحكم الشرعي لا تصح الملازمة، لماذا؟ ذكرت دليل الآن يذكر الدليل وهذا هو كلام المجدد الشيرازي وهو لزوم التسلسل كلام المجدد الشيرازي موجود في الحلقة الثانية للشهيد الصدر، وفي الحاشية حاشية السيد علي أكبر الحائري على الحلقة الثانية في بحث الملازمات العقلية يذكر مبحث الرأي المجدد الشيرازي "رضوان الله عليه".

يلزم التسلسل، كيف يلزم التسلسل؟ المقدمات التي توجب التسلسل ما هو بحثنا؟ قُبح التجري، قُبح التجري عقلاً ماذا يستتبع؟ الحرمة شرعاً، الحرمة شرعاً ماذا تستتبع؟ حُسن الطاعة وقُبح المعصية، هنا أيضاً مخالفة الحكم الشرعي قَبيح هنا من قُبح مخالفة الحكم الشرعي يستلزم القُبح يعني عندنا في المرتبة الأولى هكذا: التجري قَبيح عقلاً، المقدمة الثانية القُبح العقلي يستلزم الحرمة الشرعية، عصيان هذه الحرمة قَبيح عقلاً هذا القُبح العقلي يستلزم الحرمة الشرعية، الحرمة الشرعية مخالفتها قَبيح هذا القُبح العقلي يستلزم الحرمة الشرعية، الحرمة الشرعية للتجري مخالفتها قَبيح عقلاً، القُبح العقلي للتجري يستلزم الحرمة الشرعية، فيلزم الدور أو التسلسل الى ما لا نهاية، لذلك يقولون: المدرك العقلي الذي هو في سلسلة معلولات الأحكام الشرعية لا تجري فيه الملازمات العقلية، لماذا؟ الدور أو التسلسل.

خلاصة التسلسل هو هذا: التجري قَبيح عقلاً القُبح العقلي للتجري يستلزم الحرمة الشرعية مخالفة هذه الحرمة الشرعية قَبيح عقلاً القُبح العقلي للتجري يستلزم الحرمة الشرعية الحرمة الشرعية مخالفتها قَبيح عقلاً والقُبح العقلي يستلزم الحرمة الشرعية وهكذا.

النتيجة ـ الخلاصة ـ خلاصة هذه القضية الثانية التي هي بمثابة الكبرى للوجه الثالث ـ حكم العقل بقُبح المعصية وقُبح التجري وكذلك حكم العقل بحُسن الطاعة وحُسن الانقياد لا يستلزم حكماً شرعياً مولوياً لدليلين، الدليل الأول لزوم اللغوية والدليل الثاني انتفاء الموضوع بمجرد الالتفات، بل لا يمكن جعل الحكم الشرعي المولوي، لذلك حمل الأوامر الدالة على وجوب الطاعة والنواهي الشرعية الدالة على حرمة المعصية حملوها على الارشاد قالوا هذه أوامر ونواهي ارشادية وليست أوامر ونواهي مولوية، هذا تمام الكلام في المقام الأول ومنه يعرف الكلام في المقام الثاني، الى هنا في المقام الأول الى أين وصل السيد الخوئي، وصل الى أنه الفعل المتجرى ليس قبيحاً شرعاً صحيح هو قبيح عقلاً لكن ليس قبيح شرعاً وليس حرام شرعاً قال لا يعقل جعل الحرمة الشرعية الآن في المقام الثاني يبحث هذه النقطة.

الفعل المتجرى لو كان من ناحية أولية مباح، لأنه لا يعقل جعل الحرمة شرعاً فمن ناحية شرعية هو مباح وليس بحرام، هل يُعقل جعل الحرمة له بملاك ثانوي؟ وهو هتك حرمة المولى والتمرد على مولوية المولى، إذاً المقام الثاني يبحث السيد الخوئي هذه النقطة، هل التجري يوجب استحقاق العقاب لكن من جهة كونه جرأة على المولى وهتكاً لحرمته مع بقاء الفعل المتجري على ما هو عليه من الاباحة وغير ذلك، يعني يبقى الفعل بما هو هو محبوباً أو مبغوضاً على ما هو عليه لكن يصبح حراماً من جهة ثانوية، إذاً في المقام الثاني نبحث الحكم الثانوي مع غمض النظر عن الحكم الأولي فالحكم المتجرى به يبقى على ما هو عليه سابقاً من المحبوبية أو المبغوضية لأن القبح العقلي للتجري لا يستلزم الحرمة الشرعية، ولكن هل يثبت استحقاق العقاب من ناحية ثانوية وهي هتك حرمة المولى والجرأة عليه، السيد الخوئي "رحمه الله" يقول: اتضح مما ذكرنا أن القُبح العقلي وإن لم يكن مستتبعاً للحكم الشرعي لكنه يستلزم حكم العقل باستحقاق العقاب على نفس التجري بمعنى أن العقل يدرك كون المتجري مستحقاً للعقاب، لماذا؟ للتعدي على المولى وهتكه وخروجه باسم العبودية وهذا شيء مشترك بين التجري وبين المعصية، كما أن المنقاد يستحق الثواب لرعايته لمولوية المولى وإن كان ما قطع به مخالف للواقع.

يقول لا فرق بين المعصية والتجري من ناحية هتك حرمة المولى فيستحق العقاب، ولا فرق بين الطاعة والانقياد من ناحية رعاية شأن المولى.

صاحب الفصول "رضوان الله عليه" جاء بأمثلة لبيان أن هناك فارق بين التجري وبين المعصية، يقول مثلاً لو شخص أراد أن يقتل ابن المولى، قتله، انكشف أنه ليس ابن المولى وإنما شخص أجنبي هنا المولى يتعامل معه كما لو كان فعلاً قتل ابنه يقول فرق بينما إذا قطع أن هذا ابن المولى وقتله وانكشف في الواقع أن ابن المولى بعد المولى يقتله في هذه الحالة، بخلاف ما إذا قتل شخصاً وقد قطع أنه ابن المولى وانكشف أنه ليس ابناً للمولى السيد الخوئي يقول هذا بلحاظ تشفي المولى بلحاظ تشفي الأب يصير فارق بين إذا قتل ولده ولم يقتل ولده ولكن الملاك فيهما واحد من ناحية هتك الحرمة ومن ناحية الانقياد الملاك واحد.

خلاصة السيد الخوئي أولاً قبح التجري ثانياً استحقاق العقاب على التجري ثالثاً ثبوت الحرمة شرعاً، السيد الخوئي في النقطة الأولى قبح التجري يقول لا شك ولا ريب أن التجري قبيح، النقطة الثانية والثالثة استحقاق العقاب على نفس التجري وثبوت الحرمة الشرعية لنفس التجري يقول هذا غير ثابت، أصلاً لا يعقل جعل حرمة مولوية ثم يأتي بأمر آخر يقول هذا بالنسبة الى الأمر الأولي يعني من ناحية أولية المتجري لا يستحق العقاب على ذات الفعل المتجرى به، ولا تثبت الحرمة الشرعية على ارتكاب ذات الفعل المتجرى به لعدم امكان جعل الحرمة الشرعية جعل المولوية ولكنه يستحق العقاب من جهة ثانوية من جهة تمرده على مولوية المولى وهذا عين كلام المحقق العراقي "رضوان الله عليه" في نهاية الأفكار[3]

المحقق العراقي يرى أن العقاب إنما هو على هتك حرمة المولى وليس على ذات الفعل المتجرى به، والصحيح ما ذهب اليه إمام الأمة السيد روح الله الموسوي الخميني وقبل أن نقرأ كلمات السيد الإمام "رضوان الله عليه" نوضح الأمر لأنه وجداني والوجدان لا يحتاج الى برهان، الآن كوجدان نترك نحن عبائر الأصوليين وتدقيقات المنطقيين والفلاسفة نرجع الى وجداننا العرفي.

إذا مكلف قطع بحرمة الخمر وقطع أن هذا خمر وشربه فانكشف أنه خل وليس بخمر انكشف أنه ماء هناتوجد عندنا ثلاثة أمور:

أولاً هل هذا الارتكاب قبيح أو لا؟ الجواب نعم قبيح بلا شك أنه قبيح.

ثانياً هل يستحق العقاب على ذات الفعل المتجرى به وهل تثبت الحرمة على ذات التجري أو لا؟

والثالث هل تثبت الحرمة على عنوان التمرد على مولوية المولى وهتك حرمة المولى أو لا؟ ولكي نجيب على هذين الأمرين لابد أن نفرّق بين مقامين:

المقام الأول المدح والثناء ولزوم الثواب، الذم والعتاب ولزوم العقاب.

العرف بالنسبة الى التجري يرونه قبيح، وبالنسبة الى الانقياد يرونه حسن هذا أولاً، ثانياً يرون حُسن مدح المنقاد وحُسن الثناء على المنقاد ويرون لوم المتجري وذم المتجري هذا أيضاً واضح، إنما الكلام في الأمر الثالث، هل يرى العرف لزوم عقاب المتجري وهل يرى العرف لزوم ثواب المنقاد؟ لا هذا أول كلام، العرف بوجدانه الخاص لا يرى لزوم الثواب لا على الفعل المنقاد ولا على رعاية المولى، العرف يرى حُسن الثواب ولا يرى لزوم الثواب، وهكذا بالنسبة الى التجري العرف لا يرى لزوم العقاب وإنما يرى رجحان العقاب أما يلزم العقاب هذا أول الكلام، العرف لا يرى لزوم العقاب لا على ذات الفعل المتجرى ولا على هتك حرمة المولى، من قال أنه دائماً تحصل هتك، والسيد الإمام يذكر منبه وجداني شرعي يقول: العرف يرى حرمة اقتحام الحرام ولا يرى حرمة اقتحام مقدمات الحرام، مع أنه قبيح اقتحام مقدمات الحرام لكن ما تثبت الحرمة، إذاً فرق كبير بين ثبوت القبح للتجري وبين ثبوت الذم واللوم للمتجري وبين استحقاق العقاب، من قال يستحق يعني يلزم عقابه هذا أول الكلام لذلك نذهب الى أن المتجري لا يستحق العقاب كما أن المنقاد لا يستحق الثواب نعم المنقاد يرجح ثوابه والمتجري يرجح عقابه ولكن لا يلزم اللزوم هذا يحتاج الى دليل.

السيد الإمام في تهذيب الأصول[4] الجهة الثانية في استحقاق المتجري العقوبة وعدمه يقول: ولا يخفى أن مجرد قبحه عقلا لا يستتبع الحرمة إذا لا ملازمة بين قبح شيء واستلزامه العقوبة فإن ترجيح المرجوح قبيح ولا يوجب العقاب وكذا كثيرٌ من القبائح العقلية أو العقلائية إذا لم يرد فيها نهي أو لم ينطبق عليها عناوين محرمة أو لم يدرك العقل صحة عقوبة مخالفته، فإن قلت يمكن ادعاء الملازمة بين القبح والعقاب فيما إذا ارتكب قبيحاً يرجع الى دائرة المولوية والعبودية ولا شك في أن ارتكاب ما لا يجوز ارتكابه العقل في تلك الدائرة فيما لا يجوّز ارتكابه العقل في تلك الدائرة ويعد تركه من شؤون العبودية يستلزم العقوبة.

قلت غاية الأمر كون ذلك موجباً للوم والكشف عن سوء السريرة وأما العقاب فلا وبهذا لم يحكم العقلاء بصحة العقاب على مقدمات الحرام زائداً على نفس الحرام، ولا على الحرام مرتين تارة للتجري وأخرى للمخالفة كما يأتي الكلام فيه.

أيضاً في صفحة 306 يقول: نعم لو قلنا بسراية القبح الى العمل الخارجي الكاشف عن وجود هذه المبادئ في النفس فلا بأس بالقول باجتماع الحكمين لأجل اختلاف العناوين ولا يصير المقام من باب اجتماع الضدين فإن امتناع اجتماع الضدين يرتفع باختلاف المورد وقد وافاك بما لا نزيد عليه بأن مصب الأحكام وموضوعاتها إنما هو العناوين والحيثيات، فلا إشكال لو قلنا بإباحة هذا الفعل أعني شرب الماء بما أنه شرب وحرمته من أجل الهتك والتجري والطغيان في النهاية يتفق كلامه مع الكلام السيد الخوئي "رضوان الله عليه".

هذا تمام الكلام في بحث التجري يبقى الكلام في تنبيهات التجري، التنبيهات التنبيه الأول يأتي عليه الكلام.


[1] الجزء السابع عشر صفحة 262 أبواب صفات القاضي الباب السادس الحديث 25، .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo