< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الأصول

39/03/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:لحالات المكلف، لا التقسيم الثنائي للآخوند

الأمر الثالث ذكر شيخنا الأنصاري "قدس سره" أن المكلف إذا التفت الى حكم شرعي فإما أن يحصل له القطع به أو الظن أو الشك، هذه العبارة من الشيخ الأعظم الأنصاري تتضمن خمس نقاط وقع الخلاف فيها، قد بحثنا أكثرها في الدرسين السابقين وفي هذا الدرس نتطرق الى الأمر الخامس والأخير فيها وهو تقسيم حالات المكلف، فهل الحالات ثلاث كما عليه الشيخ الأنصاري القطع أو الظن أو الشك، أو الصحيح هو التقسيم الثنائي كما عليه صاحب الكفاية بأن نقول المكلف إما أن يقطع وإما لا وإذا لم يقطع إما أن يحصل ظن معتبر كما لو قلنا بحجية الظنون الانسدادية أو لا فإن قام الظن المعتبر هذه مباحث الأمارات وإن لم يكن الظن المعتبر فهذه مباحث في الأصول العملية التي موضوعها الشك.

سيتضح إن شاء الله من خلال البحث، أذكر النتيجة ونركز عليها في الختام، أن الصحيح وفاقاً للمحقق الخوئي "رحمه الله" في الأمور الخمسة هو ما يلي:

أولاً: إن المراد بالمكلف هو مطلق المكلف سواءً كان مجتهداً أو كان عامياً خلافاً للمحقق النائيني "رضوان الله عليه".

الأمر الثاني: إن المراد بالإلتفات هو مطلق الإلتفات سواء كان التفاتاً تفصيلياً كما عليه المحقق النائيني أو كان التفاتاً إجمالياً، فالمراد بالإلتفات مطلق التوجه في مقابل الغفلة وهذا يشمل الإلتفات التفصيلي والإلتفات الإجمالي.

ثالثاً: المراد بالحكم الشرعي هو خصوص الحكم الواقعي دون الحكم الظاهري خلافاً لصاحب الكفاية "رضوان الله عليه" الذي ذهب الى الإطلاق، قال إن المراد بالحكم مطلق الحكم سواء كان واقعياً أو ظاهرياً خلافاً لظاهر إطلاق الشيخ الأعظم الأنصاري، يستفاد من إطلاق كلام الشيخ الأنصاري خصوص الحكم الواقعي دون الحكم الظاهري.

الأمر الرابع: إن المراد بالحكم مطلق الحكم سواء كان فعلياً أو إنشائياً خلافاً للمحقق صاحب الكفاية الآخوند الخراساني الذي خص الحكم بخصوص الحكم الفعلي دون الحكم الإنشائي.

الأمر الخامس والأخير: الصحيح هو التقسيم الثلاثي للمكلف يعني حالات المكلف القطع أو الظن أو الشك خلافاً للمحقق صاحب الكفاية الذي ذهب الى التقسيم الثنائي المكلف إما أن يقع أو لا هذه النقاط الخمس التي وقع الخلاف فيها كلها موجودة في كلمات الشيخ الأعظم الأنصاري [1] هذا المقطع الذي هو سطر ونصف ذكر السيد الخوئي، قال إن المكلف، إذاً ما المراد بالمكلف هل هو خصوص المجتهد كما عليه الميرزا النائيني أو مطلق المكلف عبارة الشيخ الأنصاري مطلقة تشمل المجتهد وغير المجتهد، إذا التفت ما المراد بالالتفات، كلام الشيخ مطلق في مقابل خصوص الإلتفات التفصيلي الذي ذهب إليه الميرزا النائيني.

النقطة الأولى والثانية أخذناهما فيما سبق مطلق المكلف وأخذنا مطلق الإلتفات الى حكم شرعي إذاً ما المراد بالحكم الشرعي هل المراد الحكم الشرعي الفعلي كما عليه صاحب الكفاية أو مطلق الحكم الشرعي كما هو ظاهر عبارة الشيخ الأنصاري يستفاد منها الإطلاق، هذا الحكم الشرعي هل المراد به خصوص الحكم الواقعي أو مطلق الحكم سواء كان حكماً واقعياً أو ظاهرياً عبارة الشيخ الأنصاري تنسجم مع الحكم الواقعي لأن التقسيمات الثلاث القطع والظن والشك تنسجم مع الحكم الواقعي لا الحكم الظاهري لماذا؟ لأن الحكم الذي يقبل التنجيز هو خصوص الحكم الواقعي دون الحكم الظاهري وثانياً لأن الحكم الظاهري في طول الحكم الواقعي فالحكم الظاهري ليس إلا هو كاشف وطريق الى الحكم الواقعي ومن عبارة الشيخ إن المكلف إذا التفت الى حكم شرعي يعني المكلف ينظر الى الحكم الواقعي ولا ينظر الى الكاشف عن الحكم الواقعي وإذا أردتم تفصيل هاتين النقطتين يمكن مراجعة كتاب المباحث الأصولية للشيخ محمد إسحاق الفياض[2] ، ذكرها هناك باختصار وقبلها بالتفصيل.

الخامس وهو لب بحثنا فإما أن يحصل له القطع به أو الظن أو الشك، أكثر العلماء وافقوا الشيخ الأعظم الأنصاري "رضوان الله عليه" في التقسيم الثلاثي وخالفوا المحقق الشيخ محمد كاظم الآخوند الخراساني في التقسيم الثنائي، ولب الفكرة أمر استظهاري واضح، وهو أن الشيخ الأعظم الأنصاري كان بصدد بيان حالات المكلف قبل الحكم ولم يكن بصدد بيان حالات المكلف بعد الحكم، يعني المكلف بشكل أولي قبل أن يلتفت الى الأحكام المترتبة على الشيء ما هي حالاته؟ المكلف إذا نظر الى مسألة الى موضوع وقبل أن يطّلع على تفاصيل الحكم المترتب على هذا الموضوع ما هي حالاته؟ إما أن يكون قاطعاً بالحكم وإما أن يكون ظاناً بالحكم وإما أن يكون شاكاً في الحكم، إذاً الشيخ الأعظم الأنصاري "أعلى الله مقامه الشريف" كان في مقام بيان حالات المكلف قبل أن يطّلع على الحكم التفصيلي وبعبارة أخرى فهرسة إجمالية قبل الدخول في تفاصيل البحث والفهرسة الإجمالية قبل الولوج في البحث تختلف عن الفهرسة التفصيلية بعد خوض غمار البحث التفصيلي.

والى هذه النكتة أشار أكثر الأعلام كالسيد الخوئي "رحمه الله"[3] والشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر [4] وهكذا السيد الإمام الخميني "رضوان الله عليه"[5] ، وأيضاً في تقريره الآخر[6] ، للنگرودي هذا بالنسبة لأعلام العصر وهكذا لعل أول من أشار الى ذلك الميرزا النائيني "رحمه الله"، [7] وهكذا ناقش المحقق الأصفهاني والعراقي صاحب الكفاية وانتصروا للشيخ الأعظم الأنصاري في التقسيم الثلاثي فيمكن مراجعة كتاب نهاية الدراية في شرح الكفاية للمحقق الشيخ محمد الأصفهاني[8] ، وهكذا يمكن مراجعة كتاب نهاية الأفكار للمحقق العراقي[9] ، وأيضاً هذا هو رأي الشيخ الوحيد الخراساني "حفظه الله" في دورتيه فيمكن مراجعة تحقيق الأصول للسيد علي الميلاني[10] والمحقق الأصفهاني "رحمه الله" بعد أن انتصر للشيخ الأعظم الأنصاري في التقسيم الثلاثي ذكر تقسيماً ثلاثياً آخر غير الشيخ الأعظم ومرده الى التقسيم الرباعي والسيد محمد الروحاني[11] ، تطرق الى التقسيمات المختلفة، تقسيم الشيخ الأنصاري تقسيم صاحب الكفاية تقسيم الذي ذكره المحقق الأصفهاني وقال كلها مخدوش ولعل أسلمها تعريف المحقق الأصفهاني ثم قالوا الأمر سهل لأن هذا بحث لفظي وهكذا السيد الصدر "رحمه الله" في الجزء الرابع من بحوث في علم الأصول تقرير السيد محمود[12] قال إذاً هو الأمر سهل لأنه أمر لفظي لذلك لا داعي لإطالة البحث في ذلك الحق والانصاف إنما أفاده المحقق الخوئي رحمه الله[13] ، أو جزء 47 من دورات السيد الخوئي[14] ، متين جداً.

الآن نقرر كلام السيد الخوئي "رحمه الله"، السيد الخوئي يقول إن الشيخ الأنصاري ذكر أن حالات المكلف ثلاث الأولى القطع بالحكم، الثانية الظن بالحكم، الثالثة الشك في الحكم وكان نظر الشيخ الأنصاري الى خصوص الحكم الواقعي دون الحكم الظاهري لأن المكلف ينظر الى الحكم لا الى الطريق الكاشف عن الحكم والحكم الظاهري طريق كاشف عن الحكم والأمر الآخر المكلف يبحث عن الحجية يعني المنجزية والمعذرية والمنجزية والمعذرية إنما تثبت لخصوص الحكم الواقعي دون الحكم الظاهري.

صاحب الكفاية "رحمه الله" في كفاية الأصول[15] ، عمّا ذكره الشيخ الأنصاري وملخّص ما ذكره يتلخّص في أمور ثلاثة:

الأمر الأول يقول صاحب الكفاية لابد أن يكون المراد من الحكم هو الأعم من الحكم الواقعي والحكم الظاهري، ما هو وجه ذلك؟ قال القطع لا يتعلق بخصوص الحكم الواقعي فقط، بل القطع كما يتعلق بالحكم الواقعي أيضاً يتعلق بالحكم الظاهري وبناءً على ذلك لابد أن يكون التقسيم ثنائياً بأن نقول المكلف إذا التفت الى حكم واقعي أو ظاهري فإما أن يحصل له القطع أو لا يحصل له القطع.

الحالة الثانية إذا لم يحصل له القطع هنا إما أن ينتهي الى ما يستقل به عقله من الظنون ولا أقل نلتزم بحجية الظن الانسدادي يعني إذا انسد باب العلم وباب العلم وبالتالي لم يمكن تحصيل القطع ولم يمكن تحصيل الظن الذي قام عليه دليل قطعي ودليل علمي فنتنزل الى حجية مطلق الظن لانسداد باب العلم أو العلم فيحكم العقل بحجية مطلق الظن لذلك إما أن يقطع المكلف أو لا يقطع إذا لم يقطع فإما أن نقول بحجية الظن الانسدادي بناءً على الحكومة أو لا، إن قلنا بحجية الظن بناءً على الانسداد وحجية مطلق الظن صار من الظنون والأمارات المعتبرة، وإن لم يقم الظن كأن حصل الشك أو قام الظن لكنه لم يثبت لدينا دليل للانسداد يعني مقدمات الانسداد التي قررها المحقق صاحب القوانين الميرزا القمي لم تتم ذكرها الشيخ الأنصاري[16] إذا لم تتم فيحصل عندنا شك إذا حصل عندنا شك نرجع الى الأصول العملية الشرعية وإن لم يوجد أصل عملي شرعي يعني لا توجد عندنا برائة شرعية لا يوجد عندنا احتياط شرعي لا يوجد عندنا تخيير شرعي لا يوجد عندنا استصحاب، هذه أصول عملية شرعية، نرجع الى الأصول العملية العقلية وهي إما البرائة العقلية عند المشهور قبح العقاب بلا بيان أو نسلك حق الطاعة للشهيد الصدر "رضوان الله عليه" يعني أصالة الحضر المذكورة في كلمات الشيخ الطوسي في العدة.

الخلاصة صاحب الكفاية يقول المكلف إما أن يقطع بالحكم أو لا وإذا لم يقطع إما أن يقوم عنده ظن انسدادي أو لا، إن قام عنده ظن انسدادي فهذا حجية الظنون إن لم يقم عنده ظن انسدادي هذا شك يكون مجرى بالأصول العملية الشرعية إن لم تثبت الأصول العملية العقلية التقسيم ثنائي يعني تدخل الظنون التي ذكرها الشيخ الأنصاري ظن عدم القطع في القسم الثاني هذا الأمر الأول.

الأمر الثاني صاحب الكفاية يقول لابد من تخصيص الحكم بالحكم الفعلي دون الحكم الانشائي لاختصاص أحكام القطع بما إذا تعلق بالحكم الفعلي لأنه لا يترتب أثر على الحكم الانشائي الآثار من منجزية ومعذرية إنما تترتب على خصوص الحكم الفعلي دون الحكم الانشائي.

الأمر الثالث لابد من تبديل الظن بالطريق المعتبر حتى لا يحصل تداخل للأقسام، شيخ الأنصاري ذكر أقسام ثلاثة القطع، الظن، الشك هذا الظن يتداخل مع الشك لماذا؟ لأن هذا الظن إما أن يكون أمارة معتبرة أو لا يكون أمارة معتبرة، الأمارة المعتبرة قد لا توجب الظن الشخصي قد توجب الشك الشخصي لكن قام على حجيتها دليل شرعي، فالأمارة المعتبرة قد لا توجب الظن الشخصي وإن أوجبت الظن النوعي ولكن قام على اعتبارها دليل شرعي فتصبح حجة وبالتالي الأمارة المعتبرة إذا لم تفد الظن الشخصي ولا يعتبر أيضاً في حجيتها الظن الشخصي المعتبر الدليل هذه الأمارة المعتبرة تصير قسم الى الشك على كلام الشيخ الأنصاري والحال إنها داخلة ضمن الشك لأن المكلف بلحاظه الشخصي هو شاك وليس ظان، فصارت الأمارة المعتبرة داخلة في القسم الثالث والحال أن الأمارة من الواضح أنها في القسم الثاني.

إذاً وهكذا أيضاً قد يوجد عندنا ظن لكن هذا الظن غير معتبر، يعني هذه الحالة من حالات تحقق الظن الشخصي للمكلف ولكن لم يقم على حجية هذا الظن الشخصي دليل معتبر، كما لو لم نلتزم بحجية مطلق الظن الانسدادي، في هذه الحالة المفروض هذا الظن يلحق بالقسم الثالث، يلحق بالشك.

لاحظ من خلال كلام صاحب الكفاية هنا يتضح أنه ناظر الى الحالات بلحاظ حكمها يعني الظن بلحاظ حكمه قام عليه دليل فهو أمارة معتبر ما قام عليه دليل هذا شك يرجع الى الأصول العملية والحال أن الشيخ الأنصاري غير ناظر لهذه الحيثية، الشيخ الأنصاري "رحمه الله" ناظر الى حالات المكلف قبل الحكم التفصيلي، الى هنا تمت هذه الأمور الثلاثة ثم يناقش السيد الخوئي "رحمه الله" يناقش صاحب الكفاية وينتصر بالشيخ الأنصاري.

أما بالنسبة الى الأمر الأول وهو المراد بالحكم الأعم من الحكم الواقعي والحكم الظاهري طبعاً السيد الخوئي يقول الأنسب هو التقسيم الثلاثي للشيخ الأنصاري حالات المكلف إما القطع وإما الظن وإما الشك لماذا؟ لأن المكلف قبل أن يلتفت الى تفاصيل الأحكام يبحث عن المُؤَمِنْ الشرعي يعني يبحث عن المنجزية وهي دخول التكليف في عهدته أو المعذرية خروج التكليف عن عهدته، فإما أن يقطع بالمؤمن وإما أن يظن بالمؤمن عن طريق قيام الأمارة المعتبرة وإما أن يشك بالمؤمن إذا شك تجري الأصول العملية الشرعية وإن لم يوجد مورد لجريان أصل شرعي يرجع الى الأصول العملية العقلية.

إذاً التقسيم ناظر الى الإلتفات ـ التفات المكلف ـ بشكل إجمالي قبل أن يلتفت الى تفاصيل الأحكام لذلك يُعَبِر "رحمه الله"[17] ، يقول فالتقسيم ناظر الى هذه الأبحاث الثلاثة وإشارة إجمالية إليها الى المؤمن، ثم يشير الى نكتة مهمة.

يقول جَعل التقسيم ثنائي غير مناسب في نفسه، يقول لأن الحكم الظاهري مورده عدم العلم بالحكم الواقعي يعني مع وجود الحكم الواقعي لا تصل النوبة الى الحكم الظاهري فإذاً موضوع الحكم الظاهري هو عدم العلم بالحكم الواقعي والشك فيه، إذاً الحكم الظاهري بحسب طبعه في طول الحكم الواقعي فإذا كان الحكم الظاهري بحسب طبعه في طول الحكم الواقعي كيف تجعله في عرضه بحسب وضعك لهذا التقسيم الثنائي.

الإعتبار سهل المؤنة قد يكون في طوله ولكن بحسب الاعتبار الذي يخضع لاعتبار المعتبر ووضع الواضع وجهل الجاهل يجعله قسيماً له ما المانع من ذلك؟

الآن نناقش بالتفصيل في الأمر الأول وهو المراد بالحكم هو الأعم من الحكم الواقعي بالظاهري ما هو مدرك صاحب الكفاية، يقول القطع لا يختص بالحكم الواقعي القطع كما يتعلق بالحكم الواقعي أيضاً يتعلق بالحكم الظاهري هذا صحيح هذا كلام تام، القطع كما يكون متعلقه الحكم الواقعي كذلك متعلقه الحكم الظاهري، لكن هذا لا يوجب جعل التقسيم ثنائياً لماذا؟ لأن جميع الأبحاث المذكورة في الأبواب الثلاثة لا تختص بالحكم الواقعي كما تشمل الحكم الواقعي أيضاً تشمل الحكم الظاهري.

الآن عندنا كما في الواقع توجد حالات ثلاث قطع وشك وظن، كذلك الحكم الظاهري له حالات ثلاث قطع وشك وظن مثل ماذا الحكم الظاهري مثل خبر الواحد الحكم الناتج من خبر الواحد هذا واقع لو ظاهر؟ ظاهر لأن إخبار الثقة كاشف عن الحكم وليس هو الحكم إخبار الثقة كاشف عن الحكم الواقعي وليس هو الحكم الواقعي الحكم الذي أخبر به الثقة هذا حكم ظاهري هنا إما أن تقطع بالحكم الواصل من خبر الثقة كما لو احتف واحتفظ القرائن توجب الوثوق بالصدور هنا صار قطع بالحكم الظاهري قطع بخبر الثقة وإما تشك في خبر الثقة وكانت الحالة السابقة البناء على حجية خبر الثقة ثم تشك في انتفاع حجية خبر الثقة لا تنقض اليقين بالشك فتستصحب صار هذا المورد الثالث ألا وهو الشك.

وإما أن تظن بخبر الثقة كما إذا دلّ على حجية خبر الثقة ظاهر الكتاب الكريم وظاهر الكتاب يفيد الظن من الأمارة، إذاً كما أنه في الحكم الواقعي توجد حالات ثلاث قطع وشك وظن كذلك أيضاً في الحكم الظاهري توجد ثلاث حالات قطع وشك وظن، هذا تمام الكلام بالنسبة الى الأمر الأول.

الأمر الثاني صاحب الكفاية "رحمه الله" خصّ الحكم بالحكم الفعلي دون الحكم الإنشائي لماذا قال؟ لأن القطع يختص بالحكم الفعلي لأن الحكم الفعلي هو منشأ الآثار ولا يترتب الأثر على الحكم الإنشائي، السيد الخوئي يناقش ونعم المناقشة.

يقول الحكم على نحوين، إما الحكم الإنشائي إما بداعي البحث أو الزجر وإما لا يكون بداعي البحث والزجر أحياناً حكم إنشائي خطاب إنشائي يراد منه التهديد كقوله عزَّ وجل "إعملوا ما شئتم" أو يراد به إعملوا ما شئتم يعني الله عزَّ وجل يريد يعملون ما يشاؤون هذا تهديد، أو بداعي التهكم أو غير ذلك، إذاً الحكم الإنشائي على قسمين حكم إنشائي بداع البحث أو الزجر وحكم إنشائي لا بداعي البحث أو الزجر الحكم الإنشائي بداعي البحث مثل "أقيموا الصلاة" الحكم الإنشائي بداعي الزجر مثل "ولا تقربوا مال اليتيم".

السيد الخوئي "رحمه الله" يقول الحكم الإنشائي الصادر بداعي الزجر أو البحث يترتب الأثر على نفس هذا الحكم الإنشائي فضلاً عن الحكم الفعلي له، مثلاً الفقيه يفتي بوجوب الحج على المستطيع ولعله لا يوجد مستطيع في الخارج أو هو نفسه الفقيه غير مستطيع، هنا يترتب أثر على هذا الحكم الإنشائي أو لا؟ نعم صحة الفتوى ودفع المكلف نحو الحج.

إذاً الأثر يترتب على الحكم الإنشائي الصادر بداعي البحث والتحريك هذا الحكم الإنشائي يقال له حكم، بخلاف الحكم الإنشائي الصادر لا بداعي البحث أو الزجر فإنه لا يقال له حكم ولا يصير حكماً إلا إذا وصل الى مرتبة الفعلية.

إذاً صاحب الكفاية "رضوان الله عليه" حينما خصّ الحكم بخصوص الحكم الفعلي دون الإنشائي كانت حجته أن الأثر لا يترتب على الحكم الإنشائي والحال أن الأثر يترتب على الحكم الإنشائي الصادر بداعي البحث أو الزجر، إذاً كلام صاحب الكفاية خلط بين الحكم الإنشائي الصادر بداعي البحث أو الزجر أو بين الحكم الإنشائي الذي لم يصدر بداعي البحث أو الزجر، إذاً الصحيح التمسك بإطلاق صاحب الرسائل مطلقاً سواء كان إنشائياً أو فعلياً.

وظيفة المجتهد بيان الأحكام حاله حال الإمام المعصوم غاية ما في الأمر الفقيه والمعصوم يصدر الحكم على نهج القضية الحقيقية، نعم مصدر المعصوم "عليه السلام" الوحي ومصدر الفقيه هو ظاهر الكتاب والسنة.

الأمر الأخير لصاحب الكفاية هو قال لابد من تبديل الظن بالطريق المعتبر والى هذا أيضاً مال الشيخ الوحيد الخراساني في دورته الأخيرة كما ينقل السيد علي الميلاني في تحقيق الأصول الجزء الرابع هذا الأمر الأخير أنه لابد من تبديل الظن بالمعتبر حتى لا تتداخل الأقسام هذا غير تام لوجهين:

الوجه الأول مراد الشيخ الأنصاري من الظن هو المراد الأمارة المعتبرة، من أين علمنا أن مراد الشيخ الأنصاري من الظن الأمارة المعتبرة؟ نفس الشيخ الأنصاري صرّح في أول بحث البرائة من فرائد الأصول[18] ، فإذا كان مراد الشيخ الأنصاري من الظن الأمارة المعتبرة يتم كلامه ـ إذاً واضح ـ وإن لم يصرّح نجمع بين كلاميه، كلامه في بداية المباحث كان بصدد الفهارس الإجمالية لما أراد أن يفصّل في أول البحث الأمارة نص على أن المراد بالظن هو الظن المعتبر.

الأمر الثاني، ما ذكرناه وكررناه كثيراً من أن الشيخ الأنصاري "رحمه الله" بصدد التقسيم في مرتبة سابقة على الحكم باعتبار أن المكلف إذا التفت الى الحكم الشرعي إما أن يقطع وإما أن يظن وإما أن يشك وبعبارة أخرى إما أن تقوم له الحجة أو لا تقوم له الحجة، قامت له الحجة قطع لم تقم له الحجة شك وإما وسط بينهما الظن ثم في الأخير يأتي بأمر وجداني وبأمر استظهاري لطيف يقول لو قلنا الإنسان إما مسلم وإما كافر وإما ذمي هنا قد تُشكل وتقول الذمي من أصناف الكافر لأن الكافر قسمين إما حربي وإما ذمي، فالمفروض تقسم تقسيم ثنائي تقول الإنسان إما مسلم وإما كافر والكافر إما حربي وإما ذمي، هذا التقسيم الثنائي الإنسان إما مسلم وإما كافر والكافر إما حربي وإما ذمي هذا بلحاظ الحكم هذا الرتبة اللاحقة للحكم ولكن في المرتبة السابقة كفهرسة إجمالية يمكن أن تقول الإنسان إما مسلم وإما كافر وإما حربي، المسلم لا يجوز قتاله الكافر يجوز قتاله وأما الذمي إما أن يدفع الجزية ويلتزم بالعهدة فيصير حكمه حكم المسلم وإما ما يدفع ولا يلتزم بأحكام الذمة فيجوز قتاله هنا لا تقول يوجد تداخل في الأقسام صار الذمي قسم منه تحت المسلم إذا دفع الجزية وقسم منه تحت الكافر إذا لم يدفع الجزية يقول هنا الكلام من هذا القبيل تقول المكلف إذا التفت الى حكم شرعي إما أن يقطع وإما أن يظن وإما أن يشك، إذا قطع فهو حجة إذا شك فليس بحجة يرجع الى الأصول العملية الشرعية فإن لم تكن العقلية وأما الظن فإما أن يقوم عليه دليل معتبر فحكمه حكم القطع حجة وإما لا يقوم عليه دليل معتبر فحكمه حكم الشك مجرى الأصول العملية هذا تمام الكلام في الأمور الثلاثة وأكثر هذه الأمور الثلاثة هي عبارة عن مباحث لفظية أو أشبه بالفهرسة، لب البحث الحقيقي الدرس القادم الكلام في حجية القطع يأتي عليه الكلام.

 


[2] المباحث الأصولية، للشيخ محمد إسحاق الفياض، ج7، صفحة 49.
[3] مصباح الأصول في النهاية وفي الأخير.
[6] جواهر الأصول، للسید اللنگرودی، ج5، ص5.
[17] صفحة 10.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo