< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

39/06/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الشرط الخامس عشر والأخير من شروط ولي الأمر العدالة

وقبل أن نقيم الأدلة على اشتراط العدالة في ولي الأمر لا بأس بالتطرق إلى تعريف العدالة وهذا البحث عادة ما يبحث في كتاب الصلاة عندما يتطرق إلى اشتراط العدالة في إمام الجماعة وأحياناً يتطرق إلى بحث العدالة في بحث الشهادات عندما يذكر أن من شروط الشاهد أن يكون عادلاً وأحيانا يبحث في كتاب الاجتهاد والتقليد حينما يذكر إن من شرائط مرجع التقليد والمفتي العدالة، نتكلم عن تعريف العدالة بشكل مختصر ومقتضب وتفصيل ذلك في هذه الأبحاث الفقهية.

بعض الفقهاء عرف العدالة على أنها ملكة كصاحب الجواهرî وتبعه صاحب العروةî وجملة من المحققين كالسيد الإمام الخمينيJ وبعض أعاظم تلامذته كالشيخ الفاضل اللنكراني& وفي المقابل يوجد قول آخر وهو أن العدالة صفة وليست ملكة واختلف في هذه الصفة فذهب البعض كالشيخ الأعظم الأنصاري+ إلى أنها صفة نفسانية وخالفه المحقق السيد الخوئي& وذهب إلى أن هذه الصفة هي صفة عملية وليست صفة نفسانية وتبعه بعض أعاظم تلامذته كالسيد السيستاني~.

الخلاصة توجد ثلاثة أقوال في تعريف العدالة، القول الأوّل إنها ملكة، القول الثاني إنها صفة نفسانية وليست ملكة، القول الثالث إنها صفة عملية وليست نفسانية وليست ملكة، نذكر بعض هذه التعاريف بنصها ثم نشرع في إقامة الأدلة على اشتراط العدالة في ولي أمر المسلمين.

أما التعريفات التي ذكرت أن العدالة ملكة:

التعريف الأوّل للشيخ محمد حسن الجواهري النجفي+[1] ، قال وقيل العدالة عبارة عن ملكة نفسانية تبعث على ملازمة التقوى والمروءة.

التعريف الثاني للسيد محمد كاظم اليزديâ [2] : العدالة عبارة عن ملكة إتيان الواجبات وترك المحرمات وتعرف بحسن الظاهر الكاشف عنها علماً أو ظناً وتثبت بشهادة العدلين وبالشياع المفيد للعلم.

التعريف الثالث للسيد الإمام الخمينيJ، [3] العدالة عبارة عن ملكة راسخة باعثة على ملازمة التقوى من ترك المحرمات وفعل الواجبات.

التعريف الرابع للشيخ الفاضل اللنكراني [4] يقول+ بل عبارة عن ملكة إتيان الواجبات وترك خصوص الكبائر من المحرمات.

إذاً هذه التعريفات الأربع تنص على أن العدالة ملكة وقد ذهب إلى كونها ملكة الشيخ حسين المظاهري~[5] وقد فرق بين الكاشف والمنكشف فقال: إن الكاشف هو الفعل والمنكشف هو الملكة والعدالة هي عبارة عن الملكة المنكشفة وليس الفعل الحسن أو الطاعة الكاشفة عن الملكة المنكشفة وهي العدالة هذا تمام الكلام في ذكر تعريفات القول الأوّل.

وأما القول الثاني وهو إن العدالة صفة نفسانية فقد ذكرها الشيخ مرتضى الأنصاري قالî[6] : العدالة عبارة عن صفة نفسانية توجب التقوى والمروءة.

وأما القول الثالث وهو أن العدالة صفة عملية وليست صفة نفسانية فضلاً عن كونها ملكة نفسانية، فرائد هذا القول السيد أبو القاسم الخوئي& إذ قال هذا التعريف الأوّل طبعاً تبعاً لأستاذه وفقيهه الذي كثيرا ما يلحظ كلماته وهو المحقق آغا رضا محمد هادي الهمداني+ الفقيه الهمداني له هذه العبارة هذا التعريف الأوّل وقال المحقق الهمدانيî:[7] والأولى أن يقال في تعريفها إنها عبارة عن كون الرجل مبالياً بدينه بحيث يبعثه تدينه في العادة على فعل الواجبات وترك المحرمات وقد سار على هذا القول زميل السيد الخوئي وهو السيد محمد هادي الميلانيî قال:[8] بل هي عبارة عن الاعتدال والاستقامة في مقام الامتثال بإتيان الواجبات وترك المحرمات وتلازمها الملكة النفسية لا أنها هي نعم يكتفى بحسن الظاهر كما ذكره.

التعريف الثالث للسيد الخوئي+ قال [9] [10] العدالة المعتبرة في مرجع التقليد عبارة عن الاستقامة في جادة الشريعة المقدسة وعدم الانحراف عنها يميناً وشمالاً بأن لا يرتكب معصية بترك واجب أو فعل حرام من دون عذر شرعي ولا فرق في المعاصي في هذه الجهة بين الصغيرة والكبيرة وقال& [11] : فالعدالة المطلقة هي الاستقامة العملية كما يقتضيه معناها اللغوي إلى أن يقول والمتحصل إن العدالة ليست لها حقيقة شرعية وإنما استعملت في الكتاب والأخبار بمعناها اللغوي أعني الاستقامة وعدم الاعوجاج والانحراف إلى أن يقول كما ظهر أن العدالة ليست من الأوصاف النفسانية وإنما هي صفة عملية.

وقد سار على هذا التعريف تلميذه السيد علي السيستاني~ في تعليقته على العروة الوثقى هذا التعريف الرابع قال~ بل هي الاستقامة العملية في جادة الشريعة المقدسة الناشئة غالباً عن خوف راسخ في النفس وينافيها ترك واجب أو فعل حرام من دون مؤمنٍ وهذا تقريباً يقرب من تعليقة السيد الخوئي على العروة الوثقى إذ يقول بل عبارة عن الاستقامة في جادة الشرع وعدم الانحراف عنها يميناً وشمالاً وهكذا جملة تلامذة السيد الخوئي، هذا هو مفاد كلامهم من أن العدالة هي نفس الاستقامة فلنلاحظ تعليقة السيد تقي القمي& قال بل هي عبارة عن كون الشخص على الجادة المستقيمة الشرعية.

والتحقيق: في المسألة إن العدالة هي نفس الاستقامة هذه الاستقامة قد تنشأ عن ملكة وقد تنشأ عن عادة فالعدالة هي نفس الاستقامة في جادة الشريعة المقدسة وأما الملكة فهي منشأ العدالة وليست هي المنشأ الوحيد للعدالة إذاً الخلاصة العدالة هي الاستقامة في ضمن إطار الشريعة المقدسة بالإتيان بالواجبات وترك المحرمات، هذا تمام الكلام في تعريف العدالة.

ويمكن أن تقام الأدلة الأربعة على اشتراط العدالة في ولي الأمر، القرآن الكريم والسنة الشريفة والإجماع والعقل:

الدليل الأوّل القرآن الكريم ويمكن أن يستدل على اشتراط العدالة في ولي الأمر بستة آيات من كتاب الله ذكرها الشيخ المنتظري&: [12] فيظهر منه أنه يرى تمامية دلالة الآيات الست على اشتراط العدالة في ولي الأمر وقد ذكرها أيضاً الشيخ محمد المؤمنî[13] وقد استظهر تمامية أربع منها وعدم تمامية اثنتان منها في الدلالة على اشتراط العدالة في ولي الأمر وسيتضح من خلال البحث أن الصحيح تمامية دلالة ثلاث آيات منها على اشتراط العدالة في ولي الأمر وعدم تمامية ثلاث أُخر.

الآية الأولى قوله¨ ﴿وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ﴾ [14]

هذه الآية اسُتدل بها العلّامة الحليo [15] وموضع الاستدلال بهذه الآية هو الجملة الأولى حيث نهى الله¨ عن الركون إلى الذين ظلموا وصرح بأن الركون إليهم يوجب مس النار فلا محال يكون معصية كبيرة والركون إلى الشيء أن يجعل ركناً يستند إليه فجعلوا بعض الناس ولي أمر القوم لا محالة يلزم منه أن يستند إليه في جميع الأمور والمهام الهامة والخطيرة فتكون بيده وهذا يستلزم وجوب طاعته والآية الكريمة تنهى عن إطاعته إذا كان ظالماً فيكون الاستدلال بالآية الكريمة على المطلوب تاماً.

إذاً هذه الآية ليست خاصة بخصوص ولي الأمر وإنما تنهى بشكل عام عن الركون إلى أي ظالم وغير العادل ظالم لنفسه على أقل تقدير بارتكابه ما يوجب الفسق فتنهى الآية الكريمة عن إتباع الفاسق الظالم لنفسه فضلا عن الظالم لغيره فتكون النتيجة النهائية اشتراط العدالة في ولي الأمر لكي يصح إتباعه، إذاً الآية الأولى تامة الدلالة على اشتراط العدالة في ولي الأمر.

الآية الثانية قوله¨ خطاباً لرسوله الكريم﴿| إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلًا * فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا﴾[16]

التمسك بالفقرة الأخيرة من الآية الثانية فإن الله¨ قد نهى نبيه عن طاعة الآثم والكفور والنهي يدل على التحريم والآثم هو متحمل الإثم ومن يأتي به والإثم والمعصية، وقد يقال إن الراغب الأصفهاني في مفرداته قد فسر الإثم بأنه اسم للأفعال المبطئة عن الثواب فربما يتوهم عدم اختصاص الإثم بالمحرمات ولكن الصحيح إن الإثم يشمل المحرمات أيضاً فإن المحرمات توجب العقاب ومرحلة إيجاب العقاب أعلى وأرفع من مرحلة الإبطاء عن الثواب.

ويدل على أن الإثم يشمل المحرمات قوله¨ ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾[17] ، فتدل الآية بوضوح على أن الإثم مما حرمه الله والآثم هو الآتي بالإثم، إذاً الآية الكريمة تدل بوضوح على حرمة طاعة الآثم والفاسق وبالتالي إذا كان ولي الأمر آثماً أو فاسقاً لا تجب طاعته بل تحرم، إذاً يشترط في ولي الأمر أن يكون عادلاً لكي تصح طاعته، إذاً الآية الثانية تامة الدلالة على اشتراط في ولي الأمر.

الآية الثالثة قوله¨ مخاطباً نبيه| ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾[18]

إن الله¨ قد نهى النبي محمد| عن طاعة من أغفل قلبه عن ذكره واتبع هواه وهذا يشمل كل من يعصي الله¨ فكل من يعصي الله يكون قد اتبع هواه وقد غفل قلبه عن ذكر الله وكان أمره فرطا، فالمذنب لا تصح طاعته وهذا يدل على اشتراط العدالة في طاعة الشخص الذي ينبغي طاعته وبالتالي هذه الآية تامة الدلالة على اشتراط العدالة في ولي الأمر، قد يقال إن هذه الآية خاصة بالنبي| ولا تشمل غيره من البشر وهذا الإشكال كما يرد في الآية الثالثة يرد في الآية الثانية أيضاً.

والجواب إن الآية الكريمة اشتملت على حيثية تعليلية فعلِّة حرمة الطاعة هو كونه آثماً أو كفوراً في الآية الثانية وهو كونه غافل القلب عن ذكر الله ومتبعاً لهواه في الآية الثالثة وهذه العلة كما هي موجودة بالنسبة إلى النبي| كذلك هي موجودة بالنسبة لغيره من البشر، إذاً الآية الثالثة تامة الدلالة على اشتراط العدالة في ولي الأمر.

الآية الرابعة وهي الآية الأولى التي اسُتدل بها الشيخ المنتظري والشيخ المؤمن القمي وهي قوله¨ ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾[19]

وأذكر نص كلام الشيخ المؤمن القميî[20] لأنه قد ذكر تقريب الاستدلال وأما الشيخ المنتظري [21] فلم يذكر تقريب الاستدلال.

والاستدلال به بملاحظة أن الله تعالى قد جعل لإبراهيم× مرتبة الإمامة والإمامة مساوقة لولاية الأمر على الناس وهو× استدعاها لذريته فأجابه الله تعالى بأنه ﴿لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ـ يعني الإمامة ـ الظَّالِمِينَ﴾ والظلم هو عبارة أخرى عن العصيان فالآية المباركة تجعل العصيان مانعاً عن التشرف بعهد الإمامة والولاية وهو المطلوب وتمامية الاستدلال بها كما ترى متوقفة على أمرين كون الإمامة مرادفة أو مساوقة للولاية وكون الظلم بمعنى العصيان ثم ذكر آيات وروايات اسُتدل بها على كلا الأمرين:

الأمر الأوّل أن الإمامة مرادفة للولاية.

والأمر الثاني أن الظن بمعنى العصيان.

والتحقيق: إن الأمر الثاني تام فالظلم بمعنى العصيان كما يظهر من اللغة والعرف فضلاً عن الأدلة التي أقامها~ [22] ، وإنما الكلام في الأمر الأوّل وهو أن المراد بالإمامة في الآية الكريمة هو ما يرادف الولاية فهذا ليس بتام قطعاً إذ أن إبراهيم الخليل× قد تدرج في وصوله إلى الله¨، فكان عبداً ثم أصبح نبياً ثم أصبح خليلاً ثم أصبح إماماً فمرتبة الإمامة أرفع من مرتبة النبوة والخلة والعبودية ومرتبة الإمامة لم تثبت لجميع الأنبياء نعم قد ثبتت لأولي العزم من الرسل فليس كل نبي إمام وليس كل إمام نبي، لذلك تعتقد الشيعة الإمامية أن الأئمة الاثني عشر من ذرية الرسول| أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم محمد بن الحسن القائم المهدي# تعتقد الشيعة أنهم أفضل من الأنبياء عدى النبي الخاتم محمد| لأنهم لديهم مقام الإمامة ومقام الإمامة يراد به الرئاسة الإلهية فالرئاسة كما تُعَرَّفْ الإمامة في علم الكلام رئاسة في الدين والدنيا وليست خاصة بخصوص الأمور الدينية وليس المراد فيها مجرد ولاية الأمر وقيادة المجتمع ولو على أساس ديني بل مقام إلهي رفيع لا يناله إلا ذو حظ عظيم، فحتى بعض الأنبياء لم يحصلوا على درجة الإمامة وإبراهيم الخليل حينما ذاق حلاوة هذا المقام الشريف والرفيع وهو مقام الإمامة ولاحظ أنه أرفع من مقام النبوة طلب هذا المقام لذريته فأتاه ﴿الجواب لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ أي أن عهد الله¨ وهو مقام الإمامة لا يشمل من يظلم نفسه ولا يشمل الفاسق ولا يشمل غير العادل، إذاً الآية أخص من المدعى، الآية تامة الدلالة على اشتراط العدالة في الإمام ولكن ولي الأمر لا يندرج تحت عنوان الإمام الوارد في الآية الشريفة، إذاً الآية الرابعة ليست تامة الدلالة على اشتراط العدالة في ولي الأمر لأنها خاصة بخصوص مقام الإمام الرفيع الذي هو أرفع من درجة النبوة فهي أجنبية عن المدعى فأين مقام الإمامة الذي هو أرفع من مقام النبوة وأين مقام ولاية الأمر العامة الذي هو يمثل مقام النيابة عن الإمام المعصوم×، إذاً الآية الرابعة لا تدل على اشتراط العدالة في ولي أمر المسلمين.

الآية الخامسة قوله¨ ﴿إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا﴾[23]

موضع الاستدلال الآيتان الأخيرتان ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا﴾ فقد طلب الكفار المخلدون في النار من الله¨ أن يعذب سادتهم وكبرائهم لأنهم أضلوهم وأوقعوهم في الضلال بعد إن أطاعوهم ولا شك ولا ريب إنه يستفاد من هذه الآية مبغوضية فعل السادة والكبراء ويكون لازم ذلك أن رئيس القوم إذا أمر بمعصية فقد فعل حراماً فتسقط عدالته ولا تجب طاعته، إذاً يشترط في الرئيس وولي الأمر أن لا يرتكب معصية وهذا ما يدل على اشتراط العدالة في ولي الأمر.

إن هذه الآية لا تدل على اشتراط العدالة في ولي الأمر كما أفاد الشيخ المؤمن القميî([24] بحق في كتابه إذ أن مدلول الآية الكريمة يفيد أن لا يكون ولي الأمر عاملاً بالمعاصي وداعياً إلى الضلال والمدعى أوسع من ذلك إذ أن المدعى هو اشتراط العدالة فلو افترضنا أن الرئيس ليس بعادل فيما بينه وبين ربه ولكنه لا يضل الناس ولا يدعوهم إلى الضلال فهو مسلم ومذنب فيما بينه وبين ربه لكنه لا يدعو الناس إلى المعصية والضلال والفساد ولا يضلهم فلا يكون داخلاً تحت مفاد الآية الكريمة، فالآية الكريمة لا تدل على اشتراط العدالة وإنما تنهى عن إتباع المضلين الفاسدين المارقين ولا تدل على اشتراط العدالة، إذاً الآية الخامسة لا تدل على اشتراط العدالة في ولي أمر المسلمين.

الآية السادسة قوله¨ حكاية عن قول النبي صالح لقومه ﴿وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ﴾[25]

إن الآيتين وإن كانت حكاية عن قول النبي صالح× إلا أنه لا ينبغي الريب في أن مفاد الآيتين عام فالآية الكريمة قد نهت عن طاعة الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون فتدل على عدم جواز طاعة من كان فاسقاً وهذا يعني اشتراط العدالة في ولي الأمر فيتم المطلوب.

والتحقيق: أن المناقشة في هذه الآية السادسة كالمناقشة في الآية الخامسة فالآية تنهى عن طاعة المسرفين والمفسدين في الأرض والذين لا يصلحون فلو افترضنا أن مسلماً فيما بينه وبين ربه ليس بعادل لكنه يرتكب الذنوب خفية وفي الظاهر ليس من المسرفين وليس من المفسدين في الأرض بل هو من المصلحين وممن يسعى لإرساء دعائم العدالة الاجتماعية بشكل عام فمثل هذا المورد لا تنهى عنه الآية الكريمة، فالآية الكريمة لا تدل على اشتراط العدالة في ولي أمر المسلمين وإنما تنهى عن إتباع المسرفين والفاسدين الذين لا يصلحون، النتيجة النهائية الآية السادسة ليست تامة الدلالة على اشتراط العدالة في ولي أمر المسلمين.

نتيجة: الدليل الأوّل هي أن الآيات الثلاث الأول تدل على اشتراط العدالة في ولي أمر المسلمين بينما الآيات الثلاث الأخر لا تدل على اشتراط العدالة في ولي أمر المسلمين ويكفي لتمامية الدليل الأوّل دلالة آية واحدة من كتاب الله فيتم المطلوب ونكون في غناً عن بقية الأدلة لكي نثبت اشتراط العدالة في ولي الأمر.


[3] تحرير الوسيلة، مسألة 28.
[4] العروة الوثقى، مع تعليقة الشيخ فاضل اللنكراني، مسألة 23.
[5] فقه الولاية والحكومة الإسلامية، ج1، ص267.
[8] العروة الوثقى، مع تعليقة السيد محمد هادي الميلاني في حاشيته على مسألة 23، ج1، ص270.
[13] الولاية الإلهية الإسلامية، ج3، ص147.
[20] الولاية الإلهية الإسلامية، ج3، ص147، 148.
[22] الولاية الإلهية الإسلامية، ج3، ص151.
[24] الولاية الإلهية الإسلامية، ج3، ص156.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo