< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

39/06/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الرواية الثالثة من الروايات التي اسُتدل بها على اشتراط الأعلمية في ولي أمر المسلمين

فقد روى البرقي في المحاسن عن أبيه عن القاسم الجوهري عن الحسين بن علاء عن العرزمي عن أبيه رفع الحديث إلى رسول الله| قال: >من أمَّ قوماً وفيه من هو أعلم منه أو أفقه منه لم يزل أمرهم في سفال إلى يوم القيامة<([1] ).

وروى الشيخ الصدوق في عقاب الأعمال بسند معتبر إلى محمد بن خالد بنفس سند المحاسن وهو مرفوع إلى رسول الله| قال: >من أمَّ قوماً وفيهم من هو أعلم منه هو أفقه لم يزل أمرهم إلى سفال إلى يوم القيامة<([2] ).

وروى الشيخ الصدوق أيضاً في علل الشرائع بسند معتبر إلى داود بن الحصين عن سفيان الحريزي عن العرزمي عن أبيه رفعه إلى رسول الله| قال: >من أمَّ قوماً وفيهم من هو أعلم منه لم يزل أمرهم إلى سفال إلى يوم القيامة<([3] ).

فهذه الروايات الثلاث يظهر منها أنها رواية واحدة كما أن سندها ينتهي إلى العرزمي عن أبيه وهذه الرواية أيضاً رواها ابن إدريس الحلي([4] ) ونقلها الشيخ الصدوق أيضاً([5] )، كما رواه البرقي في المحاسن في عداد المرسلات كما رواها الصدوق، إذاً هذه الرواية قد تكررت في كتب الرواية إلا أن سندها ضعيف فهذه الرواية مرفوعة ولو غضضنا النظر عن كونها مرسلة أو مقطوعة السند بسبب رفعها فإننا نلحظ أن العرزمي وهو عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله الهزاري العرزمي وإن كان ثقة إلا أن أباه الذي ينقل عنه مجهول لدينا فهذه الرواية ضعيفة السند بسبب والد العرزمي من جهة وجهالة الوسائط بين والده والنبي| من جهة أخرى، إذاً هذه الرواية ضعيفة السند.

وأما من ناحية الدلالة فهذه الرواية لا تدل على المطلوب وقد رواها صاحب الوسائل وذكرها في أبواب أحكام الإمام في الصلاة الباب 26 من أبواب صلاة الجماعة ومن الواضح أنه ليس المراد بمن أمَّ قوماً في خصوص صلاة الجماعة وإنما المراد الإمامة والرئاسة العامة وهي قيادة الناس والتصدي للشأن العام ومن الملاحظ على هذه الرواية عن رسول الله| وغيرها مما ورد بهذا المضمون أنها ناظرة إلى من نازع أمير المؤمنين علي بن أبي طالبj الخلافة وسيتضح من خلال دراسة الروايات المتعددة أن المراد بالأعلم في هذه الروايات هو أمير المؤمنين× وأن المراد بمن أمَّ قوماً وفيهم من هو أعلم منه أو أفقه منه هو الأوّل والثاني والثالث وغيرهم ممن نازع أمير المؤمنين× فهذه الروايات ناظرة إلى الإمامة المعصوم فهي أجنبية عن المدعى إذ أننا نبحث ولاية الفقيه العامة في عصر الغيبة الكبرى ولا نبحث الإمامة المعصوم في عصر الحضور فمثل هذه الروايات أجنبي عن المدعى نعم إذا نظرنا إلى حاق لفظها فهي ناظرة إلى الأعلمية الفقهية إذ ورد فيها كما في المحاسن >من أمَّ قوماً وفيهم من هو أعلم منه أو أفقه منه لم يزل أمرهم في سفال إلى يوم القيامة< فالمراد بالأفقهية الأعلمية الفقهية كما أن المراد بذهاب أمر القوم إلى السفال أن المقصود الأصلي من الإمامة والولاية لا يصل إليه ولا يترتب الأثر باتخاذ غير الأعلم إماماً فلا يصل الناس إلى الهدف الأساسي من الإمامة والولاية العامة، إذاً هذه الرواية أجنبية عن المدعى ولا تدل على ما نحن فيه إذ أننا نبحث العلم الظاهري لا العلم الواقعي وظاهر الرواية هو حملها على العمل والفقه الواقعي الموجود عند الأئمة المعصومين^ ومن هنا يحمل لفظ أعلم أفقه على المعنى الوصفي لا المعنى التفضيلي فالمراد إن الإمام المعصوم هو العالم وغيره جاهل والإمام المعصوم هو الفقيه وغيره ليس بفقيه، إذاً الرواية الثالثة غير تامة سنداً ودلالة فلا تدل على اشتراط الأعلمية الفقهية في ولي أمر المسلمين في عصر الغيبة الكبرى.

الرواية الرابعة خبر الفضيل بن يسار

قد رواه النعماني في كتاب الغيبة في باب ما روي فيمن ادعى الإمامة ومن زعم أنه إمام وليس بإمام هذا عنوان الباب ومن عنوان الباب يتضح أن الرواية أجنبية عن بحثنا قال سمعت أبا عبد الله× يقول: >من خرج يدعو الناس وفيهم من هو أفضل منه ـ وفي نسخة الوسائل وفيهم من هو أعلم منه ـ فهو ضال مبتدع ومن ادعى الإمامة من الله وليس بإمام فهو كافر<([6] ).

والتحقيق: إن هذه الرواية غير تامة سنداً ودلالة أما من ناحية السند ففيه علي بن أحمد البندليجي عن عبيد الله بن موسى وقد روى عنهما النعماني في كتابه الغيبة مراراً وإذا رجعنا إلى كتاب خلاصة الأقوال للعلّامة الحلي+ والى رجال ابن داود نجد أن علي بن أحمد ضعيف متهافت وأما عبيد الله بن موسى فهو غير مذكور في الرجال فهو مجهول فسند الخبر ليس بمعتبر، هذا تمام الكلام من ناحية السند.

وأما من ناحية الدلالة فمن الواضح أن الرواية ناظرة إلى من ادعى الإمامة المعصوم وخرج على الناس مدعياً أنه الإمام والخليفة فهي أجنبية عن موطن بحثنا وهو ولي أمر المسلمين الذي يلي الشؤون العامة وتوجد قرائن تدل على أن المراد به الإمام المعصوم أو الخليفة وليس الفقيه الذي ينوب عن الإمام أو الخليفة فإذا لحظنا مفردة أن غير الأعلم فهو ضال ومبتدع وهذا لا ينطبق على غير الأعلم فخروج غير الأعلم إذا كان هناك من هو أفضل منه لا يصيره ضالاً مبتدعاً كما أن التعبير الأخير وهو قوله× ومن ادعى الإمامة من الله وليس بإمام فهو كافر يدلل على أن المراد بهذه الرواية هو من نازع الأئمة^ إمامتهم وحقهم فيحمل العلم الوارد في هذه الرواية على العلم الواقعي لا العلم الظاهري فلا تشمل ولي الأمر، إذاً الرواية الرابعة وهي خبر الفضيل بن يسار الذي رواه النعماني غير تام سنداً ودلالة فلا يدل على اشتراط الأعلمية في ولي الأمر.

الرواية الخامسة ما عن أمير المؤمنين× في نهج البلاغة

وهي >أيها الناس إن أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه وأعلمهم بأمر الله فيه ـ وفي نسخة تمام نهج البلاغة وأعلمهم به ـ فإن شغب شاغب أستعتب فإن أبا قوتل ولعمري لأن كانت الإمامة لا تنعقد حتى تحضرها عامة الناس فما إلى ذلك سبيل ولكن أهلها يحكمون على من غاب عنها ثم ليس للشاهد أن يرجع ولا للغائب أن يختار إلى أن يقول وقد فتح باب الحرب بينكم وبين أهل القبلة ولا يحمل هذا العَلَمْ إلا أهل البصر والصبر والعِلم بمواضع الحق ألا وأني حاملكم على منهج نبيكم| ومنفذ فيكم ما أُمرت به ما استقمتم لي والله المستعان<([7] ).

والتحقيق: إن هذه الرواية من ناحية السند تعد من مرسلات نهج البلاغة فهي ضعيفة السند وأما من ناحية الدلالة فمن الواضح أنها ناظرة إلى خصوص إمامة أمير المؤمنين× وإثبات أحقية هذه الخلافة والإمامة في مقابل من خرج عليه وهو طلحة والزبير وفي مقابل من لم يبايعه وهو معاوية بن أبي سفيان فقد دل ذيل الرواية على ذلك وقد ألزم أمير المؤمنين× أهل الشورى بما الزموا به أنفسهم فهو يقول >إن بيعتي قد تمت ـ والبيعة لا يمكن أن يحضرها جميع الناس ففي ذلك الزمان هذا ليس له سبيل لذلك قال ـ ولعمري لإن كانت الإمامة لا تنعقد حتى تحضرها عامة الناس ـ أي جميع الناس ـ فما إلى ذلك سبيل فهذا لا يتحقق ولكن أهلها ـ يعني أهل البلد أهل المدينة ـ يحكمون على من غاب عنها ـ يعني بيعة أهل المدينة تكون نافذة على سائر الأنصار ـ ثم ليس للشاهد أن يرجع ـ أي أن من شهد البيعة وهما طلحة والزبير ليس له أن ينكث البيعة وأن يرجع عنها ـ ولا للغائب أن يختار ـ وليس لمعاوية الذي غاب عن بيعة أمير المؤمنين في المدينة أن يختار ويقول أنا لا أبايع لأنني لم أكن بالمدينة ـ ثم يقول وقد فتح باب الحرب بينكم وبين أهل القبلة ـ يعني بين أمير المؤمنين وبين أهل القبلة الذين يقودهم معاوية في الشام ـ ولا يحمل هذا العَلَمْ ـ العَلَمْ يعني راية الحرب ـ إلا أهل البصر والصبر والعلم بمواضع الحق ـ يريد بها نفسه هذه الكبرى ثم يأتي بالصغرى ـ وإني حاملكم على منهج نبيكم< فيكون ما ورد في صدر الرواية >أيها الناس إن أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه وأعلمهم بأمر الله فيه< ناظرة إلى خصوص ولاية أمير المؤمنين×.

قد يقال إن الرواية وإن كانت ناظرة إلى إمامة أمير المؤمنين لكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب والرواية فيها عموم إذ جاءت بقاعدة كبرى كلية >إن أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه وأعلمهم بأمر الله فيه< فهي تقنن قاعدة عامة وهي أن الولاية والزعامة للأعلم والأقدر، والجواب لو سلمنا ذلك فإن الرواية ناظرة إلى الأعلمية في خصوص ما يرتبط بشؤون الولاية وليست ناظرة إلى مطلق الأعلمية أو خصوص الأعلمية الفقهية والقرينة على ذلك قوله >إن أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه< فالضمير في عليه يعود على هذا الأمر وهو الولاية وقوله× >وأعلمهم بأمر الله فيه< وفي نسخة تمام نهج البلاغة >وأعلمهم به< يعني وأعلمهم بأمر الله فيكون المراد أعلمهم بهذا الأمر يعني أعلمهم بالأمور المتصلة بشؤون الولاية العامة للمسلمين وهذا ما نذهب إليه من أن من شروط الولاية الأعلمية فيما يخص شؤون الولاية وهو ما نعبر عنه بالكفاءة أو الخبرة، إذاً الرواية الخامسة لا تدل على المدعى.

خلاصة المناقشات أوّلاً هذه الرواية ناظرة إلى خصوص إمامة أمير المؤمنينj ولا تشمل الفقيه الجامع للشرائط وولاية الأمر، الأمر الثاني قوله× >أعلمهم بأمر الله فيه< ظاهر في كون المشترط هو كونه أعلمهم بشؤون الولاية فالعائد المخفوض يرجع إلى الأمر، والمناقشة الثالثة أن نحمل لفظ أعلمهم وأقدرهم على المعنى الوصفي لا المعنى التفضيلي يعني القادر في مقابل غير القادر والعالم في مقابل الجاهل وهذا هو الأوفق بمعنى الرواية فلا حق لأصحاب السقيفة وغاصب الخلافة في مقابل أمير المؤمنين حتى يكون علي× أحق بها كما لا حق لمعاوية وطلحة والزبير في مقابل أمير المؤمنين حتى يقال إن علياً أعلم وأقدر منهم فعليٌ هو العالم وهم الجهلاء وعليٌ هو القادر وهم ليسوا بمقتدرين، إذاً الرواية الخامسة غير تامة سنداً ودلالة على اشتراط الأعلمية في ولي الأمر.

الرواية السادسة ما رواه الشيخ المفيد في الاختصاص

فهذه الرواية من مراسيل المفيد قال: وقال رسول الله| >من تعلم علم ليباهي به السفهاء ويباهي به العلماء ويصرف به الناس إلى نفسه يقول أنا رئيسكم فاليتبوء مقعده من النار ثم قال إن الرئاسة لا تصلح إلا لأهلها فمن دعا الناس إلى نفسه وفيهم من هو أعلم منه لم ينظر الله إليه يوم القيامة<([8] ).

والتحقيق: إن هذا السند مرسل كما أن هناك كلام في نسبة كتاب الاختصاص الواصل إلينا من الشيخ المفيدJ هذا من ناحية السند، وأما من ناحية الدلالة فمن الواضح أن الرواية ناظرة إلى الإمامة وليست ناظرة إلى نائب الإمام المعصوم× فالمراد بالرئاسة الإمامة الحقة لذلك عبرت الرواية إن الرئاسة لا تصلح إلا لأهلها ويدل على أن المراد بالرئاسة الإمامة لفظ دعا في قوله: >فمن دعا الناس إلى نفسه ـ يعني ادعى أنه إمامهم ورئيسهم ـ وفيهم من هو أعلم منه لم ينظر الله إليه يوم القيامة< يعني وفيهم من هو العالم الجدير بالرئاسة والإمامة في مقابله هو الجاهل الذي يدعي الرئاسة وهو ليس أهلا لها، إذاً هذه الرواية ليست ناظرة إلى ولاية الأمر في عصر الغيبة ويحمل العلم فيها على علم الإمام المعصوم× وهو علم واقعي وليس علماً ظاهرياً فالرواية أجنبية عن المدعى، إذاً الرواية السادسة غير تامة سنداً ودلالة على اشتراط الأعلمية الفقهية في ولي الأمر.

الرواية السابعة مرسلة تحف العقول لابن شعبة الحراني

إذ جاء فيه ما نصه وقال الإمام الصادق× >من دعا الناس إلى نفسه وفيهم من هو أعلم منه فهو مبتدع ضال<([9] ).

والتحقيق: إن هذه الرواية ضعيفة السند بسبب إرسالها كما أن السيد السيستاني~ يتأمل في نسبة كتاب تحف العقول إلى ابن شعبة الحراني كما تأمل في كتابه تعارض الأدلة في نسبة كتاب علل الشرائع للصدوق وادعى أنه للفضل بن شاذان أو لا أقل بعضه للفضل بن شاذان فهناك قدر متيقن في السند وهو الإرسال وأما من ناحية الدلالة فمضمون هذه الرواية مرسلة تحف العقول كمضمون مرسلة المفيد إلا أن مرسلة المفيد روية عن النبي| ومرسلة تحف العقول روية عن الإمام الصادق× والكلام هو الكلام فالمراد فيها هو من ادعى الإمامة المعصوم أو الخلافة عن رسول الله| بقرينة أن غير الأعلم مبتدع ضال وهذا لا ينطبق على الفقيه غير الأعلم إذا تصدى للشأن العام فمن يقول أنه إذا تصدى الفقيه غير الأعلم إلى الشأن العام يكون مبتدعاً ضالاً هذا لا يمكن الالتزام به مما يكشف عن أن المراد بغير الأعلم هو غير العالم فهو يدعي الإمامة لجهله وعدم معرفته بعواقب الأمور، إذاً الرواية السابعة مرسلة تحف العقول غير تامة سنداً ودلالة على اشتراط الأعلمية في ولي الأمر.

الرواية الثامنة ما جاء في كتاب سليم بن قيس الهلالي

قد روي سليم عن أمير المؤمنين× >أفينبغي أن يكون الخليفة على الأمة إلا أعلمهم بكتاب الله وسنة نبيه وقد قال الله § {أَفَمَن يَهْدِي إلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إلاَّ أَن يُهْدَى}([10] )، وقال ®{وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ}([11] )، وقالO {أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ}([12] )، وقال رسول الله| >ما ولَّت أمة قط أمرها رجلاً وفيهم أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالاً حتى يرجعوا إلى ما تركوا< يعني الولاية فهي غير الإمارة على الأمة([13] ).

والتحقيق: أما من ناحية السند فكتاب سليم بن قيس الهلالي وإن كان سليم نفسه ثقة ومن المسلم أنه قد كتب كتاباً إلا أن النسخة الواصلة إلينا لم تصل إلينا بطريق صحيح فتكون الرواية ضعيفة السند لأننا لا نحرز نسبة هذه النسخة الموجودة عندنا إلى سليم بن قيس الهلالي هذا من ناحية السند، ومن ناحية الدلالة فالرواية ناظرة إلى خليفة رسول الله إذ ورد فيها >أفينبغي أن يكون الخليفة على الأمة إلا أعلمهم بكتاب الله وسنة نبيه< فهذه الرواية ناظرة إلى الأعلمية الفقهية ولكن في خصوص الإمام المعصوم أو خليفة النبي| فلا تشمل مورد بحثنا وهو الولي الفقيه الذي ينوب عن الإمام المعصوم× فهي ناظرة إلى العلم الواقعي لا العلم الظاهري وقد استظهر الشيخ مالك وهبي~ في كتابه الفقيه والأمة أن جميع هذه الروايات ناظرة إلى العلم الواقعي لا العلم الظاهري فتكون أجنبية عن مورد بحثنا إذ أن علم الفقيه ظاهري وليس واقعياً كعلم الإمام المعصوم×.

وإذا أردنا أن ندقق أكثر في هذه الرواية لنتأكد أنها ناظرة إلى إمامة أمير المؤمنينj أو الأئمةl فإننا نرجع إلى الروايات المشابهة لهذا المضمون ونذكر مقطعين، الأوّل ما رواه الشيخ الطوسي+ في الأمالي والثاني أيضاً وهاتان الروايتان وهذان المقطعان يدلان على أن المراد بهذه الرواية خصوص إمامة أمير المؤمنين× فقد روى الشيخ الطوسي في أماليه بسند معتبر إلى علي بن حسان الواسطي الثقة عن عبد الرحمن بن كثير عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي بن الحسين^ فإنه× نقل خطبة الحسن بن علي بمحضر اللعين معاوية وفيها >وإن معاوية ابن ابي سفيان، زعم أني رأيته للخلافة أهلا ولم أرى نفسي لها أهلاً فكذب معاوية وأيمُ الله لأَنَّا أولى الناس بالناس في كتاب الله وعلى لسان رسول الله غير أَنَّا لم نزل أهل البيت مخيفين مظلومين مضطهدين منذ قبض رسول الله| فالله بيننا وبين من ظلمنا حقنا ونزل على رقابنا إلى أن يقول ولكن اُقسم بالله قسماً تالياً لو أن الناس سمعوا قول الله® ورسوله لأعطتهم السماء قطرها والأرض بركتها ولما اختلف في هذه الأمة سيفان ولأكلوها خضراء خضرة إلى يوم القيامة وما طمعت فيها يا معاوية ولكنها لما أُخرجت سالفا من معدنها وزُحزحت عن قواعدها وتنازعتها قريش بينها وترامتها كترام الكرة حتى طمعت فيها أنت يا معاوية وأصحابك من بعدك وقد قال رسول الله| ما ولت أمة أمرها رجلاً قط وفيهم من هو أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالاً حتى يرجعوا إلى ما تركوا< ثم ذكر ولاية أبيه أمير المؤمنين على الأمة بعد رسول الله| ثم ولايته عليهم بعده([14] ).

وهكذا الحديث التاسع، روى الشيخ الطوسي في الأمالي بسند معتبر إلى عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله العرزمي عن أبيه عن عثمان أبي اليقظان عن أبي عمر زاذان في خطبة لأبي محمد الحسن بن علي المجتبى× بمحضر معاوية أنه قال: >وأقسم بالله لو أن الناس بايعوا أبي حين فارقهم رسول الله لأعطتهم السماء قطرها والأرض بركتها وما طمعت فيها يا معاوية فلما خرجت من معدنها تنازعتها قريش بينها فطمعت فيها الطلقاء وأبناء الطلقاء أنت وأصحابك وقد قال رسول الله| ما ولت أمة أمرها رجلا وفيهم من هو أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا إلى ما تركوا<([15] ).

هذه الرواية ضعيفة السند ففيها والد العرزمي وهو مجهول كما أن محمد بن عبيد الله وعثمان بن أبي اليقظان وأبي عمر زاذان مجاهيل ولكن هذه الرواية بإضافتها إلى بقية الروايات الضعاف بالإضافة إلى الرواية المستدل بها وهي ضعيفة أيضاً يمكن أن تؤيد هذا الفهم وهو أن المراد بالأعلم في هذه الرواية هو خصوص أمير المؤمنين×، إذاً الرواية الثامنة وهي رواية كتاب سليم بن قيس الهلالي غير تامة سنداً ولا دلالة فلا تدل على اشتراط الأعلمية الفقهية في ولي الأمر.

الرواية التاسعة ما رواه المجلسي في بحار الأنوار عن تفسير النعماني

وقد جاء في البحار عن تفسير النعماني إسنادا عن إسماعيل أبن جابر عن الإمام الصادق× وهي رواية طويلة عن أمير المؤمنين في صفات الإمام ما لفظه >يكون فيه ـ يعني الإمام ـ ثمان خصال يتميز بها عن المأمومين أربع منها في نعت نفسيه ونسبه وأربع صفات ذاته وحالاته إلى أن يقول وأما اللواتي في صفات ذاته فإنه يجب أن يكون أزهد الناس وأعلم الناس وأشجع الناس وأكرم الناس وما يتبع ذلك لعلل تقتضيه إلى أن يقول وأما إذا لم يكن عالماً بجميع ما فرضه الله تعالى في كتابه وغيره قلب الفرائض فأحل ما حرم الله فضل وأضل، وفي نفس الرواية عند ذكر ما جعله الله سبحانه من حدود دعائم الإسلام الخمس التي عد خامسها الولاية قال وأما حدود الإمام المستحق للإمامة فمنها إلى أن يقول والثاني أن يكون أعلم الناس بحلال الله وحرامه وضروب أحكامه وأمره ونهيه وجميع ما يحتاج إليه الناس فيحتاج الناس إليه ويستغني عنهم إلى أن يقول وأما وجوب كونه أعلم الناس فإنه لو لم يكن عالماً لم يؤمن أن يقلب الأحكام والحدود ويختلف عليه القضايا المشكلة فلا يجيب عنها بخلافها<([16] ).

والتحقيق: أن هذه الرواية ضعيفة السند فإن أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي مجهول كما أن الحسن بن علي بن أبي حمزة هو أبوه علي بن أبي حمزة البطائني الواقعان في الرواية كلاهما ضعيف فالرواية ضعيفة من ناحية السند وأما من ناحية الدلالة فهي أوضح رواية على أنها ناظرة إلى الإمام المعصوم فقد وردت فيها صفات لا توجد في أي فقيه من هذه الصفات أن يكون أزهد الناس وأعلم الناس وأشجع الناس وأكرم الناس وما يتبع ذلك لعلل تقتضيه، هذا تدل على الاصطفاء الإلهي والاختيار الإلهي مثلا ورد فيها فيحتاج الناس إليه ويستغني عنهم مَن مِن الفقهاء يستغني عن الناس، فمن الواضح أن هذه الرواية ناظرة إلى الإمام المعصومj ولا تشمل الفقيه الجامع لشرائط الفتوى، إذاً الرواية التاسعة غير تامة سنداً ودلالة إذ أنها ناظرة إلى خصوص الإمامة المعصوم ولا تشمل ولاية الأمر في عصر الغيبة الكبرى.

الرواية العاشرة ما جاء في كتاباً لأمير المؤمنين×

قد جاء في كتاب طويل لأمير المؤمنين× أمر أن يقرأ على الناس كل يوم جمعة بعد التعرض لانحراف الناس عن أن يكون هو× ولي أمرهم وذكر هذا الأمر بالتفصيل يقول× في هذا الكتاب >ولم يكونوا لولاية أحد أشد كراهية منهم لولايتي عليهم لأنهم كانوا يسمعونني عند وفاة رسول الله| وأنا أحاج أبا بكر وأقول يا معشر قريش إنا أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم ما كان منكم من يقرأ القرآن ويعرف السنة ويدين بدين الله الحق أنا والله أولى بهذا الأمر منكم وأنتم أولى بالبيعة لي وإنما حجتي ـ هنا الشاهد الإمام يحتاج بأمرين على أولويته ـ وإنما حجتي أني ولي هذا الأمر دون قريش أن نبي الله| قال الولاء لمن أعتق فجاء رسول الله| بعتق الرقاب من النار وبعتقها من السيف وهذان لما اجتمعا كانا أفضل من عتق الرقاب من العتق فكان للنبي| ولاء هذه الأمة وكان لي بعده ما كان له<، إذاً الأمر الأوّل في علة تقديمهj ولاء الأمة.

الأمر الثاني يقول >أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم على العرب بالقرابة من رسول الله| وتأخذونه منا أهل البيت غصباً وظلماً ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم لمكان محمد| منكم فأعطوكم المقادة وسلموا إليكم الإمارة وأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار والعرب أنا أولى برسول الله| منكم حياً وميتاً وأنا وصيه ووزيره ومستودع علمه وسره وأنا الصديق الأكبر أوّل من آمن به وصدقه وأحسنكم بلاء في جهاد المشركين وأعرفكم بالكتاب والسنة وأفقهكم في الدين وأعلمكم بعواقب الأمور وأذربكم لساناً وأثبتكم جناناً فما جاز لقريش من فضلها على العرب بالنبي| جاز لبني هاشم على قريش وما جاز لبني هاشم على قريش برسول الله| جاز لي على قريش لقول النبي| يوم غدير خم من كنت مولاه فهذا علي مولاه إلا أن تدعي قريش فضلها على العرب بغير النبي فإن شاءوا فليقولوا ذلك فعلاما تنازعونا هذا الأمر أنصفونا من أنفسكم إن كنتم تخافون الله واعرفوا لنا من الأمر مثلما عرفته الأنصار لكم وإلا فبوئوا بالظلم وأنتم تعلمون<([17] )، وقد اسُتدل بهذه الرواية الشيخ محمد المؤمن القميî([18] ).

وهذا من الغرائب والعجاب إذ أن هذه الرواية مرسلة ولم ترد في نهج البلاغة وإنما وردت في كتاب تمام نهج البلاغة فالرواية ضعيفة من ناحية السند وأما من ناحية الدلالة فأمير المؤمنينj احتج عليهم بأمرين:

الأمر الأوّل ثبوت ولاء الأمة له كما ثبت للنبي|.

والأمر الثاني احتج بقرابته من رسول الله| وبحديث الغدير فكان ملاك التقديم هو كونه من أهل بيت النبيl وقد نص عليه بحديث الغدير وليس ملاك التقديم هو كونه هو الأفقه نعم هذه المميزات ذكرها أمير المؤمنين إذ أنه يمتاز عليهم بمميزات كثيرة وهي تقوم في كل الأمور ولكن ملاك التقديم ليس كونه الأفقه وإنما نص رسول الله| فالرواية مختصة بأمير المؤمنين× ولا تشمل مورد بحثنا وهو الفقيه الجامع لشرائط الفتوى الذي يتصدى للشؤون العامة للمسلمين، إذاً الرواية العاشرة غير تامة سنداً ودلالة فلا تدل على اشتراط الأعلمية الفقهية في ولي أمر المسلمين.

 


[1] () المحاسن، ج1، ص177، الحديث 59، (طبع المجمع العالمي لأهل البيت ^).
[2] () عقاب الأعمال، ص246.
[3] () علل الشرائع، ج2، ص326.
[4] () مستطرفات السرائر، ص635.
[5] () من لا يحضره الفقيه، ج1، ص378، الحديث 1102.
[6] () الغيبة، ص115، الحديث 13؛ وسائل الشيعة، ج18، ص564، الحديث 36، الباب10 من أبواب حد المرتد.
[7] () تمام نهج البلاغة، ج1، ص370، نقلاً عن شرح الأخبار، وأيضاً تمام نهج البلاغة الخطبة 44، ص414؛ نهج البلاغة نسخة صبحي الصالح، الخطبة 173، ص247.
[8] () الاختصاص، ص251.
[9] () تحف العقول عن آل الرسول، ص375.
[13] () كتاب سليم بن قيس الهلالي، ص118.
[14] () آمالي، المجلس 21، ص561، الحديث 1.
[15] () نفس المصدر، المجلس 20، ص559، الحديث 9.
[16] () بحار الأنوار، ج93، ص44 و62 و64 و65.
[17] () تمام نهج البلاغة، الكتاب75، ص877.
[18] () الولاية الإلهية الإسلامية، ج3، ص226.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo