< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

39/06/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: القسم الثالث: روايات اشتراط الفقاهة والإجتهاد المطلق

من الأدلة التي أقيمت على اشتراط الفقاهة في ولي الأمر الإجماع، فقد يدعى قيام إجماع على اشتراط الفقاهة والإجتهاد المطلق في ولي أمر المسلمين.

قد يقال إن إجماع الطائفة المحقة قد قام على اشتراط الفقاهة والإجتهاد المطلق في القاضي والقضاء شعبة من شعب الولاية والولاية أخطر من القضاء فإذا اشترط في القاضي الفقاهة فمن باب أولى يشترط في ولي الأمر الفقاهة، إذاً دعوى الإجماع قائمة على أمرين:

الأمر الأوّل ثبوت قيام الإجماع على اشتراط الفقاهة في القاضي.

الأمر الثاني ثبوت الملازمة بين اشتراط الفقاهة في القاضي واشتراط الفقاهة في ولي الأمر بدعوى قيام الملازمة القطعية بينهما.

وقد نُقل الإجماع في كلمات الشهيد الثاني في المسالك وكلمات الشيخ محمد حسن النجفي في الجواهر قال وهو في معرض الحديث عن شروط القاضي في الفقه، قال الشيخ محمد حسن الجواهري النجفي وكذا لا ينعقد ـ يعني القضاء ـ لغير العالم المستقل بأهلية الفتوى ولا يكفيه فتوى العلماء بلا خلاف أجده فيه بل في المسالك وغيرها الإجماع عليه من غير فرق بين حالتي الاختيار والاضطرار بل لابد أنه يكون عالماً بجميع ما وليه أي مجتهداً مطلقاً كما في المسالك فلا يكفي اجتهاده في بعض الأحكام دون بعض على القول بتجزي الإجتهاد([1] )، هذا تمام الكلام في تقريب الاستدلال على اشتراط الفقاهة في ولي أمر المسلمين بدليل الإجماع.

وفيه: أوّلا: يمكن التشكيك في ثبوت الإجماع على اشتراط الفقاهة في القاضي عند الشيعة الإمامية وأوّل المشككين نفس المحقق النجفي في الجواهر الكلام إذ قال([2] ): ما نصه وأما دعوى الإجماع التي قد سمعتها فلم أتحققها بل لعل المحقق عندنا خلافها خصوصاً بعد أن حكا في التنقيح عن المبسوط في المسألة أقوالاً ثلاثة، أوّلها جواز كونه عامياً ويستفتي العلماء ويقضي بفتواهم ولم يرجح ولعل مختاره الأوّل مع أنه أسوأ حالاً مما ذكرناه ضرورة فرضه عامياً حين نصبه ثم يستفتي بعد ذلك، إذاً المناقشة الأولى هي صغروية وهي عدم التسليم بثبوت قيام إجماع على اشتراط الفقاهة المطلقة في القاضي عند الشيعة الإمامية.

وثانياً: لو سلمنا قيام الإجماع على اشتراط الفقاهة في القاضي فإننا ننكر الملازمة إذ من المحتمل وجود خصوصية للقاضي بحيث يشترط فيه الفقاهة ولا توجد هذه الخصوصية في ولي الأمر فلا يشترط فيه الفقاهة فما الدليل على وجود الملازمة بين اشتراط الفقاهة في القاضي وبين اشتراط الفقاهة في ولي الأمر هذه الملازمة تحتاج إلى دليل يدل عليها وهو مفقود في البين.

وثالثاً: لو سلمنا بالأوّل والثاني وقلنا بثبوت قيام الإجماع على اشتراط الفقاهة في القضاء أوّلا، وثانياً سلمنا وجود الملازمة القطعية بين اشتراط الفقاهة في القاضي وبين اشتراط الفقاهة في ولي الأمر، فإننا نقول إن هكذا إجماع محتمل المدركية نظراً لوجود الآيات والروايات والأدلة العقلية التي قد يستفاد منها اشتراط الفقاهة في القاضي وكذلك ولي الأمر في الإسلام والإجماع المحتمل المدركية ساقط عن الحجية، إذاً القسم الثالث من الأدلة وهو الإجماع غير ناهض بالدلالة على اشتراط الفقاهة في ولي أمر المسلمين.

القسم الرابع: دليل العقل

وقد يستدل بدليل العقل على اشتراط الفقاهة والاجتهاد المطلق في ولي أمر المسلمين بعدة تقريبات نذكر منها أربعة تقريبات إلا أنها غير تامة:

التقريب الأوّل ما ذكره الشيخ محسن الأراكي~ ([3] )، إذ قال الوجدان العقلي فإنه يحكم بوضوح بأولوية العالم من غيره بالإدارة والقيادة ويشهد له حكم العقل باستحقاق الذم على من اتبع جاهلاً فضلّ الطريق مع وجود العالم الذي كان يمكن أن يستهدي به في الطريق وأشد الأمور أولوية بالرعاية هو مصير الناس ومصالحهم العامة وما يرجع فيه إلى الحاكم فإن الضلال فيها يعني هلاك المجتمع أو إصابته بخسائر جسيمة لا تعوض فكيف يرضى العقل العملي بتعريض المجتمع لخطر الإبادة أو الخسائر الجسيمة مع إمكان تفادي ذلك كله بتسليم الأمر للعالم بما فيه خير الناس وسعادتهم الخبير بما يصلحهم وما يفسدهم الفقيه بما يعتقدونه من الدين الذي فيه صلاح معاشهم ومعادهم.

وفيه: إنما ذكره لو سلمنا تماميته فإنه غاية ما يدل على اشتراط العلم في ولي الأمر ولا يدل على اشتراط الفقاهة بنحو التجزي فضلاً عن اشتراط الفقاهة بنحو الإطلاق في ولي أمر المسلمين، نعم ما ذكره يمكن أن يطلق عليه حكم العقل إذ أن هذا الحكم ربما يكون من الأحكام البديهية نظراً للزوم نقض القرض ففاقد الشيء لا يعطيه والمطلوب من ولي الأمر حسن التدبير وحسن الرئاسة وحسن التدبير والقيادة فرع العلم فإذا فقد العلم فقد ما يتفرع عليه من حسن التدبير والقيادة إلا أن هذا الدليل يثبت اشتراط العلم في ولي أمر المسلمين بالمقدار الذي يعينه على حسن التدبير وقوة الإدارة والقيادة ولا يثبت اشتراط خصوص الفقاهة والاجتهاد المطلق في ولي الأمر، إذاً التقريب الأوّل وإن كان تاماً في نفسه إلا أن نتيجته هي اشتراط مقدار من العلم ولا يدل على اشتراط الفقاهة والإجتهاد المطلق.

التقريب الثاني ما ذكره الشيخ المؤمن القمي([4] ) تحت عنوان الوجه الأوّل وإذا تأملنا فيما أفاده & نجد أن ما أفاده ليس دليلاً عقلياً وإنما هو عبارة عن السيرة العقلائية ومن الواضح أن السيرة العقلائية ليست دليلاً عقلياً وإنما تندرج تحت السنة إذ أن العمدة فيها هو إمضاء المعصوم وعدم ردعه عن هذه السيرة وإمضاء المعصوم وتقريره هو القسم الثالث من أقسام السنة إذ أن السنة عبارة عن قول المعصوم أو فعله أو تقريره، إذاً هناك تسامح في التعبير إذا قيل إن هذا الدليل هو الدليل العقلي.

وتقريب ما ذكره هو أن العقلاء لا يرتابون في أن من يوكل إليه إتيان عمل فلابد أن تكون له أهلية إتيانه بالنحو المطلوب ولا يسوغ لدى العقلاء إيكال الأمر إلى من لا يحسن ولا يتقن الإتيان به ومن الواضح أن إعمال الولاية يفتقر إلى حسن التدبير وحسن التدبير يؤول إلى من يعلم التدبير كمال العلم ويكون على اطلاع على ما يتعلق بالإدارة والتدبير حكماً وموضوعاً في جميع الموارد، فمقتضى هذا الحكم العقلي العقلائي القطعي اشتراط علم ولي أمر المسلمين بحسن الإجراء وما ينبغي عليه إجرائه بلا نقيصة وهذا الحكم البديهي العقلائي قد أمضاه الشارع في صحيحة العيس بن قاسم قال سمعت أبا عبد الله× يقول: >عليكم بتقوى الله وحده لا شريك له وانظروا إلى أنفسكم فو الله إن الرجل ليكون له الغنم فيها الراعي فإذا وجد رجلاً هو أعلم بغنمه من الذي هو فيها يخرجه ويجيء بذلك الرجل الذي هو أعلم بغنمه من الذي كان فيها، والله لو كانت لأحدكم نفسان يقاتل بواحدة يجرب بها ثم كانت الأخرى باقية فعمل على ما قد استبان لها ولكن له نفس واحدة إذا ذهبت فقد والله ذهبت التوبة فأنتم أحق أن تختاروا لأنفسكم إن أتاكم آت منا فانظروا على أي شيء تخرجون<([5] ).

وفيه: إن هذا الاستدلال لو تم فإنه غاية ما يثبت اشتراط العلم أو الأعلمية في ولي الأمر بمعنى أن لا يكون رجل متفوقاً ومتقدماً في العلم على ولي الأمر فلو افترضنا عدم وجود فقيه في منطقته وكان يوجد شخصان أحدهما أعلم والآخر عالم فإن هذه السيرة العقلائية ترى تقديم الأعلم على العالم ولا دلالة في هذه السيرة على اشتراط الفقيه المطلق الجامع للشرائط على أن تعبير الشيخ المؤمنî يحتمل وجهين إذ قال وهذا الحكم البديهي العقلائي فهل مراده إن هذا الدليل هو دليل عقلي بديهي وهو لزوم نقض الغرض مثلاً فيندرج هذا التقريب الثاني تحت عنوان الدليل العقلي أم أن مراده سيرة العقلاء ويستكشف ذلك من تعبيره العقلائي أو بداية استدلاله بقوله إن العقلاء لا يرتابون فيكون استدلاله استدلال بالسيرة العقلائية ولا يصح إدراجه تحت عنوان الدليل العقلي.

النتيجة النهائية: التقريب الثاني للدليل العقلي سواء قلنا إن المراد به الدليل العقلي البديهي كلزوم نقض القرض أو أن المراد به سيرة العقلاء كما هو ظاهر وواضح من كلام الشيخ المؤمن فكلى الدليلين لا يدلان على اشتراط الفقاهة في ولي الأمر نعم يدلان على اشتراط العلم أو الأعلمية في ولي أمر المسلمين.

التقريب الثالث ما ذكره الشيخ مالك مصطفى وهبي العاملي([6] ) وقد أطلق على هذا الدليل أصالة عدم الحجية ومفاد ما ذكره~ هكذا "إن معنى ثبوت الولاية لشخص لزوم طاعته فيما يأمر وينهى ولزوم الطاعة يستبطن التقليد لأن صاحب الأمر والنهي لابد وأن يرتكز فيما يأمر وينهى على فتاوى فقهية وحينئذ نقول إن كان الولي فقيهاً فهو المطلوب وإن كان غير فقيه فهذا يعني أنه يقلد غيره ولا يجوز تقليد المقلد ولا يكون تقليده مبرئ للذمة وتقليده لفقيه آخر ليس حجة علينا إلا مع قيام الدليل عليه والمفروض أنه لا دليل يسمح للمكلف بتقليد مثله من غير الفقهاء والأصل عدم الحجية وبذلك تسقط ركيزة أساسية من ركائز الولاية وهي براءة الذمة في العمل بالرأي الفقهي للولي بخلاف ما لو كان الولي فقيهاً لأن براءة الذمة ترتكز على كونه فقيهاً وقد تسالم الجميع على أن رأي الفقيه مبرئ للذمة بوجه عام".

وفيه: إن موطن بحثنا هو ولاية الفقيه بالنسبة إلى الشؤون العامة وليس موطن بحثنا ولاية الفقيه بالنظر إلى ولاية الإفتاء حتى يبحث في حجية قول المفتي والمقلد كما أنه ليس موطن بحثنا ولاية الفقيه على القضاء فمن الواضح أن الفقيه الجامع للشرائط له عدة ولايات منها الولاية على الإفتاء والولاية على القضاء والولاية على القصر والمجانين والولاية على إقامة الحدود والتعزيرات ومنها الولاية على الشؤون العامة للمسلمين وموطن بحثنا هو ثبوت الولاية للفقيه ويراد بها الولاية في الشأن العام وليس المراد ثبوت الولاية للفقيه من جهة الفتوى فالمدعى والمفترض حجية قول الفقيه فيما يتعلق بالشأن العام وليس موطن بحثنا حجية قول الفقيه في الفتوى حتى يبحث أنه إذا لم يكن فقيهاً ويكون مقلداً إلى آخر ما اسُتدل به فهذا الاستدلال أجنبي عن بحثنا لذلك عَبَّرَ الشيخ مالك وهبي([7] ) يقول لكن هذا الدليل ليس بالقوة التي تمكننا من الاعتماد عليه.

التقريب الرابع والأخير على اشتراط الفقاهة في ولي الأمر بدليل العقل ما ذكره الشيخ مالك وهبي([8] ) كدليل ثاني وعنونه بعنوان دليل الحسبة واستدل عليه بمجموعة مقدمات إذا تمت أنتجت النتيجة وهي أربعة مقدمات:

المقدمة الأولى: إن الحكومة الإسلامية ضرورة حكم بها العقل والشرع.

المقدمة الثانية: إنه لابد من ولي لهذه الحكومة سواء كان شخصاً واحداً أو مجموعة أشخاص وهذا من لوازم المقدمة الأولى.

المقدمة الثالثة: نفترض أن كل الروايات التي تقدمت غير دالة على ثبوت الولاية للفقيه لكن لا يوجد دليل ينفي الولاية أو يثبتها للأعم من الفقيه وغير الفقيه.

المقدمة الرابعة: ومقتضى المقدمة الثالثة إننا نشك في اشتراط الاجتهاد في الولي وهذا يعني أن المسألة أمام احتمالين لا ثالث لهما وهما الاشتراط وعدم الاشتراط ورعاية الاحتمال الأوّل تقتضي أن يكون الولي فقيهاً زيادة على الشروط الأخرى التي ثبت اعتبارها في الولي ومقتضى رعاية الاحتمال الثاني أنه يمكن للفقيه أو غير الفقيه أن يكون ولياً إن توفرت فيه باقي الشروط ولا مجال لاحتمال ثالث أعني احتمال اشتراط أن يكون الولي غير فقيه وانحصار الولاية بغير الفقيه إلى أن يقول وعند دوران الأمر بين الاحتمالين المشار إليهما يتدخل العقل لصالح الاحتمال الأوّل لأن الترديد بين الاحتمالين يستلزم الترديد بين تعين الولاية بالفقيه وبين التخيير بينه وبين غير الفقيه ودائما مع فرض توفر الشروط الأخرى والقاعدة عند العقل في مثل هذه الأحوال هو الأخذ بالتعيين.

وفيه: إن هذا الاستدلال خلط بين ثلاثة أمور:

الأمر الأوّل حُكم العقل في موارد دوران الأمر بين التخيير والتعيين وهذا ما جاء في نهاية كلامه.

الأمر الثاني الاستدلال بدليل الحسبة في كلمات الفقهاء.

الأمر الثالث إيراد بعض المقدمات التي اسُتدل بها على ولاية الفقيه العامة أو المطلقة.

والصحيح إنه يمكن الاستدلال بدليل عقلي بحت على اشتراط الفقاهة في ولي الأمر وهو التمسك بحكم العقل في موارد دوران الأمر بين التعيين والتخيير فيدور الأمر بين ثبوت ولاية الأمر للفقيه على نحو التعيين وبين ثبوت ولاية الأمر للفقيه مخيراً بينه وبين غير الفقيه فيحكم العقل حينئذ بالتعيين وهو اشتراط أن يكون ولي الأمر فقيهاً لأن التعيين هو القدر المتيقن وهذا الدليل دليل عقلي بحت وهو تام الدلالة على اشتراط الفقاهة والاجتهاد المطلق في ولي الأمر ولا يطلق عليه أنه دليل الحسبة ولا يعد من الأدلة الشرعية التي أقيمت على ولاية الفقيه العامة أو المطلقة.

وأما ما ذكره من مقدمات فإنما هي مقدمات قد ذكرت لإثبات ولاية الفقيه العامة عن طريق إثبات مشروعية إقامة الدولة الإسلامية في عصر الغيبة فالمقدمة الأولى وهي أن الحكومة الإسلامية ضرورة حكم بها العقل والشرع فهذه الضرورة موطن خلاف بين الفقهاء والأعلام وقد بحثناها وأثبتنا مشروعية إقامة الدولة الإسلامية في عصر الغيبة إلا أننا أنكرنا ثبوت ضرورتها وإذا أنكرنا المقدمة الأولى ترتبت عليها المقدمة الثانية وهي أن هذه الحكومة الإسلامية لابد أن يكون لها ولي، هذا ثانياً.

وثالثاً ما ذكره~ بعيد جداً عن دليل الحسبة فالمراد بالحسبة الأمور التي يحتسبها الشارع المقدس عليه ولا يرضى بتركها ولا يرضى بفواتها وتضييعها كالولاية على القصر والمجانين وكل الأمور التي تقع مسؤوليتها تحت عاتق الفقيه والدولة الإسلامية ومن هنا فالفقهاء على مسلكين كما تقدم:

المسلك الأول يرى أن الدولة الإسلامية من شؤون الحسبة كما عليه أستاذنا الميرزا جواد التبريزي& ومن يتوسع في مفهوم الحسبة.

المسلك الثاني ما عليه السيد الخوئي والسيد الحكيمŒ من الاقتصار على القدر المتيقن وهو خصوص جواز التصرف في موارد معينة ولا يثبت للفقيه ولاية فيما عدا القدر المتيقن ومن الواضح جداً إن الكلام في ولاية الفقيه العامة أو المطلقة من ناحية قيام دليل خاص عليها يختلف عن ثبوت الولاية للفقيه من ناحية الحسبة إذ أن الحسبة تثبت جواز التصرف للفقيه في القدر المتيقن وهو خصوص المقدار الذي يحتسبه الشارع عليه ولا يثبت للفقيه مشروعية التصرف في الأمور الكمالية المتعلقة بشؤون الدولة الإسلامية والاجتماع العام.

النتيجة النهائية: ما ذكره الشيخ مالك وهبي إن أريد به دوران الأمر بين التعيين والتخيير فهذا تام إلا أنه ليس بدليل الحسبة وإن أراد به دليل الحسبة فهذا بحث آخر وخروج عن محل البحث إذ أن محل بحثنا هو الاستناد إلى ولاية الفقيه العامة بدليل خاص غير دليل الحسبة وإن أراد دليل الحسبة فإن المقدمات التي ذكرها ليست مقدمات لدليل الحسبة، إذاً التقريب الرابع على اشتراط الفقاهة في ولي الأمر ليس بتام فتكون النتيجة النهائية إن التقريبات الأربعة للدليل العقلي الذي ذكرت لاشتراط الفقاهة في ولي الأمر ليست تامة الدلالة نعم لو تمسك بموارد دوران الأمر بين التعيين والتخيير يمكن الاستناد حينئذ إلى حكم العقل الموجب لاشتراط الفقاهة والإجتهاد المطلق في ولي الأمر، هذا تمام الكلام في إقامة الأدلة الأربعة من الكتاب والسنة والإجماع والعقل على اشتراط الفقاهة والإجتهاد المطلق في ولي الأمر وقد اتضح أن عمدة الأدلة هو الروايات الشريفة وأما الآيات وبعض الأدلة العقلية فغاية ما تثبت اشتراط العلم في ولي الأمر لا الفقاهة والإجتهاد المطلق.

بقي الكلام في مسألة مهمة، هل تشترط الأعلمية في ولي الأمر أو لا؟ فإذا سلمنا اشتراط الفقاهة في ولي أمر المسلمين ووجد فقيه ووجد الأفقه من هذا الفقيه والأعلم من هذا الفقيه فهل تشترط الأعلمية في ولي الأمر أم يكفي كونه فقيهاَ عالماً وإن لم يكن أعلم.

قد يقال إن الأدلة الثلاثة قد أقيمت على اشتراط الأعلمية وهي الروايات الشريفة والسيرة العقلائية ودليل العقل وهذا ما سنبحثه تباعاً ولكن قبل أن نشرع في بيان الأدلة الثلاثة التي أقيمت على اشتراط الأعلمية وسيتضح أنها لا تنهض باشتراط الأعلمية في ولي الأمر قد يدعى إن الشهرة بالإجماع قد قام على عدم اشتراط الأعلمية في ولي الأمر ولتوضيح ذلك لا بأس بقراءة نص المسألة 68 من كتاب العروة الوثقى للسيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي+([9] ).

قال السيد اليزدي& مسألة 68: لا يعتبر الأعلمية فيما أمره راجع إلى المجتهد إلا في التقليد، وأما الولاية على الأيتام والمجانين والأوقاف التي لا متولي لها والوصايا التي لا وصي لها ونحو ذلك فلا يعتبر فيها الأعلمية، نعم الأحوط في القاضي أن يكون أعلم من في ذلك البلد أو في غيره مما لا حرج في الترافع إليه. ولم يعلق أحد من الفقهاء والأعلام على قول صاحب العروةî لا يعتبر الأعلمية في ما أمره راجع إلى المجتهد إلا في التقليد نعم علقوا في اعتبار الأعلمية بالنسبة إلى القاضي ومن أهمها تعليقة المحقق العراقي([10] ) قال آغا ضياء الدين العراقي+ قد تقدم عدم اعتبار الأعلمية في القاضي لإطلاق المقبولة الشامل لبعض مراتب التجزي أيضاً نعم يعتبر ذلك في ترجيح الحكمين في واقعة واحدة للنص.

وقد استفاد الشيخ المنتظري&([11] ) بعد أن استند إلى كلام صاحب العروة وكلام الشيخ محمد حسن النجفي في جواهر الكلام قد استفاد قيام الإجماع مؤخراً بعد صاحب العروة على عدم اشتراط الأعلمية([12] ) إذ يقول الشيخ المنتظري إن الشهرة العظيمة الواقعة بين العلماء دالة على عدم اشتراطها فيه ولكن هناك روايات اسُتدل بها على أن الأعلمية شرط في الولي وقال صاحب الجواهر([13] ) وكلامه عن القاضي ـ القاضي الفاضل والقاضي المفضول القاضي الفاضل يعني الأعلم والمفضول غير الأعلم ـ يقول بل لعل أصل تأهل المفضول وكونه منصوباً يجري على قبضه وولايته مجرى قبض الأفضل من القطعيات التي لا ينبغي الوسوسة فيها خصوصاً بعد ملاحظة نصوص النصب الظاهرة في نصف الجميع الموصوفين بالوصف المزبور لا الأفضل منهم وإلا لوجب القول أنظروا إلى الأفضل منكم لا رجل منكم كما هو واضح بأدنى تأمل وخصوصا بعد إطلاق ما حكوه من الإجماع على قاضي التحكيم بل لعل التأمل في نحو المقبولة من النصوص يقضي بجواز المرافعة إلى المفضول قبل تحقق الخلاف فيه.

وخلاصة ما أفاده صاحب الجواهر& هو أن جواز تحكيم القاضي غير الأعلم من القطعيات ولا يشترط الرجوع إلى القاضي الأعلم لذلك يعلق الشيخ المنتظري([14] ) ويقول فثبوت الولاية للمستنبط وإن لم يوصف بالأعلمية ثابت عند المحقق النجفي ولا يجوز عنده الوسوسة فيه وموطن الشاهد الآن هو هذه الدعوة([15] ) يقول ثم إن ما اختاره& من عدم اشتراط الأعلمية في الحاكم والقاضي قد صار من المجمع عليه بعده حيث لم نجد من خالفه فيه ـ وهذا غريب عجيب إذا ترجع إلى العروة وتعليقات المحشين على العروة ـ فإن الكثير منهم يشترط أعلمية القاضي خصوصاً فيما إذا اختلف في مسألة شرعية بين فقيهين فإنه يشترط الرجوع إلى الأعلم.

إلى أن يقول([16] ) فتلخص مما قلنا إن الأعلمية في الفقاهة ليست من شروط الولي وتدل على نفي هذه الأدلة الخمسة الأوّل قول صاحب الجواهر بكونه من المقطوع عليه ثانياً كونه من المجمع عليه بين الأصحاب، ثالثا إطلاق الروايات، رابعاً عدم وجدان دليل يدل عليه، خامساً ما في مقبولة عمر بن حنظلة، هذا تمام كلامهî.

وفيه: إن نظر الفقهاء إلى ما ذكره صاحب العروة+ من غير المعلوم أنهم قد نظروا إلى ولاية الأمر فالبحث عن ولاية الأمر من البحوث المتأخرة جداً وقد زاد الاهتمام بها بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخمينيJ وتأسيس الجمهورية الإسلامية فقول صاحب العروة في مسألة 68 لا يعتبر الأعلمية فيما أمره راجع إلى المجتهد إلا في التقليد لا إطلاق لها يعم مورد ولاية الأمر فمن غير المعلوم نظرهم إلى ولاية الأمر بل المعلوم هو النظر إلى الموارد المتعارفة آنذاك فلذلك قال وأما الولاية على الأيتام والمجانين والأوقاف التي لا متولي لها.

والخلاصة إن اشتراط عدم الأعلمية ليس من الأمور المجمع عليها بين المتأخرين والوجدان خير دليل وبرهان فالشيخ المؤمن القمي يرى الأعلمية والشيخ المنتظريî يرى الأعلمية وهما كتبا أهم موسوعتين فقهيتين في ولاية الفقيه العامة أو المطلقة، إذاً دعوى وجود إجماع على عدم اشتراط الأعلمية أو كون هذا الحكم من القطعيات لا يمكن المساعدة عليه، يبقى الكلام في تناول الأدلة التي أقيمت على اشتراط الأعلمية وعمدتها الروايات وقد ناقشها الشيخ المنتظري مناقشة حسنة وبديعة([17] ).

 


[1] () جواهر الكلام، ج40، ص15.
[2] () نفس المصدر، ص19.
[3] () نظرية الحكم في الإسلام، ص277.
[4] () الولاية الإلهية الإسلامية، ج3، ص203.
[5] () الكافي، ج8، ص264، الحديث 381، ونقل عنه الحر العاملي في الوسائل، ج11، ص35، الباب13 من أبواب جهاد العدو.
[6] () الفقيه والسلطة والأمة، ص113.
[7] () الفقيه والسلطة والأمة، ص114.
[8] () نفس المصدر.
[9] () العروة الوثقى، ج1، ص358، نسخة تحقيق مؤسسة السبطين العالمية، 25 مجلد العروة، تعليقة 41 من فحول فقهاء الإمامية.
[10] () تعليقة المحقق العراقي، ج1، ص359.
[11] () دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية، ج1، ص249.
[12] () نفس المصدر، 246.
[13] () جواهر الكلام، ج4، ص44.
[14] () دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية، ج1، ص247.
[15] () دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية، ج1، ص247.
[16] () نفس المصدر، ص249.
[17] () دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية، ج1، ص251.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo