< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

39/06/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: القسم الثاني: الاستدلال بالروايات والسنة على اشتراط الفقاهة

ويمكن أن تقام عدة أدلة أو مؤيدات على اشتراط الفقاهة في ولي أمر المسلمين نذكر منها عشر روايات يدل الخمسة الأولى منها على اشتراط الفقاهة في ولي الأمر والخمسة الأخر منها تصلح كمؤيدات لاشتراط الفقاهة في ولي الأمر، ثم بعد هذه الروايات العشر الدالة والمؤيدة على اشتراط الفقاهة والإجتهاد المطلق في ولي الأمر نتطرق إلى عدة روايات تدل على اشتراط العلم في ولي أمر المسلمين.

أما الروايات العشر التي تدل أو تؤيد اشتراط الفقاهة والاجتهاد المطلق في ولي الأمر فهي الروايات الخاصة التي اسُتدل بها على ولاية الفقيه العامة أو المطلقة وهي العمدة في الباب إذ أن أصل البحث هو البحث عن ولاية الفقيه العامة أو المطلقة فتكون هذه الروايات التي اسُتدل بها على أصل ثبوت ولاية الفقيه العامة أو المطلقة من الروايات الدالة على اشتراط توفر الفقاهة في ولي الأمر، هذه الروايات كما يلي:

الرواية الأولى موثقة السكوني عن أبي عبد الله× قال: >قال رسول الله| الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا قيل يا رسول الله وما دخولهم في الدنيا قال إتباع السلطان فإذا فعلوا ذلك فحذروهم على دينكم<([1] ).

ورويت هذه الرواية عن الإمام موسى بن جعفر× بفارق >فاحذروهم على دينكم<([2] )، هذه الرواية تامة من ناحية السند فهي موثقة وتامة أيضاً من ناحية الدلالة فقد تطرقنا إليها فيما سبق وذكرنا إن هذه الرواية تدل على ثبوت ولاية الفقيه العامة بل تدل على ولاية الفقيه المطلقة إذ أن هذه الرواية تثبت أن الفقهاء أمناء الرسل مطلقاً ومقتضى إطلاق ثبوت أمانة الفقهاء لجميع الرسل ومن ضمنهم خاتم الأنبياء أبي القاسم محمد| يثبت للفقهاء جميع ما يثبت للرسل فيما يتعلق بالشؤون العامة بل قد يدَّعى إن مطلق ما يثبت للرسل فيما يتعلق بالشأن العام يثبت للفقيه الجامع للشرائط فيما يتعلق بالشأن العام، ومن الواضح أن علة ثبوت هذه الأمانة هو كونهم من الفقهاء فللفقاهة دور أساسي في ثبوت الأمانة، إذاً الرواية الأولى تامة الدلالة على اشتراط الفقاهة والاجتهاد المطلق في ولي أمر المسلمين.

الرواية الثانية التوقيع الشريف المنسوب إلى صاحب العصر والزمان# الذي رواه إسحاق بن يعقوب قال سألت محمد بن عثمان أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت علي فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان$ أما ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك إلى أن قال: >وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله<([3] ).

وقد مضى الكلام حول هذا التوقيع الشريف من ناحية السند والدلالة أما من ناحية السند فإسحاق بن يعقوب لم يرد فيه توثيق كما أن هذه الرواية الوارد في سندها محمد بن يعقوب الكليني صاحب الكافي لم يوردها الكليني في الكافي وإنما ذكرت هذه الرواية في كتاب كمال الدين للصدوق ولم يوردها في من لا يحضره الفقيه ووردت أيضاً في كتاب الغيبة للشيخ الطوسي ولم يوردها في كتابيه التهذيب والاستبصار فهذه الرواية لم ترد في الكتب الأربعة فقد يناقش فيها سنداً ويقال بضعفها إذ أن المحمدين الثلاثة لم يوردوها في كتبهم الأربعة على الرغم من أن الكليني قد ورد في سندها كما أن الصدوق قد ذكرها في كمال الدين وتمام النعمة والشيخ الطوسي قد ذكرها في كتاب الغيبة ولم يذكرها المحمدون الثلاثة في الكتب الأربعة، إلا أن الإنصاف أن الكتب الأربعة قد ذكرت الروايات ضمن أبواب معينة ومن الواضح أن كتاب من لا يحضره الفقيه والتهذيب والاستبصار قد ابتدأ بكتاب الطهارة وانتهى بكتاب الديات، فقد لا تناسب هذه الرواية الأبواب المذكورة في هذه الكتب الثلاثة التهذيب والاستبصار ومن لا يحضره الفقيه.

وأما الكليني في الكافي فلعله لم يذكر هذه الرواية لأنه قد اطلع عليها بعد تأليف الكافي أو قد يقال أنه قد راعى التقية في زمانه ولم يرد إظهار معرفته بالسفراء الأربعة حتى لا تتم ملاحقة أصحاب التواقيع فالكليني من أعلام الغيبة الصغرى وقد توفي سنة وفاة السفير الرابع علي بن محمد السمري سنة 329 هجرية ومن الواضح أن الكليني لم يظهر علاقته بالسفراء الأربعة في كتابه الكافي ومن الأمور الملفتة في أصول الكافي وفروعه عدم وجود رواية عن وكلاء الإمام الحجة الأربعة مع أنه من المستبعد أنه لم تكن بينه وبينهم معرفة وقد ذهب البعض إلى أن إسحاق بن يعقوب الوارد في هذه الرواية هو أخ محمد بن يعقوب الكليني كما ذكر ذلك الشيخ المظاهري في كتابه فقه الولاية والحكومة الإسلامية الجزء الأوّل عندما تطرق إلى التوقيع كما أن المحقق التستري في قاموس الرجال قد ذكر ذلك أيضاً إلا أنه لا دليل على أن إسحاق بن يعقوب هو أخ محمد بن يعقوب فمجرد الاشتراك في اسم الأب لا يعني ثبوت الأخوة بينهما والصحيح أن يقال إن هكذا رواية حساسة تتعلق بشأن الأئمة^ وشأن الشيعة في الغيبة إذا كانت مكذوبة فلابد أن يصدر تكذيب بشأنها ولابد أن يكون لأعلام الغيبة الصغرى بل أعلام بداية الغيبة الكبرى من موقف تجاه هذه الرواية خصوصاً أن الشيخ الصدوق قد رواها في كمال الدين وكذلك الشيخ الطوسي قد رواها في كتاب الغيبة فمن ذكرهما لهذه الرواية قد يستكشف قبولهم لهذه الرواية ولا أقل عدم تضعيفهم وتوهينهم لهذه الرواية.

وبالتالي لا يطعن في هذا التوقيع بسبب جهالة إسحاق بن يعقوب خصوصاً أن هذا التوقيع قد بلغ من الشهرة مكاناً كبيراً بين أعلام الطائفة المحقة، إذاً قد يدعى ثبوت الاطمئنان بصدور هكذا توقيع وينتفي الإشكال من ناحية السند، وأما من ناحية الدلالة فالرواية تقول >وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا< ومن الواضح أن المراد برواة الحديث هم الفقهاء الجامعون لشرائط الفتوى فليس المراد مجرد راوي الحديث وإن لم يفقهه إذ أن الإمام× قد جعله حجة على الشيعة ومن يمتلك قوله الحجية هو الراوي الذي يفقه هذه الروايات ويستطيع أن يستنبط منها الأحكام الشرعية بحيث يكون قوله حجة على المكلفين، إذاً هذه الرواية وهي التوقيع الشريف تام الدلالة على المدعى.

النتيجة النهائية الرواية الثانية تامة الدلالة على اشتراط الفقاهة والاجتهاد المطلق في ولي أمر المسلمين.

الرواية الثالثة مقبولة عمر بن حنظلة قال سألت أبا عبد الله× عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاء أيحل ذلك قال: >من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت وما يحكم له فإنما يأخذ سحتا وإن كان حقاً ثابتاً له لأنه أخذه بحكم الطاغوت وقد أمر الله أن يكفر به قال تعالى {يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ}([4] )، قلت فكيف يصنعان قال ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما فإني قد جعلته عليكم حاكماً فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما استخف بحكم الله وعلينا رد والراد علينا كالراد على الله وهو على حد الشرك بالله<([5] ).

هذه الرواية تامة من ناحية السند إذ يمكن الخدشة في عمر بن حنظلة لأنه لم يثبت توثيقه إلا أن خصوص هذه الرواية من روايات عمر بن حنظلة قد تلقاها الأصحاب بالقبول فيحصل الاطمئنان بمضمونها وبصدورها مما يغنينا عن النظر في سندها فهذه الرواية معتبرة سنداً.

وأما من ناحية الدلالة فهي دالة على اشتراط الاجتهاد المطلق والفقاهة في ولي الأمر إذ أن الإمام× قال: >ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا ـ وعطف عليه ما يدل على الفقاهة إذ قال ـ ونظر في حلالنا وحرامنا ـ ثم عطف ما يدل على الاجتهاد المطلق إذ قال ـ وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً فإني قد جعلته عليكم حاكما< وقد استظهرنا أن هذه الرواية تدل على ثبوت ولاية الأمر العامة للفقيه الجامع للشرائط وليست مختصة بالقضاء ولو سلمنا جدلاً أن هذه الرواية مختصة بالقضاء أو الفتوى فهي ناظرة إلى ولاية الفقيه على القضاء فقط أو ولاية الفقيه على الفتوى فقط فعلى الرغم من ذلك يمكن الاستدلال بها على اشتراط الفقاهة في ولي الأمر وإن لم يستدل بها على ثبوت ولاية الأمر العامة إذ أن القضاء شعبة من شعب الولاية العامة بل إن القضاء من أقوى شعب وفروع الولاية العامة فإذا اشترط في القضاء الفقاهة فبالأولوية القطعية نشترط الفقاهة في ولاية الأمر العامة فيمكن الاستدلال بهذه الرواية إن استظهرنا منها الاختصاص بالقضاء على اشتراط الفقاهة في ولي الأمر بضميمة الأولوية القطعية فإذا ثبت اشتراط الفقاهة في القاضي فمن باب أولى يثبت اشتراط الفقاهة في ولي أمر المسلمين.

النتيجة النهائية: الرواية الثالثة تامة الدلالة على اشتراط الفقاهة في ولي أمر المسلمين كما لا غبار عليها من ناحية السند.

الرواية الرابعة التمسك بمشهورة أو معتبرة أبي خديجة قال أبو خديجة سالم بن مكرم بعثني أبو عبد الله× إلى أصحابنا فقال: >قل لهم إياكم إذا وقعت بينكم خصومة أو تداري في شيء من الأخذ والعطاء أن تحاكموا إلى أحد من هؤلاء الفساق اجعلوا بينكم رجلاً قد عرف حلالنا وحرامنا فإني قد جعلته عليكم قاضياً وإياكم أن يخاصم بعضكم بعضا إلى السلطان الجائر<([6] ).

هذه الرواية مشهورة أو معتبرة على بعض المباني من ناحية السند وأما من ناحية الدلالة فقد استظهرنا فيما سبق اختصاصها بالقضاء فهي لا تدل على ثبوت ولاية الفقيه العامة ولكن يمكن الاستدلال بمشهورة أبي خديجة على اشتراط الفقاهة في ولي الأمر إذ أن المشهور قد دلت على اشتراط الفقاهة في القاضي والقضاء شعبة من شعب الولاية العامة فإذا اشترط في القاضي الفقاهة فمن باب أولى تشترط الفقاهة في ولي الأمر فهذه الرواية تامة الدلالة على المدعى بضميمة الأولوية القطعية، إذاً الرواية الرابعة تامة الدلالة على اشتراط الفقاهة في ولي أمر المسلمين.

الرواية الخامسة صحيحة القداح عن أبي عبد الله× أنه قال: >قال رسول الله| من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع وإنه يستغفر لطالب العلم من في السماء ومن في الأرض حتى الحوت في البحر إلى أن قال وإن العلماء ورثة الأنبياء إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً ولكن ورثوا العلم فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر<([7] ).

وقريب من صحيحة القداح رواية أبي البختري مع زيادة قوله| >فانظروا علمكم هذا عمن تأخذونه فإن فينا أهل البيت في كل خلف عدولاً ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين<([8] ).

هذه الرواية صحيحة من ناحية السند فهي تامة وأما من ناحية الدلالة فقد استظهرنا فيما سبق أنها لا تدل على ثبوت ولاية الفقيه العامة فضلا عن المطلقة وإنما هي ناظرة إلى العلم ووراثة الفقهاء لعلم النبي| ولكن هذه الرواية قد تصلح للتأييد إذ ورد فيها >إن العلماء ورثة الأنبياء< ومن الواضح أنه ليس كل عالم وارث لرسول الله وإنما خصوص الفقيه من العلماء هو الوارث لرسول الله| فبمقتضى وراثة الفقيه لرسول الله| لا يصلح أن يتبوأ أخطر موقع وحساس يتعلق بالشؤون العامة وهو الرئاسة العليا للسلطة في الإسلام إلا الفقيه الجامع للشرائط وبالتالي تدل هذه الرواية بمقتضى وراثة الفقيه للأنبياء اشتراط كون رئيس السلطة العليا في الإسلام هو الفقيه الجامع للشرائط وإن لم تدل هذه الرواية على ثبوت الولاية العامة للفقهاء، إذاً الرواية الخامسة تامة سنداً ودلالة على اشتراط الفقاهة في ولي الأمر.

الرواية السادسة مرسلة الفقيه وسنشرع في الروايات المؤيدة، خمس روايات تامة الدلالة سنداً ودلالة.

روى الشيخ الصدوقî في الفقيه وعيون أخبار الرضا ومعاني الأخبار والمجالس آمالي الصدوق بأسانيد متعددة تزيد عن الأربعة عن أمير المؤمنينj أنه قال: >قال رسول الله| اللهم ارحم خلفائي قيل يا رسول الله ومن خلفائك قال الذين يأتون من بعدي يروون عني حديثي وسنتي<([9] ).

وفي بعضها زاد في آخره >فيعلمونها الناس من بعدي<([10] )، وقد اختلف في سند هذا الحديث إلا أن طرق هذا الحديث متعددة كما أنه من مراسيل الصدوق الجازمة فهذا الحديث ضعيف من ناحية السند ولكن قد يحصل الاطمئنان بصدوره نظراً لتعدد أسانيده وطرقه هذا من ناحية السند.

وأما من ناحية الدلالة فقد استظهرنا عدم دلالة هذا الحديث على ولاية الفقيه العامة وإن صلح أن يكون مؤيداً لها إذ جاء فيها أن الفقيه والراوي للحديث خليفة رسول الله| ومن الواضح ظهور لفظ الخليفة في الرئيس والقائم مقام والمتصدي للسلطة العليا في الإسلام كما أن هذه الرواية ناظرة إلى خصوص الفقهاء فقوله| >الذين يأتون من بعدي يرون عني حديثي وسنتي< ليس ناظراً إلى كل من يروي حديث وسنة رسول الله| وإن لم يفقهها فقد جاء في خطبته المشهورة في مسجد الخيف بمنى >نَظَّرَ الله عبداً سمع مقالتي فوعاها ثم حملها إلى من لم يسمعها إلى أن يقول ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه< فليس المراد مطلق الراوي وإن لم يفقه الرواية بل المراد خصوص الراوي الفقيه الذي يعرف روايات النبي وسنة النبي|، إذاً هذه الرواية لا تدل على اشتراط الفقاهة في ولي الأمر لأنها ليست ناظرة إلى ولي الأمر من جهة وإنما هي ناظرة إلى تبليغ الأحكام الشرعية ولكن هذه الرواية تصلح مؤيداً لاشتراط الفقاهة في رئيس الدولة الإسلامية إذ أن هذه الرواية نصت على أن الفقيه خليفة لرسول الله| وقد يستظهر من لفظ الخلافة الرئاسة في الإسلام على تأمل، إذاً هذه الرواية تصلح أن تكون مؤيداً لاشتراط الفقاهة في ولي الأمر.

الرواية السابعة الرواية التي دلت على أن الفقهاء حصون الإسلام وهي رواية علي بن أبي حمزة البطائني قال سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر× يقول: >إذا مات المؤمن بكت عليه الملائكة وبقاع الأرض التي كان يعبد الله عليها وأبواب السماء التي كان يصعد فيها بأعماله وثلم في الإسلام ثلمت لا يسدها شيء لأن المؤمنين الفقهاء حصون الإسلام كحصن سور المدينة لها<([11] ).

هذه الرواية يمكن المناقشة فيها من ناحية السند والدلالة معاً فمن ناحية السند قد ورد فيها علي بن أبي حمزة البطائني وقد صدر اللعن بحقه وهو أحد أعمدة الوقف الثلاثة ولكن يمكن تصحيحها بناء على التفصيل بين روايات البطائني قبل وقفه وروايات البطائني بعد وقفه وقد يستظهر أن هذه الرواية من روايات البطائني قبل وقفه إذ رواها عن الإمام موسى بن جعفر× كما أن أصحاب الإجماع وبعض الثلاثة قد رووا عنه فيمكن توثيق البطائني بذلك إلا أن رواية أصحاب الإجماع وبعض الثلاثة عنه معارض بما صدر في حقه من اللعن وهناك من ذهب إلى توثيقه كالشيخ ميرزا غلام رضا عرفانيان وأفرد له رسالة مستقلة في كتابه مشايخ الثقات تحت عنوان القول الجلي في وثاقة البطائني علي وابنه الحسن هذا من ناحية السند وأما من ناحية الدلالة وقد ورد فيها لأن المؤمنين الفقهاء حصون الإسلام ومن الواضح أن الأصل في العناوين هو الموضوعية وقد ذكر قيد الفقهاء ونص على أنهم حصون الإسلام والحصن هو سور المدينة الواقي لها وبالتالي يشترط في سور المدينة وحصن المدينة ورئيس المدينة أن يكون من الفقهاء إلا أن هذا النص قد ورد في مصادر أخرى وفي نسخ أخرى من دون قيد الفقهاء ولأن المؤمنين حصون الإسلام فيمكن أن يناقش فيها من ناحية الزيادة والنقيصة ونظراً للإشكال السندي والدلالي إذ أننا لم نستظهر من هذه الرواية أيضاً ثبوت الولاية العامة للفقيه فيما سبق فإننا نبني على أن هذه الرواية من المؤيدات في اشتراط الفقاهة في ولي الأمر وليست من الأدلة التامة على اشتراط الفقاهة في ولي الأمر.

الرواية الثامنة عن أبي عبد الله× أنه قال: >اتقوا الحكومة فإن الحكومة إنما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين لنبي أو وصي نبي<([12] ).

هذه الرواية تامة من ناحية السند وأما من ناحية الدلالة فهي مختصة بخصوص القضاء والحكومة فهي لا تدل على ثبوت الولاية العامة أو المطلقة للفقيه الجامع للشرائط وإنما تدل على اشتراط الفقاهة في القاضي واشتراط العدالة أيضاً في القاضي ولكن قد يضم إلى هذه الرواية الأولوية القطعية فيقال إن القضاء شعبة من شعب الولاية فإذا اشترط في القضاء الفقاهة اشترط في ولاية الأمر الفقاهة من باب أولى لعظم خطر الرئاسة العامة والولاية العامة لشؤون المسلمين ومنها القضاء، إلا أنه قد يتأمل في ثبوت هذه الأولوية القطعية إذ أن الرواية نصت على أن هذا المنصب يثبت لنبي أو وصي نبي فلا يمكن التمسك بإطلاق وصاية الفقيه للنبي فقد يقال إن الرواية تدل على أن الفقيه وصي للنبي في خصوص القضاء وأما التعدي من وصاية الفقيه للنبي في القضاء إلى وصاية الفقيه للنبي في الولاية العامة والرئاسة العامة للمسلمين فهذا ما يحتاج إلى دليل فالقدر المتيقن من هذه الرواية بحسب المدلول المطابقي ثبوت وصاية الفقيه للنبي في خصوص القضاء ولا إطلاق لهذه الرواية في ثبوت مطلق الوصاية للفقيه في مطلق ما للنبي من شؤون ومنها الشأن العام وبالتالي لا تدل هذه الرواية على اشتراط الفقاهة في ولي أمر المسلمين وإن كانت هذه الرواية قد يستأنس بها وتشكل مؤيداً لاشتراط الفقاهة في ولي أمر المسلمين.

الرواية التاسعة قول أمير المؤمنين× لشريح وقد كان قاضياً >قد جلست مجلساً لا يجلسه إلا نبي أو وصي نبي أو شقي<([13] ).

قد ثبت أن الفقيه له أن يجلس مجلس القضاء والفقيه ليس نبياً ولا شقياً لأنه لم يتعدى بجلوسه مجلس القضاء على حدود الشريعة إذ سمح له في الشريعة ذلك فتثبت وصاية الفقيه للنبي في القضاء إذ أن الرواية تقول >قد جلست مجلساً لا يجلسه إلا نبي أو وصي نبي أو شقي< والفقيه ليس نبياً ولا شقياً فهو وصي نبي فإذا ثبتت وصاية الفقيه للنبي في القضاء ثبتت وصايته للنبي في الولاية العامة فيشترط الفقاهة في ولي أمر المسلمين وفيه ما تقدم في مناقشة الرواية الثامنة إذ أن القدر المتيقن من هذه الوصايا هو خصوص الوصايا في القضاء فلا يتعدى من وصاية الفقيه للنبي في القضاء إلى وصاية الفقيه للنبي في غير القضاء كولاية الأمر العامة، إذاً الرواية التاسعة لا تدل على اشتراط الفقاهة في ولي أمر المسلمين وإن أمكن أن يستأنس بها وتشكل مؤيداً لاشتراط الفقاهة والاجتهاد المطلق في ولي الأمر.

الرواية العاشرة والأخيرة رواية الفقه الرضوي ـ الفقه المنسوب للإمام الرضا ـ أنه قال: >منزلة الفقيه في هذا الوقت كمنزلة الأنبياء من بني إسرائيل<([14] ).

إلا أن هذه الرواية ضعيفة السند إذ لا اعتبار بالكتاب الفقه المنسوب للإمام الرضا× ولم يصلنا بطريق صحيح إلا أن هذه الرواية من ناحية الدلالة تدل على وراثة الفقيه للأنبياء من بني إسرائيل ومن الواضح أن بعض أنبياء بني إسرائيل قد حكموا كداود وسليمان وبعضهم قد تصدى للشؤون العامة كموسى× فهذه الرواية من ناحية الدلالة تدل على اشتراط الفقاهة في ولي أمر المسلمين إلا أنها ضعيفة السند فلا تشكل دليلاً على اشتراط الفقاهة في ولي الأمر وإن أمكن أن تشكل مؤيداً لاشتراط الفقاهة والاجتهاد المطلق في ولي أمر المسلمين، هذا تمام الكلام في عشر روايات الخمس الأولى منها تامة من ناحية السند والدلالة على اشتراط الفقاهة في ولي الأمر وتكفي رواية واحدة والخمسة الأخر من السادسة إلى العاشرة تصلح أن تشكل مؤيداً في اشتراط الفقاهة في ولي الأمر ويمكن أن تذكر عدة روايات تصلح أن تشكل مؤيداً وقد ذكرنا خمسة وثلاثين رواية عندما استدللنا على إثبات ولاية الأمر العامة بالروايات الشريفة مثل رواية >العلماء حكام على الناس< مثل رواية >الفقهاء أمناء< مثل رواية >علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل< إلا أن أكثر هذه الروايات ضعيفة من ناحية السند وبعضها غير تام من ناحية الدلالة.

 


[1] () الكافي، ج1، ص37، الحديث 5، باب المستأكل بعلمه.
[2] () مستدرك الوسائل، ح8، الباب35، من أبواب ما يكتسب به، من كتاب التجارة.
[3] () وسائل الشيعة، ج18، الباب11 من أبواب صفات القاضي، وقد نقل الحر العاملي هذه الرواية عن كتاب إكمال الدين وإتمام النعمة للصدوق وعن كتاب الغيبة للشيخ الطوسي ص176.
[4] () سورة النساء الآية 60.
[5] () وسائل الشيعة، ج27، ص478، الباب11 من أبواب صفات القاضي.
[6] () وسائل الشيعة، ج18، الباب11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 6.
[7] () الكافي، ج1، ص26، باب ثواب العالم والمتعلم، الحديث الأوّل.
[8] () نفس المصدر، ص24، كتاب فضل العلم باب صفة العلم وفضله، وفضل العلماء، الحديث 2؛ وسائل الشيعة، الباب8 من أبواب صفات القاضي، الحديث 2.
[9] () وسائل الشيعة، ج18، الباب8 من أبواب صفات القاضي، الحديث 50.
[10] () نفس المصدر، ح53، وطرق الحديث مذكورة في باب54 من أبواب الوضوء، ح4.
[11] () الكافي، ج1، ص29، باب فقد العلماء، الحديث 3.
[12] () وسائل الشيعة، الباب3 من أبواب صفات القاضي، الحديث 3.
[13] () نفس المصدر، الحديث 2.
[14] () الفقه المنسوب للإمام الرضا، ص338.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo