< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

39/05/30

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ولاية الفقيه وهي ولاية الفقاهة والعدالة

الشرط الرابع عشر: الفقاهة والعدالة من شروط الولي الأمر

الفقاهة والاجتهاد المطلق والشرط الرابع عشر والشرط الخامس عشر وهو العدالة هذان الشرطان الفقاهة والعدالة من أهم شروط الولي الفقيه، وقد أخرناهما إلى نهاية الشروط وجعلناهما الرابع عشر والخامس عشر لأهميتهما الفائقة والكبيرة في ولاية الفقيه العامة أو المطلقة حتى إن بعض الأعلام كسماحة آية الله الشيخ جوادي آملي= أسمى كتابه حول ولاية الفقيه بولاية الفقاهة والعدالة، فمن المعلوم إن شروط ولي الأمر كثيرة ولكن أهمها ثلاثة وهي الفقاهة والعدالة والكفاءة أي الخبرة اللازمة لإدارة شؤون المسلمين العامة، كما أن المفتي ومرجع التقليد فيه شروط كثيرة أهمها الفقاهة والعدالة والأعلمية، إذاً المراد بالأعلمية في مرجع التقليد هو الأقدر على استنباط الحكم الشرعي الفقهي من مداركه المقررة بينما المراد بالأكفأ والأخبر في الولي الفقيه الأعلم بشؤون الحكم العامة، فالمراد بالأكفأ والأخبر والأعلم في ولي الأمر هو الأقدر على استنباط الأحكام الشرعية مع الإلمام بالجزئيات الدقيقة واللازمة لإدارة الشؤون العامة للمسلمين.

ويمكن الاستدلال على اشتراط الفقاهة والعدالة في ولي الأمر بالأدلة الأربعة من القرآن والسنة والإجماع والعقل، وقبل أن نشرع في بيان الأدلة الأربعة نوضح مقتضى الأصل العملي في المسألة فالأصل هو عدم ولاية أحد على أحد خرجنا عن هذا الأصل فيما يرتبط بالنبي| والأئمة^ لدلالة الدليل على ذلك كقوله تعالى ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ﴾ فيبقى ما عدى النبي والأئمة^ تحت أصل عدم ولاية أحد على أحد، فإذا شككنا في مورد هل يندرج تحت هذا الأصل أم يخرج عن هذا الأصل كان مقتضى القاعدة اندراج المورد المشكوك تحت الأصل العملي ولا نرفع اليد عن الأصل العملي إلا إذا دل الدليل فالأصل أصيل حيث لا دليل، وفي مورد بحثنا لو شككنا أن الولي الفقيه وولي الأمر هل يشترط فيه الفقاهة والعدالة أو لا؟ كان مقتضى القاعدة الاقتصار على القدر المتيقن في الخروج عن أصل عدم ولاية أحد على أحد والقدر المتيقن في ولي الأمر الذي يخرج عن أصل عدم ولاية أحد على أحد هو خصوص ولي الأمر الفقيه العادل الجامع للشرائط فإذا قلنا إنه بمقتضى الحسبة مثلا نخرج عن أصل عدم ولاية أحد على أحد وشككنا هل يشترط في ولي الأمر الفقاهة والعدالة كان مقتضى القاعدة بقطع النظر عن دلالة أي دليل على اشتراط الفقاهة والعدالة كان مقتضى القاعدة هو التمسك بالقدر المتيقن وهو خصوص الفقيه العادل الجامع للشرائط، إذاً اشتراط الفقاهة والعدالة هو القدر المتيقن للخروج عن الأصل العملي الأولي إذا اتضح مقتضى الأصل العملي نشرع في بيان الأدلة الأربعة على اشتراط الشرط الرابع عشر وهو الفقاهة والمراد بالفقاهة الاجتهاد المطلق أي أن يحوز ولي الأمر على الملكة التي من خلالها يمكن استنباط جميع الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية، فالاجتهاد المطلق هو القدرة على استنباط جميع الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية وتفصيل ذلك يأتي في بحث الاجتهاد والتقليد في الفقه والأصول.

أما الأدلة الأربعة فنقسمها إلى أقسام أربعة:القسم الأول: الأدلة من القرآن الكريم

ويمكن أن يستدل على اشتراط العلم والفقاهة في ولي الأمر بسبع آيات على الأقل من كتاب الله ذكرها الشيخ محمد المؤمن القمي+[1] وقد تطرق إلى بعضها الشيخ المنتظري&.[2]

والتحقيق أن هذه الآيات السبع لا تدل بأجمعها على اشتراط الفقاهة في ولي الأمر نعم تدل الآية الأولى والآية الثانية على اشتراط العلم كما أن الآية الثالثة والآية الرابعة تدلان على فضل العلم وسيتضح التحقيق من خلال بيان الآيات السبع.

الآية الأولى قوله ﴿قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ [3]

هذه الآية وردت في ذم المشركين وإبطالاً لشركهم وقد جاء في ذيلها ما يدل على عدم جواز اتباع الجاهل الذي لا يهتدي بنفسه إلى الحق وحيث إن ولي أمر المسلمين واجب الإتباع لا يمكن أن نلتزم بجواز كونه جاهلاً إذ أن الجاهل لا يجوز إتباعه فلا يصلح الجاهل لولاية الأمر، إذاً دلت الآية الكريمة على اشتراط العلم في ولي الأمر.

وقد يؤيد هذا الفهم بما ورد في كتاب الحدود من فروع الكافي بإسناد ثقة الإسلام الكليني إلى أبي بصير عن أبي عبد اللهj قال: (لقد قضى أمير المؤمنين× بقضية ما قضى بها أحد كان قبله وكان أوّل قضية قضى بها بعد رسول الله| وذلك أنه لما قبض رسول الله| وأفضي الأمر إلى أبي بكر أوتي برجل قد شرب الخمر فقال له أبو بكر أشربت الخمر؟ فقال الرجل نعم فقال ولم شربتها وهي محرمة؟ فقال إنني لما أسلمت ومنزلي بين ظهراني قوم يشربون الخمر ويستحلونها ولو أعلم أنها حرام فاجتنبتها قال فالتفت أبو بكر إلى عمر فقال ما تقول يا أبا حفص في أمر هذا الرجل فقال معضلة وأبو الحسن لها فقال أبو بكر يا غلام أدعو لنا علياً قال عمر بل يؤتى الحكم في منزله فأتوه ومعه سلمان الفارسي فأخبره بقصة الرجل فاقتص عليه قصته فقال علي× لأبي بكر ابعث معه من يدور به على مجالس المهاجرين والأنصار فمن تلا عليه آية التحريم فليشهد عليه فإن لم يكن تلا عليه أحد آية التحريم فلا شيء عليه ففعل أبو بكر بالرجل ما قال علي× فلم يشهد عليه أحد فخلى سبيله فقال سلمان لعلي× لقد أرشدتهم فقال علي×) [4] إنما أردت أن أجدد تأكيد هذه الآية فيَّ وفيهم ﴿أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ [5]

فهذه الرواية يؤكد فيها أمير المؤمنين× على اشتراط العلم في ولي أمر المسلمين وأنه أحق بالخلافة من أبي بكر لأنه عالم مهتد بخلاف الجاهل الذي لا يهتدي.

والتحقيق: إن الاستدلال بالآية الكريمة وبهذه الرواية المؤيدة تام على اشتراط العلم في ولي الأمر لكنها لا تدل على اشتراط خصوص الفقاهة والاجتهاد المطلق في ولي الأمر إذ أن الفقاهة المطلقة درجة كبيرة من العلم لا تدل الآية على اشتراطها نعم تدل الآية على أنه لو وجد العالم المهتدي والجاهل الذي لا يهتدي، فرتبة العالم المهتدي مقدمة على رتبة الجاهل الذي لا يهتدي لكنها لا تنص على أن العالم الذي يهدي هو خصوص الفقيه الجامع لشرائط الفتوى والرواية المؤيدة التي استشهد بها على اشتراط العلم إنما وردت في خصوص الإمام المعصوم× وهو علي بن أبي طالب×، إذاً الآية الأولى تدل على اشتراط العلم في ولي الأمر ولا تدل على اشتراط الاجتهاد المطلق والفقاهة في ولي الأمر.

الآية الثانية الآيات في قوله تعالى ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾.[6]

إن الملأ من بني إسرائيل قد طلبوا من نبي زمانهم أن يبعث لهم ملكا لأن الملك في زمانهم كان في بيت والنبوة في بيت آخر كما تدل عليه الرواية الواردة في تفسير القمي[7] فأجابهم النبي إلى مسألتهم وقال ﴿لهم إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا﴾ فلم يقبلوا ذلك لأن الملك عندهم من يمتلك مالاً ووجاهة فأجابهم النبي ﴿إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ والملاك هو اختيار الله واصطفاء الله﴾ وذكر صفتين أشبه بالحيثية التعليلية وهي قولهP ﴿وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ﴾ أي أن البسطة والزيادة في العلم والجسم اللذان لهمامدخلية كبيرة في قيادة الناس والمجتمع هذان الوصفان شرطان مهمان في الحاكم في المجتمع، إذاً الآية الكريمة تدل على اشتراط العلم في ولي الأمر.

قد يقال إن هذه الآية خاصة ببني إسرائيل ولا تشمل الأمة المرحومة أمة الإسلام، والجواب إن الآية الكريمة قد ذكرت ما هو أشبه بالحيثية التعليلية وهو أنه يجب اتباع طالوت لأمرين، أوّلاً لأن الله قد اصطفاه عليكم وثانيا لأن الله قد زاده بسطة في العلم والجسم والسر في اصطفاء الله له هو أنه توفر على البسطة في العلم والجسم وهاتان الحيثيتان لا تختصان ببني إسرائيل بل يمكن التعدي عن مجتمع بني إسرائيل إلى مختلف المجتمعات ومنها المجتمع الإسلامي، ويؤيد التعدي عن بني إسرائيل إلى غيرهم ما ورد عن أمير المؤمنين× في خطبة طويلة خطب بها قبل استشهاده يدعو فيها الناس إلى حرب معاوية، فإنه× قال فيها (اسمعوا ما أتلوا عليكم من كتاب الله المنزل على نبيه المرسل لتتعظوا به فإنه والله عظة لكم فانتفعوا بمواعظ الله وازدجروا عن معاصي الله فقد وعظكم الله بغيركم فقال لنبيه| أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ فتلاه إلى قوله تعالى وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ، ثم قال يا أيها الناس إن لكم في هذه الآيات عبرة لتعلموا أن الله تعالى جعل الخلافة والإمرة من بعد الأنبياء في أعقابهم وأنه فضل طالوت وقدمه على الجماعة باصطفائه إياه وزيادته بسطة في العلم والجسم فهل تجدون اللهP اصطفى بني أمية على بني هاشم وزاد معاوية على عليَّ بسطة في العلم والجسم)[8] ، إذاً أمير المؤمنين× في هذه الرواية جعل الآية عظة للمسلمين جارية بعد رسول الله| ومفادها أن العلم والبسطة فيه شرط في ولي أمر المسلمين لذلك قدم أمير المؤمنين على معاوية وأنَّا لمعاوية أن يقارن بعلي أبن أبي طالب×.

والتحقيق إن الاستدلال بهذه الآية على اشتراط العلم في الحاكم الإسلامي تام لكنها لا تدل على اشتراط خصوص الفقاهة والاجتهاد المطلق فتكون الآية الثانية من سورة البقرة كالآية الأولى من سورة يونس دالتين على اشتراط العلم في ولي الأمر ولا دلالة فيهما على اشتراط الفقاهة والاجتهاد المطلق في ولي الأمر.

الآية الثالثة قوله ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ﴾[9]

الآية فيها استفهام إنكاري فهي تستنكر على تسوية الذين يعلمون بالذين لا يعلمون ولشدة وضوح هذا الأمر عقبت الآية بقوله تعالى ﴿إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ﴾ أي أن كل ذي لب وعقل راجح يدرك عدم استواء العلم مع عدم العلم فهذا من كمال البداهة فإذا كان العلم لا يستوي مع عدم العلم يكون من الواضح أن العلم شرط من شروط ولي الأمر ولا يصلح الفاقد للعلم لتولي منصب ولاية الأمر.

وفيه إن نفي الاستواء بين الذين يعلمون والذين لا يعلمون يتحقق في مورد أو بعض الموارد فيكفي لصدق عدم الاستواء تحقق عدم الاستواء في بعض الموارد ولا يشترط تحقق عدم الاستواء في جميع الموارد فمن يعلمون ولا يعلمون يستوون في التنفس والأكل والشرب والنوم وحاجات الإنسان البدنية وغير ذلك، فالآية الكريمة لو نظرنا إلى حيثية الاستواء نقول يكفي لكي ينتفي الاستواء بين الذين يعلمون والذين لا يعلمون أن ينتفي الاستواء في بعض الموارد ولا يشترط أن ينتفي الاستواء في جميع الموارد فقد يكون منصب ولاية الأمر من الموارد التي يكون فيها العلم وعدمه سواء هذا من ناحية.

ومن ناحية أخرى يظهر والله العالم أن الآية الكريمة ليست في مقام الاشتراط وإنما هي في مقام بيان فضيلة العلم والعلماء فهي تقول "إن العباد الذين يقنتون آناء الليل ويسجدون ويقومون حذراً من هول الآخرة ورجاء لرحمة الله هل يستوون مع من لا يتعبدون ولا يتهجدون" لا شك ولا ريب أن العابد المتهجد أفضل من الخامل الذي لا تهجد له كذلك الذين يعلمون هم أفضل من الذين لا يعلمون فالآية الكريمة في مقام بيان فضل العلم ورجحان العلم على الجهل وليست في مقام اشتراط العلم في شيء معين، إذاً الآية الثالثة لا تدل على اشتراط ولزوم العلم في ولي الأمر نعم تدل على أفضلية ورجحان توفر العلم في ولي أمر المسلمين.

الآية الرابعة قوله ® ﴿وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾[10]

نفت الآية الكريمة الاستواء بين الرجل الذي لا يقدر على شيء ولا يأتي بخير مع الرجل الذي يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم ومن الواضح أن الأمر بالعدل والكون على صراط مستقيم فرع العلم فمن لا علم له بموارد العدل كيف يأمر بالعدل ومن لا علم له بطريق الحق كيف يكون على صراط مستقيم فالآية نفت الاستواء بين الجاهل والعالم فهي تقول إن العالم يصلح لولاية الأمر بينما الجاهل لا يصلح لولاية الأمر.

وفيه ما تقدم من المناقشة في الآية الثالثة إذ أن نفي الاستواء بين الجاهل والعالم يكفي صدقه في بعض الموارد ولا يشترط صدقه في جميع الموارد ولعل مورد ولاية الأمر ليس منها كما أن ظاهر الآية أنها في مقام بيان فضل الأمر بالعدل والكون على صراط مستقيم على الرجل الضعيف الذي لا يقدر على شيء وهو كَلٌّ على مولاه فهي تنفي الاستواء بين الرجل المقتدر والرجل غير المقتدر وليست في مقام بيان اشتراط القدرة والعلم وإنما هي في مقام بيان أفضلية القدرة والعلم، إذاً الآية الرابعة تدل على أفضلية العلم ورجحان العلم في ولي الأمر وغيره ممن يتبوأ موقعاً يحتاج إلى الاقتداء لكنها لا تدل على اشتراط العلم فضلاً عن الفقاهة، إذاً الآية الرابعة كالآية الثالثة لا تدل على اشتراط العلم فضلاً عن اشتراط الفقاهة والاجتهاد المطلق في ولي أمر المسلمين.

الآية الخامسة قوله¨ حكاية على لسان نبي الله يوسف× حينما خاطب ملك مصر ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾. [11]

قوله إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ تعليل لطلب يوسف× لكي يجعله الملك على خزائن مصر في ذلك الوقت، ففي هذا الكلام دلالة على اشتراط العلم في من يوكل إليه أمر أو مهمة معينة وهي حفظ خزائن الأرض في الآية الكريمة، إذاً العلم شرط فيمن يتولى مسؤولية عظيمة فضلاً عن ولاية الأمر العامة.

وفيه: لا دلالة في الآية الكريمة على الاشتراط بل قد يستظهر الأنسبية المحضة غير الواصلة إلى حد الاشتراط فالنبي يقول أنا الأنسب من غيري لتولي حفظ خزائن الأرض لأني حفيظ عليم ولا تدل على اشتراط أن يكون من يجعل على خزائن الأرض حفيظ عليم هذا أوّلاً.

وثانياً لو سلمنا ظهور الآية الكريمة في الاشتراط فهي لا عموم فيها فهي لا تشمل جميع الأمور وإنما تختص بخصوص المهمة الخطيرة والعظيمة وهي حفظ خزائن الأرض والتعدي منها إلى غيرها يحتاج إلى دليل ولا قرينة في الآية الكريمة على التعدي.

والأمر الثالث هذا الكلام هو شهادة من يوسف× ولا دلالة فيها على أن هذا هو أمر الله¨ وإنما هو كلام النبي يوسف ترغيباً للملك فلربما هذا أمر عقلائي استحسنه النبي يوسف× وذكره للملك لكي يقبله كما يقبله جميع العقلاء وليس تشريعاً من الله¨ غاية الأمر أنه فيه إشارة وإيماء إلى الاشتراط، إذاً الآية الخامسة لا تدل على اشتراط العلم فضلا عن الفقاهة والاجتهاد المطلق في ولي الأمر نعم تدل الآية الكريمة على فضيلة العلم ورجحان كون المتولي للأمور من العلماء لا من الجهلة.

الآية السادسة قوله¨ حكاية لقول إحدى بنات شعيب لأبيها ترغيباً له في أن يستأجر موسى× ﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾[12]

ويقال على ما في بعض التفاسير من أنها أرادت أن تخطب نبي الله موسى× ولذلك نبي الله شعيب رعاية لعفتها يعبر القرآن هكذا ﴿قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ﴾ [13] ولم يعينها صيانة لعفتها وأيضا القرآن الكريم يقول ﴿فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا﴾ [14] هذا كله حفاظاً على عفتها.

لقد عللت الآية الكريمة كون استئجار موسى× من الأمور الخيرة هو كونه قوياً أميناً فالأمانة والقوة تتحققان في العمل مع العلم فمنشأ الخيرية في استئجار القوي الأمين هو كونه عالماً إذ أن المستأجر إذا كان عالماً سيكون قوياً أميناً فيئول الأمر إلى اشتراط العلم فيمن يوكل إليه أمر كالأجير، فتدل الآية على اشتراط العلم في ولي الأمر إذ أن الأمانة والقوة شرطان بعد العلم في المستأجر العادي فكيف بولي الأمر.

وفيه: أوّلاً إن المذكور في الآية الكريمة هو نفس القدرة والأمانة ولم يذكر معهما العلم ولم يذكر الفعل الذي استأجر عليه موسى× ولعله لا يزيد على أكثر من سقي الدواب والأنعام الذي يعلمه كل أحد ولا يحتاج إلى علم فلو كان المستأجر عليه هو خصوص سقي الدواب لم يدخل العلم في هذه الحيثية فيمتثل المطلوب.

وثانياً إن ظاهر التعليل ليس هو الاشتراط وإنما الأنسبية فكأنما الآية الكريمة تقول إن القوي الأمين هو أفضل للاستئجار من الضعيف غير الأمين ولا دلالة فيها على الاشتراط.

وثالثاً الآية الكريمة فيها تعبير يفيد عدم اللزوم إذ قالت إن خير من استأجرت فالخيرية تدل على الأفضلية ولا تدل على اللزوم والرجحان فابنة شعيب استندت إلى أمر عقلائي يمضي عليه العقلاء وهو أن القوي الأمين أفضل من الضعيف الذي لا يتوفر على الأمانة، إذاً الآية السادسة لا تدل على اشتراط العلم في ولي الأمر فضلاً عن اشتراط الاجتهاد المطلق، نعم تدل الآية الكريمة على رجحان توفر الأمانة والقوة في ولي الأمر حاله حال غيره من المهمات الخطيرة والصعبة.

الآية السابعة والأخيرة قوله P حكاية لما قاله بعض الأخيار من العفاريت وغيرهم الذين أحاطوا بنبي الله سليمان× بمسألة الإتيان بعرش بلقيس من سبأ ﴿قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾.[15]

التعبير بقولهP ﴿الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ﴾[16] فيه دلالة على أن كونه عالماً هو الملاك الملتفت إليه فيه لكونه عالم استطاع أن يأتي بعرش بلقيس قبل أن يرتد طرف سليمان إليه فهي تدل على اشتراط العلم في تفويض الأمر إلى أحد وهذا هو المطلوب.

وفيه: أوّلاً إن العلم المذكور في الآية الكريمة هو علم خاص من الأمور المكنونة والمخزونة الذي لا يتوفر إلا في بعض الملائكة والأنبياء والأئمة^ وبعض أولياء الله المقربين، ولهذا العلم آثار عجيبة تمكن صاحبه من الإتيان بالأشياء البعيدة حاله حال طي الأرض ومن الواضح مثل هذا العلم لا يشترط في ولي الأمر.

وثانياً الآية ليست ظاهرة في الاشتراط وإنما تدل على أن الذي جاء بعرش بلقيس قد توفر على هذا العلم لذلك استطاع أن يأتي بعرش بلقيس ولا تدل على اشتراط توفر هكذا علم في ولي الأمر.

والأمر الثالث ولو سلمنا على دلالتها على الاشتراط فلا عموم فيها فهي خاصة بخصوص هذا الصالح الذي جاء بعرش بلقيس إلى نبي الله سليمان×، إذاً الآية السابعة لا تدل على اشتراط العلم فضلا عن الفقاهة والاجتهاد المطلق في ولي الأمر.

وقد اتضح أن القسم الأوّل وهو الآيات التي اسُتدل بها على اشتراط العلم والفقاهة والاجتهاد المطلق في ولي الأمر لا تدل على المدعى فجميع الآيات السبعة التي اسُتدل بها على اشتراط الفقاهة والعلم في ولي الأمر لا تدل على المدعى والعمدة في اشتراط الفقاهة في ولي الأمر الروايات الواردة في السنة الشريفة فيقع الكلام فيها.

 


[1] الولاية الإلهية الإسلامية، ج3، ص206.
[2] دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية، المنتظري، الشيخ حسين علي، ج1، ص150.
[8] نهج البلاغة، الخطبة 61، ج1، ص510.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo