< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

39/05/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:الدليل الثاني عشر من القسم الثاني وهو الروايات والأحاديث

الدليل الثاني عشر من القسم الثاني وهو الروايات والأحاديث التي اسُتدل بها على اشتراط الرجولة في ولي الأمر ما رواه القمي في تفسيره بإسناده عن عبد الله بن العباس قال حججنا مع رسول الله| حجة الوداع فأخذ بحلقة باب الكعبة ثم أقبل علينا بوجهه فقال: >ألا أخبركم بأشراط الساعة وكان أدنى الناس منه يومئذ سلمان فقال بلى يا رسول الله فقال| إن من أشراط القيامة إضاعة الصلوات وإتباع الشهوات والميل إلى الأهواء إلى أن قال يا سلمان فعندها تكون إمارة النساء ومشاورة الإماء وقعود الصبيان على المنابر ويكون الكذبُ طرفاً والزكاة مغرماً والفيء مغنماً ويجفي الرجل والديه ويضر صديقه ويطلع الكوكب المذنب قال سلمان وإنَّ هذا لكائن يا رسول الله قال أي والذي نفسي بيده<([1] ).

الحديث تضمن عدة أمور منكرة جداً وقد عُد منها إمارة النساء والإمارة إما يراد بها الرئاسة العليا للدولة الإسلامية أو إمارة منطقة معينة وعلى كلا التقديرين فإمارة المرأة من الأمور المنكرة التي ستحصل في آخر الزمان؛ وبالتالي هذه الرواية تدل على أن ولاية المرأة وإمارتها منكرة وغير جائزة، إذاً دلالة الحديث تامة إلا أن الكلام في سند هذا الحديث فقد تضمن رجالاً مجهولي الحال على أننا لا نرى أن تفسير القمي قد وصل إلينا بسند صحيح؛ فالأسانيد التي ذكرت في الإجازات ومنها سند صاحب الوسائل إلى تفسير القمي صحيحٌ ولكن لو رجعنا إلى النسخة الموجودة والمتداولة بين أيدينا لرأينا أنها نسخة مختلطة بين تفسير أبي الجارود الزيدي الذي يروي عن الإمام الباقر× وبين تفسير علي بن إبراهيم القمي والجامع للتفسيرين هو أبو الفضل العباس وهو رجل مجهول؛ وبالتالي لا يمكن التعويل على النسخة الواصلة إلينا فتكون هذه الرواية ضعيفة السند لعدم اعتبار النسخة الواصلة إلينا هذا من جهة ومن جهة أخرى لو غضضنا النظر عن عدم صحة الطريق الواصل إلينا وقلنا بصحة طريق صاحب الوسائل وأنه قد وصلته نسخة غير النسخة الواصلة إلينا على أننا نرى أن ما وصل إلى صاحب الوسائل هو نفس النسخة التي وصلت إلينا فإن نفس السند فيه بعض المجاهيل، إذاً الدليل الثاني عشر تام الدلالة إلا أنه ضعيف السند فلا يُشَكِل دليلاً نعم قد يكون مؤيداً من المؤيدات.

الدليل الثالث عشر ما رواه ثقة الإسلام الكليني في الكافي بسند معتبر عن رجل من أصحابنا يكنى أبا عبد الله رفعه إلى أبي عبد الله× قال: >قال أمير المؤمنين× كل امرئ تُدَبِرُه امرأة فهو ملعون<([2] )، وروى الصدوق نفس هذه الرواية بطريق مرسل([3] )، وقد نقل عنهما الحر العاملي([4] ).

حكم الإمام× بلعن كل امرئ تدبره امرأة واللعن هو الإبعاد عن الرحمة فاللعن دعاء وطلب الإمام إبعاد الرحمة عن من تدبره المرأة يكشف عن مبغوضية تدبير المرأة لشؤون الرجل في الشريعة الغراء وولاية المرأة لشؤون المسلمين العامة تستلزم تدبير أمر جميع المسلمين رجالاً ونساء فهذا يكشف عن مبغوضية تدبير المرأة لشؤون المسلمين بما فيهم الرجال فتكون دلالة الحديث على المطلوب تامة إلا أن سند الكليني فيه إرسال وفيه رفع وسند الصدوق مرسل فالرواية ضعيفة السند إلا إذا بنينا على صحة جميع أحاديث الكافي أو صحة جميع أحاديث من لا يحضره الفقيه أو لا أقل صحة خصوص مراسيل الصدوق.

ونحن لا نبني على ذلك فتكون الرواية ضعيفة عندنا، إذاً الدليل الثالث عشر تام الدلالة على اشتراط الرجولة في ولي الأمر وعدم صحة تولي المرأة لشؤون الرجال إلا أن سنده ضعيف فيسقط عن الاعتبار نعم قد يشكل مؤيداً لاشتراط الرجولة والذكورة في ولي الأمر.

الدليل الرابع عشر ما رواه ابن شعبة الحراني في تحف العقول في عداد القصار من كلمات النبي الأعظم| قال: >إذا كان أمرائكم خياركم وأغنيائكم سمحائكم وأمركم شورى بينكم فظهر الأرض خيرٌ لكم من بطنها وإذا كان أمرائكم شراركم وأغنيائكم بخلائكم وأموركم إلى نسائكم فبطن الأرض خيرٌ لكم من ظهرها<([5] ).

موضع الاستدلال في هذه الرواية هو أن أحد الأمور التي توجب أن يكون بطن الأرض خيراً للمسلمين من أرضها هو قوله| كون أمور المسلمين إلى نسائهم وكون أمور المسلمين إلى نسائهم يشمل أمر الإنسان في بيته وعائلته وحياته الزوجية وأموره الشخصية مع زوجته ويشمل أيضاً الأمور العامة للمسلمين؛ فإذا جُعِلَ تدبير شؤون المسلمين إلى المرأة فبطن الأرض خيرٌ للمسلمين من ظهرها وهذا يكشف عن أن هذا أمر مستنكر ومبغوض عند الشارع فتكون دلالة الرواية على عدم مشروعية ولاية المرأة للشؤون العامة تامة إلا أن الرواية مرسلة.

قد يقال: إن المراد بقوله| >وأموركم إلى نسائكم< ظاهرٌ في خصوص الحياة الزوجية والعائلية فهو ينصرف إلى خصوص الحياة الزوجية ولا يشمل مطلق النساء فلا يعم تولي المرأة لولاية الأمر إلا أن الإنصاف إن ظاهر الرواية بمقتضى المقابلة هو الشؤون العامة للمسلمين لأن الرواية ذُكِرَ فيها ثلاثة أمور متقابلة:

الأمر الأوّل إذا كان أمرائكم خياركم وفي مقابلها إذا كان أمرائكم شراركم.

والأمر الثاني إذا كان أغنيائكم سمحائكم فظهر الأرض خيرٌ لكم من بطنها وما يقابله إذا كان أغنيائكم بخلائكم فبطن الأرض خيرٌ لكم من ظهرها.

والأمر الثالث وأمركم شورى بينكم؛ وأمركم شورى بينكم هذا ظاهر في الشأن العام لا في الشأن العائلي وجاء في مقابله وأموركم إلى نسائكم؛ فمقتضى قرينة المقابلة يستكشف إن المراد هو الشأن العام لا الشأن الشخصي ولا أقل من الإطلاق فلا يختص هذا اللفظ بخصوص الشؤون الشخصية والعائلية، إذاً الدليل الرابع عشر تام الدلالة على اشتراط الرجولة والذكورة في ولي الأمر ومبغوضية وعدم مشروعية تولي المرأة لولاية الأمر إلا أن سند الدليل الرابع عشر مُرسل فيسقط عن الاعتبار لكنه يصلح للتأييد.

الدليل الخامس عشر ما دل على عدم جواز إمامة المرأة للرجال فيستكشف بالأولوية عدم جواز تولي المرأة لشؤون الرجال في شأن أخطر من إمامة صلاة الجماعة من هذه الروايات ما رواه المحدث النوري في مستدرك الوسائل عن الدعائم عن الإمام جعفر بن محمد× قال: >لا تؤم المرأة الرجال وتصلي بالنساء<([6] )، وقد وردت عدة روايات بهذا الصدد فيمكن مراجعة الباب عشرين من أبواب صلاة الجماعة من وسائل الشيعة فقد ذكرت فيه هذه الروايات.

فيقال: في الاستدلال هكذا؛ دلت الروايات على عدم جواز إمامة المرأة للرجل في صلاة الجماعة فلا تنعقد لها الإمامة الكبرى ولا القضاء بطريق أولى فإن خطر الإمامة الكبرى وهي ولاية الأمر وكذلك القضاء وكذلك الإفتاء أعظم من خطأ صلاة الجماعة فإذا لم تجز لها إمامة الرجل في الصلاة فمن باب أولى لا يجوز لها التصدي للإمامة الكبرى وولاية الأمر إلا أن هذه الرواية ضعيفة السند لكن التمسك بمثل هذه الأولوية لا يخلو من قوة فتكون دلالة الدليل الخامس عشر تامة إلا أن الرواية ضعيفة السند فيصلح الدليل الخامس عشر للتأييد ولا يشكل دليلاً على اشتراط الرجولة وهكذا من ضمن الأدلة ما دل على اشتراط الرجولة في القضاء فإذا اشترط في القاضي أن يكون رجلاً فمن باب أولى يشترط في ولي الأمر أن يكون رجلاً لأن القضاء شعبة من شعب الولاية العامة وقد مضت الروايات التي دلت على أن المرأة لا تلي القضاء ولا تستشار.

الدليل السادس عشر والأخير ما رواه المحدث النوري في مستدرك الوسائل عن كتاب تحفة الأخوان عن أبي بصير عن الإمام الصادق× قال ابن عباس >فنوديت يا حواء الآن اُخرجي أبدا فقد جعلتك ناقصة العقل والدين والميراث والشهادة إلى أن يقول ولم أجعل منكن حاكماً ولا أبعث منكن نبياً<([7] ).

تقريب الاستدلال التمسك بقوله× ولم أجعل منكن حاكماً فلفظ الحاكم إما أن يراد به ولي الأمر وإما أن يراد به خصوص القاضي فإذا حملنا لفظ الحاكم على القاضي يثبت عدم جواز تولي المرأة لولاية الأمر بالملازمة، إذ أن القضاء والحكومة شعبة من شعب الولاية الكبرى والولاية العامة وأما إذا حملنا لفظ الحاكم على ولي الأمر كما هو ليس ببعيد فتكون الرواية صريحة في عدم مشروعية حكومة النساء وتوليهن لولاية الأمر لكن الرواية ضعيفة السند وقد يقال إنها قد جاءت على لسان ابن عباس لا على لسان الإمام الصادق× إذا الدليل السادس عشر تام الدلالة لكنه ضعيف السند فيسقط عن الاعتبار ولا يشكل دليلاً؛ نعم يصلح للتأييد.

خلاصة القسم الثاني وهو الاستدلال على اشتراط الرجولة في ولي الأمر بالروايات والأحاديث اتضح أن العمدة منها هو خصوص الدليل الأوّل وهو صحيحة سدير ولكن حتى لو ناقشنا في الدليل الأوّل وهو صحيحة سدير فإننا نجد أن أكثر الروايات دلالتها واضحة بل بعضها صريح على عدم صحة ولاية المرأة للشؤون العامة للمسلمين إذ ورد في بعضها >لا تلي النساء الإمامة؛ ولا تُسند الإمامة إلى المرأة< فهذه الروايات أكثرها ضعيف السند من جهة إلا أنه تام الدلالة من جهة أخرى وبالتالي تشكل هذه الروايات تواتراً معنوياً على عدم مشروعية تولي المرأة لولاية الأمر مما يعني اشتراط الرجولة والذكورة في ولي الأمر ولا أقل من التواتر الإجمالي فيكفي هذا الدليل وهو العمدة في اشتراط الرجولة في ولي الأمر عندنا فالروايات المتواترة تواتراً معنوياً تدل على اشتراط الرجولة في ولي الأمر وعدم مشروعية وأهلية المرأة لتولي السلطة العليا في الإسلام، هذا تمام الكلام في القسم الثاني وهو الاستدلال بالروايات والأحاديث على اشتراط الرجولة في ولي الأمر.

القسم الثالث الإجماع وتارة نتكلم عن اشتراط الرجولة في القضاء وتارة نتكلم عن اشتراط الرجولة في الإمامة وولاية الأمر ولا يخفى أن مسألة اشتراط الذكورة والرجولة في القضاء قد ذكرت في كتب العامة والخاصة فقد ذكرها الفقهاء في الكتب الفقهية للشيعة وأهل السنة إلا أن اشتراط الرجولة في الإمام وولي الأمر قد عُنون في كتب العامة لكنه لم يعنون في الكتب الفقهية للشيعة الإمامية، نعم ذكر فقهاء الشيعة في باب القضاء اعتبار الذكورة في القاضي وادعوا فيه الاتفاق وعدم الخلاف بل الإجماع ولعل الظاهر إن القضاء شعبة من شعب الولاية بل من أهم شعب الولاية، بل القضاء شأن من شؤون الإمام فأهم شؤونه ثلاثة، الإفتاء والقضاء وتدبير الشؤون العامة وقد اتفق الفقهاء على ثبوت ولاية الإفتاء وولاية القضاء للفقيه الجامع للشرائط واختلفوا في ثبوت الولاية العامة فهل ولايته مقيدة بحدود معينة كالولاية على المجانين والقصر والأمور الحسبية أم أن ولايته أعم من ذلك فتشمل مطلق الشؤون العامة للمسلمين، بناء على هذا يكون اشتراط الذكورة في القاضي لعله يقتضي اشتراط الذكورة في الولاية العامة ولاسيما الإمامة الكبرى وأدلة المسألتين مشتركة فلنتطرق إلى كلمات الإمامية أولاً وكلمات العامة ثانياً ثم بعد ذلك نتطرق إلى الإجماع؛ ولعل أوّل من تطرق أوّلاً كلمات الإمامية في اشتراط الذكورة في القضاء وولاية الأمر؛ لعل أوّل من تطرق إلى اشتراط الذكورة من فقهائنا هو شيخ الطائفة الطوسي& في كتابه الخلاف والمبسوط قال في كتاب الخلاف كتاب القضاء المسألة 6 لا يجوز أن تكون المرأة قاضية في شيء من الأحكام وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة يجوز أن تكون قاضية فيما يجوز أن تكون شاهدة فيه وهو جميع الأحكام إلا الحدود والقصاص وقال ابن جرير الطبري يجوز أن تكون قاضية في كل ما يجوز أن يكون الرجل قاضياً فيه لأنها تعد من أهل الاجتهاد([8] ).

طبعاً كما سيأتي قول فقهاء العامة قد اتفقوا على اشتراط الذكورة في الإمام وولي الأمر لكنهم اختلفوا في اشتراط الذكورة في القاضي فالشافعية والمالكية والحنبلية يشترطون الذكورة في القاضي وخالفهم أبو حنيفة على التفصيل الذي ذكره الشيخ في الخلاف وأما ابن جرير الطبري فلم يشترط الذكورة في القاضي مطلقاً؛ وأما فقهاء الإمامية فقد اتفقوا على اشتراط الذكورة في القاضي وولي الأمر معاً نعم في هذه الأيام خالف البعض كالشيخ محمد مهدي شمس الدين& في كتابه أهلية المرأة لتولي السلطة والشيخ يوسف الصانعي في تعليقته على العروة وفي رسالته مصباح المقلدين.

النص الثاني للفقهاء الشيعة قال المحقق الحلي& في كتاب القضاء من كتابه شرائع الإسلام ويشترط فيه البلوغ وكمال العقل والإيمان والعدالة وطهارة المولد والعلم والذكورة إلى أن يقول ولا ينعقد القضاء للمرأة وإن استكملت الشرائط([9] ).

النص الثالث قال الشيخ محمد حسن الجواهري النجفي& بلا خلاف أجده في شيء منها بل في المسالك هذه الشرائط عندنا موضع وفاق إلى أن قال وأما الذكورة فلما سمعت من الإجماع([10] )، إذاً صاحب الجواهر ادعى الإجماع على اشتراط الذكورة في القاضي، إلى هنا انتهينا من ذكر كلمات القسم الأوّل ذكر ثلاثة من أعلام الشيعة الإمامية.

النص الأوّل كتاب المغني لابن قدامة الحنبلي وهو من الكتب المعتبرة بعد ما اختار في القضاء اعتبار الذكورة قال ولنا قول النبي| >ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ولأن القاضي يحضره محافل الخصوم والرجال ويحتاج فيه إلى كمال الرأي وتمام العقل والفطنة والمرأة ناقصة العقل قليلة الرأي ليست أهلاً للحضور في محافل الرجال ولا تقبل شهادتها ولو كان معها ألف امرأة مثلها ما لم يكن معهن رجل وقد نبه الله على ضلالهن ونسيانهن بقوله تعالى {أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إحْدَاهُمَا الأُخْرَى}([11] )، ولا تصلح للإمامة العظمى ولا لتولية البلدان ولهذا لم يولي النبي| ولا أحد من خلفائه ولا من بعدهم امرأة قضاءً ولا ولاية بلد فيما بلغنا ولو جاز ذلك لم يخلو منه جميع الزمان غالباً<([12] ).

تعليق بسيط على قوله مؤخراً >لو جاز ذلك لم يخلو منه جميع الزمان< هذا شاهد صدق على ما في المقام ونِعْمَ التعليقة يعلق الشيخ المنتظريî([13] )، وقد ذكر جميع هذه النصوص، يعلق هذا التعليق يقول فإن الأمويين والعباسيين وَلَوْا أمر هذه الأمة أكثر من ستة قرون وكانوا مولعين مغرمين بالنساء والإماء كثيراً ونفوذ نسائهم وبناتهم وأخواتهم مشهود وكان يوجد فيهن أهل الفضل والعلم أيضاً وقد وَلّوا الأعمال كثيراً ممن لا يليق حتى من عبيدهم أيضاً ومع ذلك لم يُسمع نصبهم أحداً من النساء للولاية أو القضاء فيعلم بذلك استيحاش الناس من ذلك وكونه مستنكراً عندهم بحيث لم يمكن الخلفاء مخالفتهم.

النص الثاني ما جاء في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة إنهم اتفقوا على أن الإمام يشترط فيه أن يكون مسلماً مكلفاً حراً ذكراً قرشياً عدلاً عالماً مجتهداً شجاعاً ذا رأي صائب سليم السمع والبصر والنطق([14] ).

النص الثالث كتاب الفقه الإسلامي وأدلته للدكتور الزحيلي أجمع الفقهاء على كون الإمام ذكراً([15] )، وقال في كتاب القضاء وأما الذكورة فهي شرط أيضاً عند المالكية والشافعية والحنابلة فلا تُوَلَّ امرأة القضاء وقال الحنفية يجوز قضاء المرأة في الأموال أي المنازعات المدنية لأنه تجوز شهادتها فيها إلى أن يقول وأجاز ابن جرير الطبري قضاء المرأة في كل شيء لجواز إفتائها([16] ).

انتهينا من ذكر ثلاثة نصوص لعلماء الشيعة وثلاثة نصوص لعلماء السنة وقد اتضح أن فقهاء السنة قد اتفقوا على اشتراط الرجولة في الإمامة وولي الأمر لكنهم اختلفوا في اشتراط الرجولة في القاضي فذهب الأكثر وهم الشافعية والحنابلة والمالكية إلى اشتراط الذكورة في القاضي وخالفهم أبو حنيفة وابن جرير الطبري، وأما فقهاء الإمامية فقد اشترطوا الذكورة في القاضي وأدعي الإجماع من قبل الشيخ صاحب الجواهر وأما مبحث الإمامة وولاية الأمر فلم يتطرق إليه في كلمات الفقهاء القدامى وإنما يستفاد الإجماع من إجماعهم على اشتراط الذكورة في القضاء فبحكم الملازمة لأن القضاء شعبة من شعب الولاية العامة يثبت الإجماع على اشتراط الذكورة في ولي الأمر.

وبحث هام في الإجماع وهو نظر السيد حسين البروجردي& فقد ذكر تلميذه الشيخ المنتظري&([17] ) مقطعاً لأستاذه نذكر بعض مقاطعه وخلاصته إن العناوين الموجودة في الفقه الإسلامي على نحويين بعض هذه العناوين مذكور في الروايات فينفي ادعاء الإجماع على هذه العناوين والعناوين الأخرى ليست مذكورة في الروايات وإنما هي اجتهادات فقهية لفقهائنا فلا تصح دعوى الإجماع فيها ويعرف ذلك من خلال تتبع تاريخ المسألة فإن وجدت المسألة في كتب القدامى وخصوصاً من كانت نصوصهم متون فتاوى ككتاب المقنع للصدوق وكتاب النهاية للشيخ الطوسي ففي هذه الحالة يمكن تحقق دعوى الإجماع وأما إذا كانت هذه الدعاوى موجودة في كتب فقهية تفريعية ككتاب الخلاف والمبسوط للشيخ الطوسي فهنا لا يمكن ادعاء الإجماع هذا كبروية؛ وصغروية اشتراط الرجولة في القاضي لم ترد في الكتب المتقدمة يعني لم ترد في كتاب الكافي للكليني ومن لا يحضره الفقيه للصدوق والتهذيب والاستبصار للشيخ الطوسي ونهاية الشيخ الطوسي والمقنع للصدوق بل وردت في كلمات الشيخ الطوسي ومن جاء بعده والشيخ الطوسي تطرق إليها في كتاب الخلافة الذي هو بحث فقه مقارن وكتاب المبسوط الذي كتبه في مقابل العامة لكي يثبت أنه توجد لدينا كتب فقهية تفريعية تفصيلية والشيخ الطوسي& بنفسه لم يدعي الإجماع.

فكيف نحن ندعي الإجماع؛ فإذا رجعنا إلى مسألة اشتراط الذكورة في القاضي لا نراها في كتاب المقنعة للمفيد ولا المقنع للصدوق ولا الهداية للصدوق ولا النهاية للشيخ الطوسي ولا في فقه الرضا وهذه الكتب معدة لنقل المسائل المأثورة نعم تعرض لها الشيخ الطوسي+ في كتاب الخلاف وفي كتاب المبسوط لكنه لم يدعي الإجماع فإذاً دعوى الإجماع مشكلة جداً؛ ولا بأس أن نتطرق إلى نص كلام السيد البروجردي وهو نص طويل ذكره الشيخ المنتظري([18] )، لكننا نتطرق إلى المقاطع المهمة في البداية والنهاية.

قال السيد البروجرديî إن المسائل المعنونة في فقه الشيعة الإمامية على قسمين:

الأول المسائل الأصلية المتلقاة يداً بيد عن الأئمة المعصومين^.

الثاني المسائل التفريعية التي استنبطها الفقهاء من تلك المسائل بالاجتهاد؛ والقدماء من فقهائنا كانوا لا يتعرضون في تأليفاتهم الفقهية إلا للقسم الأوّل من المسائل وكانوا يحافظون فيها غالباً على ألفاظ الروايات أيضاً بحيث كان الناظر في كتبهم يتخيل أنهم لم يكونوا أهلا للاجتهاد وأما الأواخر منهم كانوا يقلدون الأوائل فراجع كتب الصدوق كالفقيه والمقنع والهداية ومقنعة للشيخ المفيد ورسائل علم الهدى ونهاية الشيخ ومراسم سلَّار الدليمي والكافي لأبي الصلاح والمهذب لابن البراد ونحو ذلك؛ إلى أن يقول فالشيخ+ صنف النهاية على طريقة أصحابنا لنقل المسائل الأصلية فقط وصنف المبسوط جامعاً للأصول والفروع وعلى هذا فإذا ذكرت المسألة في تلك الكتب المعدة لنقل المسائل الأصلية المأثورة فَأٌحْدِسُ بتلقيها عن المعصومين^ ويكون إطباقهم في تلك المسائل بل الاجتهاد فيها أيضاً حجة شرعية لاستكشاف قول المعصومj وأما المسائل التفريعية المستنبطة فلا يفيد الإجماع فيها إذ الإجماع فيها نظير الإجماع في المسائل العقلية.

ونحن الإمامية لا موضوعية عندنا للإجماع والاتفاق بما هو إجماع وإنما نعتبره طريقاً لكشف قول المعصوم×، إذاً اتضح أن هذا الإجماع المدعى لا اعتبار به لذلك نجد أن بعض الفقهاء العظام كالمحقق الأردبيلي+ في مجمع الفائدة والبرهان يذكر ما يفيد التشكيك في ذلك.

قال المحقق الأردبيلي([19] ) وأما اشتراط الذكورة فذلك ظاهر فيما لم يجز إلى المرأة فيه أمر وأما في غير ذلك فلا نعلم له دليلاً واضحاً نعم ذلك هو المشهور فلو كان إجماعاً فلا بحث وإلا فالمنع بالكلية محل بحث؛ يقول لو ثبت الإجماع فبه ونعمة لكن إذا لم يثبت فاشتراط الذكورة في القضاء محل بحث.

وإذا أردنا أن ننقح المطلب بشكل صناعي نقول الاستدلال بالإجماع يتوقف على أمرين:

الأمر الأوّل ثبوت الإجماع على اشتراط الرجولة في القاضي.

الأمر الثاني ثبوت الملازمة بين اشتراط الذكورة في القاضي وبين اشتراط الذكورة في ولي الأمر؛ والمرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين قد تطرق إلى الاستدلال بالإجماع([20] ) وتطرق إلى كلا الأمرين وناقشهما فلم يثبت لديه كلا الأمرين لا الأمر الأوّل وهو ثبوت الإجماع على اشتراط الذكورة في القاضي ولا الأمر الثاني وهو وجود الملازمة بين اشتراط الذكورة في القاضي واشتراط الذكورة في ولي الأمر بدعوى أن الملازمة بين الذكورة في القاضي والذكورة في ولي الأمر إنما هما في خصوص الإمام المعصوم فالإمام المعصوم ذَكَرٌ وله ولاية على الإفتاء والقضاء والتصدي للشؤون العامة وأما بالنسبة إلى عصر الغيبة فقد يقال إن الفقيه قد جعلت له خصوص ولاية الإفتاء دون ولاية القضاء أو جعلت له ولاية الإفتاء والقضاء كما هو المشهور المعروف بين الفقهاء وأما الولاية العامة ففيها كلام وقد يقال أنه لا يشترط فيها الذكورة.

لو سلمنا بكلتا المقدمتين المقدمة الأولى اشتراط الذكورة في القاضي وسلمنا بالإجماع ولم نناقش كما ناقش السيد البروجردي والشيخ محمد مهدي شمس الدين.

وثانياً سلمنا بثبوت الملازمة إذ أن القضاء شعبة من شعب الولاية العامة بل أهمها.

أقول على الرغم من ذلك لا يثبت المدعى لأن هذا الإجماع إما مدركي أو محتمل المدركية نظراً لوجود أربعة آيات قد يستدل بها وأكثر من ستة عشر دليلاً من الروايات التي تطرقنا إليها وإذا كان الإجماع مدركياً أو محتمل المدركية يسقط عن الاعتبار، إذاً القسم الثالث وهو الاستدلال على اشتراط الذكورة في ولي الأمر بالإجماع ليس بتام.

القسم الرابع الاستدلال بدليل العقل ولم أجد من اسُتدل بدليل العقل إلا الشيخ المنتظري+([21] ) وإذا قرأنا ما اسُتدل به فإنه لا يصلح أن يكون دليلاً عقلياً وإنما هو أقرب إلى الوجود الاستحسانية التي لا يمكن أن يبنى عليها دليل.

قالî فإن الله© قد خلق الرجل بحيث يصلح للقيام بمشاق الأمور وصعاب المهن وقد خلق المرأة بحيث لا تصلح لها وهذا لا يُحكم بفضل له ولا بنقص لها إذ لكل منهما مهمة لا يمكن لغيره أن يليها فهذه سيدتنا الزهراء÷ وقد بلغت بمعارج الكمال ما لم تبلغه إلا أصحاب العصمة الإلهية وقد حارت في كمالها ومراتب قربها من الله الكبار من الأنبياء ومع ذلك فما جعلها الله إماماً وإن كانت ولية ولا يصدر من الله إلا ما يوافق حكمته ولا ظلم ولا إهمال ولا تعطيل في عمله وفعله.

هذا الكلام أشبه بالوجوه الاستحسانية التي سنتطرق إليها في الأمر الخامس وإذا أمكن الاستدلال بالدليل العقلي فلعله يمكن أن يستدل بأن الأمر يدور وهو من موارد دوران الأمر بين التعيين والتخيير فيدور الأمر بين الرجل معينا وبين الرجل مخيراً بينه وبين المرأة في التصدي للشؤون العامة للمسلمين فإذا دار الأمر بين المتباينين ففي موارد دوران الأمر بين التعيين والتخيير مقتضى الإحتياط الاختصار على التعيين فيثبت اشتراط الذكورة معيناً فهو موافق للاحتياط هكذا قد يقال، إذاً القسم الرابع وهو الاستدلال بالعقل على اشتراط الذكورة في الرجل ليس بتام عندنا.

القسم الخامس الاستدلال بالوجوه الاستحسانية وقد ذكر الشيخ المنتظري&([22] ) بعض الأمور بعنوان التنبيه على أمرين وقد لخصها الشيخ محمد مهدي شمس الدين وقررها بل إن كتابه أهلية المرأة لتولي السلطة هو ناظر إلى ما اسُتدل به الشيخ المنتظري من آيات وروايات ووجوه استحسانية على اشتراط الرجولة في المرأة وناقش هذه الأدلة كما أن محور أبحاث الشيخ محمد المؤمن القمي في كتابه الولاية الإلهية الإسلامية هو نظر الشيخ المنتظري& إلا أن أفضل من كتب هو الشيخ المؤمن القمي في هذا المجال.

الشيخ شمس الدين& في كتابه أهلية المرأة لتولي السلطة لخص هذه الوجوه الاستحسانية تحت عنوان الوجوه الاستحسانية ذكر وجهين([23] ):

الأمر الأوّل منافاة مسؤولية رئاسة الدولة لاتباع المرأة وذكر ثلاثة الأمور، الأمر الأوّل أن الرجل والمرأة مختلفان في الخصائص الجسمية والنفسية فالغالب على الرجل هو العقل والغالب على المرأة هو العاطفة فالرجل هو الأوفق به تولي الرئاسة.

الأمر الثاني العدل لا يعني المساواة دائماً بل العدل يعني وضع الشيء في موضعه وما يستحقه والرجل أفضل له هو التصدي للشأن العام بخلاف المرأة التي لا يصلح لها هذا الأمر.

الأمر الثالث الولاية على الناس أمانة إلهية وأمر خطير وهذه الأمانة يقدر عليها الرجل ولا تطيقها المرأة، هذه أمور ثلاثة بالنسبة إلى الأمر الأوّل منافاة مسؤولية رئاسة الدولة لاتباع المرأة.

وأما الأمر الثاني فهو المرأة والحجاب فالمرأة لديها قيود يتطلبها حجابها وتتنافى هذه القيود مع رئاسة الدولة وهذه وجوه استحسانية إذ أن المرأة يمكن أن تكون بكامل عفتها وطهارتها وحجابها وتتصدى للشأن العام.

وأما الأمر الأوّل وهو أنه الرجل يغلب عليها التفكير والمرأة يغلب عليها العاطفة فهناك نساء أقوى من الرجل بكثير فإذاً هذه الوجوه الاستحسانية لا تشكل دليلاً على المدعى، إذاً القسم الخامس لا يدل على اشتراط الرجولة في ولي الأمر.

القسم السادس والأخير الاستدلال بالأصل العملي وهو العمدة في المقام عندنا إذ أنه إلى الآن لم يثبت لدينا إلا الدليل الروائي فلم يثبت القسم الأوّل وهو ـ الآيات الكريمة الأربع ـ ولم يثبت القسم الثالث ـ الإجماع ـ ولم يثبت القسم الرابع ـ العقل ـ ولم يثبت القسم الخامس ـ الوجوه الاستحسانية ـ نعم ثبتت لدينا الرواية الأولى من روايات الأدلة الستة عشر وثبت لدينا التواتر المعنوي الدال على اشتراط الرجولة في ولي الأمر فلو سلمنا جدلاً أنه لم يثبت لدينا الدليل الروائي كما لم يثبت لدينا الدليل القرآني والعقلي والإجماع والوجوه الاستحسانية تصل النوبة إلى الأمر السادس وهو الأصل العملي؛ فنقول إن مجرد الشك في جواز تولي المرأة لرئاسة الدولة كافي في الحكم بعدم الجواز لأن الأصل الأولي في باب الولايات هو عدم ثبوت الولاية لأحد على أحد وليس لدينا في المقام عموم أو إطلاق لفظي يدعى شموله للمرأة فيجب الاقتصار فيما خالف الأصل على القدر المتيقن وهو الرجل([24] )، وأيضا نظرية الشيخ محسن الأراكي([25] ) إذ جعل الأصل هو الدليل الأوّل.

إلى هنا انتهينا من الشرط الثالث عشر وقد اتضح أن الدليل الروائي ناهض ويدل على اشتراط الرجولة في ولي الأمر يبقى الكلام في الشرط الرابع عشر وهو الفقاهة والخامس عشر وهو العدالة وهما أهم شرطين في المسألة.

 


[1] () تفسير القمي، ج2، ص303، وقد نقل عنه الحر العاملي في وسائل الشيعة، ج11، ص276، الباب49 من أبواب جهاد النفس، الحديث 22.
[2] () الكافي، ج6، ص518، الحديث 10.
[3] () من لا يحضره الفقيه، ج3، ص468، الحديث 4622.
[4] () وسائل الشيعة، ج14، ص131، الباب96 من أبواب مقدمات النكاح، من نسخة عبد الرحيم، الحديث 4.
[5] () تحف العقول عن آل الرسول، ص36.
[6] () مستدرك الوسائل، ج1، ص491، الباب18 من أبواب صلاة الجماعة، ح1.
[7] () مستدرك الوسائل، ج2، ص557، الباب94 من أبواب مقدمات النكاح، ح2.
[8] () الخلاف، ج3، ص311.
[9] () شرائع الإسلام، ج4، ص67، 68.
[10] () جواهر الكلام، ج40، ص12 ـ 14.
[12] () المغني، ج11، ص380.
[13] () دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية، ج1، ص338.
[14] () الفقه على المذاهب الأربعة، ج6، ص416، مبحث شروط الإمامة.
[15] () الفقه الإسلامي وأدلته، ج6، ص693.
[16] () نفس المصدر، ص745.
[17] () دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية، ج1، ص339.
[18] () دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية، ج1، ص339، 3340.
[19] () مجمع الفائدة والبرهان، ج12، ص15.
[20] () أهلية المرأة لتولي السلطة، ص117.
[21] () دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية، ج1، ص294.
[22] () دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية، ج1، ص341.
[23] () أهلية المرأة لتولي السلطة، ص129.
[24] () أهلية المرأة لتولي السلطة، ص134.
[25] () نظرية الحكم في الإسلام، ص309.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo