< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

39/05/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الشرط الثالث عشر: في ولي الأمر الرجولة

فلا يصح تولي المرأة لشؤون المسلمين العامة واشتراط الذكورة والرجولة في مرجع التقليد وفي القضاء وفي ولي الأمر هو الرأي المشهور بين الفقهاء ويكاد يصل إلى مستوى التسالم، نعم في الآونة الأخيرة ذهب البعض إلى جواز تولي المرأة للسلطة أو المرجعية وممن ذهب إلى ذلك المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين حيث ألف كتاباً مستقلاً في أهلية المرأة لتولي السلطة فله مؤلف يتكون من ثلاثة أجزاء تحت عنوان مسائل حرجة في فقه المرأة الجزء الثاني منه عنونه بعنوان أهلية المرأة لتولي السلطة وفي مقدمة هذا الكتاب يقول([1] ) وقد بحثنا فيه مسألة أهلية المرأة لتولي السلطة العليا في الدولة وهي مسألة تبدو من مسلمات الفقه الإسلامي في جميع المذاهب ولدى جميع الفقهاء حيث اتفقت كلمتهم على عدم أهلية المرأة لتولي أية سلطة على الغير في الحياة العامة في مجال الولايات في مرافق الدولة ومؤسساتها فضلاً عن تولي السلطة العليا في الدولة فمن بديهيات الفقه الإسلامي عدم أهلية المرأة لذلك ومن ثم عدم مشروعية تصديها وتوليها هذه السلطة وعدم مشروعية توليتها ذلك من قبل المجتمع.

وممن ذهب أيضاً إلى عدم اشتراط الرجولة والذكورة في المرجعية بل في ولي الأمر الشيخ يوسف الصانعي في تعليقته على العروة الوثقى وفي رسالته العملية العربية مصباح المقلدين وفي رسالته الفارسية توضيح المسائل.

ونحن سنبحث هذه المسألة المهمة وقبل أن نشرع في بيان الأدلة على اشتراط الرجولة والذكورة في ولي الأمر فضلاً عن مرجع التقليد والقاضي لا بأس ببيان الأصل العملي في المسألة فمن الواضح أن الأصل الأولي في باب الولايات هو عدم ولاية أحد على أحد فإثبات ولاية أحد على أحد يحتاج إلى دليل خاص، خرجنا عن هذا الأصل الأولي بأدلة ولاية الفقيه العامة والقدر المتيقن منها هو الرجل فإذا شككنا في جواز تولي المرأة لرئاسة الدولة يكفي الشك في جواز توليها للحكم بعدم الجواز، إذ أنه ليس لدينا في المقام عموم أو إطلاق لفظي يدعى شموله للمرأة فيجب الاقتصار فيما خالف الأصل على القدر المتيقن وهو الرجل، إذاً إثبات الولاية للمرأة يحتاج إلى دليل خاص وهو في المقام مفقود بل إن الدليل قد قام على عدم ولايتها وقد يستدل على عدم مشروعية تولي المرأة للسلطة واشتراط الرجولة والذكورة في ولي الأمر بعدة أدلة من كتاب الله ومن السنة المطهرة، أما كتاب الله فاستدل لاشتراط الرجولة بأربع آيات وقد تطرق إليها أغلب من تطرق إلى شروط ولي الأمر كالشيخ المنتظري+([2] )، والشيخ المؤمنo([3] ) في كتابه الولاية الإلهية الإسلامية، والشيخ محمد مهدي شمس الدينî([4] ).

فقد تطرق هؤلاء الثلاثة وغيرهم إلى أربع آيات ومن بعدها إلى عدة روايات أوصلها الشيخ المنتظري إلى سبعة عشر رواية والشيخ المؤمن القمي إلى اثني عشر رواية والشيخ محمد مهدي شمس الدين إلى عشر روايات.

ونحن نتطرق إلى الأدلة في هذه المسألة:

الدليل الأوّل: التمسك بقولهP {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ}([5] ).

فقد يقال إن هذه الآية الكريمة ناظرة إلى مطلق الرجال ومطلق النساء وليست ناظرة إلى خصوص الأزواج والزوجات، فالمراد بالقوامة في الآية ليس خصوص القوامة في بيت الزوجية بل المراد بها القوامة وسياسة الأمر في مطلق الحياة الإنسانية، وإذا رجعنا إلى شأن نزول الآية نلاحظ أن المفسرين قد ذكروا أن سبب نزول هذه الآية ما قال أبو الحسن وقتادة وبن جريح والسدي أن رجلاً لطم امرأته فجاءت إلى النبي| تلتمس القصاص فنزلت الآية {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء}([6] )، قال مقاتل نزلت الآية في سعيد بن الربيع بن عمر وكان من النقباء وفي امرأته حبيبة بنت زيد بن أبي زهير وهما من الأنصار وذلك أنها نشزت عليه فلطمها فانطلق أبوها معها إلى النبي| فقال: >أفرجته كريمتي فلطمها فقال النبي| لتقتص من زوجها فانصرفت مع أبيها لتقتص منه فقال النبي| ارجعوا فهذا جبرائيل أتاني وأنزل الله هذه الآية فقال النبي| أردنا أمراً وأراد الله أمرا وما أراد الله خير ورفع القصاص<.

وليس الكلام في مناقشة سبب نزول هذه الآية الكريمة إذ أن القرآن الكريم نص على ضرب المرأة الناشز {فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ}، وإنما الكلام فيما روي وقد اختلف في الرواية في سبب نزول الآية الكريمة ولعله ذكرت بسبع صياغ إلا أن جميعها ناظر إلى خصوص قوامة الرجل على المرأة إلا أن المورد لا يخصص الوارد والعبرة بعموم اللفظ فيتمسك بالعلة الواردة في الآية الكريمة وهي قولهP {بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}، وهو تفضيل الرجل على المرأة في قوة العقل فإن المرأة عاطفية حساسة انفعالية بخلاف الرجل، ففي الغالب عاقل يملك أعصابه يزن الأمور هذا في غالب الرجال والنساء وقد تجد العكس إلا أن السمة الغالبة للرجل هو التعقل والسمة الغالبة للمرأة هي العاطفة والإحساس وليس في هذا تفضيل للرجل على المرأة وإنما وضع كل شيء في موضعه فالعاطفة تناسب المرأة لأمومتها والتعقل يناسب الرجل لإدارة الحياة الزوجية ولإدارة الحياة العامة.

وقد ذهب بعض العلماء والفقهاء إلى العموم في الآية ونذكر بعض كلماتهم، قال الطريحي([7] ): أي لهم عليهن قيام الولاء والسياسة وعلل ذلك بأمرين أحدهما موهوبي لله وهو أن الله فضل الرجال عليهن بأمور كثيرة من كمال العقل وحسن التدبير وتزايد القوة في الأعمال والطاعة ولذلك خصوا بالنبوة والإمامة والولاية وإقامة الشعائر والجهاد وقبول شهادتهم في كل الأمور ومزيد النصيب في الإرث وغير ذلك وثانيهما كسبي وهو أنهم ينفقون عليهن ويعطوهن المهور مع أن فائدة النكاح مشتركة بينهما.

وفي مسالك الأفهام ([8] ) أي الرجال على النساء وذلك بالعلم والعقل وحسن الرأي والتدبير والعزم ومزيد القوة في الأعمال والطاعات والفروسية والرمي وأن منهم الأنبياء والأئمة والعلماء وفيهم الإمامة الكبرى وهي الخلافة والصغرى وهي الاقتداء بهم في الصلاة وإنهم أهل الجهاد والأذان والخطبة إلى غير ذلك مما أوجب الفضل عليهم، قال في الكشاف.

وفيه دليل على أن الولاية إنما يستحق بالفضل لا بالتغليب والاستطالة والقهر، وأما السيد محمد حسين الطباطبائي& فكلامه صريح وواضح في الميزان إذ تمسك بعموم العلة، قال+([9] ): وعموم هذه العلة يعطي أن الحكم المبني عليها أعني قوله {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء} غير مقصور على الأزواج بأن يختص القوامية بالزوج على زوجته بل الحكم مجعول لقبيل الرجال على قبيل النساء في الجهات العامة التي ترتبط بها حياة القبيلين جميعاً، فالجهات العامة التي ترتبط بفضل الرجال كجهتي الحكومة والقضاء مثلاً اللتين يتوقف عليهما حياة المجتمع وإنما يقومان بالتعقل الذي هو في الرجال بالطبع أزيد منه في النساء، وكذا الدفاع الحربي الذي يرتبط بالشدة وقوة التعقل كل ذلك مما يقوم به الرجال على النساء وعلى هذا فقوله الرجال قوامون على النساء ذو إطلاق تام، انتهى كلامه زيد في علو مقامه.

والتحقيق: إن المراد بالقوامة في الآية ما هو؟ فلنبحث معنى القوامة، قال في مجمع البيان يقال رجل قيِّم وقيام وقوام وأصل البناء للمبالغة والتكثير، إذاً صرح الطبرسي في مجمع البيان أن الصيغ الثلاث لها معنى واحد ولكن ما هو معنى القوامة قال الخليل الفراهيدي في كتاب العين قيِّم القوم من يسوس أمرهم ويقومهم فيستفاد من القوامة معنى السياسة والسلطة، لكن إذا تأملنا في الآية أكثر ورجعنا إلى كلمات القدماء في فهمها نجد أن المراد بالقوامة هنا هو الرعاية والكفالة وليس الولاية والسلطة، {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء} أي أن الرجال كافلون للنساء وراعون لحال النساء وليس المراد من الرجال قوامون على النساء أي متسلطون على النساء، فإذا رجعنا إلى كلمات الطبرسي قبل أن نرجع إلى القدماء فإنه يقول أي قيمون على النساء مسلطون عليهن في التدبير والتأديب والرياضة والتعليم([10] ).

وإذا نظرنا إلى كلمات القدماء نجد أن بعضهم يصرح بأن المراد بها هو خصوص القوامة في البيع قال القاضي ابن البراش المتوفى سنة 481 في كتابه المهذب كتاب النكاح باب القسمة بين الأزواج {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء}([11] ) يعني أنهم قوامون بحقوق النساء التي لهن على الأزواج، وقال قطب الدين الراوندي وهو أوّل من كتب في آيات الأحكام قال في كتابه فقه القرآن وقال الله تعالى {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء}([12] ) وفيه دليلان على وجوب ذلك أحدهما قوله قوامون والقوام على الغير هو المتكفل بأمره من نفقة وكسوة وغير ذلك، فقه القرآن باب نفقات الزوجات والمرضعات وأحكامها، وإذا رجعنا إلى كلمات أهل اللغة نجد أن لفظ قوامون لا ينحصر معناها بالولاية والسياسة بل تأتي بمعنى الإصلاح والرعاية والكفالة، قال الجوهري والقيم السيد وسائس الأمر وهي قيِّمه وقيم المرأة زوجها في بعض اللغات لأنه يقوم بأمرها وما تحتاج إليه، قال الفراء والقوام المتكفل بالأمر([13] ).

إذاً اللغة كما تساعد على أن المراد بالقوامة الولاية والسلطة تساعد أيضاً على أن المراد بالقوامة الكفالة والرعاية، وإذا رجعنا إلى الآية الكريمة نجد قرينة هامة على أن المراد بالقوامة هي الكفالة ورعاية الزوجة وهي قوله® {وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ}([14] ) فإن ولي الأمر لا ينفق من ماله وإنما ينفق من أموال الدولة الإسلامية بخلاف الزوج فإنه ينفق من ماله الخاص، إذاً الآية ذكرت علتين العلة الأولى عامة وهي قولهP {بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}([15] )، والعلة الثانية خاصة بالأزواج وهي قوله® {وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ}([16] )، ومن الغريب العجيب أن الشيخ محمد المؤمن القميî ذهب إلى أن العلة الثانية وهي الإنفاق أيضاً من العلل العامة وذهب إلى أن هذه الآية تدل على اشتراط الرجولة في ولي الأمر حيث قال([17] ): فحاصل الكلام ذيل الآية المباركة أن دلالتها على المطلوب تامة.

وأما الشيخ المنتظري& في كتابه الدراسات فقد تأمل في المسألة وقال([18] ): ولكن عندي في التمسك بالآية للمقام إشكال إذ شأن النزول وكذا السياق شاهدان على كون المراد قيمومة الرجال بالنسبة إلى أزواجهم، والصحيح أن هذه الآية الكريمة لا تدل على المدعى فليست دليلاً على اشتراط الرجولة والذكورة في ولي الأمر ولا تصلح أن تكون مؤيداً وفاقاً للشيخ محمد مهدي شمس الدين& فيما ذهب إليه من عدم دلالة الآية الكريمة على اشتراط الرجولة في ولي الأمر.

قال([19] ): ومن جميع ما تقدم ظهر أن خصوصية التفضيل المذكورة في الآية الكريمة إنما هي بلحاظ هذه الجهة فقط فحيث أنه لابد للأسرة من قيم فقط جعلت القوامة للزوج في حدود حق الطاعة وهذا تفضيل خاص ناشئ من مهمة خاصة في نطاق محدود فيجب الاقتصار عليه وعدم التعدي عنه إلى مجالات أخرى، إذاً النتيجة النهائية عدم دلالة الآية الأولى على المدعى إذ أن آية القوامة مختصة بخصوص الأزواج ولا يمكن التعدي منهم إلى مطلق الرجل والمرأة.

الدليل الثاني قولهP {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ}([20] )، ولكي تتضح هذه الآية لا بأس بذكر الآيات التي سبقتها، وخلاصتها أن المشركين ادعوا أن الله ® له بنات ومن الواضح أن الأولاد والبنات أجزاء من الأب والأم فأدعى المشركون أن البنات بعض أجزاء الاله وهذا كفر ثم عاتبهمO بما مفاده أنتم تتخذون الذكور وتجعلون لله البنات والبنات يملن إلى الزينة والحلية ولا يقدرن على الجدال والخصام فليس لهن لسان مبين في الخصام، فإذا كانت البنت أو المرأة لا تقوى على الجدال والخصام فمن باب أولى لا تقدر على تولي ولاية الأمر والشؤون العامة إذ أن ذلك يحتاج إلى قوة بيان وجدال ومخاصمة.

قال تعالى {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ، أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِالْبَنِينَ، وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ، أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ، وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ}([21] ).

تقريب الاستدلال قولهP {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} يدل بوضوح على أن الأنثى التي جعلها المشركون بنتا للهP تنشأ في الحلية والزينة وليس لها إلا الأنس بالذهب والجواهر ولا تأنس بما يحتاج إلى القوة والتعقل حتى أنها لا تبين في مقام الدفاع عن النفس أو إقامة الدليل على المدعى إذا كانت الخصم في محضر القاضي، إذاً جنس من جعلوه ولداً لله تعالى في هذه المرتبة من الضعف فكيف جعلوه ولداً وبنتاً لله¨، من هنا ذهب الشيخ محمد المؤمن القمي([22] ) إلى تمامية الدلالة قائلا فالإنصاف أن الآية المباركة تامة الدلالة على المطلوب، وأما الشيخ المنتظري& فقد ذهب إلى أن هذه الآية تصلح أن تكون مؤيداً وليست دالة على اشتراط الرجولة في ولي الأمر.

قالî([23] ): وحيث إن الولاية بشعبها ومنها القضاء تقتضي قوة التعقل والتفكير والتفوق في إثبات الحق فيمكن الاستشهاد بالآية للمقام بنحو التأييد كما لا يخفى، والصحيح أن هذه الآية لا تصلح للتأييد فضلاً عن نهوضها كدليل على اشتراط الرجولة والسر في ذلك أن الآية الكريمة في مقام الاحتجاج على المشركين وفي مقام الاستنكار على المشركين فالمشركون جعلوا لله البنات وأرادت الآية الكريمة أن تفحمهم، فالآية الكريمة أرادت أن تلزمهم بما التزموا به فهي ناظرة إلى واقع آنذاك في المجتمع الجاهلي، حيث إن المرأة في المجتمع الجاهلي والعربي آنذاك كانت تربى تربية من شأنها أن تجعلها تأنس بالزينة وأن تكون ضعيفة البيان لا تقوى على مقارعة الخصم، فالآية الكريمة ليست في بيان مقام حقيقة المرأة أصلاً هي ليست في مقام البيان من هذه الجهة، الآية الكريمة ليست في مقام بيان حقيقة المرأة وجبلتها وفطرتها حتى يقال إنها لا تقوى على الخصام بل الآية في مقام تسفيه دعوى المشركين من أن الملائكة بنات الله وقد نسبوا إلى الله ما يحقرونه هم بأنفسهم فنسبوا إلى الله ما ليس جديراً بالنسبة إلى ثقافتهم ومدعاهم فكانت تربيتهم للمرأة يجعلها ضعيفة الحجة والخصومة، إذاً الآية أجنبية عن هذا المقام، فالإنصاف أن الآية الثانية لا تدل على المدعى وفاقاً للشيخ محمد مهدي شمس الدين([24] ).

الآية الثالثة قولهP {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}([25] ).

تقريب الاستدلال الفقرة الأولى من الآية دلت على أن النساء لهن حق مثل الذي عليهن، وصرحت في الفقرة الثانية بأن للرجال درجة ومزية عن النساء والرجال عام يعم جميع المصاديق والنساء عام يعم جميع المصاديق فإذاً لا يصح ولاية المرأة على الرجل بل الولاية إنما تثبت للرجل على المرأة، والتحقيق إن هذه الآية مختصة بالأزواج ولا تعم جميع الرجال والنساء وهذا يظهر بالتأمل في الآية، نذكر الآية، قالP {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ}([26] )، إذاً الآية مختصة بالمطلقات من النساء وأزواجهن والأحكام الموجودة فيها أحكام للمطلقات وأزواجهن ولا مجال لتوهم العموم وبالتالي يسقط الاستدلال بها على المدعى، إذاً الآية الثالثة لا تدل على اشتراط الرجولة في ولي الأمر.

الآية الرابعة والأخيرة قوله® {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ}([27] ).

والاستدلال إنما هو بالفقرة الثانية إذ نهى الله¨ عن التبرج والتبرج هو الظهور من البرج أي القصر فنهى النساء عن الخروج من بروجهن وقصورهن وبيوتهن وأن يظهرن أنفسهن في المجامع وأن يختلطن بالرجال، ومن الواضح أن من لوازم التصدي لولاية الأمر البروج والظهور في المجامع العامة والاختلاط بالرجال فإذا تصدت المرأة لولاية الأمر برزت للرجال وهذا منهي عنه فالنساء منهي عن ولايتهم قطعاً وهو المطلوب، إلا أن الصحيح ومقتضى التحقيق أن هذه الآية وردت في خصوص نساء النبي فهي خاصة بهن، ونحتمل الخصوصية لنساء النبي فيها وقد بدأت هذه الآية بقوله ® {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ}([28] )، ثم جاء بعد ذلك {يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء}([29] )، ثم {يَا نِسَاء النَّبِيِّ}، فتكرر الخطاب إلى نساء النبي| ثلاث مرات على الأقل، هذا أوّلاً.

وثانياً: لو سلمنا عدم الخصوصية بنساء النبي فليس المنهي عنه مطلق التبرج بل خصوص تبرج الجاهلية الأولى، فقد يقال إن التصدي لولاية الأمر ليس من شؤون الجاهلية الأولى بل التصدي في مقابل ولي الأمر هو من الجاهلية الأولى وإذا رجعنا إلى رواية في كمال الدين نجد أنها تشير ـ أن هذه الآية تشير ـ إلى خروج عائشة على أمير المؤمنين× كما خرجت زوجة موسى× في مقابل وصيه يوشع بن نون فالمراد بالجاهلية الأولى خروج بنت شعيب زوجة موسى ضد وصي موسى والمنهي عن التبرج كتبرج الجاهلية الأولى هو خروج عائشة في مقابل وصي النبي محمد| وهو أمير المؤمنين¤.

روى الشيخ الصدوق في كمال الدين بإسناده عن عبد الله بن مسعود قال قلت للنبي| يا رسول الله من يغسلك إذا مت؟ قال: >يغسل كل نبي وصيه قلت فمن وصيك يا رسول الله؟ قال علي بن أبي طالب قلت كم يعيش بعدك يا رسول الله؟ قال ثلاثين سنة، فإن يوشع بن نون وصي موسى عاش بعد موسى ثلاثين سنة وخرجت عليه صفراء بنت شعيب زوجة موسى× فقالت أنا أحق بالأمر منك فقاتلها فقتل مقاتليها وأسرها فأحسن أسرها وإن ابنة أبي بكر ستخرج على علي في كذا وكذا ألفاً من أمتي فيقاتلها فيقتل مقاتليها ويأسرها فيحسن أسرها وفيها أنزل الله® {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}< يعني صفراء بنت شعيب([30] )، وقد نقل تفسير البرهان هذه الرواية في ذيل تفسير هذه الآية، إذاً فسرت الرواية الجاهلية الأولى بخروج صفراء بنت شعيب على وصي موسى وطبق هذا الخروج على خروج عائشة بنت أبي بكر على أمير المؤمنين علي بن أبي طالبj، إذاً لا دلالة لهذه الآية على اشتراط الرجولة في ولي الأمر.

النتيجة النهائية: الآية الرابعة لا تدل على اشتراط الرجولة والذكورة في ولي الأمر، النتيجة النهائية أوّلاً الاستدلال على اشتراط الرجولة في ولي الأمر بالقرآن الكريم وقد اتضح في هذا القسم الأوّل أن ما اسُتدل به على اشتراط الرجولة والذكورة أربع آيات وجميعها لا تدل على اشتراط الرجولة في ولي الأمر.

 


[1] () أهلية المرأة لتولي السلطة، ص5.
[2] () دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية، ج1، ص348.
[3] () الولاية الإلهية الإسلامية، ج3، ص168.
[4] () أهلية المرأة لتولي السلطة، ص63.
[6] () تفسير التبيان، ج3، ص189؛ ومجمع البيان، ج3، ص43، طبعة الإسلامية.
[7] () مجمع البحرين، ص486.
[8] () مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، ج3، ص257.
[9] () تفسير الميزان، ج4، ص343؛ وفي طبعة أخرى، ج4، ص365.
[10] () مجمع البيان، ج2، ص43.
[12] () نفس السورة، الآية 34.
[13] () تاج العروس، ج9، ص37، مادة قومة.
[15] () نفس المصدر.
[16] () نفس المصدر.
[17] () الولاية الإلهية الإسلامية، ج3، ص172.
[18] () دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية، ج1، ص350.
[19] () أهلية المرأة لتولي السلطة، ص72.
[22] () الولاية الإلهية الإسلامية، ج3، ص174.
[23] () نفس المصدر، ص352.
[24] () أهلية المرأة لتولي السلطة، ص74.
[28] () نفس السورة، الآية 59.
[29] () نفس السورة، الآية 32.
[30] () كمال الدين وتمام النعمة، ص27.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo