< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

39/05/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الشرط الثاني عشر: الكفاءة وحسن التدبير

والمراد بالكفاءة وحسن التدبير ما يرجع إلى أمرين مهمين:

الأول: هو الإدارة والثاني هو التدبير والمقصود بالإدارة توفر المؤهلات التي تجعل صاحبها قادراً على توجيه مجموعة بشرية توجيهاً منظماً منسجماً بحيث يمكنهم تحقيق الغاية المطلوبة، وأما المراد بالتدبير فهو القدرة على إبداع أساليب وابتكار طرق وحلول توصل إلى المطلوب، ومن الواضح أن ابتكار الأساليب والطرق والإبداع فيها يحتاج فيها إلى شم سياسي وحس سياسي عميق، فالقائد السياسي هو من يمتلك حساً وشماً سياسياً والمراد بالشم السياسي هو رؤية غير المحسوسات، فالسياسي المحنك والنبيه هو من يتوقع حدوث وقائع وأحداث ويرسم الخطة الاستراتيجية لتلافيها قبل وقوعها.

ونضرب مثالاً أو مثالين لذلك يتمثل في الإمام القائد السيد علي الحسيني الخامنئي~ فقد بحثت وزارة الخارجية في إيران بحث ملف العلاقات السياسية بين الجمهورية الإسلامية في إيران وبين العراق أيام حكم صدام حسين وكتبوا بحثاً في ذلك وأوصلوه إلى الإمام الخامنئي عدة مرات لترتيب بعض العلاقات من أجل تسهيل أمور الزوار الإيرانيين العتبات المقدسة، وفي كل مرة كان الإمام القائد الخامنئي يرد الملف بحجة أن صدام سيسقط وفي ذلك الوقت كان صدام قوياً ولا توجد أمارات تشير إلى سقوط نظام حكمه.

الثاني ملف العلاقات بين إيران ومصر أيام الرئيس المخلوع حسني مبارك فقد أعدت وزارة الخارجية في إيران ملف العلاقات مع مصر عدة مرات وطرحته على الإمام القائد الخامنئي¡ وفي كل مرة كان يرد هذا الملف ويقول حسني مبارك سيسقط مع أن حسني مبارك كان قوياً وكان نظامه قوياً وهكذا بالنسبة إلى الثورة في البحرين فإن الإمام القائد الخامئني~ صرح عدة مرات بأن ثورة البحرين منتصرة، إذاً الشم السياسي يراد به أن يشم القائد السياسي الرائحة التي لا يشمها الكثيرون وهنا تكمن قوة القيادة والولاية وإلا إذا كان كسائر الناس يفهم ما يفهمون ولا يفهم ما لا يفهمون ما الفرق بينه وبين سائر الناس، فالقائد السياسي هو القائد الذي يتنبأ بالمستقبل ويرتب أوراقه لتلافي ما قد سيقع في المستقبل وهذا يحتاج إلى حس سياسي يحصل بالتجربة بالخبرة بالذكاء، لذلك أهم ثلاثة شروط في المرجعية هي الفقاهة والعدالة والأعلمية، ولكن أهم شروط في قيادة الفقيه وولايته هي الفقاهة والعدالة والأخبرية والكفاءة، إذاً الشرط الثاني عشر وهو الكفاءة وحسن التدبير من أهم شروط ولي الأمر وهذا الشرط قد يرجح شخصاً على أشخاص آخرين إذا كان هذا الشخص أكثر كفاءة وأقوى تدبيراً وأكثر خبرة.

وبكلمة موجزة بالنسبة إلى التدبير يراد به القدرة على اتخاذ القرار المناسب في الموقع المناسب، فإذا أردنا أن نختصر مفهوم الكفاءة يمكن أن نذكر نص العبارة التالية التي ذكرها الشيخ محسن الأراكي([1] )، الكفاءة هي القدرة على توجيه مجموعة بشرية نحو الهدف المنشود توجيهاً منظماً منسجماً واتخاذ القرار المناسب في الموقع المناسب، إذاً القيادي هو القادر على تشكيل مجموعة وقيادتها وتوجيهها وتوقع ما قد يحصل واتخاذ التدابير اللازمة والمناسبة لما حصل أو ما قد يحصل.

ومن هنا فإننا نجد أن عنوان الكفاءة أو التدبير أو الإدارة يدخل تحت عنوان العلم فتارة نتكلم عن العلم بالكليات وتارة نتكلم عن العلم بالجزئيات وتارة نتكلم عن العلم من ناحية نظرية وتارة نتكلم عن العلم من ناحية عملية، أما العلم من الناحية النظرية أو من الناحية الكلية فهذا ما سنبحثه في اشتراط العلم والفقاهة في ولي الأمر، فالمراد باشتراط الفقاهة والاجتهاد والعلم هو العلم بالكليات أي قدرته على استنباط الأحكام الشرعية المتعلقة بإدارة شؤون الدولة من الكتاب والسنة والمدارك المقررة، وأما العلم بالجزئيات أو العلم من الناحية العملية فيراد به الكفاءة والخبرة والإدارة وحسن التدبير أي أن ولي الأمر لابد أن يكون عالماً بالجزئيات التي تواجهه في إدارته للدولة الإسلامية وقادراً على إيجاد الحلول لتلك المشكلات الجزئية، لذلك في آيات كتاب الله وفي بعض الروايات أطلق لفظ العلم على المعنى الثاني لا المعنى الأوّل أي أن العلم أطلق وأريد به المعرفة العملية والعلم بالجزئيات والتنبه لتطبيقات المسائل وتفريعاتها وليس المراد به هو الأوّل وهو العلم بالكليات أو الاجتهاد المطلق أو الفقاهة، لذلك من جملة الأدلة التي سنستدل عليها في اشتراط الكفاءة في ولي الأمر الآيات والروايات التي نصت على العلم واشترطت العلم في ولي الأمر أو من يتصدى للمسؤولية فضلاً عن التصدي للشأن العام.

بناء على هذا الذي ذكرناه نجد أن هذا الشرط الثاني عشر وهو الكفاءة وحسن التدبير قد عنون في الكتب المختلفة التي تطرقت إلى شروط وصفات ولي الأمر بعناوين مختلفة وبألفاظ متعددة وبعضها قد استخدم مفردة العلم أو الأعلمية فنجد أن سماحة آية الله الشيخ المظاهري~([2] )، قد استخدم هذه المفردة وهذا العنوان الأعلمية في دقائق السلطة أي الأعلمية في العلم بالجزئيات ويراد به أن يتوفر على العلم المتعلق بالجزئيات التي تواجهه في إدارة السلطة، ونجد الشيخ محمد المؤمن القميâ([3] ) قد عنون هذا البحث بعنوان أن يكون ذا حسن التدبير، ونجد أيضاً الشيخ المنتظري&([4] ) يعبر هذا التعبير اعتبار القوة وحسن الولاية، نعم اقتصر الشيخ الأراكي([5] ) على لفظ الكفاءة، إذا اتضح المراد بالكفاءة وهو العلم بالجزئيات وقوة الإدارة وحسن التدبير الناشئ عن حس سياسي ومعرفة بالسياسة وشؤونها نتطرق إلى الأدلة وسنذكر عشرين دليلاً من الآيات والروايات وإذا لاحظنا الآيات السبع والروايات الثلاثة عشر ويمكن إقامة أدلة أكثر من ذلك سنجد أن الروايات تامة من ناحية الدلالة ولكن أكثرها ضعيف من ناحية السند فهي تصلح كمؤيدات للآيات والعمدة في المسألة هو سيرة العقلاء والارتكاز العقلائي الممضى من قبل الشريعة الغراء، لذلك سنقيم أكثر من عشرين دليلاً والعمدة هو الدليل الأوّل سيرة العقلاء ومن بعده سنتطرق إلى بقية الأدلة من آيات وروايات سبع آيات وثلاثة عشر رواية.

في البداية نتطرق إلى سيرة العقلاء ويمكن أن يقال إن الآيات والروايات إنما هي إرشاد إلى حكم العقل الحاكم بلزوم أن يكون ولي الأمر ذا كفاءة وذا إدارة وحسن تدبير، إذاً الدليل العمدة هو التمسك بالارتكاز العقلائي وسيرة العقلاء ومفاده هكذا، إن العقلاء في أي مجتمع وفي أي دولة إذا أرادوا تفويض أمر معين إلى شخص معين فلابد أن يراعوا فيه عدة أمور ومن أهم تلك الأمور قوة الشخص وقدرته على تحقيق الأمور التي أوكلت إليه فإذا كان العقلاء في الأعمال الجزئية يلاحظوا قدرة المفوض على تحقيق الأمور التي فوضوه فيها فمن باب أولى يلاحظ العقلاء قدرة المفوض على الأمور التي فوضت إليه فيما يتعلق بالشؤون العامة وإدارة الأمة وإذا رجعنا إلى نفس مفردة الولاية وقلنا إنها تكشف عن نقص، والمراد بالولاية جبر النقص الحاصل في المولى عليه، فولاية الأب والجد للأب على الصبي معناه أن الأب والجد للأب يعمل سلطنته لجبر النقص الحاصل في الصبي وبالتالي يكون المراد بولاية الأمر وبولي أمر المسلمين أن هذا الشخص يجبر النقص الحاصل في الشأن العام المتعلق بالمسلمين قاطبة فإذا كان ولي الأمر وهذا الشخص فاقداً للكفاءة ولا يمتلك الإدارة والدراية والتدبير الكافي لإدارة شؤون الأمة يلزم من تعيينه نقض الغرض، إذاً العقلاء بما هم عقلاء لا يجعلون الضعيف الذي يتردد ولا يستطيع اتخاذ القرار المناسب في منصب حساس ومهم جداً وهو رئاسة الدولة الإسلامية.

هذه السيرة كانت بمرأى ومسمع من الأئمة^ ولم يردعوا عنها بل بعض الروايات تذكر هذه السيرة وتمضيها كصحيحة العيس بن قاسم التي تقدمت وذكرناها وهي ما رواه الكليني عن العيس بن القاسم قال سمعت أبا عبد الله× يقول: >عليكم بتقوى الله وحده لا شريك له وانظروا لأنفسكم فو الله إن الرجل ليكون له الغنم فيها الراعي فإذا وجد رجلاً هو أعلم بغنمه من الذي هو فيها يخرجه ويجيء بذلك الرجل الذي هو أعلم بغنمه من الذي كان فيها ـ هنا المراد أعلم بغنمه يعني أكثر تدبيراً ليس المراد العلم الكلي بالغنم بل المراد العلم الجزئي في هذا التطبيق في كيفية رعاية الأغنام هو أخبر وهو أقوى إدارة وأحسن تدبيراً ـ والله لو كانت لأحدكم نفسان يقاتل بواحدة يجرب بها ثم كانت الأخرى باقية فعمل على ما قد استبان لها ولكن له نفس واحدة إذا ذهبت فقد والله ذهبت التوبة فأنتم أحق أن تختاروا لأنفسكم إن أتاكم آت منا فانظروا على أي شيء تخرجون<([6] ).

تقريب الاستدلال بهذه الرواية >فانظروا على أي شيء تخرجون< فالإمام× يحث الناس على الخروج مع الأعلم الأكثر خبرة بمقتضيات الخروج وشؤونه كما أن العقلاء في حياتهم العقلائية يقدمون الراعي الأعلم أي الأكثر كفاءة على رعاية أغنامهم إذاً هذه الرواية تثبت إمضاء الأئمة^ لسيرة العقلاء، إذاً العمدة في اشتراط الكفاءة وقوة الإدارة والخبرة وحسن التدبير في ولي الأمر هو السيرة العقلائية، وبعد بيان السيرة العقلائية نتطرق إلى الآيات والروايات التي تشير إلى ذلك وسنلحظ أن الكثير من الآيات والروايات تشير إلى هذه السيرة العقلائية وهي أن العقلاء إذا جعلوا أمراً في عهدة شخص يلحظوا أن يكون هو الأصلح لتدبير ذلك الأمر وأن يكون هو الأنفع لهم والأصلح لهم والأقوى على الإتيان بذلك الأمر فإذا جرى العقلاء على هذا الأمر في مختلف الأمور الجزئي منها أو الكلي فمن باب أولى يراعوا هذا الأمر في أمر خطير وهام جداً وهو ولاية الأمر.

والأدلة من الكتاب والسنّة ما يلي:

الدليل الأوّل: قولهP في قصة طالوت {إنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} ([7] ).

وسنتطرق إلى تقريب الاستدلال بالآيات والروايات بنحو البرقية والإشارة لأن البحث في كل آية أو رواية قد يطول كثيراً ويكفي أن نشير إشارة بارقة وخاطفة وسريعة إلى النكتة في الاستدلال بالآية أو الرواية.

الشاهد في هذه الآية >وزاده بسطة في العلم< والمراد بالعلم هنا ليس العلم بالكليات والنظريات وإنما يراد به العلم بالجزئيات والتطبيقات فالآية الكريمة تشير إلى أن طالوت قد عينه الله ملكاً على بني إسرائيل لأن الله قد زاده بسطة في العلم أي أن طالوت وهو الملك والقائد العسكري كانت لديه المزيد من الخبرة في إدارة الشؤون العسكرية والقتال والقرينة على أن المراد بالعلم في الآية هو الأمور العملية لا الأمور النظرية التعبير بلفظة بسطة فلا يعبر عادة عن العلم الكلي والنظري بالبسطة، فطالوت كان مبسوطاً في العلم أي أن الله¨ أعطاه المزيد من الكفاءة التي أهلته لإدارة المعركة وقيادة جيش بني إسرائيل حتى تمكن طالوت من قتل جالوت، إذاً الآية الكريمة والدليل الأوّل تام الدلالة على اشتراط الكفاءة وحسن التدبير في ولي الأمر.

الدليل الثاني: قوله¨ على لسان نبي الله يوسف× عندما خاطب عزيز مصر قال {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}([8] ).

تقريب الاستدلال هذه الآية تشير إلى نكتة مهمة جداً في المسؤول فضلاً عن ولي الأمر وهو ضرورة توفر خصلتان وهما الأمانة والخبرة وبانتفاء إحدى الخصلتين يكون المسؤول إما سارقاً وإما مسروقاً، إما فاسداً أو مفسداً للعمل {إنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} حفيظ يعني أمين عليم يعني خبير فإذا كان المسؤول حفيظاً عليماً أميناً خبيراً تم إتقان العمل وأما إذا انتفت إحداهما كأن يكون المسؤول أميناً إلا أنه ليس خبيراً فإنه في هذه الحالة قد يسرق وقد يستغل وقد يستغفل وقد يلعب عليه فالمسؤول الأمين والحفيظ لكن غير الخبير وغير العليم يسهل سرقته وإغفاله.

والصورة الثانية إذا كان المسؤول عليماً خبيراً لكنه ليس حفيظاً ولا أميناً فإنه يسرق ويستغل خبرته وعلمه في سرقاته المختلفة والمتعددة، إذاً أمين غير خبير يُسرق، خبير غير أمين يَسرُق فيدور الأمر بين أن يَسرق أو يُسرق بخلاف ما إذا كان المسؤول خبيراً أميناً فبمقتضى خبرته لا يَسرق ولا يَستغفل وبمقتضى أمانته لا يُسرُق ولا يُستغفل، فيوسف× خاطب ملك مصر قائلاً اجعلني على خزائن الأرض فآنذاك كانت مصر في السنوات السبع القوية والسمينة ومن المعلوم أن بعد السنوات السبع الغنية ستأتي سبع سنوات عجاف فقال يوسف× لملك مصر اجعلني على خزائن الأرض لأني حفيظ يعني خبير بكيفية حفظ القمح والسنابل بحيث إذا أودعتها في المخازن لا تتلف فأنا عليم عندي عِلم عندي خبرة بكيفية حفظ القمح في سنابله وفي ودائعه وفي مخازنه من دون أن يفسد وفي نفس الوقت حفيظ يعني أمين فلو كانت لشخص خبرة بكيفية حفظ السنابل في المخازن لكنه لم يكن حفيظاً ولم يكن أميناً فإنه يسرقها وأما إذا كان أميناً لكنه غير خبير وعليم بكيفية الحفظ فإن السنابل تفسد أو تسرق منه، إذاً في تقريب الاستدلال بالآية {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} ـ أي إني أمينٌ خبيرٌ بكيفية حفظ هذه السنابل ـ<، إذاً الآية الكريمة فيها حيثية تعليلية كيف يجعل الشخص على خزائن الأرض؟ ما هي العلل والأسباب التي توجب تعيين شخص في مكان حساس حتى يصبح رئيس الوزراء يصير عزيز مصر عزيز مصر يعني رئيس الوزراء يوسف كان بمنصب رئيس الوزراء بعد الملك مباشرة هو كونه حفيظاً عليماً، إذاً الآية اشترطت أن يكون عليماً وذكرت هذه الحيثية التعليلية والمراد بالعليم هنا الكفاءة وحسن التدبير، إذاً الآية الثانية والدليل الثاني تام الدلالة على اشتراط الكفاءة في ولي الأمر.

الدليل الثالث: قوله¨ حكاية عن بنت شعيب النبي في حق موسى× والتي تزوجها فيما بعد {قَالَتْ إحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}([9] ).

والمراد بالأمين الذي يحفظ عرض النبي والمراد بالقوي الخبير القادر على الإتيان بالمهمة التي أوكلت إليه إذ أنها قالت ذلك بعد أن سقا لهم وحمل الجرة من النهر إلى بيت نبي الله شعيب، فلما وجدته قوياً خبيراً بشؤون السقاء قالت يا أبتي استأجره فإذا كان المستأجر يشترط فيه أن يكون قوياً أميناً فمن باب أولى الرئيس العام للشأن العام يشترط فيه أن يكون قوياً أميناً، إذاً الآية الثالثة والدليل الثالث تام الدلالة على المطلوب ولو بالأولوية القطعية فإذا كان المستأجر يشترط فيه أن يكون قوياً على أداء المهمة فمن باب أولى يشترط في ولي الأمر أن يكون قوياً وقادراً على أداء المهام التي أوكلت إليه.

الدليل الرابع: التمسك بقوله¨ حكاية عن العفريت من الجن {قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ}([10] ).

تقريب الاستدلال سليمان× كان يحكم وقد استشار أركان مملكته من الجن والإنس بشأن بلقيس التي كانت تحكم مملكة سبأ في اليمن وقد أشاروا عليه ببعض الأمور المتعلقة بها فطلب أن يحضروا عرشها إليه فقال أحد الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مكانك لكن العفريت من الجن أراد أن يتفوق على الجن الأوّل فقال أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين، التعليل هو قوي أمين والمراد بالقوة ليس هو فتل العضلات وإنما هو القدرة على جلب القصر والعرش كما هو وأمين يعني يمكن أن تأتمنني على حفظ ذلك العرش، إذاً دلت الآية الكريمة على اشتراط القدرة والأمانة في تنفيذ المهمة الموكلة إلى العفريت فنستدل بالأولوية القطعية، فإذا كان العقلاء وكان النبي وهذا العفريت أخذوا لحاظ القوة والحفظ في تنفيذ المهمة الموكلة إلى العفريت فمن باب أولى تؤخذ القدرة والأمانة في ولي الأمر، والمراد بالأمانة في ولي الأمر العدالة والمراد بالقدرة الكفاءة وقوة الإدارة وحسن التدبير، إذاً الآية الرابعة تامة الدلالة على اشتراط الكفاءة وحسن التدبير في ولي الأمر.

الدليل الخامس: التمسك بقولهP {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}([11] ).

تقريب الاستدلال الآية تنفي الاستواء بين العبد العاجز وبين العبد القادر والمَرَادُ في الاستواء إلى نفي الاستحقاق فالعبد العاجز لا يستحق أن توكل إليه المهمات بخلاف العبد القادر فإنه مؤهل للقيام بالمهمات، إذاً الدليل الخامس تام الدلالة على المدعى إذ أن العبد الضعيف إذا أوكلت إليه مهمة يشترط فيه أن يكون قادراً على أدائها فمن باب أولى ولي الأمر يشترط فيه أن يكون قادراً على أداء الواجبات والمهمات التي أوكلت إليه وانيطت به.

الدليل السادس: التمسك بقوله تعالى {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ}([12] ).

الآية نفت الاستواء بين الذين يعلمون والذين لا يعلمون والمرجع هنا في الاستواء إلى نفي الاستحقاق فالعالم مقدم على الجاهل والمراد بالعالم مطلق العالم سواء كان عالماً بالأمور النظرية أو عالماً بالأمور العملية وبالتالي يقدم العالم بالأمور العملية على الجاهل بها أي أنه يقدم الأقوى في الإدارة وحسن التدبير والأكثر خبرة وكفاءة على غير الكفوء، إذاً الاستدلال بالدليل السادس تام على المدعى.

الدليل السابع: التمسك بقولهP {قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إلَى الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}([13] ).

تقريب الاستدلال الآية الكريمة وإن كانت ناظرة إلى التوحيد وتخاطب المشركين في أن من يمارس دور الهداية هو النبي لأنه هادي وليس الوثني أو زعيم القبيلة لأنه مهدي فالمهدي الذي لا يهدي وإنما يُهدى لا يقدم على الهادي المهدي وهو النبي ولكن في ذيل الآية هناك أمر عام ومطلق وهو قوله P {أَفَمَن يَهْدِي إلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} فالآية الكريمة تدل على لزوم تقديم الهادي المهدي على الذي لا يهدي إلا أن يهدى فهي ترى لزوم تقديم الأعلم على العالم ولزوم تقديم العالم على الجاهل والمراد بالعالم مطلق العالم بالأمور النظرية أو العملية ومنها حسن التدبير، فالآية الكريمة تدل على لزوم تقديم الأكفأ والأكثر خبرة والأحسن تدبيراً ممن هو أقل منه أو لا يفقه شيئاً في ذلك، إذاً الآية السابعة تامة الدلالة على لزوم الكفاءة في ولي الأمر، لكن هذه الآية يستدل بعمومها فهي ليست واردة في خصوص ولي الأمر، إذاً الدليل السابع تام الدلالة على المدعى.

يبقى الكلام في بقية الأدلة من الثالث عشر إلى العشرين.

الروايات الشريفة.

الدليل الثامن: ما في الكافي بسنده عن حنان عن أبيه عن أبي جعفر× قال: >قال رسول الله| لا تصلح الإمامة إلا لرجل فيه ثلاث خصال ورع يحجزه عن معاصي الله وحلم يملك به غضبه وحسن الولاية على من يلي حتى يكون لهم كالوالد الرحيم<، موضع الاستدلال هو حسن الولاية على من يلي وهذه الرواية معتبرة كما تقدم البحث فيها.

الدليل التاسع: ما في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين× >أيها الناس إن أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه وأعلمهم بأمر الله فيه<([14] )، الشاهد أقواهم عليه ولا شك أن الأكفأ والأحسن إدارة هو الأقوى، طبعاً هذا ضعيف السند نهج البلاغة مرسلة فتصلح مؤيد، يعني يصير الدليل التاسع مؤيد من التاسع تبدأ المؤيدات يعني ثمانية أدلة تامة والباقي مؤيدات.

الدليل العاشر: ما في الاحتجاج عن أمير المؤمنين >أنا أولى برسول الله وأفقهكم في الدين وأعلمكم بعواقب الأمور<([15] )، هذه الرواية وإن كانت واردة في خصوص أمير المؤمنين لكن فيها حيثية تعليلية لتقديمه على غيره وهو كونه أعلمهم بعواقب الأمور يعني أكثر خبرة وأكثر دراية، طبعاً الرواية ضعيفة فتصير مؤيد.

الدليل الحادي عشر: ما رواه ابن أبي الحديد المعتزلي عن نصر بن مزاحم عن أمير المؤمنين في كتابه إلى معاوية وأصحابه >فإن أولى الناس بأمر هذه الأمة قديماً وحديثاً أقربها من الرسول وأعلمها بالكتاب وأفقهها في الدين أولها إسلاما وأفضلها جهاداً وأشدها بما تحمّله الأئمة من أمر الطاعة اضطلاعاً<([16] ) الشاهد وإن كان الرواية ناظرة إلى خصوص خلافة وإمامة أمير المؤمنين ورئاسته ولكن فيها حيثية تعليلية والشاهد >وأشدها بما تحمله الأئمة من أمر الطاعة اضطلاعاً<، ما تحمله أشدها يعني أكثر تحملاً يعني إشارة إلى القدرة والكفاءة.

الدليل الثاني عشر: ما في أصول الكافي عن الإمام الرضا× >والإمام عالم لا يجهل وراع لا ينكل إلى أن يقول نامِ العلم كامل الحلم مضطلع بالإمامة عالم بالسياسة مفروض الطاعة<([17] )، إذاً هذه الرواية تصلح كمؤيد.

الدليل الثالث عشر: ما رواه ابن قتيبة في الإمامة والسياسة عن علي× قال: >فو الله يا معشر المهاجرين لنحن أحق الناس به لأنا أهل البيت ونحن أحق بهذا الأمر منكم ما كان فينا القاري لكتاب الله الفقيه في دين الله العالم بسنن رسول الله المضطلع بأمر الرعية المدافع عنهم الأمور السيئة القاسم بينهم بالسوية<([18] )، الشاهد المضطلع بأمر الرعية فهذا هو المؤيد الثالث عشر لأن الرواية ضعيفة.

الدليل الرابع عشر: ما في البحار عن أمالي الطوسي بسنده عن أبي ذر أن النبي| قال: >يا أبا ذر إني أحب لك ما أحب لنفسي إني أراك ضعيفاً فلا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم<([19] )، الشاهد هو الضعيف لا يلي أمر الأمة فلابد أن يكون قوياً، إذاً المؤيد رقم 14.

الدليل الخامس عشر: ما في الغُرر والدُرر عن أمير المؤمنين >من حسنت سياسته وجبت طاعته<([20] )، هذا مؤيد لأنه مرسل ضعيف السند.

الدليل السادس عشر: ما في الكافي عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله× قال: >يا مفضل والعالم بزمانه لا يهجم عليه اللوابس<([21] )، فهذا يشير إلى علم الإمام والرئيس بالزمان والمكان من أهم الشروط ومن يعرف زمانه لا تهجم عليه الأمور التي فيها لبس وخرف.

الدليل السابع عشر: ما في نهج البلاغة في شرائط الوالي >وقد علمتم أنه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين البخيل فتكون في أموالهم نهمته ولا الجاهل فيضلهم بجهله<([22] ) هنا ليس المراد بالجاهل العالم بالكليات بل الجاهل بالجزئيات.

الدليل الثامن عشر: ما في نهج البلاغة عهد الإمام إلى مالك الأشتر ذكر في نهج البلاغة وذكر في تحف العقول وفي الدعائم وهكذا يقول: >فول من جنودك أنصحهم في نفسك لله ولرسوله ولإمامك وأنقاهم جيباً وأفضلهم حلما<، إلى هنا في نهج البلاغة، في تحف العقول >وأجمعهم علماً وسياسةً<([23] ) وفي الدعائم >ول أمر جنودك أفضلهم في نفسك حلماً وأجمعهم للعلم وحسن السياسة وصالح الأخلاق<([24] ).

الدليل التاسع عشر: ما في نهج البلاغة أيضاً في عهد الإمام لمالك الأشتر >ثم أنظر في أمور عمالك فاستعملهم اختباراً ولا تولهم محاباة وأثرتاً فإنهم جماع من شعب الجور والخيانة وتوخ منهم أهل التجربة والحياء من أهل البيوتات الصالحة<([25] ) ـ أهل التجربة ـ، فإذا كان أهل التجربة يطلب في المستشار فمن باب أولى يطلب في الرئيس وولي الأمر.

الدليل العشرون: ما في الكافي عن طلحة بن زيد قال سمعت أبا عبد الله× يقول: >العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق لا يزيده سرعة السير إلا بعدا<([26] )، فمن يعمل بغير علم لا يزيده كثرة السير إلا ضلالاً بخلاف من يعمل بعلم والمراد بالعلم الدراية والمعرفة بالطريق فإنه يصل إلى المطلوب بسرعة.

أدلته تامة وعمدتها السيرة العقلائية بالإضافة إلى سبع آيات وأوّل رواية فصار المجموع سبع آيات وأوّل رواية صحيحة السند أي ثمانية وسيرة العقلاء تسعة، تسعة أدلة ناهضة والباقي مؤيدات يعني عندنا واحد وعشرين دليل، عندنا تسعة أدلة وأثنى عشر مؤيد.

 


[1] () نظرية الحكم في الإسلام، ص304.
[2] () فقه الولاية والحكومة الإسلامية، ج1، ص264.
[3] () الولاية الإلهية الإسلامية، ج3، ص199.
[4] () دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية، ج1، ص318.
[5] () نظرية الحكم في الإسلام، ص304.
[6] () الكافي، ج8، ص264، الحديث 381؛ وسائل الشيعة، ج11، ص35، الباب13 من أبواب جهاد العدو، الحديث الأوّل، من نسخة عبد الرحيم.
[14] () نهج البلاغة، ج2، ص104، الخطبة 173 من نسخة محمد عبده.
[15] () الاحتجاج، ج1، ص46، طبعة أخرى، ج1، ص95، باب ما جرى بعد وفاة رسول الله|.
[16] () شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج3، ص210.
[17] () الكافي، ج1، ص202، كتاب الحجة، باب نادر الجامع في فضل الإمام وصفاته، الحديث الأول.
[18] () الإمامة والسياسة، ج1، ص19، باب إبانة علي× بيعة أبي بكر.
[19] () بحار الأنوار، ج22، ص406، كتاب العشرة باب أحوال الملوك والأمراء.
[20] () الغرر والدرر، ج6، ص211، الحديث 8025.
[21] () الكافي، ج1، ص26، كتاب العقل والجهل، الحديث 29.
[22] () نهج البلاغة، الخطبة 131.
[23] () تحف العقول، ص132.
[24] () دعائم الإسلام، ج1، ص358.
[25] () نهج البلاغة، ج3، ص97، الكتاب53، نسخة محمد عبدو.
[26] () الكافي، ج1، ص43، كتاب فضل العلم، باب من عمل بغير علم، ح1.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo