< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

39/05/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ولاية الفقيه

الشرط العاشر: سلامة الحواس والأعضاء

إذا نظرنا إلى أدلة ولي الأمر والأدلة العامة لا نجد دليلاً يدل على سلامة الأعضاء والحواس بشكل مطلق، نعم لو أدى نقص الأعضاء أو الحواس إلى عدم قيام ولي الأمر بمهامه أو وجود نقص أو خلل في أداء بعض مهامه أو أوجب النقص في أعضائه أو حواسه نفرت الناس منه فحينئذ قد يقال إن سلامة الأعضاء والحواس شرطان أو شرط في ولي الأمر، والمراد بسلامة الأعضاء أعضائه البدنية كاليد والرجل والعين واللسان وما شاكل ذلك والمراد بسلامة الحواس ما يرجع إلى إحدى الحواس الخمس كالسمع أو البصر ومن هنا جعلهما العلّامة الحليî في التذكرة شرطين لكننا جعلناهما شرطاً واحداً لأن مدركهما ودليلهما أمر واحد، إذاً سلامة الأعضاء والحواس ليس شرطاً مطلقاً في ولي الأمر فلو كان ولي الأمر به خلل في بعض حواسه أو بعض أعضائه كما لو قطعت إحدى رجليه لكن هذا الخلل لم يوجب نقصاً في أداء مهامه ولم يوجب نفرت الناس منه فلا مانع من ذلك.

قال العلّامة الحلي+ في التذكرة في تعداد شرائط الإمام بمعنى ولي الأمر التاسع أن يكون صحيح السمع والبصر ليتمكن من فصل الأمور وهذه الشرائط غير مختلف فيها، يعني الشرط الأوّل إلى التاسع لا خلاف بين السنة والشيعة فيها، العاشر أن يكون صحيح الأعضاء كاليد والرجل والأذن وبالجملة اشتراط سلامة الأعضاء من نقص يمنع من استيفاء الحركة وسرعة النهوض وهو أولى قولي الشافعية([1] )، في عبارة العلّامة الحلي ورد القيد الأوّل وهو ما يمنع الولي من استيفاء الحركة والنهوض والقيام بمهامه.

القيد الثاني نفرت الناس ورد في عبارة السيد المرتضىı في الذخيرة قبل العلّامة الحلي، قال السيد المرتضى في فصل صفات الإمام وكونه أصبح الخلق وجهاً غير واجب لأنه لا تعلق له بشيء من ولاياته ورياساته إلا أنه لا يجوز أن يكون سيء الصورة فاحش الخلقة كما لا يجوز ذلك في الرسول لأجل التنفير([2] )، إذاً ربما يستدل على اشتراط سلامة الأعضاء والحواس باتفاق العلماء على اعتبارهما كما ذكر العلّامة الحلي في التذكرة لكن هذا الاتفاق قد يقال إنه محتمل المدركية فيحتمل استناد جلَّ القائلين بذلك ببعض الأدلة التي سنذكرها إن شاء الله ومع احتمال المدركية يسقط الاستدلال باتفاق العلماء أو إجماعهم.

فخلاصة الشرط العاشر هو أن النقص الحاصل في الحواس أو الأعضاء إذا أوجب نقصاً في أداء مهمات ولي الأمر بحيث قعد عن وظائفه بسبب ذلك النقص أو أوجب ذلك النقص نفرت الناس منه ففي هذه الحالة لا يكون ولياً للأمر باختلال الشرط العاشر، وأما إذا كان نقص الحواس أو الأعضاء لا يوجب خللاً ونقصاً في أداء مهمات ولي الأمر ولا يوجب نفرت الناس منه فحينئذ لا دليل على اشتراط سلامة الحواس والأعضاء مطلقاً، ويمكن إقامة عدة أدلة على اشتراط سلامة الأعضاء والحواس في ولي الأمر نقتصر على ذكر سبعة منها.

الدليل الأوّل التمسك بآية طالوت وهي قوله¨ حكاية عن قوم من بني إسرائيل ونبيهم إذ قال® {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ}([3] ).

تقريب الاستدلال هذه الآية لا تختص ببني إسرائيل وإن حكت عما جرى مع نبي من أنبياء بني إسرائيل والآية تشير إلى أن الملاك في الملك عند بني إسرائيل آنذاك هو الوجاهة ومن أبرز عناوين الوجاهة القدرة المالية لذلك اعترضوا على تنصيب طالوت ملكا، وردّ عليهم نبي زمانهم فقال لهم إن الملاك هو تنصيب الله¨ إن الله اصطفاه عليكم وليس الملاك هو ولم يؤت سعة من المال، ثم ذكر أمرين مهمين في الملك والرئيس وصاحب السلطة وهما البسطة في العلم والبسطة في الجسم، إذاً البسطة في الجسم وكون الجسم مناسباً للتصدي لشؤون الولاية شرط مهم في ولي الأمر.

إشكال وجواب قد يقال إن هذه الآية لم ترد في ولي الأمر والرئيس العام وإنما وردت في من يعينه الوالي فإن طالوت قد نصبه نبي ذلك الزمان فكانت الولاية لنبي ذلك الزمان وطالوت قد نُصب من قبل نبي ذلك الزمان فلا يصح الاستدلال بالآية الكريمة على اشتراط البسطة في الجسم وسلامة الأعضاء والحواس في ولي الأمر لأنها ناظرة إلى من يعينه ولي الأمر.

والجواب إن الآية تنص على أن الله¨ هو الذي بعث لهم ملكا فالمنصب للملكِ هو الله® وليس النبي نعم نبي ذلك الزمان قام بوظيفة الإعلام فأعلمهم وأخبرهم إن اللهP قد بعث لكم طالوت ملكا، إذاً الآية لا تشير إلى أن الملك طالوت قد عين من قبل ولي الأمر وهو النبي في ذلك الزمان وإنما تشير الآية إلى أن الله مباشرة قد نَصَّب الملك طالوت وقام النبي بإخبارهم بذلك.

يستفاد من أخبار عديدة أن الإمامة على الناس والولاية والإمامة أمر أرفع من النبوة وأن القليل من الأنبياء قد حصلوا عليها وأن إبراهيم أبو الأنبياء ¬ لم يحصل على الإمامة إلا في آخر عمره وقد تدرج في المراتب فأول مرتبة له كانت العبودية لله ثم بعد ذلك أصبح نبياً ثم بعد ذلك أصبح رسولاً ثم بعد ذلك أصبح خليلاً وفي الأخير أصبح إماماً فلما ذاق حلاوة مرتبة الإمامة طلبها لذريته فأجابه¨ لا ينال عهدي الظالمين<، وهناك عدة روايات تدل على ذلك ذكرها الكلينيJ نكتفي بالإشارة إلى واحدة منها وهي ما رواه الكليني+ بسند فيه إرسال عن زيد الشحام قال: سمعت أبا عبد الله× يقول: >إن اللهO اتخذ إبراهيم× عبداً قبل أن يتخذه نبياً وإن الله اتخذه نبياً قبل أن يتخذه رسولا وإن الله اتخذه رسولا قبل أن يتخذه خليلاً وإن الله اتخذه خليلاً قبل أن يجعله إماما فلما جمع له الأشياء قال إني جاعلك للناس إماما قال فمن عظمها في عين إبراهيم قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين قال لا يكون السفيه إمام التقي<([4] ).

وطبعاً هناك عدة روايات تدل على ذلك ذكرها الشيخ محمد المؤمن القمي نقلاً عن كتاب أصول الكافي([5] )، أربع روايات وهذه الروايات معتبرة ويمكن تصحيح سندها عدا الرواية التي ذكرناها لأنها مرسلة.

الدليل الثاني التمسك بآية العبد الأبكم الذي لا يقدر على شيء، قال¨ في كتابه الكريم: {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}([6] ).

تقريب الاستدلال إن الآية الكريمة نفت الاستواء والتسوية بين العبد الأبكم الذي لا يقدر على شيء وهو كل يعتمد على مولاه وبين من يأمر بالعدل ومن يستطيع القيام بالأمور وهو على صراط مستقيم فالأوّل لا يقدر على شيء ولا يأتي بخير والثاني قائم بالخيرات وهو على صراط مستقيم فالأوّل فاقد للشرط اللازم في موارده بخلاف الثاني وبالتالي لا يصلح الأوّل لقيادة الدولة والمجتمع في الإسلام وهكذا الحال بالنسبة إلى الشخص الذي يفقد جميع الأعضاء أو الحواس أو يفقد بعضها بحيث لا يستطيع أن يقوم ببعض مهامه أو يوجب نفرتاً للمجتمع الإسلامي فمن الواضح أنه لا يستوي مع من يستطيع القيام بجميع مهامه أو لا يوجب نفرتاً بل يكسب عموم الناس في دولة الإسلام، إذاً الدليل الثاني على اشتراط سلامة الحواس والأعضاء تام.

الدليل الثالث التمسك بصحيحة سدير بن حكيم عن أبي جعفر× قال: >قال رسول الله| لا تصلح الإمامة إلا لرجل فيه ثلاث خصال ورع يحجزه عن معاصي الله وحلم يملك به غضبه وحُسنَ الولاية على من يلي حتى يكون لهم كالوالد الرحيم<([7] ).

تقريب الاستدلال إن من لا تكون حواسه أو أعضائه سليمة ولو بعضها لا يكون حَسن الولاية إذا أثر نقص بعض الأعضاء أو الحواس في قيامه بمهامه المعهودة إليه فنتمسك بعموم حسن الولاية على من يلي لاشتراط سلامة الأعضاء والحواس ودورهما في حسن الولاية والقيام بالمهمات المناطة بولي الأمر، إذاً الدليل الثالث تام وهذا الدليل الثالث سيال لأننا قلنا إن الكفاءة تتضمن خمسة أمور هذه الأمور الخمسة كلها يشملها عنوان الكفاءة ويشملها عنوان القوة وحسن الولاية، العنوان الأوّل هو حسن التدبير، العنوان الثاني الشم والحس السياسي، العنوان الثالث الشجاعة والقاطعية، العنوان الرابع سلامة الحواس والأعضاء العنوان الخامس الحلم وسعة الصدر، هذه العناوين الخمسة كلها تندرج تحت عنوان الكفاءة وكلها تندرج تحت عنوان حسن الولاية لذلك التمسك بصحيحة سدير يمكن أن يكون في هذه الأمور الخمسة، وسنتطرق إلى الأمر الأوّل حسن التدبير والأمر الثاني الشم السياسي عندما نبحث الكفاءة، وقد بحثنا الشجاعة وبقي البحث في سلامة الحواس وهو الشرط العاشر والبحث في الحلم وسعة الصدر وهو شرط الحادي عشر ويمكن الاستدلال عليهما بصحيحة سدير، إذاً الدليل الثالث وهو التمسك بصحيحة سدير تام لا غبار عليه، إذاً الأدلة الثلاثة الأولى تامة.

الدليل الرابع التمسك بقول أمير المؤمنين× >أقواهم عليه< فقد جاء في إحدى خطبه أنه قال: >أيها الناس إن أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه وأعلمهم بأمر الله فيه فإن شغب شاغب استعتب فإن أبى قوتل<([8] ).

تقريب الاستدلال التمسك بقوله×: >أقواهم عليه< وهذا العنوان عنوان أقواهم يشمل الموارد الخمس التي ذكرناها فالأشجع هو الأقوى والأقوى في سلامة حواسه وأعضائه هو الأقوى والأفضل في التدبير هو الأقوى والأفضل في الشم والحس السياسي هو الأقوى والأكثر حلماً وسعة في الصدر هو الأقوى، إذاً دلالة الدليل الرابع على اشتراط سلامة الحواس والأعضاء في ولي الأمر تامة إلا أن الكلام في سند الرواية فهي من مرسلات نهج البلاغة فتسقط عن الاعتبار من ناحية السند لكنها تصلح أن تكون مؤيداً بأدلة اشتراط سلامة الحواس والأعضاء.

الدليل الخامس دعوى تقوّم تفعيل الولاية بسلامة الأعضاء فلا معنى لممارسة مهام الولاية مع نقص في تمام الأعضاء أو الحواس أو بعضها لأن الهدف الأصيل والأساسي من ولاية شخص على الناس وشؤونهم العامة هو أن يقوم الوالي بسد جميع حاجات الناس الدينية والدنيوية فلابد أن يكون قادراً على أداء جميع وظائفه في جميع الموارد والعاجز عن أداء بعض هذه الموارد غير صالح للولاية، إذاً الدليل الخامس على اشتراط سلامة الأعضاء والحواس تام إذ أن نقص بعض الأعضاء أو الحواس إذا أدى إلى العجز عن القيام ببعض واجبات ووظائف ولي الأمر ففي هذه الحالة لا يصلح أن يكون هذا الشخص ولياً للأمر ومتصدياً للشأن العام إذ أن فاقد الشيء لا يعطيه.

الدليل السادس دعوى انصراف أدلة ولاية الفقيه عن الشخص الفاقد لبعض الحواس والأعضاء الموجبين للعجز عن القيام ببعض مهام ولي الأمر.

تقريب ذلك إن من أهم أدلة ولاية الفقيه مقبولة عمر بن حنظلة وسياقها النهي عن التحاكم إلى الطاغوت وهو الحاكم الجائر وسياقها أنها في مقام إيجاد الحل لمن عنده منازعة في ميراث وما شاكل ذلك والإمام× كان في مقام بيان الحل والطريق لمن وقع في هذه المشكلة فقال× ينظران إلى رجل منكم ممن روى حديثنا وعرف حلالنا وحرامنا فليرضوا به حكماً فإني قد جعلته حاكماً عليكم، وهل يعقل أن يجعل الإمام× حاكماً لا يفي بالغرض وذلك فيما إذا كان فيه نقص في الحواس أو الأعضاء بحيث يكون الترافق إليه ليس له أي ثمرة وهكذا إذا نظرنا إلى التوقيع الشريف >وأما الحوادث الواقعة فأرجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم< فهل يعقل أن يجعل الإمام المهدي # شخصاً حجة علينا وهو لا يستطيع أن يقوم بمهامه فيما إذا كان به نقص ببعض حواسه أو أعضائه فكيف يكون حجة علينا، إذاً أدلة ولاية الفقيه ناظرة إلى خصوص الشخص الواجد للشرائط الذي يمكن أن يقوم بالمهام ومنها سلامة الأعضاء والحواس وأما الشخص الفاقد لبعض الحواس أو الأعضاء بحيث يعجز عن القيام ببعض المهام لا يصلح أن يكون أميناً فكيف يأتمنه الإمام× بقوله >الفقهاء أمناء الرسل<، إذاً الدليل السادس تام لا غبار عليه.

الدليل السابع التمسك بالارتكاز العقلائي وسيرة العقلاء ويكفي هذا الدليل ويغنينا عن بقية الأدلة إذ أن العقلاء بما هم عقلاء يوكلون مهامهم إلى من يستطيع القيام بها ولا يوكلونها إلى شخص يعجز عن القيام بها ومن الواضح أن الشخص الذي به نقص في حواسه أو أعضائه بحيث يعجز عن القيام ببعض الشؤون العامة المناطة بولي الأمر مثل هذا الرجل لا يوكل إليه العقلاء الشأن العام ولا يرجعون إليه وهكذا إذا أوجب النقص في الحواس أو الأعضاء نفرتاً عامة من الناس فإن العقلاء بما هم عقلاء يجعلون في سدة الرئاسة شخصاً محبوباً جذاباً يمكن الرجوع إليه فهم لا يجعلون شخصاً منفراً يوجب نفرت الناس من حوله.

إذاً الدليل السابع على اشتراط سلامة الحواس والأعضاء تام لا غبار عليه وهو التمسك بالارتكاز العقلائي أو سيرة العقلاء وهي ممضاة من قبل الشارع المقدس إذ أن هذا الارتكاز وهذه السيرة بمرأى ومسمع من الأئمة^ ولم يردعوا عنها ولو كان لبان، فنستكشف من الإمضاء الشرعي لهذا الأمر اشتراط سلامة الحواس والأعضاء في ولي الأمر، وفي الحقيقة هذا الشرط من البديهيات التي لا تحتاج إلى دليل هذا واضح إذا نقص يوجب أن لا يقوم بمهامه مثلاً أصبح هذا الرئيس أصم لا يسمع ولا يتكلم كيف يدير الأمور كيف يدرك الواقع إذا كان لا يسمع نعم لو قطعت رجله أو يده ولكن يستطيع أن يباشر الشؤون هذا لا إشكال فيه ولكن الكلام كل الكلام فيما إذا أوجد خللاً.

الشرط الحادي عشر: الحلم وسعة الصدر

ويمكن إقامة عدة أدلة على ذلك بعضها عام وقد ذكرناه في الاستدلال على اشتراط الشجاعة وسلامة الأعضاء والحواس وسنذكره في الكفاءة وبعضها خاص ونقتصر على بيان خمسة أدلة.

الدليل الأوّل والثاني قد ذكرناهما في الشرط العاشر، الدليل الأوّل التمسك بصحيحة سدير الدالة على اشتراط القوة وحسن الولاية وهي صحيحة سدير بن حكيم عن أبي جعفر× قال: >قال رسول الله| لا تصلح الإمامة إلا لرجل فيه ثلاث خصال ـ الاشتراط واضح فيها ـ ورع يحجزه عن معاصي الله وحلم يملك به غضبه وحسن الولاية على من يلي حتى يكون لهم كالوالد الرحيم<.

تقريب الاستدلال يمكن التمسك بعموم هذه الرواية وبخصوصها أما العموم فقد ورد فيها عنوان عام وهو حسن الولاية ومن الواضح أن كثير الغضب والغضوب لا يكون حسن الولاية بل سيء الولاية ويمكن الاستدلال بالعنوان الخاص الوارد فيها إذ أن الرواية نصت على اشتراط وجود حلم يملك به الإمام غضبه، إذاً هذا الدليل تام سنداً ودلالة.

الدليل الثاني سيرة العقلاء فمن الواضح أن العقلاء يجعلون منصب الرئيس لتدبير شؤونهم لا لتعطيلها ومن الواضح أن الغضوب قد يُعقد الأمور ولا يحلها بخلاف الحليم وهو واسع الصدر فإنه يستطيع أن يحل المشكلات العويصة ببركة سعة صدره وحلمه الواسع وهذه السيرة وهذا الارتكاز العقلائي بمرأى ومسمع من الأئمة^ ولم يردعوا عنه، إذاً نستكشف من الإمضاء اشتراط الحلم وسعة الصدر في ولي الأمر.

الدليل الثالث ما رواه الكليني في الكافي عن الإمام الرضا× قال: >والإمام عالم لا يجهل وراع لا ينكل إلى أن يقول وهو في مقام بيان صفات الإمام نام العلم كامل الحلم مضطلع بالإمامة عالم بالسياسة مفروض الطاعة قائم بأمر الله ناصح لعباد الله حافظ لدين الله<([9] ).

تقريب الاستدلال التمسك بقوله× كامل الحلم فهذه الرواية تدل على اشتراط كمال الحلم وسعة الصدر في الإمام الذي يتصدى للشؤون العامة، إذاً دلالة الدليل الثالث على اشتراط الحلم تامة.

الدليل الرابع التمسك بالرواية المشهورة المعروفة عن أمير المؤمنين× قال: >آلت الرئاسة سعة الصدر<([10] ).

تقريب الاستدلال لكل شيء آلة ووسيلة ووسيلة الرئاسة وآلته سعة الصدر أي أن الرئاسة بدون سعة الصدر كطلب الشيء بدون آلته وبدون وسيلته فمن أهم وسائل الرئاسة سعة الصدر وهذا واضح بالوجدان ولا يحتاج إلى برهان إذ أن العمل الاجتماعي والسياسي معناه وجود المشاكل ومع وجود المشاكل لا معنى لحلها إلا بسعة الصدر وطول البال والحلم، إذاً الدليل الرابع على اشتراط الحلم وسعة الصدر تام إلا أن الكلام في سنده إذ هو من مرسلات نهج البلاغة وغرر الحكم والبحار لكنه من المشهورات جداً.

الأمر الخامس التمسك بما جاء في عهد الإمام أمير المؤمنين× إلى مالك الأشتر النخعي قال× فيما كتبه لمالك الأشتر >فول من جنودك أنصحهم في نفسك لله ولرسوله ولإمامك وأنقاهم جيباً وأفضلهم حلماً ممن يبطَئ عن الغضب ويستريح إلى العذر ويرأف بالضعفاء وينبو على الأقوياء وممن لا يثيره العنف ولا يقعد به الضعف<([11] ).

تقريب الاستدلال إذا كان من شروط الجنود الذين يوليهم مالك الأشتر كونه أفضل الجنود حلماً فمن باب أولى يكون الرئيس والوالي الذي يعين الجند أفضل الناس حلما، بل إن الرواية لم تقتصر على ذكر مفردة أفضلية الحلم بل فصلت في بيان مصاديق الحلم وسعة الصدر إذ شرحت أفضلية الحلم بقوله× >ممن يبطئ عن الغضب ويستريح إلى العذر ويرأف بالضعفاء وينبو على الأقوياء وممن لا يثيره العنف ولا يقعد به الضعف< أي أن الرواية أشارت إلى أنه ممن لا يتأثر بالعوامل الداخلة عليه مباشرة بل يزن الأمور وهذه خصلة مهمة في القائد وهي عدم التأثر والانفعال بالمحيط الخاص أو المحيط العام فقد رأينا الكثير ممن تصدوا للشأن العام إلا أن الشارع يؤثر عليهم ويوجههم أي أنهم انفعاليين وليسوا فعليين والقائد المحنك هو الذي يصنع الحدث لا أنه ينفعل بالحدث، فهو صانع للحدث لا أنه مصنوع للحدث، إذاً الدليل الخامس على اشتراط الحلم وسعة الصدر تام إلا أن الكلام في سنده فهو من مرسلات نهج البلاغة وإن كان عهد الإمام إلى مالك الأشتر من الكتب المشهورة التي قد يدعى أنها لا تحتاج إلى سند لكن يسقط الاستدلال نظراً لوجود الخدشة في السند.

وفي ختام هذا الشرط الحادي عشر نقول ما قلناه في الشرط العاشر والشرط التاسع وهي أن هذه الشروط بديهية ووجدانية لا تحتاج إلى دليل فمن قال إننا نحتاج إلى دليل عن اشتراط الشجاعة في ولي الأمر ومن قال إننا نحتاج إلى دليل على اشتراط الحلم وسعة الصدر في ولي الأمر ومن قال إننا نشترط سلامة الحواس والأعضاء إذا أوجبت العجز عن القيام بالمهام من قال إننا نحتاج إلى دليل على اشتراطها في ولي الأمر هذه أمور بديهية إذ أن فاقد الشجاعة وفاقد الحلم وفاقد سلامة الحواس والأعضاء عاجز عن القيام بمهامه وفاقد الشيء لا يعطيه، إذاً الشروط الأحد عشر المتقدمة كلها تامة ومعتبرة في ولي الأمر.

 


[1] () تذكرة الفقهاء، ج9، ص394.
[2] () الذخيرة في علم الكلام، ص437.
[4] () الكافي، ج1، ص198، الحديث 1.
[5] () الولاية الإلهية الإسلامية، ج3، ص274 ـ 277.
[7] () الكافي، ج1، ص407، الحديث 8.
[8] () نهج البلاغة، الخطبة 173، ص247.
[9] ()الكافي، ج1، ص202، كتاب الحجة، باب نادر الجامع في فضل الإمام وصفاته، ح1.
[10] () نهج البلاغة، ص501، الكلمة 176؛ بحار الأنوار، ج72، ص357، ويمكن مراجعة غرر الحكم ودرر الكلم.
[11] () نهج البلاغة، الكتاب رقم 53، نسخة الشيخ محمد عبده، ج3، ص101.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo