< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

39/05/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الشرط السابع: طهارة المولد في ولي الأمر

شرط طهارة المولد فيشترط في ولي الأمر أن يكون قد ولد من أبوين كريمين ولادة بالحلال فلا تصح ولاية ابن الزنا، ولم يتعرض العلّامة الحلي& في التذكرة إلى هذا الشرط ولعل السر في ذلك أن العلّامة الحلي& كان بصدد بيان صفات وشروط الإمام المعصوم× وليس بصدد بيان شروط ولي الأمر في عصر الغيبة والدليل على ذلك أنه ذكر العصمة والنص عليهم من شروط الإمام الولي مما يدل على أنه يقصد الإمام المعصوم×.

وإذا رجعنا إلى الروايات الشريفة والآثار الواصلة إلينا عنهم^ لا نجد رواية واحدة تتعرض إلى اشتراط طهارة المولد في ولي الأمر بالخصوص، ولكن يمكن الاستدلال على هذا الشرط بعموم بعض الأدلة من جهة وبفحوى بعض الأدلة من جهة أخرى، من هنا نتطرق إلى ثمانية أدلة وهي كما يلي:

الدليل الأوّل فحوى ما ورد في عدم صلاحية ولد الزنا لإمامة الجماعة في الصلاة فإذا لم يجز لابن الزنا أن يؤم المسلمين في جماعتهم فمن باب أولى لا يجوز لابن الزنا أن يؤمهم في شأنهم العام وهو التصدي لولاية الأمر، من هذه الروايات صحيحة زرارة عن أبي جعفر× المروية في الكافي فقد جاء فيها أنه قال أمير المؤمنين×: >لا يصلين أحدكم خلف المجذوم والأبرص والمجنون والمحدود وولد الزنا والأعرابي لا يؤم المهاجرين<([1] )، فالحديث ظاهر في بطلان الصلاة خلف ولد الزنا وقد نهى الإمام× عن الصلاة خلفه مما يكشف عن عدم صحة الجماعة خلف ابن الزنا وهذه المسألة بلغت من الوضوح حتى ادعى شيخ الطائفة الطوسي في كتاب الخلاف الإجماع على ذلك، قال في الخلاف في كتاب الجماعة منه لا يجوز إمامة ولد الزنا وقال الشافعي إمامته مكروهة وقال أبو حنيفة لا بأس بها دليلنا إجماع الفرقة وطريقة الإحتياط([2] ).

تقريب الاستدلال إذا كان عدم طيب الولادة مانعاً من إمامة الجماعة فلا ينبغي الريب في أن ابن الزنا يمنع عن التصدي للشأن العام فلا تنعقد ولاية الأمر الكبرى لابن الزنا على جميع أبناء الأمة الإسلامية، هذا تمام الكلام في الدليل الأوّل واتضح أنه تام.

الدليل الثاني فحوى ـ أي المدلول الإلتزامي ـ فحوى ما دل على أن ولد الزنا لا تقبل شهادته فإذا لم تقبل شهادته في القضاء فمن باب أولى لا تقبل ولايته على أمر عظيم كالتصدي لشؤون المسلمين العامة، وقد دل على ذلك موثقة زرارة ـ طبعاً الأدلة كثيرة في هذه الأمور عدم صحة صلاة الجماعة وعدم قبول شهادته وما سيأتي في كل مورد سنذكر رواية اختصاراً ـ ففي موثقة زرارة قال سمعت أبا جعفر× يقول: >لو أن أربعة شهدوا عندي على رجل بالزنا وفيهم ولد الزنا لحددتهم جميعاً لأنه لا تجوز شهادته ولا يؤم الناس<، ومن الواضح في كتاب القضاء والشهادات أن ثبوت الزنا بالبينة إنما يتم بأربعة شهود عادلين تتوفر فيهم شرائط الحجية فإذا اختلت الشرائط في واحد من الأربعة حدوا جميعاً لقذفهم من شهدوا عليه فهذه الرواية تدل على أن ابن الزنا لا تقبل شهادته فإذا لم تقبل شهادة ابن الزنا في القضاء فمن باب أولى لا تثبت الولاية العامة لابن الزنا وهذه المسألة ادعي عليها الإجماع أيضاً، قال شيخ الطائفة في كتاب الشهادات من الخلاف شهادة ولد الزنا لا تقبل وإن كان عدلاً وبه قال مالك إلا أنه قال إنها لا ترد بزنا وقال الشافعي وباقي الفقهاء لا تقبل دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم([3] )، الرواية موثقة زرارة([4] ).

وقد يستدل على اشتراط طهارة المولد في ولي الأمر بما ورد في ذيل موثقة زرارة إذ قال× ولا يؤم الناس فيتمسك بإطلاق قوله >ولا يؤم الناس< فلا تنعقد مطلق الإمامة بما يشمل ولاية الأمر وصلاة الجماعة معه، لكن قد يقال إن الرواية منصرفة عن ولاية الأمر ومطلق الإمامة بل لعلها تنصرف إلى خصوص إمامة الجماعة فلا يتم الاستدلال بها والله العالم، إذاً الدليل الثاني تام وهو التمسك بفحوى ما دل على رد شهادة ابن الزنا فمن باب أولى لا تقبل ولايته العامة.

الدليل الثالث فحوى ما دل على أن دية ولد الزنا دية الذمي وهي ثمانمائة درهم فقد روى الشيخ الطوسي+ في التهذيب بسند معتبر عن الصفار عن إبراهيم بن هاشم عن عبد الرحمن بن حماد عن إبراهيم بن عبد الحميد عن جعفر× قال >دية ولد الزنا دية الذمي ثمانمائة درهم<([5] ).

هذه الرواية معتبرة فإن سند الشيخ إلى الصفار صحيح والصفار وإبراهيم بن هاشم ثقتان إلا أن المشكلة في عبد الرحمن بن حماد إذ أنه لم يرد فيه توثيق لكن روى عنه ابن أبي عمير.

ونحن نقبل مبنى الثلاثة الذين لا يرون ولا يرسلون إلا عن ثقة فيمكن تصحيحه لرواية ابن أبي عمير عنه، كما أن إبراهيم بن عبد الحميد ثقة وإن احتمل كونه واقفياً وقد أفتى بمضمون هذه الرواية أكثر الأصحاب بل السيد المرتضى في الانتصاب ادعى الإجماع فقال& في الانتصاب وممن انفردت به الإمامية القول بأن دية ولد الزنا ثمانمائة درهم وخالف باقي الفقهاء في ذلك والحجة بعد الإجماع المتردد([6] ).

تقريب الاستدلال هذه الرواية تثبت دناءة ابن الزنا فمن الواضح أن الشارع المقدس حينما جعل قيمة دمه قيمة دم الذمي وهي ثمانمائة درهم فهذا يكشف عن دناءته فمثل هذا الشخص لا يصلح أن يتصدى لمنصب عظيم وهو تولي شؤون المسلمين العامة، إذاً الدليل الثالث تام.

الدليل الرابع فحوى ما دل على النهي عن الاسترضاع بلبن امرأة كانت ولد الزنا فقد جاء في صحيحة علي بن جعفر عن أخيه أبا الحسن‘ قال: سألته عن امرأة ولدت من الزنا هل يصلح أن يسترضع بلبنها قال: >لا يصلح ولا لبن ابنتها التي ولدت من الزنا<، وفي صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر‘ قال: >لبن اليهودية والنصرانية والمجوسية أحب إليَّ من ولد الزنا<([7] ).

والنهي في الرواية وإن كان تنزيهياً لكنه يكشف عن دناءة ابن الزنا بحيث أوجب كراهية الاسترضاع من لبن ولد الزنا كما أن كون ابن الزنا أخس من الكافر وهو اليهودي والنصراني والمجوسي كما في صحيحة محمد بن مسلم يكشف عن خسته وعدم أهليته لولاية الأمر فكيف يتصدى من هو أخس من الكافر إلى شؤون المسلمين العامة، إذاً الدليل الرابع على اشتراط طهارة المولد في ولي الأمر تام لا غبار عليه.

الدليل الخامس التمسك بفحوى ما دل على أن ابن الزنا أردئ وأسوأ من الكلب والخنزير، فقد روى البرقي في المحاسن والصدوق في عقاب الأعمال بسند معتبر عن حمزة بن عبد الله عن هاشم بن أبي سعيد الأنصاري عن أبي بصير ليث المرادي عن أبي عبد الله× قال: >إن نوحاً× حمل في السفينة الكلب والخنزير ولم يحمل فيها ولد الزنا والناصب شرٌ من ولد الزنا<([8] ).

تقريب الاستدلال إذا كان ولد الزنا أردئ من الكلب والخنزير فلا يصلح أن يتصدى لمنصب عظيم كولاية الأمر لكن حمزة بن عبد الله وهاشم بن سعيد مجهولان وقد تسقط الرواية عن الاعتبار ولكن هذا المضمون الوارد في ابن الزنا وهناك روايات كثيرة ويمكن إقامة أدلة كثيرة.

ونحن نكتفي بهذه الموارد الثمانية وإلا المطلب واضح جداً.

الدليل السادس التمسك بعموم ما دل على عدم وجود خير في ابن الزنا، روى المجلسي في البحار عن الصدوق في ثواب الأعمال بإسناده عن زرارة قال سمعت أبا جعفر× يقول: >لا خير في ولد الزنا ولا في بشره ولا في شعره ولا في لحمه ولا في دمه ولا في شيء منه ـ يعني ولد الزنا ـ<([9] ).

ويقع الكلام في هذه الرواية أوّلاً من ناحية السند وثانياً من ناحية الدلالة، أما من ناحية السند فسند البرقي في المحاسن معتبر موثق فإنه رواه عن أبيه عن ابن فضال عن عبد الله بن بكير عن زرارة فالرواية موثقة، وأما سند الصدوق في ثواب الأعمال مشترك في هؤلاء الرواة الأربعة لكنه رواه عن علي بن أحمد بن عبد الله عن أبيه عن جده البرقي صاحب المحاسن إلى الإمام× وهذان الرجلان علي بن أحمد وأبوه لم يوثقا في كتب الرجال بل لم يتعرض إليهما الرجاليون لكن ضعف سند الرواية في ثواب الأعمال لا يضر بعد اعتبار سند المحاسن.

وأما الاستدلال بلحاظ الدلالة فإن الإمام× في صدر الرواية جاء بأمر عام فقال >لا خير في ولد الزنا<، فيمكن أن نتمسك بالعموم فإذا لم يكن فيه خير لم يصلح لولاية الأمر ثم بعد العموم نص الإمام على عدة مصاديق وفي الختام قال ولا في شيء منه يعني لا خير في شيء منه ومن الواضح أنه من لا خير في شيء منه لا يصلح أن يتصدى للخير العظيم المتمثل في ولاية أمر المسلمين، إذاً الدليل السادس على اشتراط طهارة المولد في ولي الأمر تام لا غبار عليه.

الدليل السابع التمسك بعموم الأخبار الظاهرة في نجاسته وقذارته منها هذه الرواية، خبر الوشا عمن ذكره عن أبي عبد الله× ـ فهي مرسلة ـ >أنه كره سؤر ولد الزنا وسؤر اليهودي والنصراني والمشرك وكل من خالف الإسلام<([10] ).

ويفهم من هذه الرواية قذارته لاقترانه بسؤر اليهودي والنصراني والمشرك وهؤلاء من الكفار فإن لم نقل بنجاسته المادية فلا أقل من القول بقذارته المعنوية لذلك كره الإمام سؤره، وخبر ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله× قال: >لا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها غسالة الحمام فإن فيها غسالة ولد الزنا وهو لا يطهر إلى سبعة آباء وفيها غسالة الناصب وهو شرهما<([11] ).

من الواضح فقهياً أن الأقوى هو عدم نجاسة ولد الزنا بالنجاسة المادية فتحمل الروايات على القذارة المعنوية والخباثة الذاتية، ويشهد لذلك قوله× >لا يطهر إلى سبعة آباء< إذ أن النجاسة المادية لا تسري إلى سبعة آباء.

تقريب الاستدلال إذا كان ابن الزنا نجساً أو قذراً بالقذارة المعنوية فمن باب أولى لا تصح إمامته للمسلمين ولا تنعقد له ولاية الأمر وهذه الروايات وإن كانت ضعيفة ولكن لتكثر الروايات في ابن الزنا في مختلف الحيثيات كالنهي عن الصلاة خلفه ومنع قبول شهادته والنهي عن شرب سؤره فهذه بمجموعها قد توجب اطمئنان بقذارة ابن الزنا ودناءته فلا يتبوأ موقعاً رفيعاً كولاية الأمر.

الدليل الثامن والأخير ما ورد في بعض الروايات من أنه لا يدخل الجنة كخبر سعد بن عمر الجلاد قال: قال لي أبو عبد الله×: >إن اللهP خلق الجنة طاهرة مطهرة فلا يدخلها إلا من طابت ولادته وقال أبو عبد الله× طوبا لمن كانت أمه عفيفة<([12] ).

النتيجة النهائية: الأدلة تامة على اشتراط طهارة المولد في ولي الأمر فلا يصح لابن الزنا التصدي للشؤون العامة للمسلمين إذ دلت بعض الروايات على اشتراط طهارة المولد بالعموم وبعض الروايات يمكن أن يستدل بها وأن يستدل بفحواها من خلال الدلالة الالتزامية القطعية.

الشرط الثامن: الحرية

فلا تصح إمامة العبد للمسلمين جميعاً وقد يستدل على اشتراط الحرية وقد اشترطها أكثر الفقهاء من السنة والشيعة في القاضي وفي ولي الأمر على خلاف بين الفقهاء في ذلك، قال المحقق الحلي في قضاء الشرائع وهل يشترط الحرية؟ قال في المبسوط نعم والأقرب أنه ليس شرطاً([13] ).

وقد يستدل على اشتراط الحرية بعدة أدلة قد نوصلها إلى ثمانية أدلة.

فنحن من القائلين باشتراط الحرية وفاقاً للشيخ المؤمن القمي&([14] )، وخلافاً للشيخ المنتظري&([15] )، إذ ناقش في اشتراط الحرية وقد يفهم من كلامه أنها ليست بشرط في ولي الأمر وإن لم يصرح بذلك، والأدلة التي تقام على اشتراط الحرية في ولي الأمر كثيرة نقتصر منها على ثمانية.

الدليل الأوّل التمسك بقولهP {ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ}([16] ).

تقريب الاستدلال التمسك بما ورد في صدر الآية {ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ}، فالله¨ وصف العبد المملوك بأنه لا يقدر على شيء وكما أن صفة المملوكية للعبد صفة توضيحية فكذلك وصف عدم قدرته على شيء صفة توضيحية أيضاً، والمراد أنه لا يقدر على شيء عقلاً وشرعاً معاً إذ قد يدعى أن المراد أنه لا يقدر على شيء عرفاً لا شرعاً، لكن سيتضح من الروايات التي سنستدل بها في الدليل الثاني والثالث والرابع سيتضح أن المراد عدم القدرة الشرعية والعقلية والعرفية معاً فإذا كان العبد المملوك ليس بقادر فكيف تصح ولايته لشؤون المسلمين العامة، إذاً الآية الكريمة تدل على اشتراط الحرية في ولي الأمر والدليل الأوّل تام بلا ريب.

الدليل الثاني التمسك بفحوى ما دل على أن نكاح العبد بيد مولاه وليس بيده فقد روى الشيخ الطوسي في التهذيبين والصدوق في من لا يحضره الفقيه بسند صحيح عن زرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله‘ قالا >المملوك لا يجوز طلاقه ولا نكاحه إلا بأذن سيده قلت فإن السيد كان زوجه بيد من الطلاق قال بيد السيد ضرب الله عبداً مملوكاً لا يقدر على شيء< ـ الشيء الطلاق وفي الاستبصار مكان الجملة بعد الآية ليس الطلاق بيده وفي من لا يحضره الفقيه والشيء الطلاق ـ([17] ).

والرواية الأخرى ما رواها الشيخ في التهذيب بسند معتبر عن شعيب بن يعقوب العقرقوفي عن أبي عبد الله× قال: سئل وأنا عنده عن طلاق العبد قال: >ليس له طلاق ونكاح أما تسمع الله تعالى يقول عبداً مملوكاً لا يقدر على شيء قال لا يقدر على طلاق ولا نكاح إلا بأذن مولاه<([18] ).

تقريب الاستدلال إذا كان العبد لا يقدر على الزواج وهو من العقود ولا يقدر على الطلاق وهو من الإيقاعات إلا بإذن سيده ومولاه فمن باب أولى لا يقدر على التصدي للشؤون العامة، إذاً الدليل الثاني تام.

الدليل الثالث ورد في خصوص الطلاق، الدليل الثالث التمسك بفحوى ما دل على أن طلاق العبد بيد مولاه لا بيده من هذه الأخبار ما رواه الشيخ في التهذيبين في الصحيح عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله× عن رجل ينكح أمته من رجل أيفرق بينهما إذا شاء فقال: >إن كان مملوكه فليفرق بينهما إذا شاء إن الله تعالى يقول عبداً مملوكاً لا يقدر على شيء فليس للعبد شيء من الأمر وإن كان زوجها حراً فإن طلاقها صفقتها<([19] ).

تقريب الاستدلال إذا كان طلاق العبد ليس بيده فمن باب أولى لا تكون ولاية أمر المسلمين بيده.

الدليل الرابع التمسك بفحوى ما دل على أن العبد لا يذبح في حجه ـ حج التمتع ـ ومن الواضح أن حج التمتع مشروط بالهدي فمن لا يقدر على الهدي ـ هدي حجه ـ لا يقدر على التصدي للشؤون العامة من باب أولى.

روى الشيخ في التهذيبين في الموثق عن الحسين بن زياد العطار قال: سألت أبا عبد الله× عن رجل أمر مملوكه أن يتمتع بالعمرة إلى الحج أأعليه أن يذبح عنه قال×: >إن الله تعالى يقول عبداً مملوكاً لا يقدر على شيء<([20] ).

دلت الرواية على أن العبد لا يقدر على ذبح الهدي في حج التمتع ومن لا يقدر على ذبح الهدي في حج التمتع المشروط بتقديم الهدي فمن باب أولى لا يقدر على ولاية الأمر فلا يصح أن يتصدى للشؤون العامة للمسلمين.

الدليل الخامس دعوى انصراف أدلة ولاية الفقيه عن العبد، فلو نظرنا إلى مقبولة عمر بن حنظلة >أنظروا إلى رجل منكم<، أو نظرنا إلى التوقيع الشريف >وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا<، وغيرهما من الأدلة المعتبرة على ولاية الفقيه العامة أو المطلقة كقوله >الفقهاء أمناء الرسل< فمن الواضح أنها ناظرة إلى الأحرار ومنصرفة عن العبيد إذ أن هذه الروايات مسوقة مساق اعتزاز الأمة الإسلامية ومسوقة مساق بيان الملاذ للشيعة الإمامية زمن الغيبة ومن الواضح أن العبد يلوذ ولا يلاذ به فأدلة ثبوت ولاية الفقيه العامة منصرفة عن العبيد.

الدليل السادس مفاده إن ولاية الأمر رئاسة عامة والعبد مرؤوس، وولاية الأمر من المناصب الجليلة والرفيعة التي لا تليق بالعبد فلا يصح أن يتبوأ العبد هذا المنصب العظيم والرفيع وهذا المعنى يفهم من كلمات العلّامة في التذكرة ومن كلمات الشهيد الثانيJ.

قال العلّامة الحليî([21] )، وهو في بيان الشرائط المعتبرة في ولي الأمر غير المختلف فيها، قال أن يكون حراً فإن العبد مشغول بخدمة مولاه لا يتفرغ للنظر في مصالح المسلمين ولأن الإمامة رئاسته عامة والعبد مرؤوس وهي من المناصب الجليلة فلا تليق به.

الدليل السابع القضاء والحكومة يحتاجان للولاية والعبد ليس محلاً لها لاشتغاله بمولاه وهذا المضمون قد ورد في المسالك([22] ) قال صاحب المسالك الأفهام اشتراط الحرية في القاضي مذهب الأكثر ومنهم الشيخ وأتباعه لأن القضاء ولاية والعبد ليس محلاً لها لاشتغاله عنها باستغراق وقته لحقوق المولى ولأنه من المناصب الجليلة التي لا تليق بحال العبد.

الدليل الثامن والأخير الإمام راع لا مرعي ومن حق الإمام أن لا تكون فوقه يدٌ ترأسه وهذا من أوضح الواضحات، قال السيد المرتضى&([23] ) قال ومن حقه أيضاً لا يد فوق يده وراعياً لا مرعياً، هذا تمام الكلام في الأدلة الثمانية على اشتراط الحرية في ولي الأمر، إلا أن الشيخ المنتظري&([24] )، قد ناقش في بعض هذه الأدلة بل وجاء بأدلة أخرى على عدم اشتراط الحرية.

الأمر الأوّل الذي ناقش فيه، قال إن الظاهر من عدم القدرة في الآية عدم القدرة عرفاً لا شرعاً حيث إن العبد لوقوعه تحت سلطة الغير خارجاً ينعزل غالباً عن النشاطات إلا فيما أمر به المولى ولكن يقول من ناحية شرعية قد يثبت ذلك شرعاً، وفيه تكفي الروايات الثلاثة والأربعة التي ذكرناها بالدليل الثاني والثالث والرابع للتدليل على سلب قدرته شرعاً إذ أن العبد لا سلطنة له على النكاح والطلاق وهدي الحج.

الأمر الثاني: الذي ناقش فيه جاء برواية في صحيح مسلم عن يحيى بن حصين قال سمعت جدتي تحدث أنها سمعت النبي| يخطب في حجة الوداع وهو يقول: >ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله فأسمعوا له وأطيعوا<([25] )، وفي رواية أخرى >إن أمر عليكم عبد مجدع ـ يعني مجدوع الأنف وغير ذلك ـ حسبتها قالت أسود يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا<([26] ).

وفيه أولاً هذه الرواية ضعيفة السند فهي رواية عامية لا اعتبار بها وثانياً ليس المراد من التأمير والاستعمار هو التصدي لولاية الأمر يعني زعامة جميع المسلمين وإنما المراد تولي العبد من ناحية من هو فوقه لإمارة فرعية وهذا مرسوم في جعل العمال والولاة والوزراء من جانب ولي أمر الأمة، كما ولى أمير المؤمنين مالك الأشتر النخعي كان عبداً وبالتالي هذه الروايات لو غضضنا النظر عن سندها فهي لا تدل على مشروعية ولاية الأمر للعبد وإنما تدل على أن العبد يمكن أن يكون والياً من ولاة ولي الأمر وعاملاً من عماله.

الأمر الثالث قال صلاة الجماعة يمكن أن يقوم بها العبد إذا أذن له، فلماذا لا نقول إن ولاية الأمر تصح إذا أذن له سيده إذناً عاماً مطلقاً وبالتالي نقول في تقريب هذا الاستدلال كما دلت الروايات على أن نكاح العبد أو طلاقه أو هدي حجه أو ما شاكل ذلك كإمامة الجماعة تصح بإذن سيده فلماذا لا نقول إن تصديه للشؤون العامة يصح إذا أذن له سيده ولم يتدخل في شؤون الولاية العامة، وفيه إن ولي الأمر هو أعلى سلطة ولا توجد سلطة أعلى منه فإن يد سيده أعلى منه وإن أذن له إذناً عاماً ولم يتدخل في ذلك فلا تصح إمامة العبد للمسلمين وإن أذن له سيده، إذن الشرط الثامن وهو أن يكون ولي الأمر حراً لا عبداً تامٌ لتمامية الأدلة الثمانية وغيرها على ذلك.

 


[1] () الكافي، ج3، ص376، الحديث 4، وسائل الشيعة، ج6، ص400، الباب15 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 6.
[2] () الخلاف، ج1، ص548، المسألة 287.
[3] () الخلاف، ج6، ص309، المسألة 57.
[4] () الكافي، ج7، ص396، الحديث 8؛ وسائل الشيعة، ج18، ص276، الحديث 4، الباب31 من أبواب الشهادات من الوسائل.
[5] () التهذيب، ج10، ص315، الحديث 12 ـ 14؛ وسائل الشيعة، ج19 ص164، في الباب15 من أبواب ديات النفس الحديث 1و2و3، نسخة عبد الرحيم.
[6] () الانتصاب، ص544، مسألة 305.
[7] () وسائل الشيعة، ج15، ص184، الباب75 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 1، 2، نقلاً عن كتاب الكافي.
[8] () المحاسن، ج1، ص296؛ عقاب الأعمال، ص252، الحديث 22.
[9] () عقاب الأعمال، ص309، الحديث 9؛ بحار الأنوار، ج6، ص285؛ المحاسن، ج1، ص195، الحديث 2.
[10] () وسائل الشيعة، ج1، ص165، الباب3 من أبواب الاسئار، الحديث 2.
[11] () وسائل الشيعة، ج1، ص159، الباب11 من أبواب الماء المضاف، الحديث 4.
[12] () بحار الأنوار، ج5، ص285، ح4، باب علة عذاب الاستئصال وحال ابن الزنا.
[13] () شرائع الإسلام، ج4، ص68.
[14] () الولاية الإلهية الإسلامية، ج3، ص278.
[15] () دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية، ج1، ص372.
[17] () تهذيب الأحكام، ج7، ص247، ح50؛ الاستبصار، ج2، ص214، ح1؛ من لا يحضره الفقيه، ج3، ص541، ح4860، وسائل الشيعة، ج15، ص343، الباب45 من أبواب مقدمات الطلاق، ح1.
[18] () وسائل الشيعة، ج14، ص576، الباب66 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح2.
[19] () وسائل الشيعة، ج14، ص575، الباب64 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح8.
[20] () نفس المصدر، ج10، ص89، الباب الثاني من أبواب الذبح، ح3.
[21] () التذكرة، ج9، ص393.
[22] () المسالك، ج2، ص351.
[23] () الذخيرة، ص429، في فصل بيان صفات الإمام.
[24] () دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية، ج1، ص382.
[25] () صحيح مسلم، ج3، ص1468، كتاب الإمارة، الباب الثامن، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، الحديث 1838.
[26] () نفس المصدر.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo