< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

39/05/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ولایة الفقية

الشرط الخامس: من شروط ولي الأمر، الإسلام

قد يستدل على هذا الشرط بعدة أدلة من كتاب الله والسنة الشريفة وقد يستدل عليه بسيرة العقلاء كما اسُتدل الشيخ المنتظري&([1] ) فقد ادعى أن العقلاء يحكمون باعتبار العقل والقدرة والأمانة والإسلام فيمن يحول إليه أمر ولاية أمور المسلمين إذ أن إدارة أمور المسلمين بالنحو المطلوب مبنية على رعاية أمور إسلامية فلا محال يجب أن يعتقد ولي أمر المسلمين بالإسلام، فالعقلاء يحكمون باشتراط الإسلام في شخص ولي الأمر وهذا الحكم العقلائي ممضى من الشريعة الغراء.

والتحقيق: إن هكذا سيرة لا نسلم وجودها إذ أن العقلاء يعتبرون ويشترطون فيمن يحكمهم أن يكون مأموناً على الجهة التي ائتمن فيها وإن لم يكن يعتقد بها، فتمام الملاك عند العقلاء أن يكون ولي أمر المسلمين مأتمناً على شؤون الإسلام العامة وإن لم يكن يعتقد بالإسلام، فيكفي توفر مرتبة من مراتب الإيمان فيما يفوض إليه منها، ولا يعتبر اعتقاده بالإسلام ما دام أميناً على تحقيق الأغراض والمصالح الإسلامية فهذا هو تمام الملاك وتمام الغرض الذي يراه العقلاء، إذاً الاستدلال بسيرة العقلاء على اشتراط إسلام ولي الأمر ليس بتام وفاقاً للشيخ محمد المؤمن القمي([2] ) وقد أبدع الشيخ المؤمن في بحث الشروط المعتبرة في ولي الأمر ولعله من أفضل الكتب التي كتبت في شروط ولي الأمر كما أن كتاب الشيخ المنتظري& الدراسات من أفضل الكتب التي كتبت في بحث مناقشة الأدلة التي أقيمت على حرمة القيام قبل قيام القائم×، إذاً الدليل الأوّل وهو الاستدلال بسيرة العقلاء ليس بتام وفاقاً للشيخ المؤمن القمي وخلافاً للشيخ المنتظري&.

يبقى الكلام في بقية الأدلة من كتاب الله والروايات الشريفة أما الآيات فقد يستدل باشتراط الإسلام في ولي الأمر بعدة آيات:

الدليل الأوّل: من الآيات التمسك بذيل قوله تعالى {إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا، الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللهِ قَالُواْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً}([3] ).

تقريب الاستدلال، هذه الآية استخرجت منها قاعدة فقهية وهي قاعدة نفي السبيل والمراد بنفي السبيل نفي السلطنة قال® {وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً}، أي لن يجعل الله سلطنة بأي نحو من أنحاء السلطنة بحيث يتسلط الكافر على المؤمن والمراد بالمؤمن في الآية الكريمة هو المسلم.

إذن التحقيق: إن الله¨ قد حكم حكماً جزمياً فقال {وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} ولا ريب أن السبيل هو ما يوجب تفوق الكافر على المسلم سواء كان بالحجة أو الاستدلال أو كان بالولاية أو بأي نحو من أنحاء التفوق أو السلطنة بحيث يكون المسلم تحت أمر الكافر، ومن الواضح أن ولي الأمر له وظائف وعليه مسؤوليات وله صلاحيات واسعة وكبيرة فهو ينصب القضاة وقد يأمر بالجهاد الابتدائي أو الدفاعي فيكون لولي الأمر سبيل وسلطنة على سائر الرعية فكيف يكون للكافرين سبيل على المسلمين، وقد نهى¨ أن يكون الكافر له سبيل على المسلمين، ومن الواضح أن المراد بالمؤمنين هم المعتقدون بالإسلام فالآية تدل على عدم جعل ولاية للكافرين على المسلمين.

النتيجة النهائية: الاستدلال بالآية الأولى على اشتراط الإسلام في ولي الأمر تام إذ لا يجوز أن يتولى الكافر شؤون المسلم لقاعدة نفي السبيل المستدل عليها بالآية الكريمة.

الدليل الثاني: من القرآن التمسك بآيات عديدة تنهى أن يتخذ المسلمون الكفار أولياء لأنفسهم والآيات عديدة:

الآية الأولى قوله® {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ}([4] )، والاستدلال بالآية الكريمة واضح جداً، لأن الله قد نهى عن اتخاذ الكافرين أولياء والولي هو المستولي على الأمور والنهي يدل على الحرمة فلا يجوز أن يتخذ الكافر ولياً لأمر المسلمين ومن الواضح أن المراد بالمؤمنين هم المعتقدون بالإسلام فتدل الآية على المضمون.

الآية الثانية قوله® {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ، كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ، تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ، وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ}([5] ).

تقريب الاستدلال، ظاهر الآية الكريمة إما إنشاء اللعن وإما الإخبار عن اللعن بقوله P {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ}، والسبب الموجب لتحقق اللعن هو بما عصوا وكانوا يعتدون، ثم بينت الآية الكريمة المراد بالمعصية والاعتداء والمنكرات بقوله P {تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ}، فالآية الكريمة تشير إلى أن معصية بني إسرائيل هي اتخاذ الكافرين أولياء وأن هذه المعصية توجب سخط الله وأوجبت خلودهم في العذاب فلا محالة يكون تولي الكفار من أشد المعاصي.

والآية الأخيرة قوله P {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ}([6] )، حكمت بأن هذا الانحراف إنما كان بسبب أنهم لم يؤمنوا بنبي الإسلام وبما أنزل إليه وأنهم لو كانوا يؤمنون بما أُنزل على النبي| ما اتخذوا الكافرين أولياء، فتدل الآية الكريمة على أن الإسلام لا يجتمع مع كون ولي الأمر من الكفار وعلى أن الإسلام شرط في ولي الأمر، نعم قد يقال إن هذه الآية خاصة ببني إسرائيل وخصوصاً قوم داود وعيسى بن مريم‘ خصوصاً إذا تمسكنا بقوله P {تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ}، فهي ناظرة إلى فعل بني إسرائيل وأن اللعن قد ورد على لسان داود وعيسى إلا أن الإنصاف هو إلغاء الخصوصية ولا خصوصية لبني إسرائيل في هذا الحكم خصوصاً إذا تمسكنا بالآية الرابعة التي تقول {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ}، فالآية الكريمة تشير إلى أن هذا المبدأ موجود في الرسالات الإسلامية وبالتالي الآية الثانية تدل على اشتراط الإسلام في ولي الأمر.

الآية الثالثة قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي}([7] ).

تقريب الاستدلال، نهى الله¨ المسلمين أن يتخذوا عدو الله وعدوهم ولياً لأمرهم، وقد فسر المراد بهذا العدو بقوله في ذيل الآية {وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ}، فملاك العداوة هو الكفر بما جاء به نبي الإسلام من الحق، إذاً كل كافر هو عدو لله لأنه يكفر بالحق فيكون كل كافر عدو لله وللمسلمين فيكون مفاد الآية النهي عن اتخاذ الكفار أولياء لأمور المسلمين، هذه ثلاث آيات وهناك آيات كثيرة تنهى عن اتخاذ الكفار أولياء للمسلمين، يمكن مراجعة الآيات التالية، الآية 88 و89 من سورة النساء الآية الرابعة، الخامسة الآية 23 من سورة التوبة، السادسة الآية 57 من سورة المائدة، الآية السادسة الآية 51 من سورة المائدة لكنها مختصة بالنهي عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء وهناك آيات أخرى، ولكن قد يستشكل في الاستدلال بهذه الطائفة من الآيات بأن دلالة هذه الآيات على المدعى وهو اشتراط الإسلام في ولي الأمر مبني على أن يراد بتولي الكافرين هو تصديهم لشؤون المسلمين وهذا غير مسلّم فقد يقال إن المراد بالولاية هو النصرة والمحبة {لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء} يعني لا تنصروهم لا تتوددوا إليهم لا تحبوهم، والنصرة والمحبة لا تلازم تولي الأمور ولا أقل من الاحتمال يحتمل أن يراد بالولاية السلطنة والتسلط ويحتمل أن يراد بالولاية في الآيات النصرة والمحبة وإذا ورد الاحتمال بطل الاستدلال، إلا أن هذا الإشكال ليس بتام وقد تطرق له وأجاب عليه المحقق المدقق الشيخ محمد المؤمن القمي+([8] ) يمكن أن يجاب على هذا الإشكال بجوابين:

الجواب الأوّل وردت روايات تفسر الولاية بمعنى السلطنة وتولي الأمور فهذه الروايات وإن كانت ضعيفة السند وغير معتبرة إلا أنها تصلح كمؤيد لهذا الفهم.

الجواب الثاني التمسك بالأولوية القطعية، فإذا نهت الآيات عن محبة ومودة ونصرة الكافرين فمن باب أولى تنهى الآيات عن تولي الكفار شؤون المسلمين، فالأولوية القطعية واضحة جداً لو حملنا الولاية في الآيات الكريمة على النصرة والمحبة فإذا حرمت محبة ومودة ونصرة الكفار فمن باب أولى تحرم سلطنة الكفار على المسلمين وتصدي الكافر لشؤون المسلمين العامة.

أما الجواب الأوّل وهو الروايات نذكر روايتين على وجه السرعة وإن كانت طويلة ولكن قراءتها يكفي للتدليل من دون إطالة.

الرواية الأولى ما جاء في تفسير القمي([9] ) ونحن لا نرى اعتبار النسخة الواصلة إلينا من تفسير القمي، ونقلها عنه صاحب الوسائل([10] ) قال علي بن إبراهيم في تفسيره في سورة المائدة حدثني أبي قال حدثني هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة ـ السند هنا مخدوش في مسعدة أبن صدقة ـ قال سأل رجل أبا عبد الله× عن قوم من الشيعة يدخلون في أعمال السلطان ويعملون لهم ويحبونهم ويوالونهم قال: >ليس هم من الشيعة ولكنهم من أولئك ثم قرأ أبو عبد الله× هذه الآية {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ـ إلى قوله ـ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} من سورة المائدة، قال الخنازير على لسان داود والقردة على لسان عيسى وقوله {كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}([11] )، قال كانوا يأكلون لحم الخنزير ويشربون الخمر ويأتون النساء أيام حيضهن ثم احتج الله على المؤمنين الموالين للكفار {تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ، وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ}([12] )، فنهى اللهP أن يوالي المؤمن الكافر إلا عند التقية<.

ومن الواضح جداً أن هذه الرواية ورد فيها الولاية بمعنى المودة والمحبة وإطاعة السلطان والعمل مع السلطان فالمراد بالولاية مطلق الولاية لكن سند هذا الحديث غير تام وعدم توثيق مسعدة بن صدقة العامي البتري([13] ).

الرواية الثانية ما في تفسير النعماني المنقولة عن رسالة المحكم والمتشابه للسيد المرتضى عن علي× قال: >وأما الرخصة التي صاحبها فيها بالخيار فإن الله نهى المؤمن أن يتخذ الكافر وليا ثم منّ عليه بإطلاق الرخصة له عند التقية في الظاهر أن يصوم بصيامه ويفطر بإفطاره ويصلي بصلاته ويعمل بعلمه ويُظهر له استعمال ذلك موسعاً عليه فيه وعليه أن يدين الله في الباطن بخلاف ما يُظهر لمن يخافه من المخالفين المستولين على الأمة قال الله تعالى {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ}([14] )، فهذه رخصة تفضل الله بها على المؤمنين رحمة لهم ليستعملوها عند التقية في الظاهر وقال رسول الله|: >إن الله يحب أن يؤخذ برخصه كما يحب أن يؤخذ بعزائمه<([15] )، ومن الواضح أن هذه الرواية تشير إلى تقية المؤمن بالنسبة إلى الصيام والصلاة إذا كان الحاكم من المخالفين فهي ناظرة إلى الولاية بالنسبة بالنظر إلى السلطنة.

الدليل الثالث التمسك بآيات عديدة تنهى عن إطاعة الكفار منها الآية الأولى قولهP {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}([16] )، فالمنهي في هذه الآية هو إطاعة كل من أغفل الله قلبه ومن الواضح أن الكافر قد أغفل الله قلبه واتبع هواه فلا تجوز إطاعة الكافر فإذا لم تجز إطاعة الكافر لا تثبت ولايته.

الآية الثانية قوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}([17] )، ولا خصوصية للنبي هنا وإنما هي تعليم للمسلمين، إياك أعني واسمعي يا جارة.

الآية الثالثة قوله تعالى {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللهِ فَضْلًا كَبِيرًا، وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلًا}([18] ).

الآية الرابعة قوله تعالى {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا}([19] ).

المخاطب في الآية الرابعة هو النبي| بعدم إطاعة الكفار ولكن السر في عدم جواز طاعة الكفار هو كونهم من الآثمين والإثم يوجب عدم صلاحية الإنسان لإطاعته والكافر آثم فلا تجوز طاعته.

الآية الخامسة قولهP {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}([20] )، فالآية تثبت الصغار والذلة للكافر الذمي الذي يعطي الجزية فضلاً عن الكافر الحربي والكافر إما حربي وإما أهل ذمة فكيف يكون من أهل العزة فيما إذا ولي شؤون المسلمين وأمور المسلمين.

الآية السادسة قوله® في مطلق الكفار {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ، وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِله فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}([21] )، فالآية الكريمة تأمر بقتال الكفار فكيف يلي الكفار شؤون المسلمين ومن الغريب العجيب أن المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين في كتابه نظام الحكم والإدارة في الإسلام وفي أواخر كتبه مثل كتاب لبنان الكيان والمعنى يرى مشروعية الدولة المدنية ولا يشترط ذكورة الحاكم ولا يشترط إسلام الحاكم فيذهب إلى نظرية ولاية الأمة على نفسها فإذا ما أقرت الأمة حاكماً غير مسلم كانت هذه الدولة مشروعة، لذلك يرى مشروعية الدول الغربية لأن الناس تنتخب فالأمة تمارس دورها ولا يرى مشروعية ولاية الفقيه العامة فهو يرى أن أدلتها ضعيفة وغير تامة لكنه يرى مشروعية الدولة المدنية فيما إذا انتخبت الأمة واختارت الدولة المدنية أو اختارت حاكماً مدنياً غير مسلم، وهذا من الغرائب والعجائب وقد تكرر في كذا كتاب من كتبه نظام الحكم والإدارة في الإسلام، لبنان الكيان والمعنى، الأمة والحركة الإسلامية إلى آخره، هذا تمام الكلام في الاستدلال على اشتراط الإسلام بالآيات.

وأما الروايات فعديدة من أهمها الرواية التي رواها الشيخ الصدوقJ ([22] ) وقد رواه عنه صاحب الوسائل([23] )، هذه الرواية هي الرواية النبوية التي تقول الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، هذه الرواية إذا رجعنا إلى مجاميعنا الروائية لا نجدها إلا في هذا الموضع من كتاب الإرث وإذا حاولنا استخراج مصادرها نجدها مصادر عامية وموجودة في كتب أهل السنة، فهذه الرواية من ناحية السند مرسلة وضعيفة ولكنها شكلت قاعدة فقهية عند فقهائنا فدائماً يستدل بهذه القاعدة الإسلام يعلو ولا يعلى عليه فإذا ما سلمنا بهذه القاعدة وتحقيقها في بحث القواعد الفقهية فإنها تكون تامة الدلالة على المدعى، فإذا حكم الكافر المسلم لم يصدق أن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه بل تحقق علو الكافر على المسلم وبالنتيجة الإسلام شرط معتبر في ولي الأمر بلا إشكال ولا ريب وهذا الأمر من الواضحات التي لا تحتاج إلى دليل، إذا قلنا هذه دولة إسلامية يعني تحكم بالإسلام كيف يكون الحاكم غير مسلم؟ هذا يلزم منه نقض الغرض لأن الغرض من قيام الدولة الإسلامية تشييد أركان الإسلام فإذا كان الحاكم لا يعرف الإسلام أو غير مسلم يلزم نقض الغرض إلا أن يقال إنه قد يكون غير مسلم وغير معتقد ولكن يستعين بالخبراء والمستشارين فإذا كان مأموناً في تحقيق المصالح الإسلامية يكفي هذا.

في الختام ما هو المراد بالإسلام ما معنى الإسلام؟ الإسلام هو الاعتقاد بالمبدأ والمعاد والنبوة التي هي واسطة بين المبدأ والمعاد فمن يعتقد بالتوحيد ووحدانية الله وبالمعاد يوم القيامة وبنبوة النبي الخاتم فهو مسلم بخلاف الإيمان الذي هو الاعتقاد بالولاية ولاية أهل البيت لذلك الشرط الخامس في ولي الأمر هو الإسلام والشرط السادس هو الإيمان بمعنى أن يكون إمامياً أثني عشرياً، ونذكر لكم ثلاث روايات تبين معنى الإسلام وبعضها يبين الفارق بين الإسلام والإيمان.

الرواية الأولى روى محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما‘ ـ الإمام الباقر أو الصادق ـ قال: >الإيمان إقرار وعمل والإسلام إقرار بلا عمل يكفي أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله|<([24] ).

الرواية الثانية روى سماعة بن مهران في الموثق قال: قلت لأبي عبد الله× أخبرني عن الإسلام والإيمان أهما مختلفان فقال: >إن الإيمان يشارك الإسلام والإسلام لا يشارك الإيمان فقلت فصفهما لي فقال الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله والتصديق برسول الله| به حقنت الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث وعلى ظاهره جماعة الناس والإيمان والهدى وما يثبت في القلوب من صفة الإسلام وما ظهر من العمل به والإيمان أرفع من الإسلام بدرجة إن الإيمان يشارك الإسلام في الظاهر والإسلام لا يشارك الإيمان في الباطن وإن اجتمعا في القول والصفة<([25] ).

الرواية الثالثة وهي واضحة وصريحة، روى في المعتبر سفيان بن الصمت قال سأل رجل أبا عبد الله× عن الإسلام والإيمان ما الفرق بينهما فلم يجبه ثم سأله فلم يجبه ثم التقيا في الطريق وقد أزف من الرجل الرحيل ـ يعني قرب رحيله ـ فقال له أبو عبد الله× >كأنه قد أزف منك رحيل فقال نعم فقال فالقني في البيت ـ كانت ظروف تقية ـ فلقيه فسأله عن الإسلام والإيمان ما الفرق بينهما فقال× الإسلام هو الظاهر الذي عليه الناس شهادة أن لا إله الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصيام شهر رمضان فهذا هو الإسلام وقال الإيمان معرفة هذا الأمر ـ يعني الولاية هذا الأمر في الروايات الولاية لظروف التقية لا يصرح بها ولاية أهل البيت<([26] )، مع هذا فإن أقر بها ولم يعرف هذا الأمر كان مسلماً وكان ضالاً.

إذاً في الصحيحة الأولى فسر الإسلام بمجرد الإقرار ولا يشترط فيه العمل، وفي الموثقة وافق التفسير هذا وهو أن المراد بالإسلام الشهادة بالتوحيد والتصديق بنبي الإسلام وزاد عليها الصلاة والصيام إلى آخره، وأما في الرواية الأخيرة فالفارق واضح بين الإسلام والإيمان، وبالتالي جميع فرق المسلمين تكون من المسلمين لأنهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله| فلا نذهب إلى تكفير فرق المسلمين، نعم ليسوا بمؤمنين إذا لم يعتقدوا بولاية أهل البيت^ ولا يكفي الولاية بمعنى المحبة، يقول الشيخ المظفرî في عقائد الإمامية في بحث عقيدتنا في محبة أهل البيتl، ليس المراد بمحبة أهل البيت مجرد الحب القلبي وإنما المراد طاعة أئمة أهل البيت^، هذا تمام الكلام في الشرط الخامس وهو معتبر فلذلك نشترط الإسلام في ولي أمر المسلمين.


[1] () دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية، ج1، ص276.
[2] () الولاية الإلهية الإسلامية، ج3، ص128.
[6] () نفس المصدر.
[8] () الولاية الإلهية الإسلامية، ج2، ص130 ـ 133.
[9] () نفس المصدر، ج1، ص176.
[10] () وسائل الشيعة، ج12، ص183، الحديث 10.
[12] () نفس السورة، الآية 80، 81.
[13] () سماحة السيد محمد جواد بن السيد موسى الشبيري الزنجاني له رسالة في مسعدة ابن صدقة وراء اتحاد المساعد الثلاثة وهذا يحتاج إلى بحث.
[15] () وسائل الشيعة، ج1، ص81، الباب25 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث نسخة عبد الرحيم؛ بحار الأنوار، ج93، ص29.
[18] () سورة الأحزاب الآيتين 47 و48.
[19] () سورة الإنسان الآية 24.
[20] () سورة التوبة الآية 29.
[22] () من لا يحضره الفقيه، ج4، ص334، الحديث 5719.
[23] () وسائل الشيعة، ج17، ص376، الباب1 من أبواب موانع الإرث، الحديث 11.
[24] () الكافي، ج2، ص24، الحديث 2.
[25] () الكافي، ج2، ص25، الحديث 1.
[26] () نفس المصدر، ص24، الحديث 4.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo