< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

39/05/05

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: الدليل الثالث عشر على وجوب إقامة الدولة الإسلامية في عصر الغيبة الكبرى

 

الدليل الثالث عشر التمسك بآيات الاستخلاف الواردة في كتاب الله وقد تمسك بذلك سماحة آية الله السيد كاظم الحائري حفظه الله في كتابه ولاية الأمر في عصر الغيبة صفحة 114 فقد تمسك بخمس آيات وهي الآية الأولى قوله عز من قائل ﴿وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة﴾[1] ، بناء على أن المقصود من هذه الآية خلافة البشر لا خلافة آدم عليه السلام ولو بقرينة تخوف الملائكة الذي هو تخوف من جنس البشر لا من شخص آدم عليه السلام.

الآية الثانية قوله عز من قائل ﴿هو الذي جعلكم خلائف الأرض﴾.[2]

الآية الثالثة قوله تعالى ﴿هو الذي جعلكم خلائف في الأرض فمن كفر فعليه كفره﴾.[3]

الآية الرابعة قوله تعالى ﴿وانفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه﴾.[4]

الآية الخامسة قوله تعالى ﴿أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض﴾.[5]

يقول السيد الحائري حفظه الله صفحة 114 ولعل من خير ما يمكن جعله دليلا لفظيا على وجوب إقامة السلطة والحكم آيات الخلافة[6]

تقريب الاستدلال بهذه الآيات التي تحمل الخلافة فيها على خلافة الله لا على خلافة قوم آخرين في مقابل طائفة أخرى من الآيات ورد فيها لفظ الخلافة لكنها تحمل على خلافة قوم آخرين لا على خلافة الله عز وجل من هذه الآيات التي تحمل على خلافة قوم آخرين هذه الآيات التي تشكل الطائفة الثانية أربع آيات قال عز من قائل ﴿ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنون كذلك نجزي القوم المجرمين ثم جعلناكم خلفاء في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون﴾.[7]

فمن الواضح في هذه الآية أن المراد بالخلائف في الارض فيها هو مجيء الصالحين بعد هلاك القوم المجرمين.

الآية الثانية قوله تعالى ﴿فكذبوه فأنجيناه ومن معه في الفلك وجعلناهم خلائفة وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا﴾[8]

فمن الواضح فيها أن المراد أن الناجين من الصالحين صاروا خلفا للذين كذبوا النبي عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام.

الآية الثالثة قوله تعالى ﴿واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح﴾[9] فهذه الآية صريحة في أن المراد بالخلافة المجيء عقيب قوم نوح.

الآية الرابعة قوله تعالى ﴿وأذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوؤكم في الأرض﴾.[10]

فالطائفة الثانية تختلف عن الطائفة الأولى إذ أن الطائفة الأولى تشير إلى خلافة الله فهي تشير إلى الخلافة النوعية لجنس البشرية بخلاف الطائفة الثانية التي تشير إلى خلافة قوم لقوم وهناك طائفة ثالثة من آيات الخلافة كقوله تعالى ﴿يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق﴾[11] إذ أن الطائفة الثالثة ظاهرة في الخلافة الشخصية فقوله تعالى ﴿يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض﴾ ظاهر في الخلافة الشخصية لداود على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام، إذن توجد عندنا طوائف ثلاث من آيات الخلافة:

الطائفة الأولى تشير إلى الخلافة النوعية لجنس البشر فالإنسان خليفة الله في أرضه.

الطائفة الثانية تشير إلى خلافة قوم لقوم آخرين.

الطائفة الثالثة تشير إلى الخلافة الشخصية والحكم الشخصي لبعض أنبياء الله كنبينا داود على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام

كيفية الاستدلال بالطائفة الاولى

ويتم الاستدلال بالطائفة الأولى على وجوب إقامة الحكومة الإسلامية في عصر الغيبة الكبرى أو على مر العصور بمقدمتين:

المقدمة الأولى اثبات أن المقصود بالخلافة في هذه الآيات من الطائفة الأولى هو الخلافة عن الله تبارك وتعالى.

المقدمة الثانية اثبات اشتمال خلافة الإنسان عن الله على ضرورة إقامة سلطة الحق بأحد تقريبات ثلاثة

اما الاشكال في المقدمة الاولى

واستدل السيد كاظم الحائري حفظه الله لاثبات المقدمة الأولى بأمرين ونكتتين:

الأمر الأول إن المتكلم لو قال جعلت فلانا خليفة ولم يذكر المستخلف عنه فظاهر ذلك أنه جعله خليفة عن نفس المتكلم فإن فرض مستخلف عنه آخر غير المتكلم تعتبر فيه مؤونة زائدة تحتاج إلى الذكر فالمتكلم نفسه له نوع حضور في كلامه يستغني بذلك عن ذكره لكن لو قصد الاستخلاف عن شخص آخر فالمناسب ذكره في سياق الكلام، ولاية الأمر في عصر الغيبة صفحة 115 و116.

النكتة الثانية لاثبات المقدمة الأولى إن المراد بالخلافة خلافة الله ما ذكره السيد الحائري صفحة 117 إنه لا توجد أي نكتة بلاغية في التركيز على كون جماعة خلفا لجماعة آخرين اللهم إلا أن يقال إنه كان المقصود الفات النظر إلى نكتة تعرف بالملازمة ولو بالواسطة بيانها أن يقال إذا كنتم خلفاء للذين رحلوا وبادوا فاعلموا أنكم ستصيرون إلى نفس المصير فعليكم إذن الالتزام بطاعة الله قبل أن تهلكوا كما هلك الذين كانوا من قبلكم، وهذا بخلاف ما إذا حملت الخلافة على الخلافة عن الله تعالى بمعنى الوكالة عنه ففي ذلك إشارة بليغة إلى أنه يجب عليكم الالتزام بتطبيق أوامر الله في الأرض لأنكم لستم الملاك الحقيقيين في الأرض وإنما أنتم الخلفاء والوكلاء عن الله تعالى فلابد من التزامكم بتعاليم المستخلف عنه والموكل[12] يكفي هذا المقدار من كلامه زيد في علو مقامه إلا أن المقدمة الأولى غير تامة.

أولا من قال إن المراد بالخلافة في الطائفة الأولى هو خصوص الخلافة عن الله تبارك وتعالى فهناك قرينة توجب صرف النظر عن ذلك وهي اعتراض الملائكة ففي الآية الأولى ﴿وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة﴾[13] اعترض الملائكة قالوا ﴿اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك﴾ وقد حمل السيد الحائري حفظه الله هذه الآية على خلافة البشر لا خصوص خلافة آدم عليه السلام لأنه لا يحسن اعتراض الملائكة على خصوص خلافة آدم عليه السلام وهذا ما يؤيد ما نشير إليه ففي الروايات الشريفة ذكر أن الجنة قد خلقهم الله قبل خلق الإنسان بأربعة آلاف عام وقد عاثوا في الأرض فسادا فحينما قال الله عز وجل ﴿إني جاعل في الأرض خليفة﴾ اعترض الملائكة واستنكروا قالوا ﴿وتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء﴾ كما فعل الأولون من الجن الذين خلقوا قبل الإنس بأربعة آلاف عام فهذه الروايات المفسرة لاعتراض واستنكار الملائكة وهي روايات كثيرة تشكل قرينة على أن المراد من الخلافة هو المعنى الوارد في الطائفة الثانية خلافة قوم لقوم فالمراد خلافة الإنس للجن فبقرينة الروايات المفسرة نلتزم أن المراد بالخلافة مجيء قوم بعد قوم كما هو معنى الطائفة الثانية وليس المراد خلافة الله تبارك وتعالى.

وثانيا لو تنزلنا وسلمنا بكلا النكتتين الذين ذكرهما السيد الحائري حفظه الله لاثبات أن المراد بالخلافة خلافة الله في الأرض فإذا سلمنا بهذه الكبرى وهي قول الإنسان خليفة الله يقع الكلام في صغراها وهو المراد بخلافة النائب فإذا قيل الإنسان خليفة الله في أرضه فهل المراد الإنسان حاكم الله في أرضه؟ هذا ما لا نسلم به فإن المراد بخلافة الإنسان في الأرض أن الله عز وجل جعل الإنسان معمرا للأرض. وهذا ما تشير إليه بعض الآيات ﴿واستعمركم فيها﴾[14]

فحسب الذوق العرفي وحسب فهمي القاصر الفاتر لا أفهم من آيات الخلافة وأن الإنسان خليفة الله في أرضه بمعنى أن الإنسان أمير الله في أرضه وحاكم الله في أرضه بل المراد إن الله عز وجل جعل الإنسان خليفته في أرضه أن يعمر الأرض بأمور الخير الله عز وجل وكله وأوكل إليه أن يعمر الأرض ويستخرج كنوزها وينفق هذه الكنوز في طاعة الله عز وجل هذا ما أفهمه بحسب الذوق العرفي ولا أفهم أن المراد هو أن الإنسان حاكم الله في أرضه، هذا تمام الكلام في المقدمة الأولى بكلا نكتتيها وهي اثبات أن الإنسان خليفة الله في الأرض.

الاشكال في المقدمة الثانية

وأما المقدمة الثانية فإذا اثبتنا أن الإنسان خليفة الله في أرضه وأنه الحاكم في الأرض يقع الكلام في تقريبات ثلاثة إذ يطرح هذا التساؤل هل المراد أن كل إنسان وكل فرد هو حاكم في الأرض هذا غير معقول فكيف نثبت السلطة والدولة من خلال هذا التقريب هذا ما تجيب عليه المقدمة الثانية بتقريبات ثلاثة.

التقريب الأول صفحة 118 من كتاب ولاية الأمر في عصر الغيبة أن يقال إن الحاكم على بلده لو قال جعلت فلانا خليفة في ذلك البلد يفهم منه جعل فلان حاكما في ذلك البلد وفق تعاليمه هو والله تعالى حاكم على العالمين وفي السماوات والأرضين فحينما يقول إن البشرية خليفتي في الأرض يكون معنى ذلك إن البشرية حاكمة في الأرض نيابة عن الله تعالى فعلينا أن تحكم وفق تعاليمه وأوامره ونواهيه جل وعلى وبما أنه لا يمكن أن يكون كل فرد حاكما مستقلا على وجه الأرض فالمقصود إذن أن يكون كل فرد مساهما بقدره في الحكم وذلك بتأسيس الحكم على أساس الإنتخاب والتصويت فمن حق كل أحد أن يدلي بصوته ويكون بهذا المقدار سهيما في الحكم.[15]

وفيه إن هذا التقريب خلاف ظاهر الآيات وخلاف ظاهر الروايات الظاهرة في أن ولاية الفقيه أمر تنصيبي فنحن نقول بولاية الفقيه الانتصابية لا بولاية الفقيه الانتخابية التي ذهب إليها الشيخ المنتظري رحمه الله وآخرون وسماحة السيد الحائري حفظه الله لا يرى الولاية الانتخابية بل يرى الولاية التعينية المنصوبة من قبل الله والائمة عليهم السلام فهو لا يقبل هذا التقريب الأول وإنما ذكره بنحو الاحتمال.

التقريب الثاني إن ما لله تعالى على العوالم ومنها عالم الأرض هو الحاكمية بتوابعها المقصودة لله تعالى من عمران البلاد واشاعة العدل ونشر احكام الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما إلى ذلك ومعنى خلافة البشرية عن الله في الأرض ايكال كل هذه الأمور إلى نوع البشرية وليس من الضروري أن يكون ذلك باسهام كل فرد في الحكم عن طريق الانتخاب بل على كل فرد أن يحمل جزء من هذا العبئ الواسع فمنهم من يساهم في تعمير البلاد ومنهم من يساهم في تهيئة الارزاق أو سائر الضرورات للعباد ومنهم من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ومنهم من يقيم الحكم الإسلامي في العباد فلا ينافي ذلك فرض كون الحاكم معينا بنص من السماء لا بالانتخاب ولكن حين فقدان حاكم ظاهر منصوص لابد من تحقيق ذلك أيضا من قبل البشرية بوجه من الوجوه تكميما لمعنى الخلافة من قبل الله تعالى. [16]

ثم يعقب السيد الحائري حفظه الله وهذا الاحتمال إن لم يكن أظهر من الاحتمال الأول فالاحتمال الأول ليس اظهر منه ومن هنا لا نرى آيات الخلافة دليلا على الانتخاب.

وفيه إن التقريب الثاني لا ينسجم مع حمل خلافة الإنسان لله في الارض على معنى الحكم والسلطة وإقامة الدولة فإن تحمل كل فرد جزء من هذا العبئ الواسع بحيث بعضهم يعمر البلاد وبعضهم يأمر بالمعروف وبعضهم ينهى عن المنكر وبعضهم يهيئ الأرزاق وبعضهم يهيئ بعض ضرورات العباد فهذه المصاديق ليست حكومة ويبقى مصداق واحد من هذه المصاديق التي ذكرها يمثل الحكومة وهو قوله حفظه الله صفحة 119 ومنهم من يقيم حكم الإسلام في العباد فالتقريب الثاني لا ينسجم مع المبنى الذي قرر في المقدمة الاولى وهو حمل الخلافة في آيات الطائفة الأولى على خلافة الإنسان لله في الأرض وكون معنى الخلافة بمعنى الحكومة إذن التقريب الأول والثاني ليسا تامين.

التقريب الثالث يقول صفحة 119 لو فرضنا أن خلافة الله لا تدل على أكثر من ضرورة تطبيق الاحكام الإلهية على وجه الأمر فقد يقال إن كون إقامة السلطان على وجه الأرض من أحكام الله على الناس أول الكلام فالتمسك لاثباتها للآية مصادرة على المطلوب ولكن ؟؟؟ على ذلك أنه من الواضح أن تطبيق الأحكام الإلهية كاملة على وجه الأرض يتوقف على إقامة السلطة فإيجاب ذلك يدل بالملازمة على إيجاب إقامة السلطان من قبلهم حينما لا يكون السلطان معينا بنص من السماء والفرق العملي بين هذا التقريب والتقريبين الأولين أن هذا التقريب سوف لن يفيدنا بأكثر من دليل الحسبة أي أنه لا يثبت به كون الولاية في الكماليات أيضا بيد السلطان لأنها ليست داخلة في المقدمة التي يتوقف عليها تطبيق الأحكام الإلهية ويسري إليها الوجوب لأجل الضرورة إذ لا ضرورة فيها. [17]

وفيه إن هذا المعنى الوارد في التقريب الثالث يستفاد مما ذكرناه في الدليل الثاني الذي استدل به السيد الإمام الخميني رضوان الله عليه من أن طبيعة أحكام الإسلام تستلزم قيام دولة إسلامية كوجوب حفظ ثغور المسلمين ووجوب توفير الأمن لدى البلاد الإسلامية ووجوب الجهاد الابتدائي أو الدفاعي فإن بعض أحكام الإسلام تستلزم قيام دولة إسلامية وقد ذكر لها السيد الإمام رضوان الله عليه ثلاثة عناوين من باب المثال العنوان الأول الأحكام المالية من خمس وزكاة وكفارات العنوان الثاني أحكام الدفاع والجهاد، العنوان الثالث أحكام الحقوق والأحكام الجزائية من حدود وتعزيرات واستدل بالدليل الإني إن المعلول يكشف عن العلة إن طبيعة هذه الأحكام تكشف عن علتها فطبيعة أحكام الدفاع والجهاد والأحكام المالية وأحكام الحدود والتعزيرات تكشف عن قيام دولة اسلامية إذ لا يمكن تطبيق وتحقيق هذه الأحكام في الخارج من دون قيام دولة إسلامية فهذا الاستدلال اشبه بالبرهان العقلي الإني ولا يحتاج إلى الاستشهاد بآيات الخلافة فهو بعيد كل البعد عن آيات الخلافة إذن التقريب الثالث ليس بتام،

النتيجة النهائية الدليل الرابع عشر وهو التمسك بآيات الخلافة على وجوب إقامة الدولة الإسلامية في مختلف العصور ليس بتام الدلالة.

الدليل الخامس عشر التمسك بآية الأمانة وهي قوله عز من قائل ﴿إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبينا أن يحملنها وأشفقنا منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا، ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما﴾[18] [19]

تقريب الاستدلال كما جاء في كتاب ولاية الأمر في عصر الغيبة صفحة 120 يقول استاذنا السيد كاظم الحائري حفظه الله بناء على أن الأمانة التي يمكن أن توصف بأنها اثقل من أن تحملها السماوات والأرض والجبال وحملها الإنسان لا تكون إلا عبارة عن منصب خلافة الله أما ما ورد في عديد من الروايات من تفسير الآية بأن الله عرض على السماوات والأرض والجبال ولاية علي عليه السلام فأبينا أن يغصبنها وغصبها الإنسان الظالم فهو مما لا ينسجم مع بلاغة القرآن وسموه وتنزيل له إلى ما هو أحط من كلام الإنسان الاعتيادي ومعه لا يحتمل صدق هذه الروايات وقوله تعالى إنه كان ظلوما جهولا يمكن أن يفسر بمعنا لا يكون تعليلا لحمل الإنسان للأمانة بأن يكون المقصود به استئناف الحديث بأن الإنسان لظلمه وجهله خان كثير من أفراده هذه الأمانة وميزه الله تعالى بتحميله الإنسان لهذه الأمانة[20] .

وفيه إنما يستفاد من الآية الكريمة أن هذه الأمانة أمر عظيم بحيث إن الجبال الرواسي والسماوات والأرض أبينا أن يحملن هذه الأمانة فهي ؟؟؟ إلى معنا عظيما جدا حمله الله عز وجل الإنسان الذي قبل هذه الأمانة وكان جاهلا لعظم قدر هذه الأمانة ولجهله قبل أن يحملها

يبقى الكلام في مصداق هذه الأمانة العظيمة نلاحظ أن سماحة السيد الحائري حفظه الله حصر المصداق في خصوص خلافة الإنسان لله إذ قال حفظه الله صفحة 120 وحملها الإنسان لا تكون إلا عبارة عن منصب خلافة الله

وفيه أولا لا دليل على هذا الحصر فمن قال إن خلافة الله هي المصداق الفريد لهذا الأمر ومن قال إن الأمانة لا مصداق لها إلا خلافة الله في أرضه إذ لا دليل على هذا الحمل أولا وعلى هذا الانحصار ثانيا.

وثانيا ناقش السيد الحائري حفظه الله الروايات التي نصت على أن المراد بالأمانة هو ولاية علي بن ابي طالب سلام الله عليه وقال لا يحتمل صدق هذه الروايات واقول بل من القوي جدا صدق هذه الروايات إذ يمكن حمل هذه الروايات على مفهوم الجري والتطبيق فمثلا في قوله عز من قائل ﴿إنا أعطيناك الكوثر﴾ ذكرت بعض الروايات أن المراد بالكوثر الخير الكثير وهذا ينسجم مع المعنى اللغوي والمعنى الثاني نلاحظ أن بعض الروايات ذكرت أن المراد بالكوثر نهر جار في الجنة والمعنى الثالث نلاحظ أن بعض الروايات ذكرت أن المراد بالكوثر فاطمة صلوات الله وسلامه عليها إذ ان ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله منها

ويمكن الجمع بين هذه المعاني الثلاثة بناء على مفهوم الجري والتطبيق وهو أن مفهوم الكوثر فوعل الخير الكثير فيحمل على المعنى اللغوي وهناك مصاديق كثيرة للخير الكثير منها النهر الجاري في الجنة ومنها فاطمة سلام الله عليها في الدنيا إذ أن ذرية الرسول منها وهكذا نقول بالنسبة إلى آيات الأمانة فإن مفهوم الامانة الوارد في هذه الآية هي الأمانة الثقيلة العظيمة التي يجهل الناس قدرها ومن أبرز مصاديق الأمانات العظيمة الثقيلة التي جهل الناس قدرها ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام فتكون الآية أجنبية عن المدعى تماما إذن الدليل الخامس عشر على وجوب إقامة الدولة الإسلامية في عصر الغيبة الكبرى ليس بتام.

النتيجة النهائية نلاحظ أن الأدلة اللحظية من آيات وروايات ليست تامة إما سندا وإما دلالة وهي الأدلة التي ذكرناها من الدليل الرابع إلى الدليل الخامس عشر كلها غير تامة الدلالة على وجوب إقامة الدولة على مختلف العصور.

 

الادلة العقلية لاقامة الدولة الاسلامية

نعم ثبت لدينا وجوب إقامة الدولة الإسلامية بالدليل العقلي وهو الأدلة الثلاثة الأول:

الدليل الأول ما استدل به السيد الإمام الخميني رضوان الله عليه في الحكومة الإسلامية وهو مؤلف من مقدمتين:

المقدمة الأولى الاسلام يصلح لكل عصر ومصر

المقدمة الثانية لا يكفي مجرد تقنين القوانين بل لابد أن يضم إليها سلطة تنفيذية لضمان اجراء القوانين وهذه السلطة ليست هي إلا الحكومة العادلة وهذا دليل عقلي.

الدليل الثاني ما ذكره السيد الإمام الخميني رضوان الله عليه في الحكومة الإسلامية الدليل الأول ذكر صفحة 45 والثاني ذكر صفحة 55 أيضا مؤلف من مقدمتين الدليل الثاني المقدمة الأولى الاسلام يصلح لكل زمان ومكان المقدمة الثانية طبيعة أحكام الإسلام الشمولية تستلزم قيام دولة إسلامية إذ لا يمكن تطبيق بعض أحكام الإسلام ولا يمكن تطبيق الإسلام بشكل كامل من دون قيام دولة إسلامية ومن أبرز مصاديق هذه الأحكام الأحكام المالية وأحكام الدفاع الوطني والأحكام الحقوقية والجزائية وهذا دليل عقلي إذ يستخدم البرهان الإني.

والدليل الثالث هو ما ذكره الشيخ المنتظري رحمه الله كدليل ثان في كتابه الدراسات وهو مؤلف من مقدمتين:

المقدمة الأولى الانسان اجتماعي ومدني بالطبع أو بالضرورة لأن صاحب الميزان يرى أن الإنسان ليس اجتماعيا بالطبع ولكن بالضرورة أصبح اجتماعي لأنه لا يستطيع ؟؟؟ احتياجاته إلا من خلال الاجتماع العقل ولكن المشهور والمعروف أن الإنسان اجتماعي بالطبع.

المقدمة الثانية الإنسان فيه شهوات ونزوات مختلفة فلا محال يقع التنازع ولابد من وجود سلطة ؟؟؟ هذا النزاع والتنزاع لكي يسود الأمن والوئام بين الناس وهذه السلطة ليست هي إلا الحكومة وهذا أيضا دليل عقلي إذن ثبت لدينا بالدليل العقلي وهو الدليل الأول والثاني والثالث وجوب إقامة الدولة الإسلامية في مختلف العصور سواء في عصر الغيبة الصغرى والكبرى أو عصر الحضور

فإذا أمكن إقامة الدولة الإسلامية في زمان ما أو في مكان ما وجب ذلك

إلا أن هذه الأدلة الثلاثة أو الخمسة عشر لو قلنا بتمامها لا تخفي لوحدها بل لابد من تتمة لها فيقع الكلام في خاتمة الفصل الأول تتمة أدلة وجوب إقامة الدولة الإسلامية وهذه التتمة مفادها إن الأدلة الخمسة عشر أو غيرها لا تثبت ولاية الفقيه الجامع للشرائط بل لابد من ضم أحد أمرين لكي تثبت ولاية الفقيه:

الأمر الأول التمسك بأدلة اشتراط الفقاهة في الحاكم الإسلامي وقد عقد الشيخ المنتظري في كتابه دراسات في ولاية الفقيه الجزء الأول من صفحة 301 إلى 318 وقد ذكر عدة أدلة على اثبات اشتراط الفقاهة في الحاكم الإسلامي وقد ناقشها بأجمعها[21] سماحة السيد كاظم الحائري في كتابه ولاية الأمر في عصر الغيبة صفحة 97 تحت عنوان شرط الفقاهة في دور الدليل[22] وناقش الأدلة من الكتاب والسنة والعقل التي ذكرها الشيخ المنتظري ولم يثبت لدى السيد كاظم الحائري وجود دليل على اشتراط الفقاهة في الحاكم الإسلامي وتفصيل هذا البحث سنتطرق إليه في الفصل الثالث الذي سنخصصه لشروط الحاكم الإسلامي فإذا وصلنا إلى شرط الفقاهة سنبحث هذا بالتفصيل.

الأمر الثاني لو لم يثبت ولو لم يكن الدليل على اشتراط الفقاهة في الحاكم الإسلامي فإننا نتمسك بالقدر المتيقن في الخروج عن أصالة عدم الولاية فالأصل عدم ولاية أحد على أحد إلا في موارد ومن هذه الموارد الأمور الحسبية وهي الأمور التي لا يرضى الشارع بتضيعها فيجوز لبعض الناس أن يتصرف في الأمور التي لا يرضى الشارع بضياعها والقدر المتيقن ممن يجوز له هذا التصرف الفقيه الجامع للشرائط

إذن لكي نثبت ولاية الفقيه العامة من خلال الأدلة التي أقيمت على وجوب إقامة الدولة الإسلامية في عصر الغيبة لابد أن نضم إلى الأدلة الخمسة عشر وغيرها تتمة وهي أولا قيام الأدلة على اشتراط الفقاهة في الحاكم الإسلامي وثانيا إن لم يثبت لدينا قيام الأدلة على اشتراط الفقاهة في الحاكم الإسلامي فإننا نتمسك بالقدر المتيقن ممن يجوز له التصرف في الأمور الحسبية وقد أشار إلى هذه التتمة السيد كاظم الحائري حفظه الله في كتابه ولاية الأمر في عصر الغيبة صفحة 96 وأيضا اشار إليها صفحة 114 وقد أشار إلى ما توصل إليه في النهاية صفحة 154 من نتائج البحث 1. إن مسألة دخول السلطة في الحكم في حاق الشريعة الإسلامية وتشابكها مع احكام الفقه الإسلامي أو ضرورة إقامة الدولة الإسلامية لا تنتهي إلى نتيجة ولاية الفقيه إلا بضم ذلك إلى دعوى القدر المتيقن ممن له حق التولي في الأمور الحسبية أن الدليل اللفظي على شرط الفقاهة فغير موجود عدى ما تفترض دلالته بنفسه على مبدأ ولاية الفقيه[23] ،

هذا تمام الكلام في الفصل الأول الأدلة على وجوب إقامة الدولة الإسلامية في عصر الغيبة الكبرى، يقع الكلام في الفصل الثاني من الباب الثاني دراسة الروايات والأدلة التي يفهم منها الرد عن إقامة الدولة الإسلامية والنهي عن القيام في عصر الغيبة الكبرى، يأتي عليه الكلام.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo