< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

39/04/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التقريب التاسع من الأدلة العقلية على ولاية الفقيه العامة [1]

قد أورد هذا النص أيضاً الشيخ نوري حاتم [2] ، وهذا نص كلام المحقق الأصفهانيî، وربما يستدل لعموم ولاية الفقيه بوجه عقلي ومحصله إن ما ثبت للإمام× من حيث رئاسته الكبرى وهي الأمور التي يرجع فيها المرؤوسون من كل ملة ونحلة إلى رئيسهم اتقاناً للنظام فهي ثابتة للفقيه إذ فرض هذا الموضوع فرض نصب الرئيس لئلا يلزم الخُلف من إيكاله أمره إلى آحاد الناس فيدور الأمر في الرئيس المنصوب بين أن يكون هو الفقيه أو شخص آخر والأخير باطل قطعاً فتعين الأوّل، انتهى كلامه زيد في علو مقامه.

وخلاصة هذا التقريب إن هناك أموراً عامة يرجع الناس فيها إلى الإمام أو الحاكم بلا فرق بين زمان وزمان فلابد من وجود رئيس يتولى الشؤون العامة للأمة لأن تولي هذا الأمر من قبل الأفراد إما على خلاف السيرة القطعية وإما على خلاف المصلحة في زمن الغيبة فلابد أن ترجع هذه الأمور في عصر الغيبة إلى الفقيه أو غيره والثاني باطل فيتعين الأوّل، إلا أن هذا التقريب التاسع حسب ترتيبنا وهو الدليل الثاني حسب ترتيب الشيخ نوري حاتم يمكن أن يعترض عليه بثلاثة اعتراضات:

الاعتراض الأوّل إن ثبوت الولاية للإمام المعصوم× في الأمور التي يرجع فيها المرؤوس إلى رئيسه إنما هي ثابتة بوصفه إماماً قد نصبه الله§ ورسوله وجعله مرجعاً للعباد والبلاد فالرجوع إلى المعصوم× ليس كرئيس كسائر الرؤساء وإنما لأن ولايته قد جعلت من قبل اللهO ولو رجع إليه كرئيس من دون ولاية منصبة من قبل الله سيكون طاغوتاً يعبد من دون الله، فبالتالي لو رجع إلى الفقيه كرئيس يرجع إليه المرؤوسون من دون أن نثبت أن الشارع المقدس قد نصّبه والياً على المسلمين ففي هذه الحالة سيكون طاغوتاً يعبد من دون الله.

الاعتراض الثاني لو تشبثنا بهذا الدليل لكان مقتضاه ربما نفي ولاية نفس الأئمة المعصومين^ لأن الناس بشكل عام لم ترجع إليهم كما يرجع المرؤوسون إلى رؤسائهم، فمن الواضح أنه لم يستلم الحكم الظاهري من الأئمةl إلا أمير المؤمنين× والإمام الحسن× لبضعة شهور، فلم يرجع الناس إلى بقية الأئمة في تحريك الجيوش وسد ثغور الدولة الإسلامية وإصلاح الأرض والبلاد، فهذه الضابطة وهي رجوع المرؤوس إلى الإمامj فيما يتعلق بالشأن الأمر لم يتحقق في زمن الأئمة مع أن هذا نقطع ببطلانه إذ أن للإمام الولاية العامة حتى لو قضى الكثير من عمره في قعر السجون كما حصل للإمام الكاظم¤.

الاعتراض الثالث لو تمسكنا بظاهر هذا الدليل لأجزنا ولاية أي إنسان يقبله الناس وإن كان فاسقاً أو غير فقيه فأي إنسان يتصدى لأمور العباد والبلاد ويرجع إليه المرؤوسون في كل ما يرجع فيه إلى الرئيس فمقتضى هذا الدليل أنه قد يقبل، فرجوع المرؤوسين إلى الرئيس كما يحصل في الفقيه يحصل أيضاً بالنسبة إلى غير الفقيه، إذاً التقريب التاسع وهو الدليل الثاني للشيخ نوري حاتم ليس بتام.

الدليل الثالث للشيخ نوري حاتم هو نفس ما تعرضنا له في الاستدلال على ولاية الفقيه بسيرة المتشرعة وتطرقنا إلى كلام السيد الخوئي& [3] فلا نعيد ولا داعي للإعادة.

التقريب العاشر وهو الدليل الرابع الذي ذكره الشيخ نوري حاتم،[4] يتألف من مقدمتين:

المقدمة الأولى: إن المسلمين مكلفون بتشكيل الحكومة الإسلامية بنحو الوجوب النفسي وذلك لأن الحكومة من أبرز مظاهر قوة المسلمين ووحدتهم وقد أمر الله تعالى بإعداد القوة بقوله ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ﴾[5] ولا إشكال في أن الحكومة من مصاديق القوة التي أمر الله بإعدادها بخلاف التشرذم والتنازع والتفكك والتفرق الذي نهى الله عنه بقوله ﴿وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ [6]

المقدمة الثانية: وحينئذ يدور الأمر أمر إدارة الحكومة بين الفقيه وبين رئيس الدولة الإسلامية والثاني معلوم البطلان فيتعين الأوّل وفيه إن المقدمة الثانية لا تخلو من نقاش إذا فرضنا عدم وجود دليل على تقدم الفقيه على غيره من عدول المؤمنين في تولي أمر الحكومة، إذاً الدليل العاشر على ولاية الفقيه العامة ليس بتام فلا يتم التقريب العقلي العاشر.

التقريب الحادي عشر للإمام الخميني وهو الذي ذكره الشيخ نوري حاتم كدليل خامس، هذا الدليل خلاصته تتألف من مقدمتين:

المقدمة الأولى: إن العقل يحكم بضرورة تشكيل الحكومة الإسلامية كما أن الشرع يحكم بذلك، إذاً خلاصة المقدمة الأولى ضرورة تشكيل الحكومة الإسلامية عقلاً وشرعاً.

المقدمة الثانية: الحكومة الإسلامية لابد لها من ولي فيدور الأمر بين أن يكون الولي هو العالم العادل أو لا، فيتعين أن يكون الولي هو العالم العادل، والقدر المتيقن من العالم العادل الذي تسود له الولاية هو الفقيه الجامع للشرائط، هذه زبدة القول في المقدمة الثانية وخلاصتها إن رئيس الدولة الإسلامية يدور بين الفقيه وغيره فيتعين تقديم الفقيه لأنه هو القدر المتيقن من العالم العادل وهذا الدليل أو التقريب الحادي عشر أمتن الأدلة وربما ينهض بالدلالة على ولاية الفقيه العامة، لذلك نذكر كلّاً المقدمتين من كلمات السيد الإمام الخميني+ وسنلاحظ أن الصيغة التي جاء بها السيد الإمام الخمينيî صيغة عامة يمكن اختصارها بلغة علمية في صيغ ثلاث، لذلك سنذكر أوّلاً نص كلمات السيد الإمام الخمينيo من كتابه البيع لكلتا المقدمتين وثانياً سنذكر صيغاً ثلاثة لهاتين المقدمتين ثم سنورد الإشكالات والملاحظات لنرى أن هذا التقريب الحادي عشر هل ينهض بالدلالة أو لا؟

المقدمة الأولى وننقل نص كلام السيد الإمام الخميني&[7] ، والشيخ نوري حاتم نقل نص الكلام [8] ، قال إن الأحكام الإلهية سواء الأحكام المربوطة بالماليات أو السياسيات أو الحقوق لن تنسخ بل باقية إلى يوم القيامة ونفس بقاء تلك الأحكام يقضي بضرورة حكومة وولاية تضمن حفظ سيادة القانون الإلهي وتتكفل لإجرائه، إلى هنا نص الكلام يستفاد منه ضرورة تشكيل الحكومة شرعاً لأنه استند إلى طبيعة الأحكام المالية والإجرائية، ولا يمكن إجراء أحكام الله إلا بها لئلا يلزم الهرج والمرج مع أن حفظ النظام من الواجبات الأكيدة واختلال أمور المسلمين من الأمور المبغوضة ولا يقوم بهذا ولا يسد هذا إلا بوال وحكومة مضافاً إلى حفظ ثغور المسلمين عن التهاجم وبلادهم عن غلبة المعتدين واجب عقلاً وشرعاً، الحكومة الإسلامية مقدمة إلى هذا الواجب، مقدمة الواجب واجبة، واجب عقلاً وشرعاً ولا يمكن ذلك إلا بتشكيل الحكومة وكل ذلك من أوضح ما يحتاج إليه المسلمون ولا يعقل ترك ذلك من الحكيم الصانع فما هو دليل الإمام بعينه دليل على لزوم الحكومة بعد غيبة ولي الأمر# سيما مع هذه السنين المتمادية ولعلها تطول والعياذ بالله إلى آلاف من السنين والعلم عند الله تعالى فهل يعقل من حكمة الباري الحكيم إهمال الملة الإسلامية وعدم تعيين تكليف لهم أو رأي الحكيم للهرج والمرج واختلال النظام ولم يأتي بشرع قاطع للعذر لئلا تكون للناس عليه حجة، ثم يقول+ في موضع آخر، فإن لزوم الحكومة لبسط العدالة والتعليم والتربية وحفظ النظم ورفع الظلم وسد الثغور والمنع عن تجاوز الأجانب من أوضح أحكام العقول من غير فرق بين عصر وعصر أو مصر ومصر[9]

خلاصة المقدمة الأولى ضرورة تشكيل الحكومة في عصر الغيبة عقلاً وشرعاً وفي المقدمة الأولى يخالف السيد الإمام بعض الفقهاء الذين ذهبوا إلى عدم مشروعية إقامة الدولة الإسلامية في عصر الغيبة وقد تمسكوا بالروايات التي تردع عن ذلك كالروايات التي تقول كل راية قبل ظهور صاحب العصر والزمان # فهي راية ضلال وصاحبها طاغوت، وسنذكر هذا البحث إن شاء الله في الباب الثاني، نتكلم ونبحث الروايات الرادعة عن تشكيل الحكومة الإسلامية وهل تنهض بذلك أو لا؟

المقدمة الثانية وهذا نص كلام السيد الإمام الخميني+ إن الحكومة الإسلامية لما كانت حكومة قانونية بل حكومة القانون الإلهي فقط وإنما جعلت لأجل إجراء القانون وبسط العدالة الإلهية بين الناس لابد في الوالي من صفتين هما أساس الحكومة القانونية ولا يعقل تحققها إلا بهما أحدهما العلم بالقانون وثانيتهما العدالة ومسألة الكفاية داخلة بالعلم بنطاقه الأوسع، ولا شبهة في لزومها في الحاكم أيضاً ـ الكفاية ـ وإن شئت قلت هذه شرط ثالث من أسس الشروط، يعني العلم والتقوى والكفاءة، فإن الجاهل والظالم والفاسق لا يعقل أن يجعلهم الله تعالى أولياء على المسلمين وحكام على مقدراتهم وعلى أموالهم ونفوسهم مع شدة اهتمام الشارع الأقدس بذلك ولا يعقل تحقق إجراء القانون بما هو حقه إلا بيد الوالي العالم العادل[10] ، انتهى كلامه زيد في علو مقامه.

هذه الصياغة العامة يمكن صياغتها بلغة علمية بإحدى ثلاث صيغ:

الصيغة الأولى إن إقامة الحكومة الإسلامية من باب المقدمات الوجودية لا الواجبات فهي نظير السفر بالحج فإذا وجب الحج وجبت مقدمته الوجودية وهو السفر، فكذلك إذا وجبت إقامة الحكومة الإسلامية وجب تعيين وإليها فكما يجب تهيئة السلاح للجهاد لأن السلاح مقدمة وجودية للجهاد، كذلك الحكم فإن الحكومة الإسلامية مقدمة وجودية للكثير من الواجبات في الشريعة الغراء كإقامة الحدود وحفظ النظام وأمن البلاد ودفع العدو فإن جميع هذه الأمور الواجبة لها مقدمة توجدها وهي الدولة الإسلامية القوية ولا يمكن تحقيق هذه الأمور بصورة فردية فكيف تحرس ثغور البلد وكيف تدفع الأعداء وكيف تحفظ أمن الناس وأمن البلاد بصورة فردية إن هذا لا يكون إلا بتشكيل الحكومة الإسلامية، فتكون الحكومة الإسلامية ضرورة وجودية يحكم بها العقل والشرع لإقامة أحكام الله في البلاد بين العباد، هذه الصيغة الأولى.

الصيغة الثانية لو لم تجد الحكومة الإسلامية لزم لغو الكثير من الخطابات القرآنية والروائية فالكثير من الخطابات الشرعية نظير التي تأمر بإقامة الحدود الزَّانِيَةُ ﴿وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ﴾ [11] ونظير آيات الجهاد ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ﴾[12] ونظير آيات الأمر بالمعروف ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [13] ، بناء على أن المراد بالأمة في الآية الدولة كما هو أحد تفاسير هذه الآية الكريمة، هذه الخطابات وما شاكلها فيها حيثية عامة وإذا لم نقل بتشكيل الحكومة الإسلامية تكون هذه الخطابات لغوية لعدم إمكان إجراء الحدود والتعزيرات من دون دولة إسلامية حتى أن الكثير من علمائنا المتقدمين لم يذكروا كتاب الحدود والتعزيرات لعدم وجود دولة ولعدم تمكن الفقيه من الحكم، ولذلك تجد إلى يومنا هذا في الرسائل العملية الكثير منهم لا يذكر كتاب الجهاد ولا يذكر كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذا تمام الكلام في الصيغة الثانية لزوم لغوية الخطابات.

الصيغة الثالثة إذا لم تجب إقامة الحكومة الإسلامية يلزم نقض الغرض من كثير من مقاصد الشريعة الإسلامية، فمن مقاصد الشريعة الغراء إزالة الفحشاء والمنكر وتطهير النفوس وتربية العقول على الإيمان بالله§ فإذا لم نقل بوجوب إقامة الحكومة الإسلامية يلزم تخلف الغرض، والفارق بين الصيغة الثالثة ـ لزوم خلف الغرض ـ وبين الصيغة الثانية ـ لزوم لغوية الخطابات ـ يمكن في أن الصيغة الثانية ناظرة إلى الخطابات بينما الصيغة الثالثة ناظرة إلى المقاصد والأغراض، كما أن الصيغة الثانية ناظرة إلى لغوية الخطابات بينما الصيغة الثالثة ناظرة إلى تخلف الغرض ونقض الغرض وانتفاء المقاصد.

يقول الفيض الكاشاني+ وينقل نص كلامه أيضاً الشيخ عبد الهادي الفضلي& [14]

يقول: فوجوب الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون على البر والتقوى والإفتاء والحكم بين الناس بالحق وإقامة الحدود والتعزيرات وسائر السياسات الدينية من ضرورات الدين وهو القطب الأعظم في الدين والمهم الذي ابتعث الله له النبيين ولو تركت لعطلت النبوة واضمحلت الديانة وعمت الفتنة وفشت الضلالة وشاعت الجهالة وخربت البلاد وهلك العباد نعوذ بالله من ذلك.

إذاً نلخص التقريب الحادي عشر للسيد الإمام الخميني+ بكلا مقدمتيه وصيغه الثلاث:

المقدمة الأولى: ضرورة تشكيل الحكومة عقلاً وشرعاً.

المقدمة الثانية: من يلي الحكومة يدور أمره بين الفقيه وغيره والتالي باطل فيتعين الأوّل وهو الفقيه لأنه هو القدر المتيقن، العالم العادل.

وأما الصيغ الثلاث، فالصيغة الأولى مفادها إن إقامة الحكومة الإسلامية مقدمة وجودية واجبة لإقامة أحكام الله الواجبة كحفظ الثغور والجهاد والدفاع وتحقيق الأمر.

الصيغ الثانية مفادها لو لم نقل بوجوب الحكومة الإسلامية للزم لغوية الكثير من الخطابات القرآنية والروائية الواردة في الجهاد وحفظ الثغور والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

الصيغة الثالثة لو لم نقل بوجوب الحكومة الإسلامية للزم تخلف الغرض للكثير من المقاصد الشرعية كإقامة العدل وتحقيق دولة الإيمان.

هذا تمام الكلام في بيان التقريب الحادي عشر بمقدمتيه وصيغه الثلاث.

أما المقدمة الأولى: فقد تناقش بأن الحكومة الإسلامية ليست واجبة لا بالضرورة العقلية ولا بالضرورة الشرعية، أما الضرورة الشرعية فينفيها موقف الكثير من فقهاء الإسلام إذ أن الكثير من فقهاء الإسلام لم يرى وجوب إقامة الدولة الإسلامية فضلاً عن ضرورتها بل ذهب البعض إلى حرمة إقامتها في عصر الغيبة وأنها من مختصات الإمام المعصوم× ولا يجوز تقمص موضع اختص به الإمام المعصوم¤ فهناك بونٌ شاسع بين الدعويين، دعوى ضرورة إقامة الحكومة الإسلامية شرعاً ودعوى حرمة وعدم مشروعية إقامة الدولة الإسلامية في عصر الغيبة شرعاً، وإذا اتضح عدم ضرورة إقامة الحكومة الإسلامية شرعاً واتضح وجود الخلاف في المسألة اتضح أن القول بضرورة إقامة الحكومة الإسلامية عقلاً ليس بتام إذ أن الضرورات العقلية بديهية لا يختلف عليها اثنان إلا إذا كانت هناك شبهة في مقابل بديهية فكيف خفيت هذه البديهة على الكثير من العقلاء وعلى الكثير من فقهاء الإسلام، إذاً المقدمة الأولى قد يقال إنها ليست تامة، طبعاً إذا أنكرنا المقدمة الأولى انتفت الصيغ الثلاث لأن الصيغة الأولى إقامة الحكومة مقدمة وجودية ولم تعد مقدمة وجودية وهكذا بالنسبة إلى الصيغة الثانية يلزم لغوية الخطابات والصيغة الثالثة يلزم خلف الغرض تصبح مقاصد الشريعة لا تتوقف على الحكومة الإسلامية وأيضا الكثير من هذه الخطابات لا تتوقف على إقامة دولة إسلامية، وبالنسبة إلى الصيغة الأولى إقامة الأحكام الإسلامية لا تتوقف على إقامة الدولة الإسلامية، طبعاً هذا كله يرجع إلى فهم الفقيه، السيد الإمام الخميني+ كانت هذه الأمور واضحة لديه وهو يقول أصبحت غير واضحة وغير بديهية لأنس الذم بإقصاء الأئمة^ عن المشهد السياسي وألّا هذا من أوضح الواضحات وأوجب الواجبات.

وأما المقدمة الثانية: وهي أن الفقيه هو القدر المتيقن من تولي أمر الحكومة الإسلامية فيما إذا دار الأمر بينه وبين غيره فقد يناقش بما أفاده سيدنا الأستاذ السيد كاظم الحائري [15] ، من أن التمسك بالقدر المتيقن إنما يكون فيما إذا كانت هناك دائرة واسعة ودائرة ضيقة فيتمسك بالدائرة الضيقة أي أنه إذا كان بين الأمرين نسبة العموم والخصوص من وجه أو نسبة العموم والخصوص المطلق وأما إذا كان بين الشيئين تباين فلا يتمسك بالقدر المتيقن وقد يقال إن موردنا هو من موارد دوران الأمر بين المتباينين فيدور الأمر بين الفقيه العادل الجامع للشرائط وبين السياسي الحاذق الذي ليس بفقيه أو بين الفيلسوف والمهندس إلى آخره، ولا شك أنه يوجد تباين بين الفقيه والمهندس والسياسي فلا تصل النوبة إلى التمسك بالقدر المتيقن، لكن هذا الكلام ليس بتام وقد رده السيد كاظم الحائري= في نفس الكتاب بأن موردنا هو من موارد دوران الأمر بين الدائرة الواسعة والدائرة الضيقة إذ أن الكلام في ولاية عموم المؤمنين ولا تخرج الدائرة عن عموم المؤمنين يبقى الكلام هل المراد الدائرة الخاصة من المؤمنين وهو خصوص الفقيه العادل الجامع للشرائط أو أنه يسع المجال للفقيه وغير الفقيه فنتمسك بالقدر المتيقن وهو الفقيه الجامع لشرائط الفتوى، إذاً المقدمة الثانية تامة لأن الكلام في الولاية الشرعية وليس الكلام في ولاية أي شخص كيف ما اتفق، فيبقى الكلام في المقدمة الأولى هل تنهض أو لا تنهض؟ وهي تخضع لاستظهار الفقيه الجامع لشرائط الفتوى، لو تأملنا في كلتا المقدمتين بنظر دقيق لوجدنا أن المقدمة الأولى لا يمكن المساعدة عليها من أن إقامة الدولة الإسلامية ضرورة عقلية وشرعية والمقدمة الثانية لو نوقش فيها إلا أنه يمكن قبولها ودفع الإشكال عنها ولكن هذا التقريب الحادي عشر يمكن قبوله إذا غيرنا المقدمة الأولى وقلنا إن إقامة الدولة واجبة عقلاً وشرعاً ولم نلتزم بضرورتها والدليل على وجوب إقامة الدولة شرعاً وعقلاً هو ما أفاده السيد الإمام الخميني+ في كتابه البيع وأيضاً في كتابه الحكومة الإسلامية إذ أنه استند إلى ثلاثة أمور:

الأمر الأوّل: طبيعة بعض الأحكام الشرعية يستلزم إقامة الدولة والحكومة كالأحكام المالية المتعلقة بالضرائب المالية من خمس وزكاة وكفارة، القسم الثاني من هذه الأحكام الأحكام الجزائية كالحدود والتعزيرات، والقسم الثالث من هذه الأحكام الأحكام الحقوقية التي تثبت حق الحاكم وحق المحكوم وحق الرعية، إذاً الأمر الأوّل الذي يستنبط منه وجوب إقامة الحكومة الإسلامية طبيعة بعض الأحكام الإلهية كالأحكام المالية وأحكام الحدود والتعزيرات الأحكام الجزائية والثالث الأحكام الحقوقية التي تثبت الحكم.

الأمر الثاني: الذي يستفاد منه وجوب إقامة الدولة الإسلامية الروايات التي وردت في صفات الحاكم والراعي للرعية وسنتطرق إلى هذا في الباب الثاني، فمن هذين الأمرين أوّلاً طبيعة الأحكام الإلهية وثانياً الروايات الواردة في صفات القاضي والدولة الإسلامية يفهم منهما وجوب إقامة الدولة الإسلامية ولابد أن يضاف إلى ذلك دراسة الروايات التي تردع عن إقامة الدولة الإسلامية في عصر الغيبة وسيتضح عدم تماميتها فتكون النتيجة هي ثبوت المقدمة الأولى وهي وجوب إقامة الحكومة الإسلامية شرعاً مع التمكن لا القول بضرورتها عقلاً وشرعاً، وبهذا يتم التقريب الحادي عشر مع تعديل في مقدمته الأولى

فلا نقول بضرورة إقامة الحكومة الإسلامية شرعاً وعقلاً والقول بالضرورة يحتاج إلى أُنس راق كما كان لدى الإمام الخميني+ كان عنده درجة من الوضوح، فإذا تمت المقدمة الأولى وجوب إقامة الحكومة الإسلامية وتمت المقدمة الثانية يدور الأمر بين تولي الأمر للفقيه أو غيره والفقيه هو القدر المتيقن تكون النتيجة ثبوت ولاية الفقيه العامة عقلاً وشرعاً فيكون التقريب الحادي عشر تام، إذاً من الأدلة العقلية ثبت لدينا التقريب الحادي عشر مع تعديلٍ، لذلك قلنا كل هذه الأدلة سيتضح إنها ليست تامة ولكن التقريب الحادي عشر مع تعديلٍ يتم.

يبقى الكلام في التقريب الثاني عشر وهو يقوم على أساس الحسبة، وهو ما ذكرناه هناك الدليل الحادي عشر للإمام الخميني+ [16] [17] ذكر الدليل السادس وذكره وأسماه الدليل الخامس فالصحيح أنه الدليل السادس، إذاً خلاصة التقريب الحادي عشر وتمامية التقريب مع تعديلٍ على ثبوت ولاية الفقيه العامة لا المطلقة.

 


[2] أحكام ولي الأمر في الدولة الإسلامية، الشیخ نوري حاتم، ج1، ص67.
[4] أحكام ولي الأمر في الدولة الإسلامية، الشیخ نوري حاتم، ج1، ص69.
[8] أحكام ولي الأمر في الدولة الإسلامية، الشیخ نوري حاتم، ج1، ص71 و 72.
[14] في انتظار الإمام، الشيخ عبد الهادي الفضلي، ج1، ص71.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo