< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

39/04/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الدليل الرابع عشر على ولاية الفقيه العامة هو الحديث السابع

الدليل الرابع عشر على ولاية الفقيه العامة هو الحديث السابع من كتاب نظرية الحكم في الإسلام للشيخ محسن الأراكى وهو ما رواه الشريف الرضي& في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين× قال: (وقد علمتم أنه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين البخيل فتكون في أموالهم نهمته، ولا الجاهل فيضلهم بجهله ولا الجافي فيقطعهم بجفائه ولا الحائف للدول فيتخذ قوماً دون قوم ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المقاطع ولا المعطل للسنة فيهلك الأمة)[1]

هذه الخطبة أيضاً أوردها ابن الجوزي في تذكرة الخواص وجاء بهذه الزيادة وهي (ولا الباغي فيدحض الحق، ولا الفاسق فيشين الشرع)[2] ، والشيخ المحمودي عند روايته لهذه الخطبة قال: [3] وعلى رواية: أنّه كتبها لتُقرأ على الناس، لعدم تمكّنه من الخطبّة؛ لعلّته ـ كان× مريضاً ـ فأمر بكتابة الخطبة لكي تقرأ على الناس.

هذه الرواية من ناحية السند هي من مرسلات نهج البلاغة، فإن تم ما استوجهه الشيخ محسن الآراكي من أنها من الخطب المشهورة أيام خلافة أمير المؤمنين× فلا تحتاج إلى السند ويضاف إلى ذلك نكتة أخرى هنا وهي أنها كانت مكتوبة والكتابة أدعى إلى الحفظ والضبط من مجرد النقل عن ظهر الخاطر، وبالتالي يحصل الوثوق بصدور الرواية عن أمير المؤمنين× فلا حاجة إلى البحث في سندها، والصحيح أن هذه الرواية يتعامل معها معاملة المراسيل فإن عثرنا على سند لها نظرنا في صحة سنده وإن لم نعثر على سند يتعامل معها معاملة المراسيل فتسقط عن الحجية، هذا تمام الكلام بالنسبة إلى السند.وأما بالنسبة إلى الدلالة فمن الواضح أن أمير المؤمنين¤ في الخطبة أخذ وجود الوالي كضرورة فمن الواضح لمن لاحظ الخطبة أن ضرورة وجود الوالي قد أخذت مفروغاً عنها وإنما الكلام في صفات وسمات الوالي وبعد الفراغ عن ضرورة وجود الوالي يمكن تقريب الاستدلال بهذه الرواية على ولاية الفقيه بتقريبين:

التقريب الأوّل: اشتراط عدم اتصاف الوالي بالصفات المذكورة كالجهل والبخل والارتشاء والتعطيل للسنة يستوجب لزوم إحراز الوالي لضد هذه الصفات، ولا يمكن إحراز خلو الوالي من هذه الصفات الذميمة إلا بإحراز اتصاف الوالي بما يقابلها من الصفات، لأن عدم الضد إنما يعرف بوجود ضده فلا يمكن إحراز خلو الوالي من صفة البخل إلا بإحراز اتصافه بصفة الجود والكرم ولا يمكن إحراز خلو الوالي من صفة الحيف إلا بإحراز اتصافه بالإنصاف والعدل ولا يمكن إحراز خلو الوالي من صفة الفسق إلا بإحراز اتصافه بصفة العدل ونتيجة ذلك ثبوت اشتراط أن يكون الوالي متصفاً بالعلم والفقاهة، لأن من الصفات السلبية الجهل فتكون الصفة الايجابية المقابلة لها العلم وأوضح وأبرز مصاديق العلم الفقاهة، فيلزم أن يكون الوالي متصفاً بالفقاهة والعدالة والكفاءة على أقل التقدير، وهذه هي الشرائط المشترطة بناء على نظرية ولاية الفقيه العامة أو المطلقة أن يتوفر الوالي على ثلاث شروط الفقاهة والعدالة والكفاءة، فإذا كانت أصل وجود الوالي قد أخذ مفروغاً عنه في الرواية بالضرورة العقلائية بل ولدلالة هذه الرواية على ذلك فلابد أن يؤخذ في الوالي صفة الفقاهة وهذا هو المطلوب، إذاً ثبتت الولاية للفقيه الجامع للشرائط، هذا تمام الكلام في التقريب الأوّل الذي ذكره الشيخ الآراكي.

التقريب الثاني: إن الرواية بقرينة ابتدائها بقوله× وقد علمتم فالرواية بصدد تفصيل ما قد عُلم بالإجمال، الإمام يقول وقد علمتم يعني علمتم إجمالاً وأورد لكم تفصيله فالإمام× كان ناظراً إلى تفصيل المعلوم الإجمالي المرتكز في ذهن المتشرعة وفي ذهن المسلمين لأن الحضور كانوا يمثلون متشرعة العصر، وإذا تأملنا مصادر التشريع من الكتاب والسنة وتأملنا في كلمات هذه الخطبة ومضامينها نجد أن الفكرة الوحيدة التي تنسجم مع مضامين هذا الكلام وتؤكد عليها هي فكرة الولاية للفقيه الجامع للشرائط، وبناءً على هذا التقريب تثبت ولاية الفقيه العادل، الكفوء، بل بناء على التقريب الثاني يثبت أن ولاية الفقيه العامة هي من ارتكازات المتشرعة، هذا تمام الكلام في تقريب الدليل الرابع عشر.

وأما هذه الرواية أوّلاً من ناحية السند هي من مرسلات نهج البلاغة فهي ساقطة عن الاعتبار هذه من ناحية السند، وثانياً من ناحية الدلالة من الواضح أنه بمقتضى الظهور العرفي أن أمير المؤمنين× لم يكن بصدد جعل الولاية للفقيه الجامع للشرائط وإنما هو بصدد تعليم الناس وتوضيح فكرة أساسية للناس وهي أن الوالي لا يمكن أن يكون جاهلاً ولا يمكن أن يكون فاسقاً ولا يمكن أن يكون ظالماً وهو بذكره لهذه الصفات الذميمة يشير إلى مرتكزات عرفية تقتضيها الطبيعة الإنسانية، ففاقد الشيء لا يعطيه فإذا كان الوالي جاهلاً كيف يعلم الناس، وإذا كان الوالي فاسقاً كيف ينتشر الدين بين الناس، وإذا كان الوالي ظالماً كيف يسود العدل بين الناس، هذا ما يفهم من الرواية، ولا يفهم منها أن أمير المؤمنين× بصدد جعل الولاية للفقيه الجامع للشرائط، وبالتالي هذه الرواية غير تامة سنداً ودلالة وبالتالي نغير التعبير، كنا دائماً نعبر الدليل الأوّل الدليل الثاني والدليل.....الخ وسنذكر أكثر من ثلاثين دليلاً أكثر من تقريباً ثلاثة وثلاثين رواية، وسيتضح أن أكثر هذه الروايات غير معتبرةٍ سنداً ودلالة فكيف نعبر عنها بالدليل لذلك إلى الدليل الرابع عشر نعبر بالدليل، ابتداءً من الدليل الخامس عشر نقول الحديث الخامس أو الرواية الخامسة عشر فهذا أوفق بالمهنية العلمية وسيتضح أن أكثر هذه الروايات الذي اسُتدل بها على ولاية الفقيه المطلقة أو العامة غير تامة السند والدلالة، نعم ثبت لدينا ولاية الفقيه المطلقة فضلاً عن العامة ببعض الروايات كرواية الفقهاء أمناء الرسل وكمقبولة عمر بن حنظلة وأيضاً التوقيع إذا غضضنا النظر عن وثاقة إسحاق بن يعقوب والتي بنظرنا لا تضر جهالته لأن هذا التوقيع كان بمرئى ومسمع الكثير من الأعلام ولم يعترض عليه أحد وقد رواه الشيخ الصدوق& في كمال الدين والشيخ الطوسي+ في الغيبة وأورده الشيخ الطبرسيî في الاحتجاج وأيضاً في سنده الكليني، وهكذا توقيع مشهور معروف ولا يواجه أي اعتراض يوجب الوثوق بمضمونه وبالتالي يكون التوقيع وأما الحوادث الواقعة تام الدلالة على ولاية الفقيه العامة، إذاً ثبتت ولاية الفقيه العامة ببعض الأدلة كالتوقيع ومقبولة عمر بن حنظلة وثبتت ولاية الفقيه المطلقة بالفقهاء أمناء الرسل ولها مؤيدات كالعلماء ورثة الأنبياء صحيحة القدَّاح أو علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل هذه من المؤيدات، لكن أكثر الأدلة هي غير تامة فهي لا تنهض بالدلالة وبعضها ينهض بالتأييد، هذا تمام الكلام في الدليل الرابع عشر أو الحديث الرابع العشر.

الحديث الخامس عشر وهو الحديث الثامن الذي استدل به الشيخ محسن الآراكي[4] ، روى البرقي في كتاب المحاسن عن أبيه عن القاسم الجوهري عن الحسين بن أبي العلاء عن العرزمي عن أبيه رفع الحديث إلى رسول الله| إذاً الرواية مرفوعة وهي ضعيفة السند، قال: (من أم قوماً وفيهم أعلم منه ـ أو أفقه منه ـ لم يزل أمرهم في سفال إلى يوم القيامة). [5]

هذه الرواية من ناحية السند رواية ضعيفة لأنها مرفوعة، لكن الشيخ الآراكي¡ ذكرها لأنها وإن كانت غير معتبرة سنداً لكنها مع الروايات الأُخر التي ستأتي يمكن أن تكوّن بمجموعها تواتر إجمالي يفيد القطع بتشريع ولاية الفقيه، هكذا يقول والرواية هذه وإن كانت غير معتبرة سنداً لكونها مرفوعة لكنها وما سوف يلحقها من الروايات الفاقدة للسند المعتمد عليه والتي سنتعرض لنماذج منها فيما يلي تقوي بمجموعها ما سبق من الأدلة بل وتقوي بمجموعها تواتر إجمالي يفيد القطع بتشريع ولاية الفقيه العادل الكفوء من قبل الشارع المقدس[6]

وفيه: إن هذه الرواية علاوة على كونها ضعيفة السند لا تشكل مع الروايات الأُخر بمجموعها تواتراً إجمالياً والسر في ذلك إننا نناقش في دلالتها، فالتواتر الإجمالي يحصل فيما لو تمت الدلالة مع ضعف السند، وأما إذا أضيف إلى ضعف السند ضعف الدلالة أيضاً فهذا لا ينهض بإقامة تواتر إجمالي حتى يحصل القطع بثبوت ولاية الفقيه العامة، نعم بعض هذه الروايات الضعيفة السند والضعيفة الدلالة قد تصلح أن تشكل مؤيداً لذلك والتأييد منشأه ضعف السند والدلالة فلا تشكل تواتراً إجمالياً على ولاية الفقيه، هذا تمام الكلام من ناحية السند.

وأما من ناحية الدلالة تقريب الاستدلال هذه الرواية تدل على اشتراط الفقاهة بل الأفقهية أو الأعلمية في الإمام لأن عبارة لم يزل أمرهم في سفال إلى يوم القيامة لا يراد به بيان نتيجة إمامة غير الأفقه أو غير الأعلم بل الظاهر عرفاً من بيان هذه النتيجة السيئة لإمامة غير الأعلم إرادة الزجر والنهي عن إمامته فهذا هو المدلول المطابقي والمدلول الالتزامي اشتراط الأعلمية في إمامة الإمام فإذا اشترطنا الأفقهية والأعلمية فتكون الدلالة على شرطية أصل الفقاهة أو العلم من باب أولى، وأما بقية الشروط الأخرى غير الأفقهية والأعلمية كالعدالة والكفاءة فهذا مما يستفاد من روايات أخرى، هذا تمام الكلام في الاستدلال بهذه الرواية على ولاية الفقيه المطلقة أو ولاية الفقيه العامة.

رَفَعَ الحديث إلى رسول الله| قال: (من أمّ قوماً وفيهم أعلم منهَ أو أفقه منه لم يزل أمرهم في سفال إلى يوم القيامة)[7] فهل هذا المدلول يدل على إثبات الولاية العامة للفقيه أو لا بالمدلول المطابقي أو المدلول الالتزامي.

الحق والإنصاف: أن هذه الرواية ليست ناظرة إلى إمامة للصلاة، خصوصاً إذا لاحظنا من أم قوماً وفيهم أعلم منه أو أفقه منه لم يزل أمرهم في سفال إلى يوم القيامة، وخصوصاً أن صلاة الجماعة لا يشترط فيها إمامة الأفقه أو إمامة الأعلم بل يجوز للعالم أن يؤم الأعلم، بل حتى غير العالم إذا صلاته صحيحة يجوز، إذاً الرواية ليست ناظرة إلى إمامة الجماعة ومن الواضح بمقتى الظهور العرفي فيها النظر إلى قيادة الأمة وإمامة الأمة، من أم قوماً يعني من ترأس قوماً من قاد قوماً، هنا هل الرواية في مقام النهي عن التصدي لغير الكفوء فقط أو في مقام إثبات الولاية للأفقه والأعلم، القدر المتيقّن من هذه الرواية هو النهي والزجر عن تصدي غير الكفوء، فإذا أخذنا بقرينية الباب أو العنوان كما ينسب إلى شيخنا الأستاذ الميرزا جواد التبريزيî نلاحظ أن البرقي في المحاسن عنون الباب بأي عنوان؟ قال باب عقاب من اتخذ إمام جور، يعني باب النهي عن اتخاذ إمام الجور يعني الذي هو غير أفقه أو غير أعلم أو غير كفوء هذا إذا تصدى هذا يصير إمام جائر، تبوء شيئاً ليس محلاً له، خصوصاً إذا نظرنا إلى أن الرواية مرفوعة إلى رسول الله| وفي زمن النبي لم يكن أصلاً خاصة بدايات الدعوة لم يكن الفقهاء كثر حتى يكون النبي| في مقام جعل الولاية للفقيه الجامع للشرائط، لو كانت هذه الرواية صادرة عن الأئمة المتأخرين قُبيل الغيبة الصغرى أو الغيبة الكبرى لأمكن الاستظهار أكثر، ولكن الرواية مرفوعة إلى النبي| فمن البعيد جداً أن يكون النبي| في مقام جعل الولاية العامة للفقيه الجامع للشرائط، يمكن في ذاك الزمان ما كان فقيه إلا أمير المؤمنين× في زمن هذه الرواية لو صحت، إذاً هذه الرواية ليست تامة سنداً ودلالة.

الحديث السادس عشر وهو الحديث التاسع الذي أورده الشيخ محسن الآراكي[8] ، هذه الرواية يرويها ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني[9] ، روى الكليني عن علي بن محمد عن سهل بن زياد عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله× عن آبائه^ قال رسول الله|: (لا خير في العيش إلا لرجلين عالم مطاع أو مستمع واع) [10] [11]

هذه الرواية من ناحية السند ضعيفة بسهل بن زياد وأما من ناحية الدلالة فيمكن أن يستدل بها على ولاية الفقيه بأن الرواية ظاهرة في تصنيف الناس إلى ثلاثة أصناف، صنفان مطلوبان والثالث هو غيرهما وهو غير مطلوب، أما الصنفان المطلوبان فهما عالم يطاع وغير عالم يستمع إلى العالم ويعي كلامه، فتكون نتيجة الاستماع الطاعة للعالم وإتباعه وأما الصنف الثالث ما عداهما، ليس بعالم يطاع وليس بغير عالم يطيع العالم ومن الواضح أن المراد بالعالم ليس مطلق العالم بل المراد بالعالم خصوص العالم بالدين وإلا لا تدخل العالم بالكيمياء أو الفيزياء أو الرياضيات، فإن لفظ العالم ينصرف إلى عالم الدين وأبرز مصاديق العالم بالدين الفقيه الجامع للشرائط وبالتالي هذه الرواية تدل على لزوم طاعة العالم فتثبت ولاية الفقيه العامة.

وفيه: إن الرواية أجنبية تماماً عن بحث ولاية الفقيه العامة فضلاً عن المطلقة، الرواية في مقام بيان فضل العلم وفضل العلماء، ومن فضل العلم إما أن تكون عالم فيطيعك الناس أو متعلم فتطيع العلماء، فإذاً فضيلة العلم ينبثق منها هذان الأمران، إما أن تطيع وإما أن تطاع، فإن كنت عالماً تطاع وإن كانت جاهلاً تطيع العالم فالرواية في مقام الحث على فضل العلم والعلماء ولذلك بقرينية الباب ثقة الإسلام الكليني عنون هذا العنوان، طبعاً عناوين أصول الكافي خصوصاً عناوين من لا يحضره الفقيه هذه فتاوى عندنا كتاب من لا يحضره الفقيه هذه رسالة عملية للصدوق&، ووسائل الشيعة رسالة عملية إلى الحر العامليî فيمكن أن نستنتج الفتوى من عنوان الباب، يعني أحياناً يقول صاحب الكافي أو الفقيه أو الوسائل باب استحباب السواك يعني ثبت عنده الاستحباب وأحيانا يقول باب ما روي في استعمال السواك يعني ما ثبت عنده الاستحباب، من عنوان الباب تقتنص الفتوى، باب الكافي[12] إذاً الرواية أجنبية تماماً فلا تشكل تواتر إجمالي، لا تشكل قرينة إثبات ناقصة في التواتر الإجمالي، هذا تمام الكلام في الحديث السادس عشر.

الحديث السابع عشر وهو الحديث الحادي عشر الذي أورده الشيخ محسن الآراكي[13] . ما رواه السيد هبة الله في المجموع الرائق: عن أمير المؤمنين× عن النبي| قال: (أدلّكم على الخلفاء من أمّتي ومن أصحابي ومن الأنبياء قبلي؟ هم حملة القرآن والأحاديث عنّي وعنهم في الله ولله§) [14] ، هذه الرواية من ناحية السند ضعيفة وقد قال بعضهم إن المحدث النوري& قد جمع في مستدرك الوسائل ما تركه صاحب الوسائل، فأكثر روايات مستدرك الوسائل ضعيفة السند، بعض الأعلام كالآخوند الخراسانيî كان لا يفتي بمجرد النظر إلى روايات وسائل الشيعة إلا إذا أردفه بروايات مستدرك الوسائل، هذه الرواية ضعيفة السند وأما من ناحية الدلالة فهي تشبه في مضمونها رواية (اللهم ارحم خلفائي) ودلالتُها كدلالتها مع فارق في أن هذه الرواية أصرح في الدلالة على إرادة الفقهاء العالمين بمقاصد القرآن والسنة، لأنه ورد في التعبير حملة القرآن والأحاديث فهي أصرح في الدلالة من لفظ الرواة التي جاءت في اللهم ارحم خلفائي الذين يأتون من بعدي يرون حديثي وسنتي.

الحق والإنصاف: هذه الرواية من ناحية الدلالة تامة وصريحة لاحظ الرواية (أدلكم على الخلفاء من أمتي ومن أصحابي ومن الأنبياء قبلي هم حملة القرآن والأحاديث عنّي وعنهم في الله، يعني وعن الأنبياء قبلي، ولله§)[15] ، في رواية (اللهم ارحم خلفائي الذين يأتون من بعدي يروون أحاديثي وسنتي) [16] [17] [18] ، ولكن هنا ليس المراد فقط الرواية حملة القرآن، هذا يذكرني بتعبير إقامة الصلاة، إقامة الصلاة ليس كأداء الصلاة أداء الصلاة، يعني الإتيان بالصلاة تامة الأجزاء والشرائط أما إقامة الصلاة، يعني جعلها قائمة سنة جارية، هنا حملة القرآن والحديث يعني الذين يعملون على إقامة القرآن والحديث فتكون هذه الرواية من ناحية الدلالة دالة على أن الخلفاء من بعد النبي| هم الذين يحملون القرآن والسنة وأبرز مصداق للحامل للقرآن والسنة هو الفقيه الجامع للشرائط فتدل هذه الرواية على الولاية العامة للفقيه، بل حتى تدل على ولاية الفقيه المطلقة لأنه خليفة رسول الله| لكنها ضعيفة السند فتصلح مؤيد كما أن رواية اللهم ارحم خلفائي تصلح أن تكون مؤيدة.

الحديث الثامن عشر وهو الحديث الثاني عشر من هذا الكتاب نظرية الحكم في الإسلام،[19] ما رواه أبو حنيفة القاضي المصري في دعائم الإسلام، عن جعفر بن محمد × قال: (ولاية أهل العدل الذين أمر الله بولايتهم، وتوليتهم وقبولها، والعمل لهم: فرض من الله، وإطاعتهم واجبة، ولا يحلّ لمن أمروه بالعمل لهم أن يتخلف عن أمرهم) [20] ، والكلام في سندها كالكلام في سند الرواية السابقة، فالرواية ضعيفة السند.

ونحن لا نرى اعتبار كتاب دعائم الإسلام للقاضي المصري فهذه الرواية ساقطة من حيث السند.

وأما من ناحية الدلالة فهي تدل على ما لا يقل عن أمرين كما يدعي الشيخ الآراكي، الأوّل اشتراط العدل فيمن أمر الله بولايته وطاعته والأمر الثاني وجوب طاعة أهل العدل مطلقاً، فمن ثبتت له الولاية من أهل العدل فالولاية له ثابتة بشكل مطلق ولا تختص بمجال دون مجال فهي تدل على ولاية الفقيه المطلقة، والصحيح أن هذه الرواية أجنبية عن بحث ولاية الفقيه المطلقة فمن الواضح أن الإمام جعفر الصادق× كان في مقام بيان خصوصيات الأئمة^ فالرواية ناظرة إلى الإمام المعصوم الذي فرض الله طاعته وليست ناظرة إلى الفقيه الجامع للشرائط، فالرواية غير تامة سنداً ودلالة، لاحظ الرواية نذكرها ولاحظ كلام الإمامj هل هو ناظر إلى نفسه أو ناظر إلى الفقيه أو ناظر إلى الأعم من الإمام المعصوم أو الفقيه الجامع للشرائط؟

فالرواية تقول عن جعفر بن محمد‘ قال: (ولاية أهل العدل الذين أمر الله بولايتهم وتوليتهم) [21] [22] الذين أمر الله، هذه الصفة واضحة أنها ناظرة إلى المعصوم×، طبعاً من يرى ولاية الفقيه يقول أيضاً الذين أمر الله ومن ينكر ولاية الفقيه يقول لا يشملهم عنوان الذين أمر الله، القدر المتيقن من عنوان الذين أمر الله هم الأئمة^ وإذا تراجع السنة ترى الروايات تذكر هذا وصف للأئمة^ قال: (ولاية أهل العدل الذين أمر الله بولايتهم وتوليتهم وقبولها والعمل لهم فرض من الله وإطاعتهم واجبة ولا يحل من أمروه بالعمل لهم أن يتخلف عن أمرهم)[23] ، إذاً واضح أنها ناظرة إلى ولاية الأئمة^.

الحديث التاسع عشر والأخير عن الشيخ محسن الآراكي[24] ، وما رواه الآمدي الحديث التاسع عشر في الغرار عن أمير المؤمنين× غرر الحكم (العلماء حُكَّامٌ على الناس) [25] [26] هذه الرواية من ناحية السند ضعيفة لأنها مرسلة، غرر الحكم ودرر الكلم للأمدي مراسيل ومن ناحية الدلالة لفظ العلماء منصرف إلى العلماء بالدين وأوضح مصاديقهم الفقهاء الجامعون للشرائط، فالرواية تقول: (العلماء حُكَّامٌ على الناس) [27] ، وسيتضح أن هذه الرواية لعلها مقتطعة من رواية (الملوك حُكَّامٌ على الناس والعلماء حُكَّامٌ على الملوك) [28] ، فكأن الرواية ليست في مقام جعل الولاية للعلماء وإنما الرواية في مقام بيان أن من له الهيمنة ومن له السيادة هم العلماء، حكموا أو لم يحكموا، فرق بين المعنيين أحياناً الرواية في مقام جعل الحكومة والولاية، العلماء حُكَّامٌ على الناس ولكن عندنا رواية أخرى (الملوك حُكَّامٌ على الناس والعلماء حُكَّامٌ على الملوك) [29] ، فهي في مقام بيان إبراز مقام العلماء وليست في مقام جعل الولاية للعلماء، لكن هذه إذا اقتصرنا على هذا النص، (العلماء حُكَّامٌ على الناس) تصير واضح أن ظاهرة في ولاية العلماء والفقهاء، إذاً هذه الرواية غير تامة سنداً ودلالة.

إلى هنا تسعة عشر رواية اتضح أن التام منها ثلاث روايات وهي مقبولة عمر بن حنظلة، توقيع الشريف وأما الحوادث الواقعة والعلماء أمناء الرسل، وهناك ما يصلح للتأييد كصحيحة القداح العلماء ورثة الأنبياء اللهم ارحم خلفائي إذ تصلح للتأييد.

 


[1] نهج البلاغة، ص278، الخطبة 129. طبعة مؤسسة الأعلمي وفي طبعات أخرى الخطبة 131، صفحة 508.
[2] تذكرة الخواص، ص107، باب السادس في المختار من كلام علي بن أبي طالب ×.
[3] نهج السعادة، ج5، ص310.
[4] نظرية الحكم في الإسلام، ج1، ص256، الحديث 8.
[6] نظرية الحكم في الإسلام، ج1، ص257.
[8] نظرية الحكم في الإسلام، ج1، ص257.
[12] وهو جواب الكافي ألفه ثقة الإسلام الكليني في عشرين سنة جواب على سؤال السيد الشريف قال السيد الشريف ألف لنا كتاباً يكون مرجعاً فألف لنا كتاب الكافي في عشرين سنة لكي يكون مرجعاً، العنوان ما هو؟ كتاب فضل العلم باب صفة العلم وفضله، صفة العلم ما هي صفة العلم؟ ما هي فضيلة العلم؟ أنه يوجب الطاعة، العلم إما أن تطاع إذا كنت عالماً وإما أن تطيع إذا لم تكن عالماً.
[13] نظرية الحكم في الإسلام، ج1، ص259، الحديث 11.
[18] الغدير، ج8، ص168.
[19] نظرية الحكم في الإسلام، ج1، ص260، ح12.
[24] نظرية الحكم في الإسلام، ج1، ص261، ح13.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo