< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

39/04/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الدليل السابع على ولاية الفقيه

الدليل السابع على ولاية الفقيه رواية أو موثقة السكوني، وهي ما رواها ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني عن علي بن إبراهيم القمي عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله× قال: (قال رسول الله| الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا، قيل يا رسول الله وما دخولهم في الدنيا؟ قال إتباع السلطان فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم)[1]

وفي نسخة أخرى[2] ، كتاب فضل العلم باب المستأكل بعلمه والمباهي به، وهذا يشكل الحديث الخامس من جملة الروايات التي استدل بها المحقق النراقي& ورواها أيضاً المحدث النوري[3] ، نقلاً عن كتاب نوادر الراوندي بسند صحيح عن الإمام الكاظم× كما نقلها أيضاً المحدث النوري عن الإمام الصادق× [4] وأيضا رويت نفس هذه الرواية عن أبي عبد الله× بهذا النحو (العلماء أمناء والأتقياء حصون والأنبياء سادة)[5] ، هذا تمام الكلام في بيان الدليل السابع وهو رواية السكوني على اختلاف المباني الرجالية في روايات السكوني.

تقريب الاستدلال بهذه الرواية على ولاية الفقيه أن يقال، إن الأمين هو الحافظ فالفقيه حافظ لجميع الأمور المرتبطة بالرسول| وحيث لم تقيد الأمانة في الرواية بشيء إذ لم تقل الرواية أمناء الرسل في التبليغ أو في الأحكام أو في القضاء بل الرواية قالت الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا، فهذه الرواية مطلقة فلا محالة ينعقد الإطلاق ويشمل جميع مناصب النبي| ومقاماته ومنها ولايته على الشؤون العامة والشؤون السياسية، فيكون الفقيه والياً على الناس وحافظاً لشؤون الناس الدنيوية، هذا تمام الكلام في تقريب الاستدلال برواية السكوني.

أورد على هذا الدليل عدة إشكالات نذكر منها ثلاثة إشكالات:

الإشكال الأوّل ما جاء في كتاب آية الله السيد تقي القمي&،[6] الإشكال الأوّل يقول إن مفاد الحديث هو ثبوت الأمانة للفقيه لا أكثر من ذلك، وليس الحديث ناظراً إلى ما يؤتمن عليه الفقيه فلا يمكن إثبات دخول الولاية في موارد أمانة الفقيه عن الرسول، إذاً الرواية ناظرة إلى أصل الأمانة وليست ناظرة إلى ما يؤتمن عليه، وفيه إن إثبات الأمانة للفقيه في الحديث استطراق إلى إثبات أن أعمال الرسلl أعمال الرسل إنما يقوم بها الفقهاء لأنهم أمناء ومن تلك الأعمال تدبير ورعاية شؤون الناس، وتبليغ الأحكام والولاية على الناس، إذاً الرواية ناظرة إلى أن الفقيه والفقهاء أمناء الرسل يعني يقومون مقام الرسل ومن أعمال الرسل رعاية شؤون الناس العامة، إذاً الإشكال الأوّل لا يمكن المساعدة عليه.

الإشكال الثاني ما أفاده المحقق الإيرواني& [7] وذكره أيضاً السيد الحكيم+ [8] ، أذكر نص إشكال المحقق الايرواني هكذا يقول الأمانة تكون في الودائع والوديعة المستودعة عند العلماء هي الأحكام فتختص الرواية بمقام الفتوى دون إعطاء سائر مناصب الرسل ووظائفهم، فإن لفظ الأمناء أجنبي عن مقام إعطاء المناصب، إذاً خلاصة المحقق الايرواني تتألف من كبرى وصغرى، الكبرى الأمانة تكون في الودائع، الصغرى الوديعة المستودعة عند العلماء هي خصوص الفتوى والأحكام، طبعاً هذه الصورة ننكرها من قال الوديعة هي خصوص الأحكام، النتيجة تختص الرواية بخصوص الأحكام والفتاوى، وفيه إذا كان لفظ الأمانة يختص بالوديعة وسلمنا هذه الكبرى فلماذا اختصت الوديعة بخصوص الفتوى دون الولاية؟ يعني ننكر الصغرى مع أن كليهما الفتوى والولاية من وظائف النبي ومن ودائعه الذي تركها، النبي من وظائفه تبليغ الأحكام ومن وظائفه القضاء بين الناس ومن وظائفه الولاية على الشؤون العامة للناس فكيف تم تخصيص الوديعة بخصوص تبليغ الأحكام دون القضاء والولاية على شؤون الناس العامة، إذاً الإشكال الثاني غير تام.

الإشكال الثالث وأيضاً هذا موجود في كتاب دراساتنا من الفقه الجعفري[9] أذكر نص كلامه ما قيل من أن العرف بتناسب الحكم والموضوع يفهم من قوله| إن العلماء أمناء الرسل كونهم أمناء في إبلاغ الأحكام وحفظها وإن شئت فقل إن إعطاء المنصب للعلماء يناسب التعبير بالخليفة كما أن كونه أميناً يناسب كونه مبيّناً للأحكام والذي يؤيد ذلك ما ذكر في ذيل الرواية حيث قيل (يا رسول الله وما دخولهم في الدنيا قال إتباعهم السلطان)، وجه التأييد أنه يفهم من الرواية أن الفقيه ما دام لم يتبع السلطان فإن هذا المنصب ثابت له، ومن الظاهر أن المراد من الأمانة لو كانت الحكومة فلا يتصور له حكومة في الخارج مع وجود السلطان، يعني إذا كان سلطان في الخارج كيف تكون له حكومة والنبي يعطيه حكومة وسلطنة؟ وأما بيان الأحكام فأمر ممكن مع وجود السلطان، هذا كلام غريب وعجيب، النبي| ليس في مقام إعطاء شيء فعلي متحقق في الخارج، النبي| في مقام بيان الأحقية هذا ينسجم حتى مع وجود سلطان في الخارج، الفقيه أحق بالسلطنة، وفيه أمران:

الأوّل ما ذكر من أن لفظ الأمانة يناسب خصوص تبليغ الأحكام ومبيناً لها حسب مناسبات الحكم والموضوع حسب العرف لم نعرف له وجهاً، من قال إن العرف يفهم من الأمانة خصوص الأمانة في تبليغ الأحكام، إذ كما يطلق على من ائتمنه رسول الله| في تبليغ الأحكام أنه أمين، يطلق على خليفة رسول الله في شؤون الحكم أنه أمين، ولهذا ورد في الزيارة أمين الله (السلام عليك يا أمين الله في أرضه وحجته على عباده) [10] [11] وورد أيضاً (السلام عليك يا أمين الله على خلقه) [12] ، فالأمانة تطلق على سائر موارد الائتمان ومنها الولاية، فقد يقال إن الرواية تثبت ائتمان النبي| للفقيه في جميع الموارد القابلة للتأمين عن الأنبياء والمرسلين، فلا موجب لحصر الأمانة في حصة خاصة وهي خصوص تبليغ الأحكام، بل نتمسك بالإطلاق مطلق الأمانة ومنها الولاية على الناس، هذا أوّلاً.

وثانياً ما ذكره& من اختصاص الأمانة ببيان الأحكام ومن أن الرواية فرضت وجود سلطان ولا معنى لثبوت الولاية للفقيه مع وجود السلطان، وفيه إن عدم إتباع السلطان يشمل جميع مساحات النشاطات والأعمال الفردية، فالفقيه لا يتبع السلطان في فتاواه وكذلك لا يتبع السلطان في الأحكام المرتبطة بالناس، وعدم إتباع الفقيه للسلطان فيما يتعلق بالناس عبارة عن عدم ثبوت الولاية للسلطان وهو يعني ثبوت الولاية للفقيه، إذا لم تثبت للسلطان إذاً تثبت لمن؟ وإن قلت إن هذا أصل مثبت وهو لا يثبت إذ أن عدم ثبوت الولاية للسلطان لازمها العقلي ثبوت الولاية للفقيه والأصل المثبت لا يثبت فإننا نقول في مقام الرد على أصل الفكرة إن وجود السلطان لا يمنع من ثبوت الولاية للفقيه، فقد كان الأئمة^ في زمن السلاطين من بني أمية وبني العباس وعلى الرغم من ذلك كانت لهم الولاية على امتداد عمود الزمان، فوجود السلطان فعلاً لا يمنع من ثبوت الولاية شأناً، يبقى الكلام في فعلية الولاية وهذا يخضع إلى كونه مبسوط اليد وما شاكل ذلك.

نعم قد يقال لو كان المقصود ثبوت الولاية للفقيه المناظرة للسلطان الذي يرجع إليه الناس في أمورهم فهذا المعنى لا يتم مع الذيل المذكور في الرواية، ما لم يدخل في الدنيا وليس هذا هو محل بحثنا، ليس محل بحثنا السلطنة الدنيوية وإنما السلطنة الدنيوية الدينية، رئاسة في الدين والدنيا، إذاً الإشكال الثالث ليس بتام. إلى هنا بينا تقريب الاستدلال في الرواية ودفعنا الإشكالات الثلاثة على هذه الرواية، يبقى الكلام في استنطاق الرواية، نذكرها من جديد لكي نستظهر عرفاً.

قال: رسول الله| (الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا قيل يا رسول الله وما دخولهم في الدنيا؟ قال إتباع السلطان فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم) [13] ، ظاهر الرواية أن رسول الله| في مقام الإخبار لا في مقام الجعل، رسول الله ليس في مقام جعل الولاية سواءً على التبليغ أو على الناس أو على القضاء، ظاهر الرواية أنه في مقام الإخبار، يُخبر عن أن الفقهاء أمناء الرسل، هذا الإخبار عن شيء مفروض عنه وهو أن الفقهاء وأن الفقيه يقوم مقام الرسول، لكن مع إحراز العدالة ومع إحراز العزوف عن الدنيا، (الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا قيل يا رسول الله وما دخولهم في الدنيا؟ قال إتباع السلطان فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم).[14]

الحق والإنصاف أن الرواية تثبت قائم مقامية الفقيه عن الرسول، يعني الفقيه يقوم مقام الرسول، الفقيه هو المؤتمن، ولنضرب مثالاً لتقريب المعنى إلى الأذهان.لو كنت رئيساً لدولة أو مؤسسة وأردت أن تسافر أو أردت أن توصي وقلت فلان أميني ما لم يدخل في الدنيا، أو كنت إمام مسجد وأردت أن توصي قلت من بعدي فلان أمين على المسجد ما لم يدخل في الدنيا، ماذا يفهم العام؟ فلان يقوم مقامي، يقوم بجميع شؤوني إلا إذا انحرف، الحق والإنصاف أن هذه الرواية تثبت ولاية الفقيه المطلقة فضلاً عن العامة، يعني جميع ما للرسل يثبت للفقيه الجامع للشرائط لأن الله جعل الفقهاء أمناء للرسل إلا إذا دخلوا في الدنيا.الحق والإنصاف هذه الرواية من أظهر الروايات على ولاية الفقيه المطلقة، وهذه الرواية مروية في الكافي فبناءً على اعتبار جميع روايات الكافي كما هو مبنى شيخاً الميرزا النائيني+ الذي يقول المناقشة في أسانيد الكافي حرفة العاجز يتم الاستدلال بالرواية، يعني كل ما في الكافي صحيح، وبناء على المبنى الآخر للإخباريين صحة جميع الروايات الواردة في الكتب الأربعة أيضاً يتم الاستدلال بالرواية، وبناءً على عدم صحة جميع روايات الكافي فضلاً عن الكتب الأربعة تكون هذه الرواية من روايات السكوني.السكوني من العامة وموثق ولكن السكوني دائماً يروي عنه النوفلي والنوفلي لم يرد فيه توثيق، فهنا المسالك تتعدد وتختلف، سند الرواية هكذا نذكر السند، محمد بن يعقوب الكليني ثقة الإسلام، الكليني عن علي بن إبراهيم ثقة الثقات عن أبيه إبراهيم بن هاشم لم يرد فيه توثيق ولكنه مُدح كثيراً أوّل من نشر حديث الكوفيين في قم، فبناء على المسلك المشهور تكون هذه الرواية حسنة لأن إبراهيم بن هاشم مُدح بناءً على مسلكنا تكون صحيحة بإبراهيم بن هاشم لأنه نقل السيد بن طاوس الاتفاق على وثاقته بالإضافة إلى أن الجليل قد أكثر عنه وهو ابنه علي بن إبراهيم.ونحن نرى أن إكثار الجليل عن شخص أمارة الوثاقة، إذاً لا توجد مشكلة إلى الآن من ناحية محمد بن يعقوب عن إبراهيم وأبوه إبراهيم بن هاشم، هنا المشكلة عن النوفلي عن السكوني، السكوني لا توجد مشكلة وهو من العامة ولكن موثق تبقى المشكلة في النوفلي، النوفلي لم يُذكر في حقه شيء المجهول هو من نص على مجهوليته ولكن النوفلي لم ينص على أنه مجهول وإنما مهمل يعني المهمل إما الذي لا يذكر في كتب الرجال أو يذكر ولا ينص على وثاقته أو جرحه أو مجهوليته، فبالتالي تكون الرواية ضعيفة بالنوفلي، ولكن ذكر الشيخ الطوسيî في كتاب العدة أن الطائفة المُحقة قد عملت بروايات غير الإمامية كحفص بن غياث والسكوني، ويذكر عدة أسماء عملت برواياتهم، ومنها هذه الرواية، هذا السند أيضاً من روايات السكوني، بناء على شهادة الشيخ الطوسي+ تكون هذه الرواية موثقة أو حسنة، فمن يرى أن إبراهيم بن هاشم ممدوح فتكون الرواية حسنة ومن يرى أنه عدل إمامي تكون هذه الرواية موثقة لأن السكوني من العامة، ولا تضر جهالة حال النوفلي، إذاً نحن نبني على صحة هذا السند، وبالتالي تكون هذه الرواية موثقة عندنا.

هذه الرواية ذُكرت بسند آخر في المستدرك يراجع عدة أسانيد، طبعاً نحن لا نرى كتاب دعائم الإسلام للنعمان المصري وهذه الرواية تامة سنداً ودلالة فتكون النتيجة النهائية إلى هنا ثبتت ولاية الفقيه المطلقة، كل ما للرسول يثبت للفقيه فيما يتعلق بالشؤون السياسية وإدارة شؤون الناس لا فيما يتعلق بالأنفس والأعراض، هذا خارج عن ما يتعلق بشؤون الدولة الإسلامية، نعم لهم ولاية على أموال الناس فيما يتعلق بالشؤون العامة فلو أرادت الدولة أن تشق طريقاً وهذا الطريق فيه بيت فلان وفلان لا يرضى أن يبيع البيت والدولة ترى المصلحة في إقامة هذا الطريق، هنا للفقيه أن يأمر الدولة بشق الطريق ويعوض صاحب البيت عن ماله، حتى ولو لم يرضى صاحب البيت لأن الفقيه له ولاية على مال ودار هذا الشخص فيما يتعلق بالشؤون العامة للمسلمين، هذا تمام الكلام في الدليل السابع، إلى هنا دليلان، الدليل الأوّل وهو الدليل الثالث مقبولة عمر بن حنظلة، الدليل الثاني ومقبولة عمر بن حنظلة تدل على الولاية العامة ولا تدل على الولاية المطلقة، بينما الدليل السابع يدل على الولاية المطلقة.

الدليل الثامن ما رواه الشيخ الطوسي&، طبعاً مشهورة أبي خديجة، ما رواه الشيخ الطوسي في كتابه التهذيب بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن أبي الجهل عن أبي خديجة، أبو خديجة معروف من الثقات سالم بن مكرم، قال: (بعثني أبو عبد الله× إلى أصحابنا فقال قل لهم إياكم إذا وقعت بينكم خصومة أو تداري في شيء من الأخذ والعطاء أن تحاكموا إلى أحد من هؤلاء الفساق، اجعلوا بينكم رجلاً قد عرف حلالنا وحرامناً فإني قد جعلته عليكم قاضياً وإياكم أن يخاصم بعضكم بعضاً إلى السلطان الجائر) ، [15] ويمكن تقريب الاستدلال بمشهورة أبي خديجة بثلاثة وجوه:

الوجه الأوّل إن نظر الإمام جعفر الصادق× إلى جعل أصل الولاية لمن عرف الحلال والحرام، فالرواية في مقام جعل الولاية للفقيه من جهة وسلب الولاية عن المقابل وهو السلطان الجائر وهذا وجه متين تعضده الرواية السابقة عن عمر بن حنظلة، والقرينة على ذلك ذكر السلطان الجائر فإن السلطان الجائر هو الذي يقابل السلطان العادل وإن لم يبسط نفوذه، ونعلّق على الوجه الأوّل، إن من استفاد من مقبولة عمر بن حنظلة اختصاصها بالقضاء جعل مشهورة أبي خديجة قرينة مؤيدة لاستفادة القضاء من مقبولة عمر بن حنظلة لأنه قد جاء في مشهورة أبي خديجة فإني قد جعلته عليكم قاضياً بينما جاء في مقبولة عمر بن حنظلة فإني قد جعلته عليكم حاكماً، وأما من استفاد من مقبولة عمر بن حنظلة أنها ظاهرة في الولاية العامة لأن الإمام× قال: فإني قد جعلته عليكم حاكماً والحاكم أعم من القاضي والوالي، من استفاد الولاية العامة من المقبولة جعل مشهورة أبي خديجة مؤيدة لما استفاده من الولاية العامة من مقبولة عمر بن حنظلة، وجه التأييد ما جاء في مشهورة أبي خديجة من النهي عن الرجوع إلى السلطان الجائر المقابل للسلطان العادل مما يعني أن الرواية ليست مختصة بخصوص القضاء وإنما ناظرة إلى الأعم من القضاء والحكومة، لاحظوا الرواية ذيلها (وإياكم أن يخاصم بعضكم بعضاً إلى السلطان الجائر) [16] ، هذا تمام الكلام في بيان الوجه الأوّل.

الوجه الثاني في تقريب الاستدلال بالرواية إن الإمام× في مقام جعل الولاية للفقيه المقابلة لولاية السلطان الجائر، بقرينة تحريم الرجوع إليه بعنوانه وليس بعنوان قاضي الجور، والولاية للسلطان الجائر ولاية عامة وإن كان يمارسها ظلماً وعدواناً فتكون الولاية للفقيه أيضاً ولاية عامة، لكن الإشكال في هذا الوجه أن هذه الرواية مشهورة أبي خديجة نصت على جعل الولاية عند التخاصم، وليست مطلقة إذا وقعت بينكم لا ترجعون، فالرجوع إلى السلطان الجائر أو السلطان العادل في الرواية إنما في خصوص حالة التخاصم، يعني عند حسم النزاع بخلاف مقبولة عمر بن حنظلة وإني قد جعلته عليكم حاكماً، ولا شك ولا ريب ـ لاحظ الآن الاستظهار ـ أنه عند التخاصم تثبت الولاية للفقيه هذا واضح، إذا خصومة بين اثنين يكون المرجع من؟ قاضي الجور أو السلطان الجائر أو السلطان العادل؟ الفقيه الجامع للشرائط، وبالتالي بناءً على هذا الوجه الثاني تثبت الولاية للفقيه بظاهر رواية أبي خديجة.

الوجه الثالث ما أشار له السيد الإمام الخميني+[17] ، حيث يقول لا يبعد أن يكون القضاء المأخوذ في مشهورة أبي خديجة أعم من القضاء المربوط بالقاضي، ومن القضاء المربوط بالسلطان، قال الله تعالى ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾[18] هنا القضاء بمعنى اتخاذ القرار وليس خصوص الفصل بين الخصومة، فتكون رواية أبي خديجة مؤيدة لمقبولة عمر بن حنظلة لأن القضاء وإن كان في اللغة مطلق التقدير والأمر ولكن قد يقال إن كثرة استعمال لفظ القاضي في خصوص الشخص الذي يفصل في المنازعات قد يوجب انصراف اللفظ إلى خصوص القاضي المختص بالفصل بين المنازعات، وإذا رجعنا إلى الروايات نلاحظ كثرة استخدام لفظ القاضي في خصوص القاضي المختص بالفصل بين المنازعات فلعله يوجب انصراف لفظ القضاء إلى خصوص القاضي المختص، ولكن دعوى الانصراف هذه قد تخدش بعدول الإمام× إلى النهي عن الرجوع إلى السلطان الجائر فتحذير الإمام الأوّل كان في القضاة فنهى عن الرجوع إلى القضاة في المنازعات وتحذير الإمام الثاني يرتبط بالسلطان الجائر ومعناه عدم الرجوع إلى السلطان الجائر فيما يرتبط بالسلطان وهي الدعاوي التي يراد منها رفع التعدي والتجاوز وليس الفصل بين المتخاصمين.

بعد بيان هذه الوجوه الثلاثة نذكر الرواية مرة أخرى لكي نستظهر منها استظهار عرفي، طبعاً الرواية ورد فيها لفظ القاضي فإني قد جعلته عليكم قاضياً، فهل المراد بالقضاء خصوص القاضي المختص بفصل المنازعات أو المراد بالقاضي مطلق القاضي يعني المقرر هذا أوّلاً، ثانياً الرواية نهت عن الرجوع إلى القاضي لفصل الخصومات ونهت عن الرجوع إلى السلطان الجائر، أما مورد الرجوع إلى القاضي فهو الفصل في الخصومات الحق لمن، وأما مورد الرجوع إلى السلطان فهو رفع التعدي القاضي قد يفصل الحق لك وليس لفلان لكن هذا الذي حق لك ما استطاع أن ينزع حقاً فيحتاج أن يرجع إلى السلطان لكي ينتزع حقه، فيصير حتى السلطان من موارد القضاء، الرجوع إلى السلطان من باب أنه له سلطة على انتزاع الحق، لاحظوا الرواية أبي خديجة يقول (بعثني أبو عبد الله× إلى أصحابنا فقال قل لهم إياكم إذا وقعت بينكم خصومة أو تداري في شيء من الأخذ والعطاء أن تحاكموا إلى أحد من هؤلاء الفسّاق اجعلوا بينكم رجلاً قد عرف حلالنا وحرامنا فإني قد جعلته عليكم قاضياً وإياكم أن يخاصم بعضكم بعضاً إلى السلطان الجائر). [19] الحق والإنصاف هذه الرواية فيها قدر متيقّن وهو النهي عن الرجوع إلى قضاة الجور عند المخاصمة، هذا قدر متيقّن من الرواية، والرواية استخدمت عدة ألفاظ فإني قد جعلته عليكم قاضياً، أن يتخاصموا، وإياكم أن يخاصم بعضكم بعضاً، أن تحاكموا إلى أحد هؤلاء، هذه كلها عبارات تستخدم في القضاء، فالقدر المتيقن من الرواية أنها في مورد القضاء وأما أن هذه الرواية تتعدى إلى مطلق الحكومة وأن الإمام× في مقام جعل الولاية العامة للفقيه أو الولاية المطلقة للفقيه فهذا ما يحتاج إلى تأمل، أما إنها تجعل الولاية المطلقة للفقيه فهذا لا ظهور فيه وأما إنها تجعل الولاية العامة للفقيه فهذا ما يحتاج إلى تأمل وبالتالي يوجد إجمال من ناحية الدلالة على ولاية الفقيه العامة ومن غير المعلوم انعقاد الإطلاق في هذا المورد خصوصاً أن الإمامj قال فإني قد جعلته عليكم قاضياً، فهذه الرواية لا تدل على ولاية الفقيه العامة ولكنها تصلح مؤيداً للدليل الثالث وهي مقبولة عمر بن حنظلة، هذا تمام الكلام في الدليل الثامن واتضح عدم دلالته على الولاية العامة فضلاً عن الولاية المطلقة، بقي النظر في كلمات الأعلام.

نبدأ بالإمام الخميني+، طبعاً السيد الإمام قبل أن يأتي إلى الروايات له نظرة عامة تتكون من شقين، الشق الأوّل النظر إلى الروايات التي وردت في بيان صفات الوالي والحكومة والحاكم فيستظهر من هذه الروايات ضرورة إقامة الدولة الإسلامية وضرورة وجود حكومة إسلامية هذا الأمر الأوّل، الأمر الثاني يقول طبيعة الأحكام الإسلامية وطبيعة بعض الأحكام تدل على ضرورة قيام دولة، يذكر ثلاثة أحكام، القسم الأوّل الأحكام المالية من خمس والزكاة تدل على وجود دولة، والقسم الثاني الأحكام الجزائية من حدود وتعزيرات تدل على إقامة دولة[20] ، أيضاً تدل على وجود دولة، فمن القسمين القسم الأوّل الروايات الواردة في شأن الراعي والرعية وصفات الوالي القسم الثاني طبيعة روايات أحكام الأمور المالية والجزائية والحقوقية تدل على وجود دولة وبالتالي وجود دولة إسلامية بديهة من بديهيات الإسلام وضرورة من الضرورات فلا حاجة إلى إقامة أدلة نقلية وروائية على ولاية الفقيه لأن الفقيه يقوم مقام الإمام× وينوب عنه وإقامة الدولة ضرورية، ثم يقول وعلى الرغم من ذلك أيضاً دلت الروايات على ولاية الفقيه.

السيد الإمام+ ذكر سبع روايات هذه الروايات دائماً يعبر عنها الاستدلال[21] ، عبر الاستدلال بموثقة السكوني[22] ، قال الاستشهاد بمشهورة أبي خديجة، يعني الروايات السبع كلها عبر عنها الاستدلال بعد مشهورة أبي خديجة، الاستدلال بصحيحة القداح لكن في خصوص روايات أبي خديجة قال الاستشهاد بمشهورة أبي خديجة، أما بالنسبة إلى موثقة السكوني يقول[23] وبما ذكرناه ظهرت دلالة سائر الروايات ولا يحتاج في بيان دلالتها إلى إتعاب النفس كموثقة السكوني، يعني دلالتها على ولاية الفقيه المطلقة واضحة ولا يحتاج أن تتعب نفسك، الحق والإنصاف كلام السيد الإمام كالشمس في رابعة النهار.

في مشهورة أبي خديجة[24] ، يقول بل يمكن الاستشهاد على أن المراد من القضاء المربوط بالقضاء غير ما هو مربوط بالسلطان بمشهورة أبي خديجة، ثم يناقش، هذا تمام الكلام في بيان رأي السيد الإمام الخميني+.

وأما رأي السيد الحكيم في نهج الفقاهة أما بالنسبة إلى الرواية الأوّلى، الفقهاء أمناء الرسل يقول+ طبعاً ذكر سبع روايات[25] المناقشة في هذه الأدلة، هذا ولا يخفى أنما ورد في شأن العلماء مع ضعف سند بعضه قاصر الدلالة على ثبوت الولاية بالمعنى المقصود فإن الأوّل العلماء ورثة الأنبياء، فإن الأوّل صريح في ارث العلم والثاني ظاهر في الائتمان على الأحكام وتبليغها، هذا هو الكلام من قال في خصوص الأحكام وتبليغ الأحكام.

بالنسبة إلى مشهورة أبي خديجة [26] يقول وأشكل منها ـ كان يتكلم عن المقبولة يقول دلالة على ولاية الفقيه العامة مشكل ـ يقول وأشكل منها المشهورة فإن جعله قاضياً فيها إنما يقتضي أن يكون له وظيفة القضاة من فصل الخصومة فقط أو ما يعمه وبعض الأمور الأخر مثل الولاية على أخذ الحق من المماطل وحبسه وبيع ماله والتصرف في مال القصير ونصف القيم عليه ونحو ذلك مما ثبتت من وظائف القضاة في عصر صدور الرواية المذكورة، بل قد يستشكل في تعميمه لذلك من جهة خصوص مورده بالخصومة لكن يدفعه أنه لو كان مختص بذلك، يعني بالخصومة لكان يكفي فيه قوله× اجعلوا بينكم رجلاً قد عرف حلالنا وحرامنا ولا حاجة إلى ضم قوله× فإني قد جعلته عليكم قاضياً فذلك شاهد بأن المراد تطبيق جعله قاضياً في المورد شبه الكبرى الكلية التي يكون المورد من صغرياتها، وكيف كان فذلك ما تدل عليه المشهورة أن المدعو للفقيه وظيفة القاضي مطلقاً ومن المعلوم أن الولاية بالمعنى الذي هو محل الكلام ليس منها، إذاً لا يرى الدلالة.

وأما السيد الخوئي+ [27] يقول وأما قوله العلماء أمناء الرسل الرواية الفقهاء فهو أيضاً لا دلالة له على الولاية المطلقة بوجه فإن كونهم أمناء لا يستدعي نفوذ تصرفاتهم في الأموال والأنفس، ليس كلامنا نفوذ التصرف في خصوص ما يتعلق بالشؤون، فإن معنى الأمين أنه لا يخون الوديعة المجعولة عنده من الأحكام أو غيرها، صح ومنها الولاية لا يخونها، وأما الولاية فلا كما لا يخفى، هذا الأمر الأوّل، طبعاً هو يؤكد إنما القريب أن يراد بالعلماء الأئمة الأطهار^، الرواية الفقهاء وفي رواية أخرى العلماء.

يقول وأما قوله× في مشهورة أبي خديجة[28] جعلته عليكم قاضياً فلعل الاستدلال به من جهة توهم أن القاضي له الولاية على أموال الناس وأعراضهم، وبأن القضاء غير الولاية ولا ولاية للقاضي على أموال الناس وأعراضهم، هذا خارج بحثنا، إلى هنا تم الاستدلال على ولاية الفقيه العامة بمقبولة عمر بن حنظلة وهي الدليل الثالث وتم الاستدلال على ولاية الفقيه المطلقة برواية وموثقة السكوني وهي الدليل السابع وأما الدليل الثامن فيصبح أن يكون مؤيداً للدليل الثالث مشهورة أبي خديجة مؤيد لمقبولة عمر بن حنظلة، الدليل التاسع ما رواه الكليني& (إن أبي كان يقول إنَّ الله لا يطلب العلم بعدما يهبطه ولكن يموت العالم فيذهب بما يعلى)[29] ، هذه الروايات التي إذا مات العالم ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها شيء، وإذا مات الفقيه يأتي عليه الكلام.

 


[3] مستدرك الوسائل، المحدّث النوري، باب38، الحديث 8.
[4] دعائم الإسلام‌، القاضي النعمان المغربي، في أبواب صفات القاضي، باب11، ح5.
[6] دراساتنا في الفقه الجعفري، السيد تقي القمي، . ج3، ص99
[9] كتاب دراساتنا في الفقه الجعفري، ج3، ص101.
[10] مفاتيح الجنان، القمي، الشيخ عباس، ج1، ص606.
[11] الذي هي أحد الزيارات لأمير المؤمنين× وهي الزيارة المعروفة بأمين الله، وهي في غاية الأعتبار ومروية في جميع كتب الزيارات والمصابيح وقال العلّامة المجلسيî أنّها حسن الزيارات متناً وسنداً وينبغي المواظبة عليها في جميع الروضات المقدسة، وهي كما روى بأسناد معتبرة عن جابر عن الباقر× أنه زار الإمام زين العابدين×، قبر أمير المؤمنين× فوقف عند القبر وبكى.
[12] مفاتيح الجنان، القمي، الشيخ عباس، ج1، ص606.
[20] الأحكام الحقوقية، ج3، ص.
[27] التنقيح في شرح المكاسب، السید ابوالقاسم الخوئي، ج37، ص166.
[28] التنقيح في شرح المكاسب، السید ابوالقاسم الخوئي، ج37، ص166.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo