< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

39/04/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الدليل السادس على ولاية الفقيه

الدليل السادس على ولاية الفقيه مرسلة شيخنا الصدوق° في كتابه من لا يحضره الفقيه، قال أمير المؤمنين× (قال: رسول الله| اللهم ارحم خلفائي، ثلاث مرات قيل: يا رسول الله ومن خلفائك؟ قال: الذين يأتون بعدي، يروون حديثي وسنّتي) [1] ، وفي رواية أخرى أضيف هذا المقطع (فيعلمونها الناس من بعدي).

هذه الرواية تعددت في كثير من كتب الأصحاب، وذكرت مرسلة في الفقيه ووسائل الشيعة وذكرت مسندة في بعضها، يمكن مراجعه الرواية المرسلة في وسائل الشيعة، وذكرها الشيخ الصدوق& في كتبه معاني الأخبار وعيون أخبار الرضا وكتاب المجالس وذكر لها خمسة طرق.

يقول السيد الإمام&: [2] خمسة طرق والتي تصبح أربعة طرق تقريباً لأن طريقين منها مشتركان من بعض الجهات، يذكر في عيون أخبار الرضا [3] ، وفي أمالي الصدوق. [4]

في الموارد التي ذكرت فيها الرواية مسندة ذكر في أحدها فيعلمونها ولكن في بقية الموارد كما في المجالس فيعلمونها الناس، إذاً هذه الرواية إذا رجعنا فيها إلى كتاب من لا يحضره الفقيه [5] أوّلاً سنجد الرواية مرسلة في الوسائل والفقيه وثانياً ليس فيها جملة فيعلمونها الناس من بعدي، وإذا رجعنا إلى غير الفقيه والوسائل كما لو رجعنا إلى مجالس الصدوق أو أمالي الصدوقî [6] سنجدها أوّلاً مسندة وثانياً ورد فيها يعلمونها من دون قيد يعلمونها الناس، لفظ الناس لم يرد فيها وإذا رجعنا إلى عيون أخبار الرضا[7] سنجد لفظ يعلمونها الناس.

إذاً هذه الرواية يحتمل فيها فرضيتان، الفرضية الأوّلى أن تكون رواية واحدة فيدور الأمر بين الزيادة والنقيصة، بين زيادة لفظة فيعلمونها الناس أو يعلمونها وبين نقيصة إنها ناقصة، يعني إما أن الصدوق& لم يذكر عبارة فيعلمونها الناس وإما أن الصدوق في الأمالي قد زاد فيعلمونها وإما أن الصدوق في الأمالي قد زاد فيعلمونها الناس وهذه كلها كتب الصدوق+، هذا الاحتمال الأوّل أن تكون الرواية واحدة يعني النبي| قالها مرة واحدة، نُقلت إلينا فيها زيادة ونقيصة فإذا دار الأمر بين الزيادة والنقيصة حُملت على النقيصة لأن احتمال الزيادة ضعيف جداً بخلاف احتمال النقيصة، خصوصاً إذا رجعنا إلى هذه الرواية وإلى رواة الحديث في الرواية التي نقلت مسندة فإن بعض الرواة أماكنهم متباعدة، بعضهم من مرو وبعضهم من نيشابور وبعضهم من بلخ، في هذه الرواية وهذا المبحث السيد الإمام في كتابه الحكومة الإسلامية ويبحث الرواية أفضل من كتاب البيع، وتوجد حاشية للسيد الإمام+ يقول في الحاشية وينقل عن معاني الأخبار والمجالس بسندين في بعض رجالهما اشتراك ونقل في العيون بثلاثة أسناد مختلفة، إذاً صار المجموع خمسة أسانيد ونقل في العيون بثلاثة أسناد مختلفة في كل رجالها والذين كانوا يعيشون في أماكن متباعدة، مرو، نيشابور، بلخ، إذاً هذا الاحتمال الأوّل أن تكون رواية واحدة.

ويوجد احتمال آخر أن تكون هذه الرواية متعددة يعني النبي| قد قالها في موطنين أو ثلاثة، في موطن من دون قيد فيعلمونها، وفي موطن ثان مع قيد فيعلمونها وفي موطن ثالث في موطن ويعلمونها الناس فيكون هذا أقوى في الاعتبار.

إلى هنا انتهينا من ذكر هذه الرواية التي ذكرها السيد الإمام+ كأوّل دليل على ولاية الفقيه في كتابه([8] ) وأيضا ذكرها وابتدأ بها الأدلة([9] )، قبل أن نبين تقريب الاستدلال بالرواية والتي يرى السيد الإمامı أنها تامة الدلالة يقول([10] ): من الروايات التي لا إشكال في دلالتها هذه الرواية، إذاً الدليل السادس على ولاية الفقيه مرسلة الفقيه عن رسول الله|، (اللهم ارحم خلفائي قيل يا رسول الله ومن خلفائك؟ قال الذين يأتون من بعدي يرون حديثي وسنتي)([11] )، في المجالس زيادة ثم يعلمونها، وأيضا موجودة في الوسائل ذكر نص على الزيادة([12] )، وفي صحيفة الإمام الرضا× فيعلمونها الناس من بعدي([13] )، وما دام قد فصّلنا في سند الرواية وفي مصادر الرواية فلا بأس أن نقدم الحديث السندي على الحديث الدلالي.

هذه الرواية من مراسيل الصدوق الجازمة، الصدوق+ في كتابه من لا يحضره الفقيه تارة يقول: قال رسول الله قال أمير المؤمنين قال الصادق فكأنما يجزم بأن الرسول وأمير المؤمنين والصادق^ قد قالوا هذه الرواية، فيقال هذه مراسيل الصدوق الجازمة، وتارةً يقول الصدوق روي عن رسول الله، في رواية عن رسول الله|، في كتاب عن رسول الله، الصدوق أساليبه في الإرسال خمسة، واحد منها طريقة الجزم، قال رسول الله| مراسيل الصدوق الجازمة، والأربع الأخر ليس فيها جزم، روي في رواية عن الإمام الصادق× في كتاب فلان والأقوال في مراسيل الصدوق ثلاثة:

القول الأوّل: حُجية مطلق مراسيل الصدوق، سواء كانت جازمة أو غير جازمة، وهو مذهب شيخنا الأستاذ سماحة آية الله الشيخ مسلم الداوري~ إذ يتمسك بديباجة الفقيه حينما يقول الشيخ الصدوق+ وجميع ما فيه مُستخرج من كتب مشهورة عليها المعول وإليها المرجع وجميع ما فيه أفتي به فيما بيني وبين ربي®، بعد هذه الديباجة أوّل ما أكثر من عشرين رواية مرسلة، فبالتالي من البعيد أن الصدوق غفله بعد هذه الشهادة، وثلث كتاب من لا يحضره الفقيه مرسل، إذاً البحث في حجية مراسيل الصدوق في خصوص كتاب من لا يحضره الفقيه ولا تشمل مراسيل الكتب الأخرى، معاني الأخبار، وعيون أخبار الرضا والمجالس وغير ذلك، هذا القول الأوّل.

القول الثاني: للسيد الخوئي& عدم حجية مطلق مراسيل الصدوق سواء كانت جازمة أو غير جازمة أو في مقابل القول الأوّل، فاطمئنان الصدوق حجة عليه وليس بحجة علينا.

القول الثالث: اختاره السيد الإمام الخميني& القول بالتفصيل بين مراسيل الصدوق الجازمة ومراسيل الصدوق غير الجازمة، السيد الإمام يرى حجية مراسيل الصدوق الجازمة وعدم حجية مراسيل الصدوق غير الجازمة، ومنها مرسلة الفقيه اللهم ارحم خلفائي فهي من مراسيل الصدوق الجازمة، يقول السيد الإمام+([14] ) فهي رواية معتمدة لكثرة طرقها بل لو كانت مرسلة يعني لو تنازلنا وقلنا إنها مرسلة، لكانت من مراسيل الصدوق التي لا تقصر عن مراسيل ابن أبي عمير حجية مراسيل الثلاثة، ابن أبي عمير والبيزنطي وصفوان، فإن مرسلات الصدوق على قسمين، أحدهما ما أرسله ونسبه إلى المعصوم× بنحو الجزم كقوله قال أمير المؤمنين× كذا وثانيهما ما قال روي عنه× مثلاً يقول والقسم الأوّل من المراسيل هي المعتمدة المقبولة عن مراسيل الصدوق الجازمة.

يقول وكيف كان معنى خلافة رسول الله| أمر معهود من أوّل الإسلام ليس فيه إبهام والخلافة لو لم تكن ظاهرة في الولاية والحكومة فلا أقل من أنها القدر المتيقّن منها، وقوله| الذين يأتون من بعدي معرف للخلفاء لا محدد لمعناها وهو واضح.

إذاً السيد الإمام+ يرى تمامية الرواية من ناحية السند والدلالة معاً، ولكننا من ناحية السند لا نقبل مراسيل الصدوق مطلقاً كما قال السيد الخوئي& سواءً كانت جازمة أو غير جازمة وتفصيل ذلك قد تطرقنا إليه في الأبحاث الرجالية، ولكن هذه الرواية طرقها متعددة وبعضها مسند وقد يوجب الاطمئنان نظراً لتعدد أسانيد الرواية وتباعد أماكن ومسالك الرواة الذين ذكروا هذه الرواية، إذاً خلاصة الكلام في الأمر الأوّل هذه الرواية قد يناقش في بعض طرقها من ناحية الإرسال ولكن تعدد الطرق قد يوجب الوثوق والاطمئنان إلا أن الكلام كل الكلام في الأمر الثاني وهو دلالة الرواية.

تقريب الاستدلال وسيتضح من خلال البحث خلاصته قبل أن ندخل فيه، هذه الرواية ليست تامة الدلالة على ولاية الفقيه العامة فضلاً عن ولاية الفقيه المطلقة وفاقاً للسيد محسن الحكيم في نهج الفقاهة والسيد الخوئي في التنقيح في شرح المكاسب المحرمة وخلافاً للإمام الخميني+ الذي فهم منها الولاية المطلقة للفقيه فضلاً عن الولاية العامة، طبعاً هذه الرواية إذا تمت دلالتها تدل على ولاية الفقيه المطلقة، يصير الفقيه خليفة رسول الله| في ولايته مطلقاً فكل ما يثبت للنبي من ولاية في شأن السياسة والحكومة يثبت للفقيه بلا استثناء.

تقريب الاستدلال أن يقال إن لفظ الخليفة يطلق على الشخص الذي يستخلف شخصاً آخر إما في جهة خاصة ومعينة وإما مطلقاً، فإذا قلت فلان خليفة علان في السوق فقد أثبت له نيابته في خصوص السوق وإذا قلت فلان خليفة علان يعني مطلقاً، فجميع المناصب الثابتة لعلان تثبت لفلان، فإذا قال النبي| (رواة الحديث خلفائي) ولم يذكر وجه الخلافة والاستخلاف فهذا يعني أن النبي| قد جعلهم في مقامه في مطلق مناصبه والتي منها الولاية على الناس.

إذاً لفظ الخليفة يطلق على الشخص الذي يتولى شؤون الناس بجعل من المستخلِف، ولهذا ورد في الروايات وفي كتب التاريخ أن النبي| حينما نزل عليه قوله§ {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}([15] ) جمع أربعين من أهل بيته وقال: (من منكم يؤازرني على هذا الحمل) فقام علي× وكان موجود أبو طالبJ (أنا يا رسول الله) وقال| مشيراً إلى علي بن أبي طالبj (إن هذا أخي ووصي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا) ([16] ) فدل هذا الحديث النقل التاريخي على أن علي× خليفة رسول الله وخليفته بعد النبي|، السيد الإمام+ يقول والغريب أن الفقهاء حينما نظروا إلى رواية علي خليفتي من بعدي كلهم أثبتوا الولاية لعلي بن أبي طالب× ولكن في رواية اللهم ارحم خلفائي لم يستظهروا أنها ثابتة في الولاية.

هنا توجد قرينة فاسمعوا له وأطيعوا، توجد قرينة في رواية (إن هذا أخي ووصي وخليفتي من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا)([17] ) وهذه القرينة فاسمعوا له وأطيعوا ظاهرة في الإمر والولاية.

هذا الاستدلال أوردت عليه عدة إشكالات نذكر منها خمسة إشكالات:

الإشكال الأوّل إن قوله| فيعلمونها الناس من بعدي، له ظهور قوي في تقييد الخلافة وأن الغرض من الخلافة والمراد بها خلافة الرسول في التبليغ والتعليم، إذاً لفظ خلفائي اعتضد بما يصلح للقرينة على عدم إرادة الولاية، فقيد فيعلمونها الناس من بعدي يمنع من انعقاد الإطلاق للخلافة، فإثبات الخلافة في القضاء وإثبات الخلافة في الولاية يحتاج إلى دليل أقوى، قد تقول هذا الذيل فيعلمونها وفي نسخة فيعلمونها الناس من بعدي، هذا القيد وهذا الذيل وهذه الزيادة لا توجد في بعض المقولات كنقل من لا يحضره الفقيه ووسائل الشيعة تبعاً له فالإطلاق يكون له محكماً بالنسبة إلى رواية من لا يحضره الفقيه، إن قلت هذا قلنا الظاهر أن الرواية واحدة وتارةً نقلت تامةً وتارةً نُقلت ناقصةً أو مقطعةً والتقطيع في الأحاديث كان شائعاً، وبالتالي يدور الأمر بين الزيادة والنقيصة والأصل عدم الزيادة وبالتالي نحملها على أن هذه الرواية تامة خصوصاً إذا لاحظنا تعدد الرواة واختلاف مشاربهم وأماكنهم.

وإذا قلنا إن هذه الرواية متعددة بعد نحمل العام على الخاص والمطلق على المقيد ونتمسك بهذا الذيل، لا بأس ننقل كلام المحقق الشيخ علي الإيرواني الغروي+([18] ) يقول الخلافة مقولة بالتشكيك فالخليفة في جميع ما يرجع إلى الشخص له مرتبة من الخلافة والخليفة في بعض الجهات له مرتبة أخرى يعني يقول هناك مراتب متعددة للخلافة، هل الخلافة في خصوص القضاء هل الخلافة في القضاء والولاية، يقول والإضافة تفيد العموم في حق كل من هو خليفة في جهة أو في جهات والذين يأتون بعده ويرون حديثه يشمل الأئمة الذين هم خلفائه في كل الجهات والعلماء والرواة الذين لا يعلن حد خلافتهم فلعل خلافتهم نشر الأحكام وإبلاغها كما يناسبه لفظ يرون حديثي، أو هو مع فصل الخصومات يعني نفس الأحكام وفصل الخصومات ولا دلالة في هذه العبارة على تعيين مرتبة الخلافة، يعني مطلقاً أو في خصوص الأحكام في خصوص القضاء لا دليل على ذلك، يقول نعم لو قال زيد خليفتي وأطلق اقتضى ذلك الخلافة العامة وفي كل الجهات، هذا تمام الكلام في بيان الإشكال الأوّل.

ولكن قد يرد هذا الإشكال بهذا الرد وهو أن هذا الذيل فيعلمونها الناس لو قلنا باعتباره فهذا يكشف عن أن النبي| لم يرد إثبات مجرد الاستخلاف في الرواية للفقيه، لأن الذيل ورد على سبيل التفسير والتوضيح، يعني النبي لم يقله ابتداءً النبي| قال: (اللهم ارحم خلفائي، قيل: يا رسول الله ومن خلفائك؟ قال: الذين يأتون من بعدي، فيروون حديثي وسنتي فيعلمونها الناس)([19] ) فإذاً ليس المراد بالاستخلاف خصوص الاستخلاف في تعليم الناس وإنما قيد تعليم الناس جاء توضيحاً من النبي| لطريقة الاستخلاف وليس المراد أن الاستخلاف لا يكون إلا في التعليم لقرينتين:

القرينة الأولى إن الذيل قد ورد في سؤال السائل للنبي| عن هوية هذا الخليفة، من هو هذا الخليفة؟ (اللهم ارحم خلفائي قيل: يا رسول الله ومن خلفائك؟)([20] ) ولم يرد هذا القيد مباشرة في كلام النبي|، إذاً النبي لم يكن في مقام جعل الخلافة للفقيه في خصوص رواية الحديث، هذه القرينة الأوّلى.

القرينة الثانية إن الخلفاء المذكورين في الرواية أشخاص مجهولون وهم يأتون بعد وفاة النبي| فمن الطبيعي أن يتم السؤال عن المعرّف لهذا الخليفة وهل المناط هو مجرد تولي السلطة أم أن هناك معرف آخر غير تولي السلطة فرفع النبي| هذا الغموض ببيان أن هؤلاء الخلفاء الذين لهم الولاية سمتهم أنهم يحفظون سُنة النبي ويحفظون روايات النبي، هذا تمام الكلام في رد الإشكال الأوّل.

الإشكال الثاني ورد في كتاب دراساتنا في الفقه الجعفري([21] )، نذكر نص هذا الإشكال يقول إن إطلاق الخليفة وكذلك إطلاق قيده| يرون حديثي يقتضيان أن نقول إن شؤون النبي| بأجمعها من وجوب طاعته ونفوذ تصرفه في الأمور العامة والشخصية والأموال والأنفس ثابتة للراوي وهذا مقطوع العدم، من قال أن مجرد كون راوي تثبت له جميع مقامات النبي| في ما يتعلق بالولاية، جوابه وفيه فلو دل الدليل على ثبوت الولاية للفقيه فلا محالة تثبت جميع المراتب لذلك الفقيه، نعم من قال أن المراد بالراوي هو الراوي بما هو راوي فقط وبمجرد أن ينقل الرواية يكون خليفة رسول الله كمن وصفه| بقوله (ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه)([22] ) من قال أنه مجرد نقل له رواية أصلاً ما يفقها وفي رواية أخرى (ورب حامل فقه لا فقه له)([23] ) من قال أن مجرد تحمله للرواية وروايته للرواية يثبت له خلافة النبي| المراد الذي يفقه الرواية لذلك ورد (حديث تدريه خير من ألف حديث ترويه)([24] )، هذا تمام الكلام في الإشكال الثاني.

الإشكال الثالث ورد في ذيل الرواية قوله| (يرون حديثي وسنّتي) فالولاية ثابتة للراوي بما هو يروي حديث النبي وسنة النبي| وهذا أعم من الفقيه ولا اختصاص لها بالفقيه، والجواب أوّلاً الظاهر أن المراد بالراوي في الرواية ليس مجرد الناقل للرواية بل المراد من الناقل للرواية والراوي هو الذي يفقه الرواية ويعرف صحيحها من مدسوسها، وهذا لا يثبت إلا للفقيه الجامع للشرائط، ومن البعيد جداً أن تثبت المرتبة الكبرى من الولاية وهي جميع مناصب النبي ومقامات النبي| في مقام السلطة والحكومة للراوي لمجرد كونه راوي، وثانياً الروايات التي ذكرت فيعلمونها الناس من بعدي ظاهرها الفقيه هو الذي يعلم الناس من بعده لأنه هو الذي يمارس التعليم لا الراوي الذي وظيفته نقل الرواية، وإن قلت إن هذا يتم بالنسبة إلى الروايات التي ذكرت هذا المقطع ولا يشمل الروايات التي لم تذكر هذا المقطع كمرسلة الفقيه، قلنا الظاهر من هذه الروايات أنها رواية واحدة، كما ذكر السيد الإمام الخميني&([25] ).

الإشكال الرابع إن الخلفاء المقصودين في الرواية هم خصوص الأئمة^ فلا تشمل الفقهاء ومطلق العلماء لقرينتين، القرينة الأولى إن النبي| قد نص على الأئمة^ وأنهم خلفاء بعده فلا محالة أن يكونوا هم المقصدون بهذه الرواية، الذين يأتون من بعدي، العلماء والفقهاء لا يأتون من بعدي النبي| مباشرة، الذين يأتون من بعد النبي مباشرة هم الأئمة الطهار^.

القرينة الثانية إن الذين يعرفون سُنة النبي الواقعية والحقيقية والروايات التي صدرت من الروايات التي لم تصدر إنما هم خصوص الأئمة^ دون الفقيه الذي يعرفها معرفة ظاهرية بأعمال قواعد الجرح والتعديل والجمع بين الروايات، وفيه ـ هذا الإشكال الرابع ـ لا موجب لتخصيص الفقهاء بأئمة أهل البيت^ إذ أن النبي| قد شرَّع لجميع الأزمنة فالرواية تشمل الأئمة والفقهاء ولا اختصاص لهذه الرواية بخصوص الأئمة^ فهو أشار إلى خلفائه من بعده مباشرة وهم الأئمة^ وأشار إلى خلفائه من بعد غيبة الإمام الثاني عشر # وهم الفقهاء وكلاهما يشترك في أصل الولاية التي تسوس العباد والبلاد، هذا تمام الكلام في الإشكال الرابع ورده.

الإشكال الخامس موجود في كتاب دراساتنا من الفقه الجعفري([26] ) أذكر لكم نصه يتضح الجواب، إن دلالة الرواية تثبت خلافة الرواة وهذا مجزوم العدم وحمله على الأئمة^ تخصيص مستهجن فلا محالة تكون الرواية مجملة فتسقط عن الحجية، وفيه تقدم استظهار أن المراد بالرواة ليست كل راوي ومجرد النقل عن النبي| وإنما المراد بالرواة الفقهاء بقرينة قوله في بعض النسخ فيعلمونها الناس، والولاية منصب خطير لا يثبت للراوي بمجرد كونه راوي ولا تثبت لأي أحد بهذه السهولة، هذا تمام الكلام في الإشكال الخامس.

وبعد طرح الإشكالات الخمسة ومناقشتها وردها نقول نحن والظهور العرفي لو عرضنا هذه الرواية على عربي فصيح لكي يستظهر منها استظهاراً موضوعياً، النبي| يقول: (اللهم ارحم خلفائي قيل ومن خلفائك يا رسول الله؟ قال الذين يأتون من بعدي يرون حديثي وسنّتي)([27] )، دعنا من قيد فيعلمونها الناس، العرف ماذا يفهم؟ يفهم أن خليفة النبي وأن وارث النبي من يروج ما جاء به النبي وهو قوله حديثه وسيرته وسنته فالنبي| ليس في مقام جعل الولاية وإثبات الولاية وإنما كان في مقام بيان تبليغ الرسالة وبيان الأحكام والنبي يريد أن يقول هكذا يا أمتي خليفتي فيكم من يروج الأحكام التي جئت بها من يبلغ الشريعة التي جئت بها، هذا هو خليفتي وهذا لا يثبت إلا للفقيه المطلع المتضلع ولكن ليس في مقام جعل الولاية على الحكومة والسلطة وإنما هو في مقام بيان أمور تبليغ الشريعة والأحكام، وهذا ما استظهره السيد محسن الحكيم وتبعه السيد الخوئي@.

ونذكر نص كلام السيد الحكيم برقيته([28] )، يقول والسابع ظاهر في الاستخلاف في رواية الحديث والسنة، النبي استخلف في خصوص هذين الموضوعين الحديث والسنة، ثم يقول وبالجملة النصوص المذكورة دائرة في خصوص الوظيفة الدينية البحتة.

السيد الخوئي+([29] )، يقول وأما قوله| (اللهم ارحم خلفائي ثلاثة قيل ومن خلفائك يا رسول الله؟ قال الذين يأتون من بعدي ويرون حديثي وسنتي) فهو أيضاً لا دلالة له على الولاية لتصريحه بأن الذين يأتون بعده خلفائه في رواية الحديث لا في غيره من الأمور مضافاً إلى ظهور قوله من بعدي في إرادة الأئمة^ لأن العلماء خلفاء الأئمة^ ويأتون بعدهم^ لا بعد النبي| ولعله ظاهر، إنصافاً هذا غير ظاهر، من قال من بعدي يعني مباشرة، الذين يأتون من بعدي متوقع مباشرة وغير مباشرة الملاك فيهم أنه يرون حديثي وسنتي إذاً الرواية مطلقة تشمل المعصوم× وتشمل غير المعصوم، وأما السيد الإمام+ هكذا يقول الرواية تامة الدلالة بالنسبة إليه([30] ). وأما دلالة الحديث الشريف على ولاية الفقيه فلا ينبغي أن يكون محل تردد إذ أن الخلافة هي الخلافة في جميع شؤون النبوة وجملة اللهم ارحم خلفائي لا تقل عن جملة علي خليفتي ومعنى الخلافة فيها ليس سوى معنى الخلافة في الجملة الثانية، وجملة الذين يأتون لم يكن أمراً مجهولاً في صدر الإسلام لكي يحتاج للبيان، والسائل أيضاً لم يسأل عن معنى الخلافة وإنما طلب معرفة الأشخاص فعرفهم النبي| بهذا الوصف والذي يدعو إلى التعجب أنه لم يرى أحد في جملة علي خليفتي محلاً للسؤال وقد استدلوا بها على خلافة وحكومة الأئمة^ لكن عندما وصلوا إلى جملة خلفائي توقفوا ولا مبرر لذلك إلا أنهم ظنوا أن خلافة رسول الله| محدودة بحدود معينة أو خاصة بأشخاص معينين إلى آخر كلامه+.

خلاصة بحثنا كان في الدليل السادس على ولاية الفقيه وهو عبارة عن رواية اللهم ارحم خلفائي هذه الرواية يوجد تأمل في سندها وإذا غضضنا النظر عن سندها لتعدد طرقه.

نقول الحق والإنصاف أن هذه الرواية لا تدل على ولاية الفقيه العامة فضلاً عن المطلقة، وإنما تدل على خلافة رسول الله| في خصوص تبليغ الدين والشريعة، وبهذا ننتهي من الأدلة الستة وإلى هنا لم يثبت لدينا إلا الدليل الثالث وهو خصوص مقبولة عمر بن حنظلة التي يمكن التغاضي عن سندها لقبول الأصحاب لمضمونها ولا شك ولا ريب أنها ظاهرة الدلالة على الولاية العامة لا الولاية المطلقة، إلى هنا إلى الدليل السادس ثبتت ولاية الفقيه العامة لمقبولة عمر بن حنظلة.

 


[2] الحكومة الإسلامية، ج92.
[8] () الحكومة الإسلامية، ص91.
[9] () كتاب البيع، ج2، ص627.
[10] () الحكومة الإسلامية، ص91.
[11] () معاني الأخبار، ص356.
[12] () وسائل الشيعة، ج18، الباب8، حديث 50، ص65.
[13] () مستدرك الوسائل ج17، الباب8، حديث 10، ص287.
[14] () كتاب البيع، ج2، ص628.
[16] () تاريخ الطبري، ج2، ص217.
[17] () نفس المصدر.
[18] () حاشية على المكاسب، ج2، ص165.
[19] () وسائل الشيعة، ج27، باب8 من أبواب صفات القاضي، حديث 50.
[20] () نفس المصدر.
[21] () كتاب دراساتنا في الفقه الجعفري، ج3، ص106.
[22] () الكافي، ج1، ص403، كتاب الحجة باب ما أمر النبي |.
[23] () المستدرك على الصحيحين، كتاب العلم، مسألة 131، حديث برقم 303.
[24] () ميزان الحكمة، ج2، معاني الأخبار، ج1، ص2، منية المريد، ج1، ص370.
[25] () كتاب البيع، ج2، ص470 من النسخة القديمة طبعة اسماعيليان.
[26] () كتاب دراساتنا في الفقه الجعفري، ج2، ص106.
[27] () وسائل الشيعة، ج27، باب8 من أبواب صفات القاضي، حديث 50.
[28] () نهج الفقاهة، ص494.
[29] () التنقيح في شرح المكاسب، ج37، ص168.
[30] () الحكومة الإسلامية، ص100.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo