< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

39/04/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ما هو الدليل على إثبات ولاية الفقيه؟

الدليل الرابع من الأدلة النقلية على إثبات ولاية الفقيه ما نقله العلّامة الحلي+ في تحرير الأحكام مرسلاً عن رسول الله| قال: >علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل<([1] ).

تقريب الاستدلال بهذه الرواية أن يقال إن وجه الشبه قد حذف وحيث قد حذف وجه الشبه ومورد التشبيه فإن هذا يدل على العموم، وبالتالي يَثبُت إطلاقٌ في تشبيه الفقيه بجميع منازل النبي والأنبياء من بني إسرائيل، فهو كما لو قيل زيد كالقمر ولم يذكر وجه الشبه زيد كالقمر في ضوئه في نوره في جماله لم يذكر وجه الشبه، فإذا قيل زيد كالقمر فإنه يراد به تشبيه زيد بجميع منازل القمر الجمالية والكمالية، كالإشراق ودائرية الوجه وبهجة المنظر وغير ذلك.

في مورد بحثنا قد ثبت لبعض أنبياء بني إسرائيل الولاية والحكومة، كداود وسليمان وموسى^ فكانت لهم ولاية على قومهم، فلا محالة يثبت مثل هذا المقام الذي ثبت لبعض أنبياء بني إسرائيل يثبت هذا المقام للفقهاء، هذا تمام الكلام في تقريب الاستدلال بمرسلة التحرير، هذا الدليل الرابع لم يذكره السيد الإمام الخميني+ في كتابه البيع ولم يتطرق إليه في محاضراته المطبوعة بعنوان الحكومة الإسلامية أو ولاية الفقيه.

هذا الدليل الرابع يبتلى بإشكالات ثلاثة سنذكرها وسنُجيب على هذه الإشكالات الثلاثة ولكن سيتضح في خاتمة المطاف عدم تمامية هذا الدليل حتى لو ردت هذه الإشكالات.

الإشكال الأوّل وهو للمحقق النائيني+([2] ) وأيضا تبعه تلميذاه الوفيان السيد محسن الحكيم([3] )، والسيد الخوئي([4] )، طبعاً بالمناسبة بعد كل دليل دليل وما نذكره من تقريب الدليل والإشكالات الواردة عليه والنتيجة النهائية لا بأس أن نذكر نص كلام الأعلام الثلاثة، السيد محسن الحكيم والسيد الخوئي والسيد الإمام الخميني@ بفقاهتهم الراقية ولعلمهم الوافر وخبرتهم في عملية الاستنباط، ورجوع كثير من الناس إليهم@.

الإشكال الأوّل أن نحمل تنزيل العلماء بمنزلة أنبياء بني إسرائيل على تبعية الناس للفقيه كتبعية بني إسرائيل لنبيهم في خصوص التبليغ وإيصال الرسالة، فهذا كقولنا زيد كالأسد فلا يراد بكون زيد كالأسد في جميع الحيثيات وجميع الأنحاء وإنما يراد السمة البارزة للأسد وهي الشجاعة، زيد كالأسد من دون ذكر وجه الشبه وهو الشجاعة يفهم منه العرف ثبوت السمة البارزة وهي الشجاعة، لا أن زيد كالأسد في جميع الجهات حتى في أكله للميتة وكونه فاغر الفم، يعني كريه الرائحة لأكله اللحوم وغير ذلك، هذا الإشكال يرد عليه إن مقتضى إطلاق التنزيل ثبوت كل ما للمنزّل عليه للمنزّل من كمالات، فيثبت للفقيه تمام درجات ومقامات أنبياء بني إسرائيل والتي منها الحاكمية والولاية، فكل المقامات المرتبطة بالنبوة والرسالة التي ثبتت لأنبياء بني إسرائيل تثبت أيضاً للفقيه الجامع للشرائط، نعم، خصوص الصفات الشخصية والكمالات المعنوية والأمور الخاصة المتعلقة بكل نبي أو بمقام النبوة والرسالة لا تثبت للفقيه، إلا أن المناصب الثابتة للنبي والرسول من بني إسرائيل تثبت هذه المناصب للفقيه الجامع للشرائط لأن المرسلة تقول علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل وأبرز مصاديق علماء أمة النبي المفهومة هم الفقهاء الجامعون للشرائط، إذاً نتمسك بإطلاق التنزيل نتمسك بإطلاق التشبيه.

وما قيل في الإشكال من قولهم زيد كالأسد في ثبوت خصوص صفة الشجاعة لزيد دون بقية الصفات كأكل الميتة يرد عليه إن هذه الصفات الثابتة إنما يراد بها خصوص الصفات الكمالية والجمالية كصفة القوة والشجاعة للأسد، دون الصفات السلبية ككونه فاغر الفم أو كونه مفترساً فإن الصفات السلبية خلاف مقام المدح، إذاً تمسكنا بقرينية المدح كون الكلام في مقام المدح، زيد كالأسد فبقرينة المدح يثبت أن المراد تنزيل جميع الصفات الكمالية والجمالية للأسد وإثباتها لزيد، دون الصفات السلبية والتي توجب نقصاً معيناً.

وفيه: لا يمكن التمسّك بإطلاق التنزيل إذ أن الإطلاق فرع ثبوت مقدمات الحكمة فلابد أن نُحرز أن المتكلم كان في مقام بيان تنزيل جميع الصفات الكمالية والجمالية للأسد وإثباتها لزيد، وهذا ما يحتاج إلى قرينة وما يحتاج إلى دليل، بمقتضى فهم العرف نرى أن العرف يقول المراد إثبات الصفة الكمالية والجمالية البارزة للأسد وإثباتها لزيد وهي صفة الشجاعة والجرأة والأقدام لا مطلق الصفات الكمالية، وهكذا في الرواية، علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل، من قال إن المراد إثبات جميع الصفات الكمالية والجمالية لأنبياء بني إسرائيل وإثباتها لعلماء الأمة، هذا يحتاج إلى دليل يحتاج إلى قرينة، مقتضى الظهور العرفي إثبات أهم الصفات الكمالية والجمالية الثابتة لأنبياء بني إسرائيل إثبات هذه الصفات لعلماء الأمة ومن أهم صفات الأنبياء تبليغ الرسالة، إذاً كما أن أنبياء بني إسرائيل يبلغون الرسالة كذلك علماء هذه الأمة يبلغون الرسالة النبي|، إذاً الإشكال الأوّل تام ولا يمكن التمسّك بإطلاق التنزيل.

الإشكال الثاني للسيد الخوئي&([5] )، وذكره شيخنا الأستاذ الميرزا جواد التبريزي+([6] )، وهذا نص كلامه وهو إشكال متين، وأمّا الإشكال الثاني، إن الكلام المزبور بيان فضيلة العلماء ومقامهم عند الله لا تشريع الولاية الثابتة للعلماء، يعني الرواية علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل إنما هي في مقام بيان فضل علماء الأمة، وتبين مقام علماء الأمة عند الله فضلهم ومقامهم عند الله كفضل ومقام أنبياء بني إسرائيل لأن بعض أنبياء بني إسرائيل قد بُعث لعائلته فقط أو لأهل منطقته أو مدينته فقط، وبعضهم لقومه فقط، بخلاف النبي الأكرم محمد|، وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين، أرسلناك للناس كافة، هذا الإشكال الثاني قد يرد عليه هذا الإيراد، لا موجبة لحصر الرواية في هذا المعنى بيان الفضيلة والمقام، بعد الفراغ عن ظهور الرواية في جعل الولاية للفقيه، فالرواية تقول كما أن أنبياء بني إسرائيل قد ثبتت لهم الولاية كذلك علماء الأمة قد ثبتت لهم الولاية، خصوصاً إذا لاحظنا أن ثبوت الولاية مزيد فضل ومقام عند الله¨، وفيه نحن لا نحرز أن الرواية في مقام جعل الولاية، ظاهر الرواية أنها في مقام مدح علماء الأمة، فنستظهر من اللفظ أبرز مصاديق مدح أنبياء بني إسرائيل وهم تبليغهم للرسالة، فكما أن أنبياء بني إسرائيل لهم فضل ومقام عند الله لتبليغهم الرسالة كذلك علماء الأمة المرحومة لهم فضل ومقام عند الله لتبليغ الرسالة، إذاً الإشكال الثاني تام ومستحكم.

الإشكال الثالث لو كان النبي| في مقام إثبات منصب الولاية للعلماء لكان المناسب أن يشبّه علماء الأمة بنفسه الشريفة ويقول علماء أمتي كمنزلتي كما جاء في الحديث الشريف بالنسبة إلى أمير المؤمنين× حيث قال| لعلي× أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، وفيه إن منزلة النبي| منزلة عظيمة ودرجته رفيعة لا يبلغها إلا من هو نفس النبي| كعلي×، فلو قال| العلماء بمنزلتي في هذه الحالة لا يستفاد مجرد جعل الولاية للعلماء كولاية النبي| وإنما يستفاد أن درجة علماء الأمة كدرجة النبي| وهذا لا يمكن المساعدة عليه، بل حتى بقية الأئمة بعد النبي| لم يذكر هذا في حقهم، لذلك ورد في الرواية الشريفة كلنا في الفضل سواء إلا علي وشأنه، وأفضلهم أبوهم في بعض الروايات، أب الأئمة يعني الإمام علي بن أبي طالب× أفضل الأئمة بعد ذلك المشهور هو تساويهم في الفضيلة وبعض الروايات تشير إلى أفضيلة الإمام الحسين× أو أفضيلة الإمام القائم الحجة بن الحسن المهدي$.

والصحيح إن الرواية محفوفة بقرائن توجب أن يكون المراد من الرواية علو مقام علماء الأمة وبيان قربهم من الله ¨، وكون الرواية في مقام مدح علماء الأمة وبيان فضل علماء الأمة يوجب أن تثبت لعلماء الأمة أهم صفة من صفات علماء بني إسرائيل الذين قُتِّلوا ونُشِّروا بالمناشير في سبيل إبلاغ الدعوة والرسالة، إذاً الرواية ليست في مقام جعل الولاية فلا تدل الرواية على إثبات ولاية الفقيه العامة أو المطلقة، لذلك لم يستدل بها السيد الإمام الخميني+، هذا تمام الكلام في الدليل الرابع.

طبعاً هذا الدليل الرابع إذا تم تثبت الولاية المطلقة ولا تثبت الولاية العامة فقط، علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل، يعني علماء أمتي لهم ولاية كما تثبت الولاية لأنبياء بني إسرائيل، يعني كل ما ثبت للنبي المعصوم من أنبياء بني إسرائيل فيما يتعلق بالحكم يثبت مطلقاً لعلماء الأمة، إذا استظهرنا أن هذه الرواية ظاهرة في جعل الرواية تكون أوّل دليل على ولاية الفقيه المطلقة، بخلاف الأدلة الثلاث الأُول فإنها غاية ما يستفاد منها الولاية العامة لا الولاية المطلقة، الدليل الأوّل كان التوقيع رواية إسحاق بن يعقوب >وأما الحوادث الواقعة فأرجعوا فيها إلى رواة حديثنا<([7] )، لو استظهرنا المراد بها الرجوع في الأحكام والأمور يعني شؤون المسلمين العامة ما يستفاد منها أن الرواية في مقام جعل كل ما للإمام يكون للفقيه الجامع للشرائط، فيستفاد منها الولاية العامة كما استظهرنا ذلك لكن لم نقبلها لضعف السند، ولو استفاد منها الولاية المطلقة، وهكذا بالنسبة إلى الرواية الثانية مرسلة تحف العقول، >مَجارِيَ الأمور والأحكام علي أيدي العُلَماءِ بِالله<([8] )، مجاري الأمور والأحكام، مجاري الأحكام يعني مرجعية الفقيه، مجاري الأمور يعني الشؤون العامة، فلو استظهرنا منها أنها في مقام إعطاء الولاية كما هو ظاهر واستظهرها منها أنها تجعل الولاية للفقيه، وإن قلنا قد استظهرنا منها أنها خاصة بخصوص الأئمة^ فلا تدل على إثبات ولاية الفقيه، لو استظهرنا شمولها للإمام والفقيه فإنها تثبت ولاية الفقيه العامة ولا تثبت ولاية الفقيه المطلقة.

طبعاً هذا قد يقال أنه إذا تمسكنا بالعموم مجاري الأمور بيد العلماء بالله، يصير العلماء بالله هذا مفهوم يشمل الإمام المعصوم× ويشمل الفقيه الجامع للشرائط، يعني ما ثبت للمعصوم يثبت أيضاً للفقيه الجامع للشرائط فقد يقال إنها تدل على ولاية الفقيه المطلقة لذلك تمسك بها السيد الإمام+ وإن ناقش في سندها بأنها من مرسلات تحف العقول وقال أنه قد يحصل اطمئنان من جهة أن صاحب الوسائل قد اعتمدها.

وهكذا بالنسبة إلى الدليل الثالث مقبولة عمر بن حنظلة >ينظران إلى رجل منكم ممن روى حديثنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً فإني قد جعلته عليكم حاكماً<([9] )، فإني قد جعلته عليكم حاكماً إذا استظهرنا أن المراد بالحكومة الأعم من القضاء والشؤون العامة أو خصوص الشؤون العامة والولاية فإنها ظاهرة في إثبات ولاية الفقيه العامة وليس الظاهرة في إثبات ولاية الفقيه المطلقة، الإمام× لم يقل فإني قد جعلته عليكم حاكماً في هذه الأمور العامة، فتصير أوّل رواية وأوّل دليل يدل على ولاية الفقيه المطلقة لو استظهرناه هو الدليل الرابع، >علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل<، هذا تمام الكلام في الدليل الرابع.

الدليل الخامس رواية العلماء ورثة الأنبياء، وقد ذكرها صاحب الوسائل عن محمد بن يحيى العطار عن الشيخ محمد بن يعقوب الكليني عن أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي عن محمد بن خالد عن أبي البختري عن أبي عبد الله× قال: >إن العلماء ورثة الأنبياء<([10] ) هذه الرواية تمسك بها السيد الإمام°، السيد الإمام أوّل رواية أوردها >اللهم ارحم خلفائي< بعدها >العلماء ورثة الأنبياء<، طبعاً هذه إذا ثبتت دلالتها واضح أنها تدل على ولاية الفقيه المطلقة، إذا العلماء ورثوا الأنبياء في كل شيء حتى في الولاية وكل ما يتعلق بالولاية، قال الإمام جعفر الصادق× >إن العلماء ورثة الأنبياء< وذاك أن الأنبياء لم يورّثوا درهماً أو ديناراً وإنما ورّثوا أحاديث من أحاديثهم فمن أخذ شيئاً منها أخذ بحظ وافر فانظروا علمكم هذا عمن تأخذونه فإن فينا أهل البيت في كل خلف عدولاً ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، يمكن الاستدلال بهذه الرواية على إثبات ولاية الفقيه العامة أو إثبات ولاية الفقيه المطلقة بتقريبين، وقبل أن أذكر التقريبين هذه الرواية من المعروف أن أبا بكر استند إليها في رد فدك ورد لفاطمة÷، فهل هذه الرواية مكذوبة وغير صحيحة أو لا؟ الجواب هذه الرواية مروية عن النبي| ولكن القدر المتيقّن من ثبوت الكذب في مقطع ورد في ما نقله أبو بكر وهو خصوص نسبته إلى النبي| قوله وما تركناه صدقة، هذا المقطع وما تركناه صدقة تمسّك به لرد فدك وأخذ فدك من فاطمة÷، يعني النبي| ما نحلة نحلة كاملة أما الرواية مضمونها موافق يعني الرواية لا تنفي أن النبي يورّث، {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ}([11] )، ولكن لا يوّرث كنزاً كنيزاً ودراهم وقناطر مقنطرة، النبي يورّث العلم والأحاديث هذا ديدن الأنبياء لكن هذا لا يعني انه لا يورّث دينار واحد ودرهم واحد، إذاً موطن الإشكال في قوله وما تركناه صدقة لذلك هذه الرواية المذكورة في كتاب الوسائل للشيخ الحر العاملي+ ما موجود هذا المقطع وما تركناه صدقة!

التقريب الأوّل إن الولاية على الناس والأموال الثابتة للنبي| تنتقل إلى الفقيه بالوراثة، كما ينتقل علم النبي| إلى الفقهاء والعلماء بالوراثة لأنهم ورثةٌ حسب مفاد الحديث، كذلك ولاية النبي على الناس وعلى أموالهم تنتقل إلى الفقيه بالوراثة، ويرد على هذا التقريب باشكالين.

أوّلاً: إن الرواية صريحة في أن المنتقل من النبي إلى علماء الأمة هو خصوص الأحاديث، يعني الروايات المرتبطة بالعقيدة والأحكام، وليس المنتقل إلى الفقيه مطلق ما ثبت إلى النبي من مقامات ومنازل وصفات وأحوال، هذا أوّلاً.

وثانياً: إن الولاية ليست قابلة للتوريث، كالمال والدار بل إن الولاية إنما تثبت بجعل خاص من الله¨ أو من نبيه، فإذا ورد >إن العلماء ورثة الأنبياء< فلابد من حمله على أنه ورثتهم في الأحاديث والعلم، ذكر السيد الإمام+([12] ) واستشهد بما ورد عن مولانا أمير المؤمنين علي× أنه قال >أرى تراثي نهبا<([13] )، وهو في مقام الكلام عن حقه المغتصب وولايته التي فرّط فيها ومقام الخلافة الذي انتُزع منه، قال أرى تراثي نهبا، كما ورد في الخطبة الشقشقية.

فاستشهد السيد الإمام+ بقول أمير المؤمنين× >أرى تراثي نهبا< لإثبات صحة إطلاق الإرث على الولاية وفيه إن ثبوت الولاية لأمير المؤمنين× ثابت ومسلّم فيصح إطلاق الإرث عليه لأن الحق قد ثبت أوّلاً فإذا انتزع صح إطلاق الإرث عليه ولكن ثبوت الولاية للفقيه أوّل الكلام فكيف يصح إطلاق الإرث عليها، إذاً لا إشكال في صحة إطلاق الإرث على حق قد ثبت في مرتبة سابقة للشخص، والمفروض أن الولاية لأمير المؤمنين× قد ثبتت بحديث الغدير وحديث المنزلة ورواية التصدق بالخاتم وغيرها من الروايات الدالة أفضلية عليj على ولاية فيصح إطلاق الإرث عليها بوصفها حقاً قد اغتصب وانتزع، وأنه حق ثبت لأمير المؤمنين× ثم نُهب، بخلاف المقام فإنه يراد التمسّك بإطلاق الإرث للولاية التي يدعى أنها ثابتة للفقيه بنفس إطلاق لفظ الإرث وهذا أوّل الكلام، هذا تمام الكلام في التقريب الأوّل للدليل الخامس واتضح أنه ليس بتام.

التقريب الثاني إن تعبير ورثة الأنبياء لسان أرادَ به الإمام جعفر الصادق× جعل الولاية للفقيه كما هي مجعولة للنبي|، فكما أن الوارث التكويني يرث المال ويختص بإرث المال كذلك الفقيه وارث جعلي يرث مقامات النبي| ومناصبه ومنها الولاية، وإطلاق المقابلة بين إرث الدينار والدرهم الذي هو رمز للإرث المادي والتكويني وبين الإرث المعنوي والذي ذكر له الإمام× مثالاً واحداً وهو العلم والأحاديث يفيد ذلك، يعني إن الفقيه إنما يرث الميراث المعنوي دون الميراث المادي، يعني الإنسان العادي يرث الدينار والدرهم والفقيه يرث العلم والأحاديث من النبي|، فكما أن الدينار والدرهم مثال للإرث المادي كذلك العلم والأحاديث مثال للمناصب التي يرثها الفقيه من المعصوم×، وفيه أوّلاً وثانياً.

أوّلاً: إذا لاحظنا قول الإمام الصادق× هذا نص العبارة، >وإنما ورثوا أحاديث من أحاديثهم<([14] ) وظاهر لفظهم مما هو الحصر فلا يمكن التعدي إلى غير هذا الإرث فيكون المقصود إرجاع الناس إلى الفقيه في خصوص تبليغ الأحكام فلا تدل الرواية على ولاية الفقيه، ذهب السيد الإمامî إلى إنكار دلالة إنما على الحصر وقال هي لا تدل على الحصر فراجع كلامه في كتابه البيع وأيضاً في كتابه الحكومة الإسلامية.

وثانياً: الظاهر من الحديث أن الإمام جعفر الصادق× كان في مقام التعريض بأولئك الذين يدعون العلم وهم يفترون الكذب على الله وعلى رسوله فأراد بيان أن العالم الحقيقي وارث للنبي، العارف بأقواله وسنته حقيقةً لا ادعاءً، وهذا ينطبق على الإمام من أهل البيت^ ويؤيد هذا المعنى أنه تعريض قوله× في ذيل الرواية، فانظروا علمكم هذا عمن تأخذونه، يعني لا تذهبوا إلى أبي حنيفة والقاضي أبي يوسف أو تذهبوا إلى مالك بن أنس من تلامذة الإمام الصادق أبو حنيفة النعمان ومالك بن أنس من تلامذة الإمام الصادق× حتى المنصور الدوانيقي من تلامذة الإمام الصادق، فانظروا علمكم هذا عمن تأخذونه فإن فينا أهل البيت في كل خلف عدولاً ينفون عنه تحريف الغالي وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، طبعاً هذا الذيل يتمسك به على أن المراد بعلماء الأمة في الرواية هُم خصوص الأئمة^ وهذا ليس ببعيد، >علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل<([15] )، >العلماء ورثة الأنبياء<([16] )، يعني الأئمة هم ورثة الأنبياء هؤلاء هم العلماء الحقيقيون نتمسّك بهذا، فانظروا علمكم هذا عمن تأخذونه فإن فينا أهل البيت في كل خلف عدولاً ينفون عنه تحريف الغالي وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، هذا تعريض ظاهر تماماً، فيكون المراد بالعلماء هو خصوص أئمة أهل البيت^ ولا يشمل غيرهم.

إلا أن السيد الإمام الخميني+([17] )، ناقش في اختصاص الرواية بالأئمة^ وجاء بقرينة تدل على أن المراد بعلماء الأمة هم الفقهاء وليس خصوص الأئمة، تمسك بهذا المقطع الوارد في ذيل الرواية، يقول× فمن أخذ بشيء منها فقد أخذ حظاً وافراً، هذا الكلام وهذا التوصيف لا ينطبق على الإمام× وإنما ينطبق على الفقيه، فلا محال يكون المراد من العلماء هم خصوص الفقهاء دون الأئمة^ وفيه لو رجعنا إلى سياق الرواية للاحظنا أن المراد بالأخذ هنا هو العالم وإنما من أخذ عن العالم، يعني الإمام× يقول: >فانظروا علمكم هذا عمن تأخذونه فإن فينا أهل البيت في كل خلف عدولاً ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين<([18] )، هذا توصيف علماء الأمة أهل البيت ثم من يأخذ عن علماء الأمة من يأخذ عن أهل البيت فقد أخذ بحظاً وافر، إذاً الأخذ بالحظ الوافر ليس صفة لعلماء الأمة وإنما صفة لمن أخذ عن علماء الأمة وحيث إن الفقيه يرث النبي| فهو يرث حديثه وسنته فيكون الفقيه قد أخذ بحظ وافر، لا أن العالم وهو الإمام المعصومj هو الذي أخذ بالحظ الوافر لأنه ورث النبي|.

إنصافاً إذا تأملنا في الرواية بالكامل من الواضح أن المراد فمن أخذ بشيء منها فقد أخذ حظاً وافراً، يعني من أخذ بشيء مما ذكره علماء الأمة من تعليمات علماء الأمة فقد أخذ بشيء وافر فتكون الرواية ظاهرة في خصوص الأئمة^ ولا تشمل الفقهاء.

النتيجة النهائية: بالنسبة إلى التقريب الرابع اتضح عدم دلالته على ولاية الفقيه العامة فضلاً عن المطلقة كما أنه ضعيف سنداً، فالتقريب الرابع غير تام سنداً ودلالة، وهو علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل.

والدليل الخامس أيضاً غير تام سنداً ودلالة فمن الناحية السندية ضعيف ومن الناحية الدلالية هو ظاهر في خصوص الأئمة^ ولا يشمل الفقيه، الدليل السادس نتطرق إليه وهذا مهم جداً لأن السيد الإمام+ جعله أوّل دليل، قول النبي| >اللهم ارحم خلفائي قيل يا رسول الله ومن خلفائك قال الذين يأتون من بعدي يرون حديثي وسنتي<([19] )، لأن هذا الحديث أيضاً روي بعدة روايات ويمكن تصحيحه، الآن إذا أردنا أن نلاحظ كلمات الأعلام في هذه المسألة، أوّلاً نأخذ رأي السيد الحكيمî في كلتا الروايتين، التقريب الرابع والتقريب الخامس.

طبعاً السيد الحكيم+([20] ) معروف ببرقياته ذكر الروايات كلها بعد ذلك علق عليها، الأوّل كذا والثاني كذا والثالث كذا، أوّل رواية أوردها+ >إن العلماء ورثة الأنبياء<([21] )، >إن الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً ولكن ورّثوا العلم فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر<، عن أبي البختري عن أبي عبد الله× قال: >إن العلماء ورثة الأنبياء وذاك أن الأنبياء لم يورّثوا درهماً ولا ديناراً وإنما أورثوا أحاديثهم فمن أخذ بشيء منها فقد أخذ حظاً وافراً< هذه الرواية الأولى، السيد الحكيم يقول([22] ): فإن الأوّل صريح في إرث العلم، يعني ما يشمل إرث الولاية، والآن إذا نجيء إلى الرواية التي ذكرها في دليلنا كأنبياء بني إسرائيل، يقول والرابع وهو >علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل<، والرابع ظاهر فيما هو ظاهر الثاني، الثاني هنا يقول والثاني ظاهر في الائتمان على الأحكام وتبليغها، علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل يعني مثل ما رب العالمين ائتمن أنبياء بني إسرائيل على تبليغ الرسالة رب العالمين ائتمن علماء أمتي كما ائتمنهم، هم أمناء على هذه الرسالة، يقول والرابع >علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل< ظاهر فيما هو ظاهر الثاني، الثاني سيأتي الحديث العلماء أمناء الرسل، كما يناسبه جداً التشبيه بأنبياء بني إسرائيل لا بنفس النبي|، إذاً كلا الدليلين كلتا الروايتين لا تتمان.

وأما بالنسبة إلى كلام السيد الخوئي& يذكر الدليل الرابع >علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل<([23] )، قال السيد الخوئي وأما قوله علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل أو منزلتهم منزلة الأنبياء في بني إسرائيل وغيرهما مما ورد بهذا اللسان فهو أيضاً كسوابقه لا دلالة له على الولاية بوجه إذ التنزيل والتشبيه لابد وأن يكون في أظهر الآثار والخواص، وأظهرها في أنبياء بني إسرائيل أمران، أحدهما وجوب إطاعتهم في الأحكام ولزوم قبول قولهم في تبليغها وإنما شبههم بأنبياء بني إسرائيل من أجل أن أنبيائهم كانوا مختلفين في النبوة، فبعضهم كان نبي بلدته وآخر كان نبي محلته أو قريته وثالثهم كان نبي أقربائه بل كان نبي داره وكانت إطاعتهم لازمة في تبليغ الأحكام والعلماء أيضاً مختلفون فبعضهم عالم بلده وآخر عالم محلته أو قريته وهكذا فتجب إطاعتهم في تبليغ الأحكام بمقتضى هذا الحديث، وثانيهما رفعة محلهم وعظمة منزلتهم عند الله وكأنه أراد في الحديث بيان أن علماء أمتي لا يقصرون في عظمة المنزلة عن أنبياء بني إسرائيل إذا علموا بعلمهم والسر في ذلك أن تلميذ مدرسة تارة يكون أرقى منزلة من معلم بالمدرسة النازلة كبعض التلامذة المدرسة الثانوية بالإضافة إلى المدرسة الابتدائية أو تلامذة المدرسة العالية في الطب بالإضافة إلى دكتور المحل وهكذا من جهة عظمة المدرسة وأهميتها والمدرسة المحمدية| كذلك بالإضافة إلى أنبياء بني إسرائيل الذين كانوا مدرسين لأمتهم معالم الإسلام فيكون تلامذة تلك المدرسة العالية أشرف مقاماً وأعظم منزلة من معلمي بني إسرائيل إذا عملوا بوظائفهم، طبعاً هذا ينسجم مع علماء أمتي أفضل من أنبياء بني إسرائيل، فيصير بعض أنبياء بني إسرائيل لأهله والأمة المحمدية إلى كل الأمة، طبعاً هذا الاستظهار صعب جداً، هذا بالنسبة إلى الدليل الرابع.

الدليل الخامس >العلماء ورثة الأنبياء<([24] )، يقول أما قوله×([25] ): >إن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً ولكن ورّثوا أحاديث فمن أخذ بشيء منها أخذ بحظ وافر< فلا وجه للاستدلال به إلا دعوى أن الورثة ينتقل إليهم مال الموروث من الأشياء ومنها الولاية المطلقة الثابتة للنبي| فهي تنتقل إليه أي إلى الوارث وهم الفقهاء لا محالة، يقول إلا أنه لا يمكن المساعدة عليه لأن المنتقل إلى الوارث عبارة عن ما تركه الميت فلابد في انتقال شيء منه إلى وارثه من إحراز ذلك وأنه داخل في ما تركه كالمال ونحوه وأما مثل الشجاعة والعدالة وغيرها من الأوصاف القائمة بالشخص فلا معنى لانتقاله إلى الوارث كما هو ظاهر، والولاية في المقام لا يعلم أنها داخلة في عنوان ما ترك، أو أنها من قبيل الأوصاف القائمة بنفس النبي| أو الإمامj فلا تتم دلالة الحديث على ثبوت الولاية المطلقة للفقيه، هذا مضاف إلى أن الحديث قد صرح بأن الموروث أي شيء حيث ذكر أنهم ورثوا أحاديث فليس الموروث عبارة عن الولاية أو غيرها.

السيد الإمام+ يذكر الدليل الرابع >علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل< لكن ما ذكره لا في كتاب البيع ولا في كتاب الحكومة الإسلامية، ذكر الدليل الخامس إن العلماء ورثة الأنبياء([26] )، يقول ثم إن مقتضى كون الفقهاء ورثة الأنبياء ومنهم رسول الله| وسائر المرسلين الذين لهم الولاية العامة على الخلق انتقال كل ما كان لهم إليهم إلا ما ثبت أنه غير ممكن الانتقال ولا شبه في أن الولاية قابلة للانتقال كالسلطنة التي كانت عند أهل الجور موروثة سلفاً عن سلف، إذاً هذا كل فقيه بعد استظهاره حجة عليه، طبعاً السيد الإمامî في نهاية البحث عنده استظهار عام([27] )، النتيجة بعد ما ذكر سبع روايات بعد أن يضيف إليها أيضاً روايات أخر يقول فتحصل مما مر ثبوت الولاية للفقهاء من قبل المعصومينl في جميع ما ثبت لهم الولاية فيه، يعني الولاية المطلقة وليس الولاية العامة، كل ما ثبت للمعصوم لذلك السيد الإمامî أوسع شيء في الولاية، يعني أوسع فقيه توسع في إثبات الولاية، هذا تمام الكلام في الدليل الرابع والسادس إلى هنا لم يثبت لدينا إلا الدليل الثالث وهو مقبولة عمر بن حنظلة وهو يدل على الولاية العامة للفقيه ولا يدل على الولاية المطلقة للفقيه.

 


[1] () مستدرك الوسائل، ج3، ص189.
[2] () منية المطالب في حاشية المكاسب، ص325.
[3] () نهج الفقاهة، ص301 من الطبعة القديمة.
[4] () مصباح الفقاهة، ج5، ص42.
[5] () مصباح الفقاهة، ج5، ص42.
[6] () إرشاد الطالب إلى التعليق على كتاب المكاسب، ج2، ص33.
[7] () وسائل الشيعة، ج27، باب11 من أبواب وجوب الرجوع في القضاء والفتوى حديث9، كمال الدين، ج2، ص484، الاحتجاج، ج2، ص284، كشف الغمة، ج3، ص338، بحار الأنوار، ج53، ص181.
[8] () مستدرك سفينة البحار، ج1، باب الهمزة أصل، ص143.
[9] () وسائل الشيعة، ج27، باب11 من أبواب وجوب الرجوع في القضاء والفتوى ح1.
[10] () وسائل الشيعة، ج18، باب8 من أبواب.
[11] () سورة النمل: آية 16.
[12] () كتاب البيع، ج2، ص483.
[13] () نهج البلاغة، الخطبة الشقشقية (مع تحقيق الدكتور صبحي الصالح)، ص48.
[14] () بصائر الدرجات: ج1 ص10.
[15] () غوالي اللئالي، ج4، ص77، حديث 67، بحار الأنوار، ج2، ص22، حديث 67، مستدرك الوسائل، ج17، ص320، تحرير الأحكام (طبع قديم)، ص3.
[16] () الكافي، ج1، باب صفة العلم وفضله وفضل العلماء، ص32.
[17] () كتاب البيع، ج2، ص483 [الطبعة القديمة طبعة مؤسسة اسماعيليان].
[18] () الكافي، ج1، ص32.
[19] () عيون أخبار الرضا، ج2، ص37، الباب31، الحديث 94.
[20] () نهج الفقاهة، ص493.
[21] () الكافي، ج1، ص32.
[22] () نهج الفقاهة، ص493.
[23] () التنقيح في شرح المكاسب، ج37، ص167.
[24] () التنقيح في شرح المكاسب، ج37، ص165.
[25] () نفس المصدر، آخر سطر من ص164.
[26] () كتاب البيع، ج2، ص646.
[27] () نفس المصدر، ص653.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo