< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

39/03/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الدليل الثاني على إثبات ولاية الفقيه المطلقة

الدليل الثاني على إثبات ولاية الفقيه المطلقة ما رواه ابن شعبة الحراني هذه الرواية عن سيد الشهداء الإمام الحسين× وتروى عن أمير المؤمنين علي× وهي رواية طويلة نشير الى بعض فقراتها أثناء الاستدلال والشاهد في الاستدلال هو قوله× (مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله الأمناء على حلاله وحرامه)[1]

انتهينا من الدليل الأول على ولاية الفقيه المطلقة وهو توقيع (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله) ، [2]

قلنا هذا التوقيع تام من ناحية الدلالة فهو كما يشمل الولاية على الأحكام الشرعية يشمل أيضاً ولاية الفقيه على الأمور العامة إلا أن الكلام كل الكلام في سند هذا التوقيع فهو مروي عن اسحاق ابن يعقوب ولم يرد في كتب الحديث والرجال ولم يرد ذكره إلا في خصوص هذا التوقيع.

حاول البعض إثبات صحة هذا التوثيق لأن هذا التوثيق قد رواه المشايخ الثلاثة، رواه الصدوق في كتاب كمال الدين وتمام النعمة ورواه الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة والسند ينتهي بالشيخ الكليني+ إذاً هذا التوقيع رواه المشايخ الثلاثة المحمدون الثلاثة.

وقد ذكر البعض أن المراد بإسحاق بن يعقوب هو محمد بن يعقوب أخ الشيخ الكليني+ وقد ذُكر هذا الاحتمال في كتاب الحاكمية في الإسلام للسيد محمد مهدي الخلخالي وينقل عن بعض ولم يذكر هذا البعض ولم يذكر دليل هذا البعض.

وقد حاول سيدنا الأستاذ السيد كاظم الحائري~ [3] أن يذكر بعض الأمارات التي تفيد الوثوق والاطمئنان بصدور هذا التوقيع عن المعصوم× لكن يمكن أن تذكر أمارات بالعكس تسلب الوثوق فمن الغريب جداً أن الشيخ الكليني لم يذكر هذه الرواية في كتاب الكافي وكذلك لم يذكرها الشيخ الصدوق في كتاب الفقيه ولم يذكرها الشيخ الطوسي في كتاب التهذيب والاستبصار، فالمحمدون الثلاثة وإن أوردوا هذه الرواية إلا أنهم لم يوردوها في كتبهم الأربعة، الكليني لم يوردها في الكافي وجاء ذكره في سندها في رواية الصدوق في كمال الدين وفي رواية الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة.

إذاً خلاصة رأينا في الدليل الأول توقيع الحوادث الواقعة تام من ناحية الدلالة لكنه مخدوش من ناحية السند فتسقط الرواية عن الاعتبار ولا يتم الدليل الأول خلافا للمصنف مؤلف الكتاب الشيخ نوري حاتم الذي يرى اعتبار هذه الرواية وإذا رجعنا الى كلمات السيد الإمام+ نجد أن رأيه موافق لما توصلنا إليه مع أنه من ناحية البحث لم أنظر الى رأي الإمام، من خلال البحث راجعت كتاب البيع للسيد الإمام وكتاب الحكومة الإسلامية فلاحظت أنه هذا الرأي مطابق.

السيد الإمام [4] يقول ليس هناك أي إشكال حول دلالة الرواية التي ذكرناها غاية الأمر في سندها شيء من التأمل وإذا لم تكن دليلاً فهي مؤيد للمطالب التي ذكرناها، إذاً السيد الإمام يرى أنها مؤيد ولا ترقى الى درجة الدليل وأيضاً في كتاب البيع [5] ، هناك ينص على أن سند الرواية ليس بتام وإن كان يرى أن دلالة الرواية تامة، هذا تمام الكلام بالنسبة الى الدليل الأول واتضح أنه ليس بتام.

والدليل الثاني رواية تحف العقول المروية عن سيد الشهداء عن أبيه أمير المؤمنين علي‘ (مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله الأمناء على حلاله وحرامه)، تقريب الاستدلال بهذه الرواية أن يقال إن جريان الأمور بيد العلماء بمعنى جعل حسم الأمور للعالم وإرجاع الأمور الى العالم وايقاعها تحت نظره وهذا هو معنى الولاية، ولا يرد الإشكال بأن المراد بالأمور هو الأحكام بقرينة العلماء الذين هم علماء بدين الله وأحكامه لأن لفظ الأحكام قد ورد بعد لفظ الأمور والأصل في العطف هو التأسيس وليس عطف البيان لأن التأسيس فيه مطلب جديد إضافة أمر جديد فلا محالة يراد بالأمور معنى مغايراً للأحكام، لاحظ الرواية مجاري الأمور والأحكام فالأصل هو المغايرة بل حتى لو لم ترد لفظة الأحكام في الرواية، رواية مجاري الأمور والأحكام لو جاءت فقط مجاري الأمور بيد العلماء بالله فإن الأحكام لا يطلق عليها لفظ الأمور فلا يرد توهم اختصاص هذه الرواية بالأحكام كما هو حاصل بالنسبة الى التوقيع السابق (وأما الحوادث الواقعة) فقد يرد هناك توهم أنها تشمل الأحكام أو ناظرة الى الأحكام لكن لفظ الأمور في هذه الرواية رواية تحف العقول واضح الدلالة في ولاية الأمر لذلك قال السيد تقي القمي+ [6] قال إن هذه الرواية تامة من جهة الدلالة من دون أن يذكر استدلاله وذلك لوضوح دلالتها على المطلوب بأدنى تأمل.

خلاصة تقريب الاستدلال بالرواية تقول مجاري الأمور والأحكام، لفظ الأمور ظاهر في الشؤون العامة للمسلمين ومن عطف الأحكام على الأمور يتأكد أن المراد بالأمور ليس هو الأحكام إذ الأصل في العطف هو التأسيس لا التأكيد، إذاً مجاري الأمور والأحكام يعني مجاري الشؤون العامة والأحكام الشرعية بيد العلماء بالله الأمناء على حلاله وحرامه، إذاً الاستدلال تام على ولاية الفقيه بهذه الرواية وتوجد عدة إشكالات ترد على هذه الرواية أبرزها وأهمها أربعة إشكالات:

الإشكال الأول ما ذكره المحقق الأصفهاني+ [7] ، الشيخ محمد حسين الأصفهاني الكمباني& خلاصة إشكاله هو أن الرواية مختصة بالعلماء بالله وهم خصوص الأئمة ولا تشمل الفقهاء لأن الفقهاء علماء بأحكام الله وليسوا علماء بالله والرواية دليل على الولاية التكوينية للأئمة وليست دليلاً على الولاية الظاهرية للأئمة^.

نذكر نص كلام المحقق الأصفهاني+ وقبل أن نقرأ النص خلاصة كلامه في مناقشتين:

المناقشة الأولى: يرى أن المراد بالعلماء هم الأئمة^ ولا تشمل الفقهاء.

المناقشة الثانية: المراد بالولاية الولاية التكوينية الثابتة للأئمة لا الولاية الظاهرية بمعنى ولاية الأمور العامة والشؤون العامة للمسلمين.

نص كلام المحقق الأصفهاني+ يقول:[8] سياقها يدل على أنها في خصوص الأئمة والظاهر أنها كذلك فإن المذكور فيها هم العلماء بالله لا العلماء بأحكام الله ولعل المراد أنهم بسبب وساطتهم للفيوضات التكوينية والتشريعية تكون مجاري الأمور كلها حقيقة بيدهم لا جعلاً يعني ولاية حقيقية تكوينية وليست ولاية جعلية تشريعية فهي دليل الولاية الباطنية لهم كولايته تعالى لا الولاية الظاهرية التي هي من المناصب المجعولة، هذا تمام الكلام في الإشكال الأول للمحقق الأصفهاني&.

وخلاصة إشكال المحقق الأصفهاني في أمرين:

الأمر الأول: إن المراد بالعلماء هم الأئمة لا الفقهاء فالرواية أجنبية عن بحثنا.

الأمر الثاني: إن المراد بالولاية الولاية التكوينية لا الولاية العامة الظاهرية.

وقد يناقش إشكال المحقق الأصفهاني ويورد عليه بإيرادات أربعة:

الإيراد الأول للسيد الإمام الخميني+، [9] ليس المراد بالعلم بالله في الرواية هو ذلك المعنى الفلسفي والعرفاني الدقيق الذي يختص بالأئمة^ بل المراد به العلم البرهاني بالله وصفاته وهذا متحقق في الفقهاء وهم يعرفون أحكام الله وتشريعاته استنباطاً من كتاب الله وسنة نبيه وأهل بيته^.

الإيراد الثاني إن جملة مجاري الأمور ظاهرة في الأشياء المرتبطة بالناس كإجراء الحدود وتقسيم الأموال وحفظ الأمن والدفاع وما شاكل لا لأشياء مرتبطة بالتكوينيات كطلوع الشمس وحركة الرياح والماء والمطر والأرض وما شاكل ذلك فإذا كانت السلطة على هذه الأمور العامة من حدود وتقسيم الأموال والأمن والدفاع ثابتة للإمام× فهي ثابتة أيضاً للفقيه الجامع للشرائط، هذا تمام الكلام في الإيراد الثاني طبعاً بنظرنا الإيراد الأول للسيد الإمام تام والإيراد الثاني أيضاً تام المراد بمجاري الأمور الأمور العامة لا الأمور التكوينية.

الإيراد الثالث على إشكال المحقق الأصفهاني إن استظهار إثبات الولاية التكوينية للإمام× بعيد عن سلوك أهل البيت^ في عدم مخاطبة الناس بالمفاهيم الدقيقة والعميقة والمعاني الشامخة ومنها فكرة الولاية التكوينية ، الأئمة^ في خطبهم العامة وفي كلامهم العام خاطبوا الناس على قدر عقولهم، المباحث العميقة والدقيقة خصوا بها بعض خواص أصحابهم فإن فكرة الولاية التكوينية وإن وردت في أخبار كثيرة عن الأئمة^ إلا أن تلك الروايات وردت من قبل رواة معدودين ومحددين ولم ترد في خطب عامة وطويلة وإذا لاحظنا رواية مجاري الأمور بيد العلماء فإننا سنجد أنها فقرة من خطبة طويلة فمن المستبعد جداً أنه× يريد من هذه الفقرة لتلك الخطبة الطويلة خصوص الولاية التكوينية فإن ولاية الإمام× على التكوينيات لا يستوعبها إلا صحوة وخواص الشيعة.

لاحظ الإيراد الثاني والثالث إيراد على أن المراد بالولاية الولاية التكوينية، الإيراد الثاني والثالث يدفع أن يكون المراد خصوص الولاية التكوينية ويثبت أن المراد الولاية العامة، الإيراد الأول للسيد الإمام+ إن المراد بالعلم بالله ليس العلم اللدني والعرفاني والفلسفي المراد العلم البرهاني.

الإيراد الرابع والأخير الذي ذكره الشيخ نوري حاتم~، توجد عدة قرائن على أن المراد في الرواية هو خصوص الولاية الظاهرية لا الولاية التكوينية، نذكر قرينتين:

القرينة الأولى: إن إثبات الولاية للعلماء بالله في الرواية ورد في مقابل غصب الولاية من قبل الظلمة وولاة الجور والخارجين على الإمام العادل نظير قوله×: [10] (ولكنكم مكّنتم الظلمة من منزلتكم وأسلمتم أمور الله في أيديهم يعملون بالشبهات ويسيرون في الشهوات) [11] [12] [13] ويقول× في وصف ولاة الجور (فالأرض لهم شاغرة وأيديهم فيها مبسوطة والناس لهم خول لا يدفعون يد لأمس فمن بين جبار عنيد وذي سطوة على الضعفة شديد مطاع لا يعرف المبدئ المعين)[14] [15] ، فالمراد بالولاية الولاية التي غصبها الظلمة والولاية التي غصبها الظلمة هي الولاية الظاهرية الولاية العامة لشؤون العامة للمسلمين لا الولاية التكوينية الثابتة للأئمة^.

وأن سيد الشهداء× أراد إثبات هذه الولاية لأهل البيت^ ونفيها عن ولاة الجور الخارجين على سلطان أهل البيت^ الذين ابتزوا حقهم وغصبوهم حقهم.

القرينة الثانية قال× في نص الرواية (مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله الأمناء على حلاله وحرامه فأنتم المسلوبون تلك المنزلة وما سلبتم ذلك إلا بتفرقكم عن الحق واختلافكم في السُنة بعد البينة الواضحة ولو صبرتم على الأذى وتحملتم المؤنة في ذات الله كانت الأمور عليكم ترد وعنكم تصدر وإليكم ترجع) [16] والظاهر من هذه الفقرة أن الإمام× علل سلب الولاية بالتفرق والضعف وأن هذا التفرق والضعف أطمع العدو في الشيعة الموالين وسلبهم تولي الأمور ومن الواضح أن هذه الولاية هي الولاية الظاهرية المربوطة بطاعة الناس للإمام× وقوة الناس في تمسكهم لطاعة الإمام×، أما الولاية التكوينية فهي ليست مرتبطة بطاعة الناس فالإمام له الولاية التكوينية على مختلف الأقوال إما أن نقول بثبوت الولاية التكوينية للأئمة مطلقاً وإما أن نقول بثبوت الولاية للأئمة^ في حدود إنجاز أغراض الإمامة يعني لهم ولاية تكوينية في خصوص ما يتعلق بإنجاز أغراض الإمامة وتحقيق أهداف الرسالة وبالتالي تثبت الولاية للإمام المعصوم حتى لو لم يطعه أحد بل حتى لو تفرق عنه جميع الناس.

أقول: إذا لاحظنا الايرادات الأربعة على إشكال المحقق الأصفهاني سنلاحظ أنها كانت ناظرة الى إثبات أن المراد بالولاية هي الولاية العامة وليس الولاية التكوينية فالإيراد الثاني استظهر من مجاري الأمور أنها الولاية العامة وليس الولاية التكوينية والإيراد الثالث قال إن التطرق للولاية التكوينية في خطبة طويلة عامة بعيد عن مذاق أهل البيت^.

والإيراد الرابع تطرق الى قرينتين ومقطعين نستظهر من خلالهما أن المراد بالولاية هي الولاية العامة وليس الولاية التكوينية، نعم خصوص الإيراد الأول نظر الى المراد بالعلم بالله وأن المراد بالعلم بالله هو العلم البرهاني وليس الفلسفي العرفاني. والتحقيق أن كلام المحقق الأصفهاني+ فيه شقان:

الشق الأول أن الرواية مختصة بالأئمة^ ولا تشمل الفقيه الجامع للشرائط وقد استظهر ذلك من خلال قرينتين القرينة الأولى سياق الرواية والقرينة الثانية هي لفظ العلماء بالله ولم تقل الرواية العلماء بأحكام الله.

الشق الثاني الذي ورد في كلام المحقق الأصفهاني+ أن المراد بالولاية الولاية التكوينية أو الأعم من الولاية التكوينية هو التشريعية للمعصوم×.

والصحيح أن استظهاره في الأمر الثاني أن المراد بالولاية الولاية التكوينية أو الأعم من الولاية العامة ليس في محله لعدة قرائن منها ما ورد في الإيراد الثاني والثالث والرابع لكن ما ذكره الأمر الأول من أن الرواية خاصة بالمعصوم ولا تشمل الفقيه ليس ببعيد خصوصاً إذا قرأنا الرواية بالكامل ولاحظنا السياق فنحن إذا أخذنا المقطع هذا فقط مجاري الأمور والأحكام بيد العلماء بالله الأمناء على حلاله وحرامه من الواضح أننا نستظهر أنها في الفقيه الجامع للشرائط أو لا أقل تشمل الإمام ونائبه الفقيه الجامع للشرائط ولكن إذا رجعنا الى الرواية وقرأناها بالكامل سنلاحظ أن الإمام سيد الشهداء× كان في مقام البيان من هذه الجهة كان في مقام توبيخ المسلمين وتوبيخ الناس يقول لهم لتخاذلكم ولعدم أمركم بالمعروف ونهيكم عن المنكر وصلت الولاية العامة والولاية على الشؤون العامة للمسلمين الى الظلمة واغتصبت منّا وأخذ منّا حقنا والحال إن هذه الولاية ثابتة للمعصومين وللأئمة الصالحين وهم العلماء بالله لأنهم العلماء بالله، إذاً ما أفاده المحقق الأصفهاني+ من اختصاص الرواية بالأئمة دون الفقيه تام وفي محله بقرينة السياق أولاً وللفظ العلماء بالله ثانياً إلا أن ما أفاده في الأمر الثاني من أن المراد بالولاية الولاية التكوينية لا الولاية العامة بعيد تمام البعد عن سياق الرواية.

الإشكال الثاني للميرزا جواد التبريزي& [17]

حيث يقول: مجاري الأمور والأحكام بيد العلماء معناه هو لزوم إظهار الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليقوم الإمام× بوظيفته الالهية وقد يورد على هذا الإشكال إن الرواية لا تساعد على هذا المعنى إذ الإمام× في مقام بيان أن الأمور تجري على يد العلماء بالله ولا تجري على يد ولاة الجور والفسقة وجريان الأمور بيد الفقهاء والعلماء وتوليهم لأمور المجتمع يمنع من تصدي ولاة الجور، وهذا هو معنى ثبوت الولاية كما هو واضح لكن الصحيح ومقتضى التحقيق إننا إذا قرأنا الرواية بأكملها سنجد أن ما استظهره شيخنا الأستاذ التبريزي+ في محله أصلاً هذا ورد في عنوان الرواية الذي عنونه الشيخ الحسن بن شعبة الحراني في كتابه تحف العقول عن آل الرسول مفاد الرواية لزوم إظهار الحق ولزوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن الناس إذا أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وأظهروا الحق الإمام المعصوم× سيستطيع أن يؤدي وظيفته الإلهية، إذاً الإشكال الأول للمحقق الأصفهاني+ تام من جهة اختصاص الرواية بالإمام المعصوم وعدم شموله للفقيه.

الإشكال الثاني للميرزا جواد التبريزي [18] إن هذه الرواية ناظرة الى لزوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولزوم إظهار الحق حتى يتمكن الولي الحقيقي وهو المعصوم من أداء وظيفته الحقيقية تام وفي محله.

لاحظ سياق الرواية هل سياق الرواية أن سيد الشهداء عن أبيه علي× كان في مقام إعطاء الولاية للفقيه الجامع للشرائط وأن الرواية تشمل الفقيه أو أن الرواية الإمام كان في مقام بيان أن صاحب الحق هو الإمام المعصوم ويجب على الناس أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وإذا تركت هذه الفريضة هذا الحق الذي للإمام وهو الولاية سيغتصبه ولاة الجور والظلمة، إذاً الولاية واضحة أنها ناظرة الى الولاية العامة وليست ناظرة الى الولاية التكوينية خلافاً للمحقق الأصفهاني لكن من الواضح أيضاً أن الرواية ناظرة الى ولاية خصوص المعصوم× وغير ناظرة الى ولاية الفقيه وفاقاً للمحقق الأصفهاني+ ووفاقاً لأستاذنا الميرزا جواد التبريزي+ الذي يرى أن الرواية في مقام بيان لزوم إظهار الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكي يتمكن ولي الله الحقيقي وهو المعصوم من أداء الوظيفة الإلهية.ورد عن الإمام التقي السبط الشهيد أبي عبد الله الحسين بن علي× في طوال هذه المعاني من كلامه× في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويروى عن أمير المؤمنين× (اعتبروا أيها الناس بما وعد الله به أوليائه من سوء ثنائه على الأحبار إذ يقول لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وقال لعن الذين كفروا من بني اسرائيل الى قوله لبئس ما كانوا يفعلون ـ لأنه ناظر الى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ ويقول وإنما عاب الله ذلك عليهم لأنهم كانوا يرون من الظلمة الذين بين أظهرهم المنكر والفساد فلا ينهونهم عن ذلك رغبةً فيما كانوا ينالون منهم ورهبة مما يحذرون ـ إذاً ناظر الى الولاية التكوينية لا الولاية العامة ولاية الشؤون العامة ـ والله يقول فلا تخشوا الناس واخشون وقال المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فبدأ الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة منه لعلمه بأنها إذا أديت واقيمت استقامت الفرائض كلها هينها وصعبها وذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ اذاً تكررت مرتين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ وذلك إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعاء الى الإسلام مع رد المظلوم ومخالفة الظالم وقسمة الفيء والغنائم وأخذ الصدقات من مواضعها ووضعها في حقها ـ إذاً كلامه كله عن شؤون عامة لا يوجد كلام عن الولاية التكوينية ـ ثم أنتم أيتها العصابة عصابة بالعلم مشهورة وبالخير مذكورة وبالنصيحة معروفة ـ هذا كلام الميرزا جواد تبريزي+ ـ وبالله في أنفس الناس مُهابة يهابكم الشريف ويكرمكم الضعيف ويؤثركم من لا فضل لكم عليه ولا يد لكم عنده تشفعون في الحوائج إذا امتنعت من طلابها وتمشون في الطريق بهيبة الملوك وكرامة الأكبار أليس كل ذلك إنما نلتموه بما يرجى عندكم من القيام بحق الله وإن كنتم عن أكثر حقه تقصرون فاستخففتم بحق الأئمة ـ إذاً واضح كلام استظهار أستاذنا الميرزا جواد التبريزي+ لزوم الأمر بالمعروف ولزوم النهي عن المنكر لزوم الوقوف مع الحق حتى يتمكن الإمام ولا يسلب حقه ـ فأما حق الضعفاء فضيعتم وأما حقكم بزعمكم فطلبتم فلا مالاً بذلتموه ولا نفساً خاطرتم بها للذي خلقها ولا عشيرة عاديتموها في ذات الله أنتم تتمنون على الله جنته ومجاورة رُسُله وأماناً من عذابه لقد خشيت عليكم أيها المتمنون على الله أن تحل لكم نقمة من نقماته لأنكم بلغتم من كرامة الله منزلة فضلتم بها ومن يعرف بالله لا تكرمون وأنتم بالله في عباده تُكرَمُون وقد طرونا عهود الله منقوصة فلا تفزعون وأنتم لبعض ذمم آبائكم تفزعون وذمة رسول الله| محقورة والعُمي والبُكم والزمن في المدائن مهملة لا ترحمون، وفي منزلتكم تعملون، ومن عمل فيها تعنون، وبالأدهان والمصانعة عند الظلمة تأمنون، كلُّ ذلك ممّا أمركم الله به من النهي والتناهي وأنتم عنه غافلون ـ يعني يقول أنتم تعلمون ولكن لمصالحكم تذهبون ـ وأنتم أعظم الناس مصيبة؛ لما غُلبتم عليه من منازل العلماء ـ يعني لما أقصو العلماء أقصو الأئمة أنتم أعظم الناس مصيبة ـ لو كنتم تسمعون ذلك بأن مجاري الاُمور والأحكام على‌ أيدي العلماء بالله، الاُمناء على‌ حلاله وحرامه، فأنتم المسلوبون تلك المنزلة، وما سُلبتم ذلك إلاّ بتفرّقكم عن الحقّ، واختلافكم في السنّة بعد البيّنة الواضحة ولو صبرتم على‌ الأذى‌ وتحمّلتم المؤونة في ذات الله كانت اُمور الله عليكم تَرد، وعنكم تصدر، وإليكم ترجع، ولكنّكم مكّنتم الظلمةَ مِن منزلتكم، وتسلمتم اُمور الله في أيديهم؛ يعملون بالشبهات، ويسيرون في الشهوات ـ واضح قطعاً هو ناظر الى الولاية العامة لا الولاية التكوينية ومن الواضح أيضاً أنه ناظر الى خصوص المعصوم× الذي ولي الأمورـ سلّطهم على‌ ذلك فرارُكم من الموت، وإعجابكم بالحياة التي هي مفارقتكم؛ فأسلمتم الضعفاء في أيديهم فمِن بين مستعبَدٍ مقهور، وبين مستضعف على معيشة مغلوب، يتقلّبون في الملك بآرائهم، ويستشعرون الخزي بأهوائهم؛ اقتداءً بالأشرار، وجرأة على‌ الجبّار في كلّ بلد منهم على‌ منبره خطيب يصقع؛ فالأرض لهم شاغرة، وأيديهم فيها مبسوطة ـ اذاً واضح ولاية عامة ـ والناس لهم خول لا يدفعون يدَ لام فمِن بين جبّار عنيد، وذي سطوة على‌ الضعفة شديد، مطاع لا يعرف المبدئ المُعيد، فيا عجباً وما لي لا أعجب والأرض من غاشٍ غشوم، ومتصدّق ظلوم، وعامل على‌ المؤمنين بهم غير رحيم ـ واضح ظهور الرواية في الولاية العامة ـ فالله الحاكم فيما فيه تنازعنا، والقاضي بحكمه فيما شجر بيننا. اللهمَّ إنَّك تعلم أنَّه لم يكن ما كان منَّا تنافساً في سلطان، ولا التماساً من فضول الحطام، ولكن لِنُريَ المعالمَ مِن دينك، ونظهر الإصلاحَ في بلادك، ويأمَن المظلومون من عبادك، ويُعمَل بفرائضك وسننك وأحكامك؛ فإنكم إن لم تنصرونا وتنصفونا قوي الظلَمةِ عليكم، وعملوا في إطفاء نور نبيّكم، وحسبنا الله وعليه توكّلنا وإليه أنبنا وإليه المصير).

من هذا المقطع الأخير أولاً نستظهر بقوة أن المراد بولاية الأمر السلطان من قوله (اللهم إنك تعلم أنه لم يكن ما كان منّا تنافساً في سلطان) [19] [20] إذاً المراد سلطة الإمام× والأمر الآخر الواضح أنها ناظرة الى حق الإمام× وولاية الإمام× ويقول (فإنكم إن لم تنصرونا وتنصفونا قوي الظلمة عليكم) [21] [22] وليست ناظرة الى نائب المعصوم× يعني قد يقال إنها للأعم المعصوم وغير المعصوم كما هو ظاهر في كلمات السيد الإمام الخميني+ في كتاب البيع [23] أن هذه الأمور عامة كما تشمل المعصوم تشمل الفقيه الجامع للشرائط لكن الانصاف من يلاحظ سياق الرواية قد يجزم أو لا أقل يستظهر باختصاصها بخصوص المعصوم×، هذا تمام الكلام في الإشكال الأول والثاني على الدليل الثاني واتضح من خلال هذين الإشكالين عدم تمامية دلالة الرواية على ولاية الفقيه المطلقة يبقى الكلام في الإشكال الثالث والرابع يأتي عليه الكلام.


[1] الحاكمية في الإسلام، ج1، ص593.
[4] الحكومة الإسلامية، ج1، ص125 و 126.
[6] دراساتنا من الفقه الجعفري، ج3، ص102.
[7] المكاسب، المحقق الأصفهاني.، ج1، ص214
[8] المكاسب، المحقق الأصفهاني.، ج1، ص214
[15] نهج البلاغة خطبة 100.
[17] إرشاد الطالب إلى أسرار المكاسب، للميرزا جواد التبريزي، . ج3، ص33
[18] إرشاد الطالب إلى أسرار المكاسب، للميرزا جواد التبريزي، . ج3، ص33

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo