< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

39/03/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: رد الاعتراضات الستة على توقيع الإمام×

 

الفقرة الثانية التمسك بقوله× (فإنهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله) [1]

الباب الأول من أبحاث ولاية الفقيه المطلقة، الباب الأول الأدلة على إثبات ولاية الفقيه المطلقة، شرعنا في القسم الأول من الأدلة وهي الأدلة النقلية وأول دليل من الأدلة النقلية التوقيع المنسوب الى صاحب العصر والزمان # وهو مكاتبة وسؤال اسحاق بن يعقوب وقد جاء في هذا الجواب (وأما الحوادث الواقعة).[2]

قلنا يمكن الاستدلال على ولاية الأمر بفقرتين:

الفقرة الأولى قوله× (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا) وقد تم تقريب الاستدلال بالفقرة الأولى.

تقريب الاستدلال بالفقرة الثانية وهي قوله× (فإنهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله) [3] ، تقريب الاستدلال هكذا إن اللفظ فإنهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله ظاهر في أن الإمام المهدي # جعل الفقيه حجة من قبله والحجة في ذيل الجملة أي قوله× أنا حجة الله شامل لمنصب التشريع وولاية الأمر معاً من قبل الله§ فالإمام المهدي حجة في التشريع والأحكام من جهة وحجة في ولاية الأمر والحكم من جهة أخرى فإذا كان معنى الحجة في ذيل الرواية شاملاً للتشريع وولاية الأمر معاً فيكون معنى الحجة في صدر الجملة في قوله× فإنهم حجتي عليكم يكون أيضاً شاملاً للإثنين معاً أي للتشريع وولاية الأمر معاً.

غاية الأمر وجود فارق وهو أن الإمام المعصوم× منصوب من قبل الله فهو حجة الله وأما الفقيه فهو منصوب من قبل الإمام المعصوم× فهو حجة الإمام على الناس، وهذا الفرق بينهما يعني بين الإمام وبين الفقيه إذ إن الإمام منصوب من قبل الله والفقيه منصوب من قبل الناس فيه الفرق الى وجود فارق بين الإمام المعصوم× والفقيه الجامع للشرائط في المقامات المعنوية للإمام× التي لا يشاركها فيه الفقيه الجامع للشرائط، ولا يحتمل أن يراد بالحجة في صدر الرواية فإنهم حجتي عليكم خصوص الحجة في التشريع والأحكام وأن يراد بالحجة في ذيل العبارة وأنا حجة الله مطلق الحجية يعني الحجة في التشريع وولاية الأمر معاً، هذا تمام الكلام في تقريب الاستدلال بالفقرة الثانية.

إذاً التوقيع الذي رواه اسحاق بن يعقوب يمكن التمسك به على ولاية الأمر بفقرتين الفقرة الأولى (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا)[4] والفقرة الثانية (فإنهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله).[5]

الاستدلال بهذه الرواية توجه إليه عدة اعتراضات وأكثر هذه الاعتراضات ناظرة الى الفقرة الأولى وأما الحوادث الواقعة وبعض هذه الاعتراضات ناظر الى الفقرة الثانية فإنهم حجتي عليكم، نقتصر على بيان ستة اعتراضات على هذه الرواية ولعّل الاعتراض السادس ناظر الى الحجية وأما بقية الاعتراضات ناظرة الى الحوادث الواقعة.

الاعتراض الأول للسيد الخوئي& [6] الاعتراض الأول مفاده لو كان المقصود من الحوادث الواقعة هو الشأن والقرار في الحوادث لا الحكم كان ينبغي أن يرد التعبير هكذا وأما الحوادث الواقعة فأرجعوها مع أن الوارد فارجعوا فيها فلا محالة يكون المقصود هو الرجوع في الحكم وليس الرجوع في اتخاذ القرار فيها.

ويرد عليه أن التعبير بقوله× فارجعوا فيها لا يمتنع حمله على إرادة الرجوع في اتخاذ القرار اللازم للحوادث إذ ليس المقصود إرجاع نفس الحادثة ليكون التعبير بإرجاعها هو الصحيح إنما المقصود اتخاذ القرار المناسب في الحادثة وهذا المعنى يمكن استظهاره من قوله فأرجعوا فيها أي في اتخاذ القرار في الحادثة، وبعبارة أخرى ليس المراد ارجاع نفس الحادثة الى الفقيه إذ الحادثة الواقعة لا معنى لإيكال نفسها الى الغير لأنها ذا تحصيل للحاصل كما أفاد السيد محسن الحكيم [7]

إذاً لابد من ارتكاب تقدير وهو إما الرجوع الى حكم الحادثة أو الرجوع في اتخاذ القرار في الحادثة وتعبير فارجعوا فيها يشمل الاثنين معاً ولا معنى لتخصيص الموضوع بعبارة فأرجعوها، إذاً وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها هنا لابد من التقدير فارجعوا فيها أي فارجعوا في حكمها هذا بالنسبة الى التشريع والأحكام الفقهية فارجعوا فيها أي فارجعوا في اتخاذ القرار فيها وهذا ما يتعلق بولاية الأمر وولاية الفقيه، إذاً الاعتراض الأول للسيد الخوئي& لا يمكن المساعدة عليه.

الاعتراض الثاني للسيد محسن الحكيم+ [8] وهذا نص عبارته يقول أما التوقيع الرفيع فإجمال الحوادث المسؤول عنها مانع من التمسك به إذ من المحتمل أن يراد منها الحوادث المجهولة الحكم، إذاً زبدة كلام السيد الحكيم& التمسك بإجمال الحوادث التي سئل عنها ما هي تلك الحوادث؟ هي مجملة مبهمة بالنسبة لها، ما هو المقصود من الحوادث الواقعة؟ هذا مجمل ومبهم بالنسبة لنا لعل المراد والمقصود بالحوادث الواقعة الحوادث المجهولة الحكم وليس الحوادث المطلوب اتخاذ القرار فيها، هذا الاجمال والابهام يمنع من التمسك بالتوقيع على إثبات ولاية الأمر لابد أن تكون الرواية صريحة أو ظاهرة في ولاية الأمر ولا ظهور للفظ الحوادث في ولاية الأمر لمكان الاجمال في معنى الحوادث.

وفيه: لا معنى للإجمال مع وجود الإطلاق في اللفظ الحوادث جمع مُحلى باللام يعني مطلق الحوادث يعني في كل ما يتعلق بالحوادث ارجعوا الى رواة الحديث والأحكام الشرعية تتعلق بالحوادث واتخاذ القرار المناسب يرتبط أيضاً بالحوادث، إذاً اتخاذ القرار يرتبط بالحوادث والتعرف على الحكم الشرعي الخاص أيضاً يرتبط بالحوادث، إذاً في الحوادث نحن نحتاج أولاً الى بيان حكمها الشرعي وثانياً نحتاج الى اتخاذ القرار المناسب المتعلق بالحادثة الواقعة.

إذاً مع وجود عموم لفظين وهو جمع محلى بألف ولام يرتفع الإبهام وإذا شككنا في العموم أو الإطلاق ومنعنا من التمسك بالإطلاق خلافاً للمحقق الأصفهاني الذي تمسك بالإطلاق فبالإمكان التمسك بالقرائن المتقدمة لأن المراد هو السؤال عن الشخص الذي يحدد الشأن اللازم في الحوادث وقد ذكرنا القرينة الثانية وهي أن السؤال عن الحكم لا معنى له لأن السائل يدرك أنه متى ما أراد السؤال عن الحكم الشرعي يكاتب الإمام عن طريق سفرائه، إذاً الرجوع في الأحكام والسؤال عن الأحكام واضح ولكن مرجع الفصل في الحوادث الواقعة هذا مجهول فمن خلال هذه القرائن يمكن استظهار أن المراد بالحوادث الواقعة هي خصوص ولاية الأمر إن منعنا من التمسك بالإطلاق، إذاً اتضح أن الاعتراض الثاني للسيد الحكيم+ لا يمكن المساعدة عليه.

الاعتراض الثالث لشيخنا الأستاذ الميرزا جواد التبريزي&،[9] نذكره لكم نص كلامه، ولكن قبل أن أذكر أبين فحوى كلامه يقول+ هذا التوقيع عبارة عن مجموعة من الأسئلة وجهها اسحاق بن يعقوب الى الإمام المهدي # هذه الأسئلة غير موجودة في التوقيع الموجود في التوقيع هو الجواب ولا يوجد السؤال وبالتالي يحصل عندنا إجمال في معنى الحوادث الواقعة بسبب عدم معرفتنا بطبيعة السؤال عن الحوادث الواقعة وهناك عدة احتمالات فكما يحتمل السؤال عن حكم الواقعة الحادثة وكما يحتمل أن يكون المراد ولاية الأمر يوجد احتمال ثالث وهو الفصل في المنازعات في باب القضاء وأما الحوادث الواقعة يعني وأما المنازعات الحاصلة والواقعة من يقضي لكم فارجعوا فيها يعني في قضائها الى رواة حديثنا.

إذاً الإجمال يعني الاعتراض الثالث يرجع الى الاعتراض الثاني للسيد الحكيم ولكن يبين منشأ الإجمال منشأ الإجمال غياب السؤال أذكر نص عبارة المرحوم الميرزا جواد التبريزي+ يقول إن المراد بالحوادث غير ظاهر فإنها وردت في الكلام المنقول عن الإمام× مسبوقاً بالسؤال الذي لم يصل الينا فلعل كان في السؤال قرينة على إرادة الاستفسار عن الوقائع التي يحتاج فيها الى الحاكم يعني القاضي لرفع الخصومة وفصل النزاع فيكون التوقيع مساوق لما دل على وجوب ارجاع المنازعات الى رواة الأصحاب يعني الرجوع في فصل المنازعات والخصومات الى القاضي وهو الفقيه الجامع للشرائط.

ونأتي في الجواب بأمور أدق أيضاً وفيه أولاً يمكن استظهار السؤال من نفس الجواب لأن الإمام× ذكر الشيء المسؤول عنه لأن الرواية طويلة، الإمام يقول وأما كذا فكذا... فيه عن قتل الحسين× وفيه عن غياب المعصوم×، والإمام ناظر في الجواب الى السؤال فتعرف السؤال من طبيعة الجواب فلو كان السؤال عن أحكام جزئية أو قضايا ومنازعات لكان الأنسب أن يعبر الإمام بقوله وأما الحوادث المذكورة أو وأما الحوادث التي سألت عنها فلو كان اسحاق بن يعقوب قد سأل عن أحكام شرعية معينة أو قضايا جزئية معينة كان الأنسب في الجواب أن يقول الإمام× وأما الحوادث المذكورة وأما الحوادث التي سألت عنها فتعبير الإمام× الحوادث الواقعة ظاهر في أنه× ذكر السؤال لتشخيصه لكي يتضح جوابه لا لكي يتوهم أنه جواب على أسئلة أخرى وردت في مسائل اسحاق بن يعقوب وهذا السياق جواب الإمام¤ عن الأسئلة وذكر كل سؤال عند الجواب عنه ظاهر في تمام مفردات التوقيع إذا راجعته حيث أن الإمام× يذكر كل سؤال ثم يجيب عليه هكذا، وعليه فالسؤال عن الحوادث الواقعة والإمام يجيب عن الحوادث الواقعة فلا يوجد خفاء في السؤال لكي يقع الإجمال.

وثانياً لو سلم خفاء السؤال وأنه لم يتضح السؤال إلا أن الجواب واضح فخفاء السؤال لا يوجب إجمال الجواب والحجة علينا هو كلام الإمام وجواب الإمام وليس سؤال السائل والمفروض أن جواب الإمام واضح إلا أننا نشك في خفائه من جهة خفاء السؤال ويتعين حينئذ الأخذ بظهور الجواب إذا لم يسري إليه الإجمال ومن الواضح أن الجواب لم يسري إليه إجمال السؤال، إذاً الاعتراض الثالث لأستاذنا الميرزا جواد التبريزي لا يمكن المساعدة عليه.

الإعتراض الرابع للمرحوم الشيخ المنتظري&([10] ) ، مفاد هذا الإشكال وسنقرأ نصه يقول الحوادث الواقعة أبرز المحتملات فيها ثلاثة:

الاحتمال الأول: السؤال عن الأحكام الشرعية.

الاحتمال الثاني: السؤال عن القضاء والفصل في المنازعات.

الاحتمال الثالث: ولاية الأمر.

بناء على الاحتمال الأول والثاني يعني الرجوع في الفقه والأحكام الاحتمال الثاني الرجوع في القضاء لا يرتبط الحديث بالولاية الكبرى ولا يرتبط بولاية الأمر، نعم بناءً على الثالث ولاية الأمر يرتبط الحديث بولاية الفقيه المطلقة لكن من الواضح أن الحديث عن ولاية الأمر يحتاج الى دولة وتحصيل قدرة فيصير مفاد الحديث وجوب الرجوع الى الفقهاء وتقويتهم وتمكينهم وتحصيل الشوكة لهم حتى يتمكنوا من حل الحادثة وإلا يكون الرجوع إليهم لغواً ومن الواضح أن مفاد الحديث ليس ظاهراً في تمكين الفقهاء وتقوية شوكتهم.

خلاصة وزبدة الإشكال الذي ذكره الشيخ المنتظري& أبرز الاحتمالات في معنى الحوادث الواقعة ثلاثة، الأول الرجوع في الفقه، الثاني الرجوع في القضاء وهنا معنى الرجوع واضح إلا أن هذين المعنيين لا يدلان على ولاية الفقيه المطلقة وإذا حملنا الرجوع على المعنى الثالث وهو ولاية الأمر كان المعنى تمكين للفقهاء وتقوية شوكتهم وهذا لا يستفاد من لفظ الرجوع.

نذكر نص كلامه ثم نناقشه، قال& إن المراد بالحوادث التي أرجعها الإمام× الى الفقهاء لا يخلو إما أن يراد بها بيان الأحكام الكلية للحوادث الواقعة أو فصل الخصومات الجزئية والأمور الحسبية الجزئية التي كان يرجع فيها أيضاً الى القضاء كتعيين الولي للقاصر والممتنع أو الحوادث الأساسية المرتبطة بالدول كالجهاد وعلاقات الأمم وتدبير أمور البلاد والعباد ونحوها فعلى الأوليين يعني الرجوع في الأحكام أو المنازعات القضاء لا يرتبط الحديث بأمر الولاية الكبرى كما هو واضح وعلى الثالث ولاية الأمر يحتاج في حل الحوادث الى إقامة دولة وتحصيل قدرة فيصير مفاد الحديث وجوب الرجوع الى الفقهاء وتقويتهم وتحصيل الشوكة لهم حتى يتمكنوا من حل الحادثة وإلا كان الرجوع اليهم لغواً وفيه أن مفاد الحديث هو الرجوع الى الفقهاء لحل الحادثة وفصل القضايا وليس مفاده وجوب تمكين الفقهاء وتقوية شوكتهم وترتيب الوسائل لهم كما أن حل الحادثة لا يستلزم تحصيل شوكة وإيجاد دولة وإنما يستدعي تراضي الشيعة وقبول الشيعة بحكم الفقيه وقبول الناس بقرار الفقيه الذي يحتاج الى الشوكة هو الحاكم غير الشرعي لأن حكمه غير شرعي وغير قانوني يجبر الناس على ذلك ولا يقبله الناس فيظلم ويقوي شوكته، وأما عامة المؤمنين والشيعة الموالين فهم يقبلون بحكم الفقيه طوعاً من دون حاجة الى أي شوكة فنفوذ الفقيه على الناس وولاية أمره على الناس لا تحتاج الى شوكة وقوة بل تحتاج الى مقبولية من قبل الناس، إذاً الاعتراض الرابع لا يمكن المساعدة عليه.

الاعتراض الخامس إن كلمة الرواة ظاهرة في الإرجاع الى الرواة بما هم رواة طبعاً هذا الاعتراض مذكور في كتاب ولاية الأمر في عصر الغيبة لسماحة آية الله العظمى السيد كاظم الحائري~[11] ، قبل أن أقرأ نص كلامه آتي بزبدة الكلام.

الرواية تقول: (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا) لاحظ يعني الاعتراضات الخمسة كلها ناظرة الى الفقرة الأولى فقط الاعتراض السادس ناظر الى الفقرة الثانية فإنهم حجتي.

مفاد اعتراض أستاذنا السيد كاظم الحائري~ أن كلمة الرواة ظاهرة في الارجاع الى الرواة بما هم رواة وهذا يعني الرجوع الى الفقهاء في أخذ الروايات وأخذ الفتوى وهذا غير الولاية، وإن شئت أن تقول الرجوع الى الفقهاء في ملئ الفراغ نقول المراد بملئ الفراغ الذي يحتاج الى تضلع روائي وهذا غير الولاية المطلقة.

وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا يعني ارجعوا إلى الرواة بما هم رواة لأخذ الرواية وأخذ الفتوى وهذا غير ولاية الأمر، وإن قلت نرجع الى الرواة في ملئ منطقة الفراغ التشريعي لأن هناك مساحة هذا المصطلح جاء به السيد الشهيد الصدر منطقة الفراغ يعني منطقة المباحات عندنا أحكام خمسة وجوب واستحباب وكراهة وحرمة وإباحة في منطقة المباحات هناك مساحة أعطيت للفقيه يُعمل ولايته وبالتالي يقول السيد الحائري~ أنه قد يرجع الشيعي الى الراوي في منطقة الفراغ يقول يرجع الى منطقة الفراغ لملأها في خصوص الأمور التي تحتاج الى تضلع في الروايات وأما الأمور التي لا تحتاج الى تضلع في الروايات.

قال في كتابه[12] إن كلمة الرواة ظاهرة في الإرجاع الى الرواة بما هم رواة وهذا يعني الإرجاع إليهم في أخذ الروايات وأخذ الفتاوى وهو غير الولاية أو الإرجاع إليهم في ذلك يعني في أخذ الروايات والفتوى وفي ملئ منطقة الفراغ فيما يحتاج ملئه الى تضلع روائي وهذا غير الولاية المطلقة وفيه أولاً وثانياً.

الأمر الأول عنوان رواة الحديث في عصر حضور المعصوم× وفي عصر الغيبة الصغرى يختلف هذا العنوان معناه عن معنى رواة الحديث في زماننا هذا، رواة الحديث في زمن المعصوم في زمن حضوره وفي زمن الغيبة الصغرى يساوق عنوان الفقيه في عصر الإمامة وفي عصر الغيبة الصغرى القريبة من عصر الإمامة إذ عِلم الفقه في ذلك الوقت لم يتميز عن عِلم الرواية ولم تتميز مسائل عِلم الفقه عن مسائل عِلم الحديث وقواعد عِلم الحديث وروايات في ذلك الزمان ومن الشواهد على ذلك الرسائل العملية[13]

إذاً رواة الحديث في زمن الحضور وفي زمن الغيبة الصغرى مصطلح مساوق للفقيه الذي يرجع إليه فإذاً لا يرجع إليه الى راوي الحديث بما هو راوي فقط وإنما بما هو فقيه له ولاية جاء في الرواية عن أبي عبد الله× (أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا) [14] ، على هذا الأساس يقال إن الإرجاع الى الراوي إنما بوصفه فقيهاً عارفاً بمجال الأمور وحكيماً في اتخاذ القرار بشأن الحوادث الواقعة.

المناقشة الثانية لو سلمنا بأن الإرجاع الى الراوي بما هو راوي للحديث فهذا لا يدل على أنه قد تم الإرجاع لأخذ حكم الحادثة فقط، مجرد وصف الفقيه بأنه من رواة حديثنا ليس قرينة على أن الرجوع إليه في خصوص حكم الحوادث إذ لعل الإرجاع إليه لمطلق الحالات فيشمل حكم الحوادث ويشمل القضاء في الحوادث ويشمل فصل القضايا والأمور المتعلقة بولاية الأمر فترجيح ظهور الإرجاع لأخذ الحكم دون مطلق الحالات قول بلا دليل هذا تمام الكلام في بيان الاعتراض الخامس ومناقشته.

وأمّا الإعتراض السادس للمحقق الأصفهاني+ [15] ، ونفس هذا الاعتراض ببيان آخر للسيد محسن الحكيمî ، [16] هذا الاعتراض السادس ناظر الى الفقرة الثانية (فإنهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله) [17] أولاً نقرب كلام السيد الحكيم لكونه أوضح وأسهل.

السيد الحكيم+ يقول التعبير بلفظ الحجة أنسب للأحكام الشرعية التكليف حجة يعني منجز معذر يعني يدخل التكليف في عهدة المكلف ويخرج التكليف من عهدة المكلف هكذا قرأنا في علم الأصول فالتعبير بالحجة يناسب التكليف لأن الحجة ما يكون قاطعاً للعذر ومصححاً للعقاب وهذا إنما يكون في التكليف الشرعي ولا يكون في ولاية الأمر.

قال السيد الحكيم&[18] ، التعبير بالحجة يناسب التكليف جداً إذ الحُجة ما يكون قاطعاً للعذر ومصححاً للعقاب يعني حمل الحجية على الحجية الأصولية المصطلح عليها متأخراً وذلك إنما يكون في التكليف فإنه المستتبع له يعني قطع العذر بتصحيح العقاب فإنه المستتبع له كما لا يخفى.

يقول المحقق الأصفهاني+ المستفاد من الحُجة صحة الاحتجاج بالشخص أو صحة الاحتجاج بالشيء في مقام المؤاخذة على مخالفة ما قامت عليه الحجة وهذا صحة الاحتجاج بالشخص أو صحة الاحتجاج بالشيء هذا يناسب قيام الدليل على الحكم الشرعي سواءً كانت الحجة هي إخبار الراوي أو كانت الحجة هي نظر ورأي المجتهد وأما مطلق النظر كنظر الفقيه مثلاً في بيع مال اليتيم فلا معنى لاتصافه به ـ بالحجة ـ فالبيع الواقع يعني بيع مال اليتيم الواقع لمصلحة اليتيم نافذ بنظر الفقيه لا أنه حجة له أو حجة لغيره حينما يقول الفقيه يصح بيع مال اليتيم لمصلحة يعني ينفذ بيع مال اليتيم لمصلحته لا أنه ولي اليتيم يصح له أن يحتج بقول الفقيه.

إذاً من ظاهر لفظ الحجة نستظهر صحة الاحتجاج بالشخص أو بالشيء فصحة الاحتجاج إنما تناسب الأحكام الشرعية ولا تناسب ولاية الأمر نذكر نص الكلام.

يقول المحقق الأصفهاني+ إنما مفاد الحجة صحة الاحتجاج بالشخص أو بالشيء في مقام المؤاخذة على مخالفة ما قامت عليه الحجة فيناسب قيام الدليل على حكم شرعي سواءً كان الحجة إخبار الراوي أو رأي المجتهد و نظره وأما مطلق النظر كنظر الفقيه في بيع مال اليتيم فلا مانع لاتصافه بالحجة فإن البيع الواقع عن مصلحة بنظره نافذ لا أنه حجة له أو لغيره على أحد وفيه إن الحجية بمعنى صحة الاحتجاج بالشخص أو بالحكم في مقام المآخذة على مخالفة ما قامت عليه الحجة هذا العنوان الذي ذكره المحقق الأصفهاني، ينطبق على نظر الفقيه وقرار الفقيه فلو رأى الحاكم وولي الأمر لزوم مقاطعة فئة من الناس أو دولة من الدول فإن رأيه حجة، مثلاً السيد الإمام الخميني+ منع الناس من الذهاب الى الحج حينما حصلت المجزرة سنة 1987 ميلادي حينما آل سعود قتلوا الحجاج الايرانيين والإمام الخميني+ قال لا تذهبوا، رأي ولي الفقيه حجة يعني بمعنى صحة مؤاخذة التارك لرأي هذا الفقيه بنفس الميزان الجاري في الأحكام الشرعية.

وعلى هذا فإن البيع الواقع لمال اليتيم عن نظر الفقيه حجة أي أنه نافذ كما يصح أن تطلق عليه أنه نافذ يصح أن تطلق عليه أنه حجة يعني يصح للبائع وهو ولي اليتيم أن يحتج بقول الفقيه وليس الحجة هنا شيء غير معنى النفوذ مع قطع النظر عن دليل الولاية.

إذاً الحجة بمعنى صحة المؤاخذة على المخالفة كما تشمل صحة المؤاخذة على مخالفة الحكم الشرعي وكما تشمل صحة المؤاخذة على مخالفة الحكم القضائي يشمل أيضاً صحة المخالفة على الحكم الولائي لولي الأمر، الى هنا اتضح أن الاعتراضات الستة غير تامة وأن ظاهر الرواية تام بالنسبة الى ولاية الأمر إما بنحو عام إذا تمسكنا بعموم لفظ الحوادث ولا أقل من الشك وإذا لم يثبت العموم يمكن الاستظهار في خصوص ولاية الأمر هذا تمام الكلام في مناقشة واستظهار متن الرواية الى أنه يقع الكلام في سند الرواية.

الإشكال في اسحاق بن يعقوب فإنه لم يرد له ذكر في كتب الرجال بل لم يرد عنه إلا هذا التوقيع فالرواية من ناحية السند لا يمكن الاعتماد عليها، نعم قد يقال أن هذه الرواية عبارة عن كتاب من الإمام الحجة بواسطة سفيره الثاني محمد بن عثمان بن سعيد العمري فلعل هذا الكتاب الذي كان بخط الإمام الحجة وصل الى محمد بن يعقوب صاحب الكافي مما جعله يطمئن، ومحمد بن يعقوب كان في بغداد والسفراء كانوا في بغداد فنقل محمد بن يعقوب المكاتبة والتوقيع من السفير الثاني مباشرة. لأن كلام الإمام الحجة بن الحسن# هو الحجة، وليس كلام اسحاق بن يعقوب الحجة، وإذا كان الكليني أخذهم مباشرة من السفير الثاني يصح الاستدلال بالرواية هذا أولاً.

وثانياً هذه الرواية رواية مشهورة وتم تداولها بين الفقهاء مما يجعلنا نطمئن بصحتها وهذا المقدار يكفي في حجة الرواية يكفي في حجيتها، وفيه كلا الوجهين نناقشهم، أما الأمر الأول وهو أن الكليني كان في بغداد فبحسب التحقيق الكليني أكثر أيامه كان في الري وفي أواخر أيامه ذهب الى بغداد وأما دعوى أن الكليني أخذ الرواية من السفير الثاني فهذا ما يحتاج الى دليل وهو مفقود بل لو أخذها مباشرة لنص على ذلك لأنه أدل وأقوم.

إذاً الشاهد الأول لا يمكن الاعتماد عليه والشاهد الثاني الاحتجاج لشهرة الرواية نحن لا نقبل الشهرة لا نرى أن الشهرة توجب شهرتها واطمئنانها حجة عليهم وليس بحجة علينا وبالتالي هذه الرواية من ناحية سندية ضعيفة السند فتسقط عن الاعتبار ولا يمكن الاحتجاج بها إلا إذا تلمّسنا قرائن عديدة توجب الاطمئنان والوثوق بصدور الرواية، إذاً الدليل الأول الذي أقيم على ولاية الفقيه المطلقة ليس بتام.

 


[9] إرشاد الطالب الى التعليق على المكاسب، الميرزا جواد التبريزي، ج3، ص30.
[10] () دراسات في ولاية الفقيه، ج1، ص481.
[13] لفقهائنا الأقدمين فالصدوق الأب رسالته المقنع هي بحسب الحقيقة نصوص روايات حذف الصدوق منها السند وأبقى المتن، وهكذا كتاب النهاية لشيخ الطائفة الشيخ محمد بن الحسن الطوسي& عبارة عن متون وروايات، وهكذا كتاب من لا يحضره الفقيه هو الرسالة العملية للشيخ الصدوق + وهو متون روايات، وهكذا كتاب الكافي للشيخ الكليني + كتبه لكي يكون مرجعاً كما نص يرجع اليه المتعلم ويسترشد به المسترشد حينما السيد الشريف + طلب من الشيخ الكليني وهكذا السيد نعمة الجزائري & حينما طلب من الشيخ الصدوق + قال عندنا كتاب من لا يحضره الطبيب كتبه الطبيب الرازي حينما سافر وقال أنت الآن فقيه ومحدث إذا سافرت اكتب لنا كتاباً نرجع اليه في الفقه فكتب من لا يحضره الفقيه.
[15] كتاب المكاسب، للمحقق الأصفهاني، ج1، ص214.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo