< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ عبدالله الدقاق

بحث الفقه

39/03/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بحوث في ولاية الفقيه المطلقة من نظر القرآن

نشرع في الباب الأول من بحثنا في ولاية الفقيه المطلقة.

الباب الأول معقود للأدلة على إثبات أصل ولاية الفقيه، القسم الأول من الأدلة النقلية، وقبل أن نشرع في بيان الأدلة النقلية ثم الأدلة العقلية على إثبات ولاية الفقيه المطلقة لا بأس ببيان الأصل الأولي في المسألة.

الأصل ثبوت ولاية الخالق على المخلوق وعدم ثبوت ولاية المخلوق على أي مخلوق آخر، فالأصل الأولي ثبوت ولاية الله ¨ على سائر المكلفين، فالله§ خالق الكون والانسان والحياة بمقتضى إنعامه§ وتفضله علينا بخلقنا، له سلطنة وولاية علينا في عالم التكوين والتشريع معاً.

نعم لا ولاية لأحد على أحد آخر إلا ما خرج بالدليل، إذاً ونحن نبحث ولاية الفقيه المطلقة وأن تكون للفقيه الجامع للشرائط ولاية على الناس الذين يحكمهم هذه الولاية خلاف الأصل، فإذاً لابد أن يتم الدليل على ولاية الفقيه وإذا لم يتم الدليل على ولاية الفقيه نرجع الى مقتضى الأصل الأولي في المسألة، الى هنا نقّحنا الأصل الأولي في المسألة وهذه من مميزات بحث السيد الخوئي+ الذي نطلق عليه الفقه التعليمي قبل أن يشرع في أي مسألة وقبل أن يقيم الأدلة النقلية أو العقلية أو الاجماع أو العقل يقول ما هو مقتضى الأصل الأولي في المسألة؟ نحن في بحث ولاية الفقيه المطلقة نقول الأصل الأولي في المسألة عدم ولاية أحد على غيره خرجنا عن مقتضى هذا الأصل في النبي| والأئمة الأطهار^ لقيام الدليل على ثبوت الولاية التكوينية والتشريعية للنبي| وقيام الدليل أيضاً على ثبوت الولاية التشريعية للأئمة^ وأما الولاية التكوينية فالبعض يقبلها والبعض الآخر لم يقبلها، هناك خلاف فيها ولكن أصل وجود ولاية للنبي| والأئمة الأطهار^ في عالم التشريع وفي عالم الأمر ولاية الأمر هذا ثابت للنبي والأئمة^.

يبقى الكلام هل نتعدى من ولاية النبي على المسلمين ومن ولاية الأئمة على المسلمين الى ولاية الفقيه على المسلمين؟ هذا ما يحتاج الى الدليل وهذا هو موطن بحثنا، من يرى ولاية الفقيه المطلقة يرى أن الأدلة قد دلت على ثبوت ولاية الفقيه فنرفع اليد عن الأصل وهنا يختلف الفقهاء القائلون بولاية الفقيه المطلقة فبعضهم يراها من باب الدليل العقلي وبعضهم يراها من باب الدليل النقلي وبعضهم يراها من باب الدليل النقلي والعقلي معاً هذا هو أصل البحث ولب البحث.

وأما من ينكر ولاية الفقيه المطلقة ويرى ولاية الفقيه المقيدة فهو يرى أن الدليل قد دل على ثبوت ولاية الفقيه في موارد معينة لا يمكن التعدي عنها كالولاية على الفتوى والقضاء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأمور الحسبية ولا يتعدى عن هذه الموارد الى غيرها كولاية الأمر والحكم بين الناس.

إذاً مقتضى الأصل الأولي في المسألة والذي نقحه الشيخ الأعظم الأنصاري+ في كتاب البيع لا ولاية لأحد على غيره، نخرج عن هذا الأصل إذا دل الدليل وقد دل على ولاية النبي| قال الله تعالى في محكم كتابه {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ}([1] ) وقد دل الدليل أيضاً على ولاية الأئمة المعصومين^ ولكن هل يتعدى هذا الدليل الى الفقيه الجامع للشرائط بحيث تشمل ولايته ولاية الأمر أم أن ولاية الفقيه تقتصر على خصوص الفتوى والقضاء والولاية على المجانين والقصر والأوقاف والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأمور الحسبية.

وأمّا القسم الأوّل من الأدلة النقلية على ولاية الفقيه هو الاستدلال بكتاب الله§، والقسم الثاني من الأدلة النقلية على ولاية الفقيه هو الاستدلال بالروايات الشريفة، فهذان القسمان للأدلة اللفظية التي استدل بها على ولاية الفقيه المطلقة أو العامة.

الأدلة القرآنية حول ولاية الفقيه

سنشرع بالقسم الأوّل من الأدلة اللفظية النقلية التي أقيمت على ولاية الفقيه العامة أو المطلقة هو الاستدلال بالآيات الكريمة التي وردت في كتاب الله§ ونحن سنقتصر على ذكر اثني عشر آية من الآيات الذي استدل بها على ولاية الفقيه العامة.

أربع آيات استدل بها سماحة آية الله الشهيد السيد مصطفى الخميني+ في رسالته حول ولاية الفقيه([2] )، واستدل أيضاً سماحة آية الله الخائفي بخمس آيات([3] )، واستدل أيضاً سماحة آية الله الشيخ محسن الآراكي([4] ) بخمس آيات فالمجموع أربعة عشر آية لكن آية الله الخائفي& وآية الله السيد مصطفى الخمينيî يشتركان في آيتين فيكون المجموع اثنى عشر آية.

نشرع في بيان هذه الآيات:

الآية الأولى قوله§ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}([5] )، هذه الآية استدل بها آية الله الخائفي([6] )، وأيضا آية الله الشهيد السيد مصطفى الخميني([7] ) ونذكر في تقريب الاستدلال بهذه الآية نص كلام الشهيد السيد مصطفى الخميني& ثم نناقشه.

قال الشهيد السيد مصطفى الخميني([8] ) ما نصه، ولمكان تصدّرها بقوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ}([9] ) يكون الخطاب شاملاً للمؤمنين في عصر الغيبة ولأنه# غائب لا يمكن إطاعته يتعين أن يكون مصداق أولي الأمر شخصاً آخر والقدر المتيقن منه هو الفقيه الجامع فإذا تصدى الفقيه لأمر لابد أن يكون نافذاً قضاءً لحق وجوب طاعته وغير خفي إنما ورد من حصر أولي الأمر بالأئمة المعصومين^ فهو محمول في مقام الإجراء لا التشريع أي مع وجودهم لا ينبغي لأحد آخر أن يتصدى لأجراء الأمور وتنفيذ الأحكام وأما مع فقدهم فيؤخذ بعموم الكتاب، انتهى كلامه زيد في علو مقامه.

وفيه: إن الآية الكريمة مختصة وناظرة إلى خصوص الأئمة المعصومين^ والتعدي منهم إلى غيرهم كالفقيه الجامع للشرائط يحتاج إلى دليل وقرينة وهي مفقودة في المقام هذا أولاً.

وثانياً لو سلمنا ذلك فإن الحكم لا يثبت موضوعه، فالآية الكريمة أمرت بوجوب طاعة أولي الأمر ولكن من هم أولي الأمر؟ وما هي حدود أولي الأمر؟ وما هي ضابطة أولي الأمر؟ الآية الكريمة ساكتة عن ذلك حتى لو سلمنا أن الآية ليست مختصة بالأئمة^ إلا أن الآية في مقام إثبات وجوب طاعة أولي الأمر فهي في مقام بيان المحمول والحكم وهو وجوب الطاعة وليست في مقام بيان الموضوع وهو من هم أولي الأمر ولهذه النكتة أشار نفس المستدل وهو الشهيد السيد مصطفى الخميني& إذ قال([10] ) تعقيباً على استدلاله، اللهم إلا أن يقال لو سلمنا جميع المقدمات فلا يثبت موضوع الإطاعة بهذه الآية فإن الحكم لا يعقل أن يتصدى لحدود موضوعه فإن الآية دلت على وجوب الإطاعة وأما أن الفقيه هل يجوز له أن يأمر بكذا وكذا حتى يحصل موضوع الآية بالنسبة إلى المؤمنين فهو يحتاج إلى الدليل، هذا تمام الكلام في الاستدلال بالآية الأولى على ولاية الفقيه المطلقة واتضح أن الاستدلال بها على ولاية الفقيه العامة أو المطلقة ليس بتام.

الآية الثانية قوله§ {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}([11] )، هذه الآية استدل بها آية الله الخائفي([12] )، واستدل بها أيضاً آية الله الشهيد السيد مصطفى الخميني+([13] )، تقريب الاستدلال لهذه الآية ونذكر نص كلام الشهيد السيد مصطفى الخميني+([14] )، قال فانظر إلى ما في ذيل هذه الآية من الآيات ـ هذه الآية هي آية 55 من سورة المائدة ولكن إذا نظرنا إلى ما بعدها يعني الآية 56 و57 من سورة المائدة ـ قال+ فانظر إلى ما في ذيل هذه الآية من الآيات الكريمات {وَمَن يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}([15] ).

قال الشهيد السيد مصطفى الخمينيî ولمكان وقوعها في سورة المائدة المصدرة بقوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} لا يختص الخطاب بطائفة الموجودين ولأجل أن المخاطبين هم المؤمنون والولي في الآية أيضاً يكون الله ورسوله والمؤمنين كافة فلابد من الأخذ بأن المؤمنين في الآية طائفة خاصة وإلا يلزم ولاية كل أحد على كل أحد وتلك الطائفة لابد وأن تكون الأئمة المعصومين^ أو من يشابههم في الطريق المنطبق عليه مفهوم الآية ومفادها وهم الفقهاء العدول أو العدول والفقهاء القدر المتيقن منها، انتهى كلامه&.

وفيه: ما تقدم في مناقشة الآية الأولى الاستدلال بالآية، والأمر والإشكال في الاستدلال بالآية الثانية أوضح من الإشكال على الاستدلال بالآية الأولى أما أوّلاً فلوضوح أن هذه الآية قد نزلت في خصوص أمير المؤمنين× حينما تصدق بالخاتم على الفقير وهو في حال صلاته في المسجد فجاء الفقير فأومئ إليه× بسبابته فأخذ الفقير الخاتم من يد أمير المؤمنين× فنزل قوله§ {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}([16] ) هذا أوّلاً، وثانياً لو سلمنا القول بالعموم وأنها تعم كافة المؤمنين ثم خصصناها بطائفة خاصة من المؤمنين نقول إن الحكم لا يثبت موضوعه فالآية إنما بينت أن من له الولاية هو الله والرسول والمؤمنون الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون أما تطبيق هذا المفهوم على مصداق معين وهو الفقيه الجامع للشرائط أو الفقهاء العدول فالآية غير ناظرة إلى ذلك، نعم الاستدلال بالآية الأولى والآية الثانية ربما يتم بناءً على مسلك السيد الإمام الخميني+ في الأصول الذي يرى الخطابات القانونية، فهو يرى أن الخطابات القرآنية أو الروايات خطابات قانونية أي أنها خطابات عامة ولا تختص بخصوص المكلفين في ذلك الزمان فإذا خاطبت الآية بخطاب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ}([17] ) فإن هذا الخطاب، خطاب قانوني والخطاب القانوني لا يختص بخصوص الذين آمنوا في ذلك الزمان، لذلك أشار سماحة آية الله الخائفي~([18] ) إلى هذه النقطة قال فلا تفاوت بين إنسان وآخر وفق هذا النظر والمصب فالخطابات القانونية بظهرها وبطنها غاية الخلق المحتاج لا الخالق الغني {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}([19] ) إلى آخر كلامه وإلى هنا اتضح أن الاستدلال بالآية الثانية على ولاية الفقيه العامة ليس بتام.

الآية الثالثة التمسك بقوله§ {لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ}([20] )، هذه الآية تمسك بها السيد الشهيد مصطفى الخميني& وتقريب الاستدلال بها ونذكر فيه نص كلامه&([21] ) قال ولمكان كونها في مقام تعيير الرباني والحبر والعلماء في الأمم يعلم أن وظيفة العلماء والفقهاء من كل الأمم ذلك وهذا ما لا يمكن إلا بتشكيل الحكومة وكون الاختيارات الكلية بيد الفقيه، إلى أن يقول([22] ) وهذا هو وظيفة الربانيين والأحبار ولا معنى لذلك إلا بعد ذاك لعدم إمكان التصدي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالنسبة إلى الجائرين والسلاطين الكفار والفسّاق إلا مع وجود المعدات والمناسبات.

ومن الواضح من كلامه أن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تتوقف على إقامة الدولة الإسلامية وتشكيل الوزراء للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفيه إن الآية الكريمة ناظرة إلى تخلي الأحبار والربانيين عن وظيفتهم الأساسية وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد عيرتهم الآية ووبختهم قائلةً {لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ}([23] ) أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لهما عدة مراتب وأن الكثير من مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا تتوقف على إقامة الدولة والحكومة الإسلامية، فالآية الكريمة أجنبية عن المدعى فهي ليست في مقام إعطاء الولاية للأحبار والربانيين وإنما هي في مقام تعيير الأحبار والربانيين عن تقاعسهم عن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذاً الاستدلال بالآية الثالثة على ولاية الفقيه العامة ليس بتام.

الآية الرابعة التمسك بقوله§ {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا}([24] )، وإذا نظرنا إلى الآيات السابقة على هذه الآية هذا مفادهما قال§ {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ الله نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللِه كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا}، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}([25] ).

هذه الآية هي الآية الرابعة الذي استدل بها الشهيد السيد مصطفى الخميني+([26] )، فإذا أحطت خبراً بما مضى في ذيل الآية الأولى من عموم الحكم بالنسبة إلى أولي الأمر تكون هذه الآيات ظاهرة في أن المنازعة والتحاكم إلى الطاغوت يكون في الجهات المختلفة المتصدي لها الولاة والقضاة ولا يختص بالثانية يعني القضاء حتى يكون أولي الأمر مرجعاً للقضاء دون سائر الأمور المتنازع فيها.

وفيه: إن الآية الكريمة تشير إلى وجود قوم يزعمون ويدعون أنهم آمنوا بالنبي| وآمنوا بالذي أنزل قبل النبي| لكنهم يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به، أي أنهم في منازعاتهم وفي قضائهم يرجعون إلى الطواغيت، فالآية تشير إلى أن الاعتقاد الذي يتلفظون به وهو الإيمان بما أنزل على النبي| وما أنزل قبل النبي، هذا الاعتقاد المتفوه به يتنافى مع سلوكهم العملي وهو الرجوع في منازعاتهم إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به وإذا رجعنا إلى الآيات الكريمة في القرآن الكريم نلحظ أنها تعبر عن سلاطين الجور بالطغاة فهؤلاء يرجعون إلى سلاطين الجور أو قضاة الجور ولا يرجعون إلى النبي| فقد يقال إن الآية الكريمة مختصة بخصوص القضاء لأن لفظ الحكومة في الآيات والروايات قد استخدم في القضاء إلا أننا لا نبني على ذلك، وقد استخدم لفظ الحكومة في مقبولة عمر ابن حنظلة واستشهد بهذا المقطع من الآية الكريمة ونحن لا نرى أن مقبولة عمر ابن حنظلة مختصة بالقضاء بل تعم القضاء والحكومة بمعنى السلطنة والرجوع إلى الحاكم والسلطان، لكن الآية ناظرة إلى خصوص الحاكم الإسلامي آنذاك المتمثلة بالنبي| وليست ناظرة إلى الحاكم الذي يأتي من بعده وهو الفقيه الجامع للشرائط، فالآية الكريمة فيها قدر متيقن وهي الكفر بالطاغوت وسلاطين الجور زمن النبي| ولزوم الرجوع إلى الحاكم الإسلامي وهو النبي| وليست في مقام إعطاء الولاية للفقيه الجامع للشرائط.

إذاً الاستدلال بالآية الرابعة على ولاية الفقيه العامة ليس بتام، بل إن الاستدلال بالآيات الأربعة المتقدمة على ولاية الفقيه لا يتم إلا بناءً على ذوق خاص وهو ضميمة الروايات الواردة في بيان مقام الفقيه في الأمة ومقام العلماء في الأمة بالإضافة إلى الآيات والروايات التي يفهم منها ضرورة قيام الدولة الإسلامية، وأن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يمكن تحقيقها بشكل تام إلا بتأسيس الحكومة الإسلامية التي تعين على إقامة فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولهذه النكتة أشار آية الله الشهيد السيد مصطفى الخميني+ في نهاية الاستدلال بالآيات([27] ) إذ قال وغير خفي أنه يمكن الشبهة في دلالة كل واحدة من الآيات إلا أنها لمكان احتفافها بتلك القرينة الخارجية اللبية يتم بها المطلوب، ما المراد بالقرينة اللبية الخارجية المراد ما أشار إليه([28] ) إذ قال& ولكن الذي ينعقد لي قوته أنها من الواجبات السياسية ويكون وظيفة الحكومة أوّلاً ولابد من تشكيل الوزراء للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما هو الآن موجود في بعض البلاد المنتسبة إلى الإسلام وهذا هو وظيفة الربانيين والأحبار ولا معنى لذلك إلا بعد ذاك لعدم إمكان التصدي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالنسبة إلى الجائرين والسلاطين الكفار والفسّاق إلا مع وجود المعدات، إذاً الاستدلال بالآيات الأربع الأول لا يتم إلا بناءً على قرينة لبية يقول بها الشهيد السيد مصطفى الخميني&.

الاستدلال بالآية الخامسة على ولاية الفقيه العامة، التمسك بقوله§ {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}([29] )، هذه الآية هي الآية الثالثة التي تمسك بها سماحة آية الله الخائفي~ على ولاية الفقيه العامة، تقريب الاستدلال وأنقل نص كلامه~([30] )، وحيث أنه| أُرسل لكافة النّاس دون الإختصاص بزمان وعصر بعينه لمكان العموم ولا دليل على التخصيص، وحيث أنّ الناس بحاجة ماسة في عصر الغيبة إلى وليّ وسائس يكون مصلحاً ومرجعاً لشؤونهم الدينيّة والدنيوية فيتعيّن الوليّ الفقيه للتصدّي لها، انتهى كلامه.

وفيه: إن الآية الكريمة ناظرة إلى أن النبي الخاتم| قد أرسل إلى كافة الناس وغرضه التبشير والإنذار وهذه المهمة وهي التبشير والإنذار من مهمات العلماء والفقهاء لكن الآية الكريمة لم تُشر إلى ولاية النبي على الناس في الأمور العامة فهي تكلمت عن النبي بما هو مبلّغ ومشرّع ولم تتكلم عن النبي بما هو حاكم ورئيس وأمير فالآية الكريمة حتى لو سلمنا تعديتها من النبي| إلى الفقيه إلا أنها أجنبية على أنَّا لا نسلم ثانياً أنه يمكن التعدي من النبي| إلى الفقيه الجامع للشرائط، فالآية الكريمة تختص بالنبي فقط والقرينة على ذلك ذيل الآية الكريمة {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}([31] )، فهذا الذيل ورد تعقيباً على أن أكثر الناس لا يعلمون أن رسالة النبي عالمية وللناس كافة ولا تختص بفئة دون فئة، إذاً الاستدلال بالآية الخامسة أجنبي عن ولاية الفقيه العامة فلا يتم الاستدلال بها.

الآية السادسة قوله§ {الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}([32] )، هذه الآية استدل بها آية الله الخائفي([33] ) ونذكر نص كلامه~، قال: أنّ القرآن يتكفّل هداية النّاس إلى النظام الأتم والأحكم إلى أن يقول فإنه من يعرف منزلة القرآن وأنّه منبع فيّاض يعين السالكين فيه إلى المقصد الأعلى وحيث أنّ هذه الوظيفة العظيمة تنتقل لأوصيائه المعصومين^ بحكم لطفه تعالى الجاري في كّل الأعصار والأمصار لتصدّيهم لعمليّة إخراج النّاس من الظلمات إلى نور شمس الهداية والحكمة والمشرقة الساطعة لمسانختهم لحقائق القرآن، وحيث أنّه # غائب عن النّاس فلابّد من كافٍ واقفٍ على مقام القرآن وعارفٍ بمضامينه، يقوم مقامه في عصر الغيبة يعين السالكين وهو الوليّ الفقيه، فتعين وثبتت رئاسته وزعامته لأهليّته.

وفيه: إن الآية الكريمة في مقام بيان أهمية القرآن للأمة وأنه كتاب أنزل إلى النبي محمد| لكي يخرج الناس من الظلمات إلى النور وهذا إذن من الله تعالى لكي يصلوا إلى صراط العزيز الحميد، فالآية الكريمة ليست في مقام جعل الولاية للنبي| على الشؤون العامة فضلاً عن أن تكون في مقام جعل الولاية للفقيه الجامع للشرائط وإنما الآية في مقام بيان كون القرآن كتاب هداية وأن الله§ أنزل القرآن على النبي الخاتم لكي يهدي الناس ويخرجهم من الظلمات إلى النور فالآية أجنبية تماماً عن جعل الولاية العامة للفقيه الجامع للشرائط، إذاً الاستدلال بالآية السادسة على ولاية الفقيه العامة ليس بتام.

الآية السابعة التمسك بقوله§ {هذا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ}([34] )، هذه الآية تمسك بها آية الله الخائفي([35] )، هذا نص كلامه، كون القرآن بياناً للناس شامل إذن لمن في عصر الغيبة للإطلاق، وهدىً وموعظة، لا ثمرة عمليّة للموعظة والهدى إلّا بنظام وحكومة الوليّ والسائس فقيه لينظّم أمورهم وفق البيان القرآني لتنسجم أعمالهم وأمورهم الدنيويّة والأخروية حسب الإرادة الإلهية التشريعية الموزونة بميزان الحق.

وفيه: أوّلاً هذا الاستدلال قد يتم بناء على وجود قرينة خارجية وهي التي أشار إليها الشهيد السيد مصطفى الخميني& من أن تمامية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا تتم إلا بإقامة الدولة الإسلامية، وثانياً هذه الآية أجنبية تماماً عن المدعى، فالآية الكريمة تشير إلى أن القرآن الكريم بيان للناس وموعظة للناس وهدىً للمتقين، فالقرآن يعظ المتقين ويستهدون بهديه وهو بيان للناس فالآية الكريمة ليست في مقام جعل الولاية للنبي| أو المعصوم × أو الفقيه وإنما في مقام بيان دور القرآن الكريم في الأمة، فالاستدلال بالآية السابعة على ولاية الفقيه العامة ليس بتام.

 


[2] (.) والتي طبعت ضمن ثلاث رسائل من نشر انتشارات آثار السيد الإمام الخميني + وطبعت أيضا ضمن رسائل في ولاية الفقيه
[3] () محاضرات في ولاية الفقيه، ص137.
[4] () نظرية الحكم في الإسلام، ص231.
[5] () سورة النساء الآية 59.
[6] () محاضرات في ولاية الفقيه، ص137.
[7] () نفس المصدر، ص730.
[8] () محاضرات في ولاية الفقيه، ص730.
[10] () محاضرات في ولاية الفقيه، ص731.
[11] () سورة المائدة الآية 55.
[12] () محاضرات في ولاية الفقيه، ص138.
[13] () نفس المصدر، ص731 و732.
[14] () نفس المصدر، ص732.
[15] () سورة المائدة الآية 56 و57.
[18] () محاضرات في ولاية الفقيه، ص138.
[21] () محاضرات في ولاية الفقيه، ص732.
[22] () نفس المصدر، ص733.
[26] () محاضرات في ولاية الفقيه، ص733 و734.
[27] () محاضرات في ولاية الفقيه، ص734.
[28] () نفس المصدر، صفحة 733.
[30] () محاضرات في ولاية الفقيه، ص142.
[33] () محاضرات في ولاية الفقيه، ص142.
[34] () سورة آل عمران الآية 138.
[35] () محاضرات في ولاية الفقيه، ص143.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo