الموضوع : التيمم _ ما يصح التيمم به .

فصل : في بيان ما يصح التيمم به يجوز التيمم على مطلق وجه الأرض على الأقوى سواء كان ترابا أو رملا أو حجرا أو مدرا أو غير ذلك، وإن كان حجر الجص والنورة قبل الإحراق ، وأما بعده فلا يجوز على الأقوى كما أن الأقوى عدم الجواز بالطين المطبوخ كالخزف والآجر...[1]

كان الكلام في الاستدلال على ان التيمم انما يصح بالتراب ولا يصح في الحجر وغير ذلك ووصل كلامنا الى صحيحة زرارة ابن العين :

الرواية السادسة :معتبرة زرارة التي فيها يسأل الامام ع عن دليل الحكم (محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن زرارة أنه قال لأبي جعفر ( عليه السلام ) : الا تخبرني من أين علمت وقلت : إن المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين ؟ ـ وذكر الحديث إلى أن قال أبو جعفر ( عليه السلام ) ـ : ثم فصل بين الكلام فقال : ( وامسحوا برؤوسكم ) فعرفنا حين قال : ( برؤوسكم ) أن المسح ببعض الرأس لمكان الباء ، ـ إلى أن قال ـ : ( فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم ) فلما أن وضع الوضوء عمن لم يجد الماء أثبت بعض الغسل مسحا ، لأنه قال :( بوجوهكم ) ثم وصل بها ( وأيديكم منه )أي من ذلك التيمم ، لأنه علم أن ذلك أجمع لم يجر على الوجه ، لأنه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكف ولا يعلق ببعضها ، ثم قال ، : ( ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج )[2] .

السيد الاعظم ذكر في الاستدلال بالرواية ليفسر فيقول ان كلمة ( من ) نشوية _هكذا وجدت في اكثر من طبعة في الكلام المنسوب اليه نشوية بالواو وهذا غير واضح فنشو في اللغة العربية معناه الرائحة الطيبة فلعله يقصد نشأيه بالهمزة وليس نشوية بالواو ومعناه الوجود وأصل الخلقة كما في قوله تعالى ( ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)[[3] ] يعني وجود _ والتعبير بالنشأية يتناسب مع التعابير بالعلية يعني ( من )تكون تعليلية حيث يكون مدخول ( من ) منشئا وعلة لتحقق الفعل المدلول عليه بمدلول من كما في قوله سبحانه في وصف حالة اهل النار (كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ)[4] فمن ابتدائية اي حركتهم تكون من النار الى الخارج ومن غم فهي تعليلية اي انها سبب وعلة لمحاولة الخروج , فيخرجوا متعلق لمن الاولى ومن الثانية فمن الاولى هي ابتدائية عند الجميع واما من الثانية فهي تعليلية داخلة على اسم يدل على ما هو علة وسبب للخروج الذي هو متعلق ( من ) وبهذا يفسر قول الفرزدق في مدح الامام السجاد ع ( يغضي حياء ويغضى من مهابته ) فالمهابة يعني هيبته فالإنسان العاقل صاحب الضمير كان يطرق راسه امام الامام ع ولا يرفع بصره امامه , فمن داخلة على مهابة الذي هو اسم يدل على شيء يكون سببا وعلة للفعل المدلول عليه بمتعلق ( من) وهو يغضى وسبب الغض هو هيبة الامام ع , فكلمة نشأيه بعد تصحيحها من نشوية يكون مناسبا للتعليل وليس الابتداء , ولكن هذا لا ننسبه الى السيد الاعظم لأنه قال نشأيه يعني ابتدائية ففسرها بالابتداء .

وللعلم ان هذا التعبير بالنشأية نادرا ما يوجد في كلمات الاعلام النحاة فتوجد من تعليلية وابتدائية وبيانية و.. , _ وقلت نادر لأنه لعلكم تجدون في بعض الكلمات من العلماء ولكني لم اذكر احد من العلماء الكبار عبر عن الابتدائية او التعليلية بالنشأية _ .

فيقول رض معنى ذلك ان التيمم يبتدأ من تراب يعني مبدأ التيمم التراب .

وما ذكره قده غير واضح علينا من اوله الى اخره ؟

اما اولا : ان هذا مخالف لما ذكره الامام الباقر ع حيث فسر كلمة ( منه )من ذلك التيمم يعني الضمير يعود الى التيمم المدلول عليه في الآية الشريفة .

ثانيا : قلنا ان التعبير بالنشأية يناسب التعليلية وليس الابتدائية , ونرفع اليد عن التعبيرات , فنقول كيف نفهم ان ( من ) للابتداء ؟ فمن حرف جر يدخل على اسم ويكون له متعلق فعل او شبه فعل يعني دال على الحدث , اي ان متعلق من في الكلام يكون لفظ دال على الحدث سواء كان فعلا او من مشتقات الفعل كاسم الفاعل او اسم المفعول , فمن الابتدائية تبين ان اول ذلك الحدث يعني اول جزء من ذلك الفعل الحدثي المستفاد من متعلق ( من ) وليس من مدخولها ذلك الفعل ابتدائه كان من مدخول من , مثلا من النجف الى كربلاء يعني السير الذي هو معنى حدثي كان اوله من النجف وليس من الكوفة ولا من الحلة ولامن غيرها من الاماكن , فمدخول ( من ) يحدد بداية الحركة المدلول عليها بمتعلق من , وقد يكون ذلك المدخول مكانا وقد يكون زمانا ( سرت من يوم الجمعة الى كربلاء ) كما في الذي يمشي اياما الى كربلاء فيكون الزمان هو مدخول من وذلك يكون بيانا لابتداء حركة السير , وقد يكون لا زمانا ولا مكانا كما لوا سئل السائل فقال متى مشيت فالجواب مثلا ( من ولادة زيد ) يعني تحقق الحركة من الولادة التي هي لازمان ولامكان انما شيء ثالث وقد يكون شيئا رابع والجامع بين هذه الامثلة كلها انه يكون مدخول من الابتدائية يبين ويحدد اول الحركة والحدث الذي يدل عليه متعلق من .

فبعد هذا التمهيد نعود لكلامه الشريف فهو يقول ان مبدأ التيمم التراب فنقول ان هذا ليس بيانا لمبدأ حركة التراب انما هو بيان لمتعلق التيمم اي ان التيمم بماذا يكون وانت فسرت من ابتدائية فهذا غير واضح .