< فهرست دروس

درس خارج اصول استاد اشرفی

91/12/01

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع البحث: في وجوب التعلم

قلنا إن المحکی عن المحقق الأردبیلی و بعض تلامذته وجوب تعلم الأحکام وجوبا نفسیا إستنادا إلی ظاهر جملة من الروايات كقوله (صلي الله عليه و آله و سلم) طلب العلم فريضة علي كل مسلم مضافا إلي أنه لو كان واجبا غيريا مقدميا لم يجب تحصيله قبل فعلية‌ وجوب ذي المقدمة‌ و هو يستلزم كثيرا ما ترك العمل الواجب في ظرف فعلية وجوبه أو فعل حرام في ظرف فعليته .

لكن عرفت إن المستفاد مما ورد فی ذیل الآیة الكريمة «فلله الحجة البالغة» هو أن تعلم أحكام الله للعمل واجب فعليه لايقبل عذر من ترك الواجب أو فعل الحرام مستندا إلی ترك التعلم إلا أن وجوبه لايكون نفسيا بمعني كونه مطلوب لنفسه و لايكون مقدميا لكي يحتاج الأمر إليه إلي الأمر إلي ذي المقدمة بل وجوبه طريقي أي يطلبه الشارع لكي يتعلم الحكم و الموضوع – إذا إحتاج إلي التعلم – و يتمكن المكلف من الإتيان بالعمل في ظرفه صحيحا.

و إليك نص الرواية

في أمالي شيخ الطائفة (قدس سرّه) بإسناده إلى مسعدة بن صدقة قال: سمعت جعفر بن محمّد (عليهما السّلام) و قد سئل عن قول اللّه عزّ و جلّ «فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ» فقال: إن اللّه تعالى يقول للعبد يوم القيامة: عبدي! أ كنت عالما؟ فإن قال: نعم قال له: أفلا عملت بما علمت؟ و إن قال: كنت جاهلا قال له: أفلا تعلّمت حتّى تعمل؟ فيخصمه، فتلك الحجّة البالغة.

فعليه لو فرضنا تعليق الواجب علي الوقت أو الشرط ملاكا و خطابا كالصلاة «إذا زالت الشمس وجبت الصلاتان»‌ فقبل الزوال لايكون الصلاة ذا ملاك و لا ذا خطاب فلو فرضنا جهل المكلف بالعبادات بالمرة كمن أسلم حديثا بحيث لايمكنه الإتيان بالصلاة مثلا صحيحا في وقتها فإن الأمر بها قبل الوقت و إن كان فاقدا للملاك و لكن لما يعلم بأنه لو لم‌يتعلم أحكامها لايتمكن من إمتثال الأمر بالصلاة في الوقت؛ يستقل عقله بعد تأكد الشارع بتعلم أحكامها فيما يحتاج صحة‌ العمل إلي التعلم قبل الوقت أن الجهل هنا ليس بعذر لدي العقل و لا لدي الشرع إذا إستلزم تركه ترك العمل الصحيح في وقت العمل أو بعد حصول شرط فعلية‌ الأمر به .

هذا بالنسبة إلي التعلم.

أما بالنسبة إلي سائر المقدمات كتحصيل الطهارة المائية كالغسل و الوضوء فبما أنها من مقدمات وجود الصلاة الصحيحة علي الوجه المأمور به يكون وجوبها مترشحا عن وجوب ذي المقدمة و لاتجب المقدمة قبل وجوب ذي المقدمة فلاتجب تحصیلها قبل الوقت و لذا يجوز للمکلف أن يهريق الماء و يتیمم بعد دخول الوقت . و عليه بنوا لزوم نعلم أحكام السهو و الشكوك في الصلاة بالنسبة إلي ما يبتلي المكلف بها عادتا .

ثم إن وجوب التعلم مختص بما یبتلی به المکلف وقت الإمتثال فعلیه لوعلم بعدم الإبتلاء به لم یجب التعلم.

و أما لو إحتمل الإبتلاء ببعض الأمور مما له حکم عند الشرع کالشک فی الصلاة فهل یجب علیه تعلمه بمجرد الإحتمال أم لا ؟

قد يقال بعدم وجوب التعلم تمسكا بالإستصحاب الإستقبالي بتقريب أن المكلف قبل الوقت ليس بمبتل به فيشك في الإبتلاء به بعد حضور الوقت فيستصحب عدمه و يستنتج منه عدم وجوب تعلمه .

و أورد عليه أولا بعدم جريان الإستصحاب الإستقبالي عند كثير من الفقهاء لعدم فعلية الشك قبل الوقت في المتيقن السابق خلافا لسيدنا الأستاذ حيث ذهب إلي جريانه بدعوي شمول إطلاق دليل «لاتنقض اليقين بالشك» للشك الآتي .

و ثانيا بأن عدم الإبتلاء ليس بحكم شرعي و لا موضوع ذي حكم شرعي و بما أن الاستصحاب أصل عملي يطلب الأثر الشرعي لجريانه فلايمكن إستصحابه في المقام .

و أجاب سيدنا الأستاذ عن الإشكال بأنه يصح علي مبني مثل الآخوند من أن الإستصحاب عبارة عن جعل الحكم المماثل ولكن بناءا علي أماريته لايعتبر في المستصحب أن يكون حكما شرعيا أو موضوعا ذي حكم شرعي بلا واسطة .

بيان ذلك

قد ذهب الأكثر إلي أن الاستصحاب أصل عملي كأصالة الإباحة و البرائة الشرعية و عليه يعتبر أن يكون المستصحب حكما شرعيا أو موضوعا ذا حكم شرعي أما بناءا علي أمارية الاستصحاب كقول العادل يكون حجة في الموضوعات التي لا أثر شرعي لها بلاواسطة أيضا و عليه يكون إستصحاب عدم الإبتلاء بعد الزوال بمنزلة إخبار العادل فيحكم بعدم وجوب تعلم أحكامها قبل الزوال .

لكنك عرفت بما تلوناه عليك من حكم التعلم بأنه علي تسليم المبنيين أي أمارية الاستصحاب و جريانه بالنسبة إلي الشكوك المحتمل الوقوع، لكنه معذلك يمنع منه لتقدم ظهور الأدلة الآمرة بلزوم التعلم بنحو الحكومة عليه فلا فائدة في الإستناد إلي الاستصحاب إذ تلك الأدلة تصرح بعدم جواز ترك الوظائف الشرعية بدعوي عدم التعلم .

نعم بالنسبة‌ إلي غير التعلم من مقدمات العمل الوجودية يمكن القول بعدم لزوم تحصيلها قبل الوقت و الشرط بالنسبة إلي الواجب الموقت أو المشروط لعدم فعلية الأمر فلايكون معاقبا عليه .

ثم إنه إذا أمكن المكلف الإتيان بالوظيفة و لو إجمالا بأن يستأنف العمل عند شكه في الأجزاء أو الشرائط أو ركعات الصلاة بحيث يطمئن بالإتيان بالعمل الصحيح فلا حاجة إلی‌ التعلم فإنه واجب طريقي و قد تقدم في الإبحاث الماضية جواز الإكتفاء بالإمتثال الإجمالي و لو مع التمكن من الإمتثال التفصيلي .

نعم إذا لم يتمكن من الإحتياط لدوران الأمر بين الجزئية و المانعية مع ضيق الوقت عن تكرار العمل أو قطعه و إستينافه وجب التعلم دفعا للضرر المحتمل .

و هكذا الحال مع إحتمال إبتلائه بمثل هذه المسألة إذ قد عرفت فيما مضي ثبوت إحتمال الضرر و العقاب عندئذ .

هذا و لكن لو قلنا بمقالة المشهور من حرمة‌ قطع العبادة أو خصوص الصلاة فلا سبيل إلي إحراز الإمتثال حينئذ إلا بتعلم أحكام الشكوك و السهو كي يبتني عمله علي تلك الأحكام فيما إذا إبتلي بهما فإن قطع الصلاة و إستينافها حرام و البناء علي أحد طرفي الشك و إتمام العمل ثم الإعادة غير جائز لإحتمال أن يكون المتيقن في حقه هو البناء علي الطرف الآخر و قد قطع العمل بالبناء علي الطرف الآخر .

و بالجملة علي القول بحرمة قطع الصلاة و إبطالها يجب علي المكلف تعلم المسائل الراجعة إلي الشك و السهو لأنه لا سبيل إلي إحراز إمتثال الأمر بالصلاة مع فرض الإبتلاء بها .

و الحمد لله

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo