< فهرست دروس

درس خارج اصول استاد اشرفی

91/02/02

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع البحث: المصلحة السلوكية

نعلم بأن الأحكام الإلهية‌ نشأت من المصالح و المفاسد الموجودة في متعلقات التكاليف و أحیانا فی نفس التکلیف و لم‌يكن جعلها بلاملاك، خاصة علی مذهب العدلية القائلة بالحسن و القبح العقلي؛ بداهة لحاظهما عند جعل القوانين في جميع الحضارات البشرية و تكون تلك القوانين منبعثة من العقل و المعرفة - و إن لم‌تطابق الواقعيات أحيانا لبعض الأمور- و إن كان واضعو تلك القوانين منكرين لله تبارك و تعالی إذ إنكار الحسن و القبح العقلي ضروري البطلان .

ثم إن المتكلم الجليل إبن قبة طرح إشكالات علی القول بحجية الظنون، أبدع الشيخ الأنصاري لحلها القول بالمصلحة السلوكية .

و من جملة تلك الإشكالات لزوم تفويت الشارع مصلحةَ الواقع عن المكلف عند عدم إصابة الظن للواقع إذ لو قامت الأمارة مثلا علی إستحباب صلاة الجمعة في عصر الغيبة مع كونها واجبة عند الله تفوت عنه مصلحة الوجوب و لاينبغي للشارع أن يسبب بجعله تفويت المصلحة .

و لايخفی عدم تفويت المصلحة لو لم‌يقم من الشارع حجة لدرك الواقع إذ العقل حاكم بلزوم الإحتياط لدرك المصلحة المحتملة حينئذ و لاينقض هذا بالقطع بالحكم إذا كان مخالفا للواقع فإن حجيته ذاتية لاتناله يد الجعل شرعا حتی يكون الشارع هو السبب لتفويت مصلحة الواقع و هكذا بالنسبة إلی الإلقاء في المفسدة إذ لو كان العصير العنبي حراما واقعا و قامت الأمارة‌ علی حليتها فارتكبها المكلف يلقی في مفسدته و يكون الملقي هو الشارع حيث أقام الأمارة‌ الظنية حجة علی المكلف .

و من جملة الأجوبة لهذا الإشكال ما أبدعه الشيخ الأعظم و هو القول بالمصلحة السلوكية التي عبارة عن وجود المصلحة في العمل بالأمارة و جبران ما فات من المصلحة بالسلوك علی طبق الأمارة فيكون العمل بقول العادل في إستحباب صلاة الجمعة مثلا ذا مصلحة تجبر بها ما تفوت أحيانا من المصالح و هكذا لو أفتی المجتهد بخلاف الواقع و لم يكتشف للمقلد الواقع إلی منتهی أجله و عمل به المكلف، يجبر بالسلوك علی وفق فتواه ما فات عن المكلف من المصلحة إلی‌ آخر عمره و لو إنكشف له بعد حين فيجبر به ما فات منه من المصلحة إلی ذاك الحين و هكذا لو فات بالعمل بالأمارة ‌مصلحة أول الوقت في الصلاة‌ .

ثم قال الشيخ - في بحث التعارض - لو قام دليل علی أن صلاة الجمعة مندوبة و قام الآخر علی وجوبها أو إباحتها يكون المقام من باب التزاحم حيث أن أحدهما مخالف للواقع ولكن السلوك علی‌ طبقه يوجب جبر المصلحة الواقعية و هكذا بالنسبة إلی الدليل الثاني فيكون العمل بكل منهما ذامصلحة و بما أنه لايمكن الجمع بينهما؛ فللمكلف الخيار بينهما .

و أورد عليه الأستاذ الخوئي بأن المصلحة السلوكية‌ إنما تجري فيما إذا كانت الحجية‌ مفروغا عنها كما إذا قام عند المجتهد دليل واحد علی‌ ندبية‌ صلاة الجمعة؛ ولكن المقام الذي قام الدليلان المتعارضان فيها لاتشملهما دليل الحجية من أصله لإستلزامه التعبد بالمتناقضين أو لأحدهما فيلزم الترجيح بلا مرجح فلايصح قياس المقام به .

و لنا في كلام الأستاذ مناقشة: إن معنی المصلحة ‌السلوكية هو وجود إقتضاء الحجية في الدليل لا فعليته لكي یستشكل الأستاذ بعدم فعليتهما معا في المتعارضين و إلا لزم القول بعدم المصلحة‌ حتی بالنسبة‌ إلی ما وافق الواقع أيضا و لم‌يلتزم بذلك أحد فيصح كلام الشيخ هنا .

ثم أشار الأستاذ تبعا للمحقق النائيني إلی‌ قسمين آخرين من السببية‌

الأول: ما هو منسوب إلی‌الأشاعرة و هو القول بجعل الحكم الواقعي بقيام الأمارة عليه و قد مر فضاحة‌ هذا القول و ما فيه إذ لو ‌لم‌يكن هناك واقع فعم يخبر الأمارة .

الثاني: و هو التصويب و السببية المنسوب إلی المعتزلة‌ و هو القول بتبدل الواقع بقيام الأمارة‌ في صورة‌ مخالفتها له في مقام الفعلية و بقاء الحكم الواقعي الأولی في حالة الإنشاء إذ كانت الأحكام مشتركة‌ بين العالم و الجاهل .

ثم علی هذين المبنيين فما يكون مقتضی تعارض الأدلة من التساقط و التخيير ؟

فنقول إنه فصل الأستاذ هناك البحث و ذكر أنه قد يقال بأن المصلحة تكون في متعلق التكليف كنفس صلاة الجمعة‌ و قد يقال بأن المصلحة تكون في الإلتزام بالعمل بقول العادل ثالثة بوجودها في الإيجاب و الحكم الإلهي .

فعلی‌الأول: تارة‌ يكون التنافي بين المتعلقين بنحو التناقض كالتناقض بين وجوب صلاة الجمعة و عدمه و أخری يكون التنافي بينهما بنحو التضاد .

و التنافي بنحو التضاد أيضا علی ثلاثة أقسام فتارة يكون مما لا ثالث لهما كما إذا قام دليل علی وجوب الحركة و الأخر علی وجوب سكونه و أخری يكون لهما الثالث كما إذا قام دليل علی وجوب القيام في صلاة الزلزله و الآخر قام علی وجوب الجلوس إذ هناك إحتمال ثالث و هو الإستلقاء أو الإضطجاع و ثالثة قام أحدهما علی وجوب شيء و الآخر علی وجوب شيء آخر كما إذا قام أحدهما علی وجوب صلاة الجمعة و الآخر علی وجوب صلاة الظهر يوم الجمعة .

ففي تلك الموارد يكون ثمرة التعارض تعارض الأدلة ‌و تساقطهما عن الحجية‌ لا تزاحمهما .

أما علی قول القائلين بالسببية من الإلتزام بثبوت المصلحة في نفس الإلتزام بالعمل بقول العادل فهذا يكون مبتنيا علی وجوب الموافقة الإلتزامية و بما أنه لابرهان له يكون مطروحا أيضا .

أما علی القول بأن المصلحة تقوم في فعل الله فيكون خارجا عن محل الكلام بالطريق الأولی بل مقتضی القاعدة حينئذ هو الكسر و الإنكسار في الملاك و إنشاء حكم واحد .

و نحن لا نتعرض الكلام في تلك الأقسام لبطلان القول بالتصويب و نرجع إلی البحث عن التعارض .

و الحمد لله

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo