< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ مصطفی أشرفي شاهرودي

41/01/18

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: فقه الطهارة- ماء البئر- الاخبار الدالة علی انفعال ماء البئر بملاقاة النجاسة عند القائلین به من القدماء.

وصلت النوبة إلی البحث عن معارضات أدلة عدم إنفعال ماء البئر بملاقاة النجاسة و قد فصّل البحث فی ذلک سیدنا الأستاد() و ذکره السید الحکیم() فی المستمسک بنحو إجمالی.

فأقول: عمدة ما ورد فی المنزوحات، ذکره صاحب الوسائل() فی الأبواب المتعددة بعد باب 15 من أبواب الماء المطلق لکنّها مختلفة المضمون فی الحکم حتی فی مورد واحد کالفأرة و غیرها و هو شاهد علی عدم ضابطیة تخصیصه فی نجاسة البئر بملاقاة النجس.

تفصیل الاخبار الدالة علی انفعال ماء البئر بملاقاة النجاسة: أما الأستاد() فبذل جهده فی المقام فی تزییف قول القدماء بتنجس البئر بملاقاة النجاسة إعتماداً منهم علی الروایات المتظافرة بل المتواترة الواردة فی المقام فقال إنّهم إستدلوا علی نجاسة ماء البئر بملاقاة النجاسة بأربع طوائف من الأخبار.

الطائفة الأولی: الأخبار المتظافرة البالغة حدّ التواتر إجمالاً التی دلّت علی وجوب نزح المقدرات المختلفة بإختلاف النجاسات الواقعة فی البئر لأنّها ظاهرة فی کون الأمر بالنزح إرشاداً إلی نجاسة البئر و النزح مقدمة لتطهیرها، لا أنّ النزح واجب شرطی تعبدی للوضوء و الغسل و الشرب من ماء البئر عند وقوع النجاسة فیها هذا مضافاً إلی تصریح بعض الروایات علی أنّ النزح واجب لإزالة النجاسة عن البئر. کصحیحة علی‌بن‌یقطین؛ «یجزیک أن تنزح منها دلاء فإن ذلک یطهرها إن شاء الله‌تعالی»[1] و صحیحة إبن‌بزیع فی وقوع النجاسات فی البئر؛ ما الذی یطهّرها حتی یحلّ الوضوء منها للصلاة؟ فوقع علیه‌السلام بخطه فی کتابی: «ینزح دلاء منها»[2] حیث قرر الإمام() ما ذکره الکاتب إلیه و لم‌یرد عن إعتقاده النجاسة و کیفیة تطهیرها.

و یؤیّد هذا المضمون بل یکون قرینة علیه التفصیل الوارد فی عدة من الروایات بین تغیّر البئر بالنجاسة فأوجب فیه النزح إلی أن یزول عنه التغیّر و بین عدم تغیّره فأمر بنزح دلاء بعد العلم بأنّ تغیّر ماء البئر یوجب نجاسته و لاتطهر إلّا بزوال التغیّر. من تلک الروایات موثقة سماعة؛ قال: «إن أدرکته قبل أن ینتن نزحت منها سبع دلاء»[3] و روایة أبی‌خدیجة؛ «إذا ماتت و لم‌تنتن فأربعین دلواً و إذا إنتفخت فیه و نتنت نزح الماء کلّه»[4] .

و یزید فی القرینیة علی النجاسة ترخیص الإمام() فی التوضّی من البئر التی وقع فیها حیوان مزبوح بعد نزح دلاء یسیرة کما فی صحیحة علی‌بن‌جعفر؛ قال: و سألته عن رجل ذبح دجاجة أو حمامة فوقعت في بئر، هل یصلح أن یتوضّأ منها؟ قال: «ینزح منها دلاء یسیرة ثم یتوضّأ منها»[5] حیث إنّ قوله() «ثم یتوضّأ منها» قرینة علی أنّ نزح الدلاء المذکورة إنّما کان مقدمة لتطهیر البئر کی جاز التوضّی بها و لم‌یجز قبل نزحها.

و أجاب سیدنا الحکیم() عن الإستدلال بهذه الطائفة تارة بأنّ إختلاف الأخبار فی النزح شاهد علی کونه مستحباً و من هنا لم‌یهتموا() بتقدیره علی وجه معیّن دقیق و قد حدّد فی بعض الأخبار بمقدار معیّن فی نجاسة و حدّد فی بعض آخر فی نفسها بمقدار آخر کما تراه فی روایة إبن‌أبی‌عمیر عن کردویة فی وقوع الدم و الخمر فی البئر بثلاثین دلواً و فی صحیح حریز عن زرارة بعشرین دلواً[6] و علیه تحمل الروایات علی الإستحباب کما فی نظائرها.

و أخری بأنّ مقتضی الجمع العرفی بین الطائفتین هو حمل إخبار الطهارة علی طبیعتها فی مقابل النجاسة و حمل أخبار النجاسة علی مرتبة ضعیفة منها لاتمنع عن شربه أو التوضّی به أو الغسل به و لاترتفع هذه المرتبة إلّا بنزح دلاء و لانحملها علی مرتبة قویة من النجاسة کی تمنع عن إستعمال الماء مطلقا.

و أورد علیه الأستاد() إما بالنسبة إلی الحمل علی الإستحباب بأنّ الإختلاف فی بیان الضابطة و المقادیر لایکون قرینة لحملها علی الإستحباب بوجه بل مقتضی الصناعیة العلمیة هو الأخذ بالأقلّ و حمله علی الوجوب إذ لامعارض له فی شیء و یحمل المقدار الأکثر علی الإستحباب.

و أما بالنسبة إلی الجمع الثانی بأنّه لیس جمعاً عرفیاً یفهمه أهل اللسان إذا عرضنا علیهم المتعارضین و لایکاد یفهمون من الطهارة طبیعتها و من النجاسة مرتبة ضعیفة منها مضافاً إلی أنّه غیر معقول لإستحالة إجتماع الطهارة مع النجاسة ولو بمرتبة ضعیفة منها لأنّهما ضدّان کالبیاض و السواد.

ثم أنّه() ذکر أنّ الطائفتین (أی أخبار الطهارة و هذه الطائفة من أخبار النجاسة) من أظهر أنحاء المتعارضین فإنّ کلّاً منها ینفی ما یثبته الآخر فلا محیص من الرجوع إلی المرجحات المذکورة فی باب التعادل و الترجیح و حینئذ إن قلنا بأنّ الآیتین قوله تعالی: ﴿أنزلنا من السماء ماءً طهوراً﴾[7] و قوله تعالی: ﴿و ینزل علیکم من السماء ماءً لیطهرکم به﴾[8] دالتان علی طهارة جمیع المیاه فالترجیح مع الطائفة الأولی (هی الأخبار الدالة علی طهارة ماء البئر) فإنّ أول المرجحات موافقة الکتاب و إن ناقشنا فی دلالة الآیتین علی الطهارة المصطلحة فلامحالة تصل النوبة إلی المرجح الثانی و هی مخالفة العامة الراجحة علی موافقتهم و لاریب أنّ أخبار طهارة البئر عند ملاقاتها للنجاسة مخالفة للعامة إذ العامة متفقون علی نجاسة البئر بملاقاتها النجاسة غیر أنّ المالکیة و الحنفیة إلتزما بنجاستها سواء کانت البئر بمقدار قلتین أم لا. و إختلفا فی مقدار النزح بإختلاف النجاسات کمیتة الإنسان و غیرها و الشافعیة و الحنابلة فصّلا بین ما إذا کانت البئر قلتین فلاتنجس البئر و ما إذا کانت أقلّ من قلتین فتنجس و مرجع ذلک إلی الفرق بین ما إذا کانت البئر کرّاً أو غیر کرّ إذ الکرّ عندهم بمقدار قلتین و بالجملة المشهور عندهم بنجاسة البئر بالملاقاة فتکون الاخبار الدالة علی طهارة البئر راجحة لمخالفتها للعامة.

هذا مضافاً إلی أنّ فی الأخبار المشعرة بالنجاسة الدالة علی النزح قرینة علی أنّهم() لم‌یکونوا بصدد بیان الحکم الواقعی بل کانوا بصدد الإجمال و التقیة کما فی صحیحة إبن‌بزیع حیث سأل عما یطهر البئر فأجاب بقوله() (ینزح دلاء) من دون تعیین مقدارها مع أنّ الدلاء یصدق علی الثلاثة و ما فوقها و قل ما ورد فی النزح مقدار ثلاثة دلاء.

و بالجملة إذا حملت روایات النزح علی التقیة لابیان الحکم الواقعی، فلایمکن الإفتاء بإستحباب النزح إیضاً لأنّک قد عرفت ظهور روایات النزح فی الإرشاد إلی نجاسة البئر بالملاقاة و إذا رفعنا الید عن ظاهرها بما دلّ علی طهارة البئر و عدم إنفعالها بشیء فلاموجب للحکم بالإستحباب لولا لوجوب التعبدیین بعد کون البئر طاهراً إلّا مع ثبوت الدلیل علیهما.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo