< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ مصطفی الأشرفي

40/05/23

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: فقه الطهارة

انتهی کلامنا إلی ما أفاده المحقّق الهمدانی رحمه‌الله‌تعالی من عدم إنفعال الملاقی للمتنجس بالواسطة بدعوی أنّ غایة ما یدلّ علیه الاطلاقات المتقدمة إنّما هی تنجیس الماء بخصوص المتنجس کالید التی أصابها البول مثلاً إذا لاقت الماء القلیل بعد زوال رطوبة البول عن الید و صیرورتها جافة فإنّها إذا لاقت الماء القلیل لا یتنجس الماء و إن کان نفس الید قذراً و متنجساً و ذلک لأنّ إطلاق القذر علی المتنجس بالواسطة (و هو الماء القلیل فی المثال) غیر معلوم.

ذکرنا فی الأمس أنّه تمسک لردّه بصحیحة الفضل و روایة معاویة بن‌شریح حیث ذکر أن سؤر الکلب نجس و لذا أمر بغسل الإناء بل و تعفیره مع أنّ الکلب شرب من الماء القلیل فصار الماء متنجساً ثم لاقی الماء المتنجس الإناء فحکم بتطهیر الإناء و تعفیره مع أنّه تنجس عن الماء المتنجس بولوغ الکلب و ذکرنا فی الأمس إطلاق القذر علی المتنجس.

وجه الدلالة: إنّه علّل الحکم بعدم جواز التوضّی و الشرب من سؤر الکلب بأنّه رجس نجس فیعلم من ذلک أنّ المدار فی التنجس هو ملاقاة الماء للنجس فیتعدی من الکلب إلی غیره من أفراد النجاسات و حیث أنّ النجس کما أطلق علی العین النجسة کذلک صحّ إطلاقه علی المتنجس إذ لم یؤخذ فی مادة النجاسة و لا فی هیئتها ما یخصه بالنجاسة الذاتیة و علیه فالمتنجس نجس حقیقة فإذا لاقاه شیء من الماء القلیل فقد لاقی القلیل نجساً فیحکم علیه بالنجاسة و عدم جواز الشرب و التوضّی منه فالروایتان تدلان علی منجسیة المتنجسات للقلیل سواء کان بلا واسطة أم معها.

و أجاب الأستاد قدس‌سره عن ذلک: بأنّ الرجس الذی أردفه بالنجس هو ما یکون خبیثاً بالذات الذی یعبّر عنه بالفارسة «پلید» کما فی قوله تعالی ﴿إنّما الخمر و المیسر و الأنصاب و الأزلام رجس من عمل الشیطان فإجتنبوه لعلّکم تفلحون﴾.[1]

و لایصحّ إطلاقه علی المتنجسات إلّا مع القرینة «فهل یصحّ إطلاقه مع عالم هاشمی ورع تنجس بدنه بنجاسة؟!!» و علیه فالروایة مختصة بالأعیان النجسة و لا تعمّ المتنجسات مع أنّه لیس إطلاق الرجس النجس علی الکلب لإثبات العلة فی الاجتناب حتی یتعدی إلی سایر النجاسات فضلاً عن المتنجسات، بل هی فی مقام بیان الفرق بین الکلب و سایر الأعیان النجسة. و لذا خصّ الکلب بتعفیر الإناء الذی ولغ فیه لما فی الکلب من الخصوصیة المختصة به فلا یتعدی إلی غیره من النجاسات و من هنا ظهر الجواب عن التمسک بالروایة الثانیة مع ما فیها من ضعف الراوی لعدم توفیق معاویة بن شریح فی کتب الرجال.

و قد یتمسک لردّ احتمال عدم تنجیس المتنجس بالواسطة بصحیحة زرارة الواردة فی الوضوآت البیانیة «قال أبوجعفر ألا أحکی لکم وضوء رسول الله فقلنا: بلی. فدعا بقعب فیه شیء من ماء فوضعه بین یدیه ثم حسر عن ذراعیه ثم غمس فیه کفّه الیمنی ثم قال: هکذا إذا کانت الکفّ طاهرة»[2] حیث إنّها شاملة للمتنجس مع الواسطة فإنّها تدلّ بالمفهوم علی أنّه إذا لم تکن الکفّ طاهرة لا یجوز غمسها فی الماء و لیس ذلک إلّا من جهة تنجس الماء بالکفّ الغیر الطاهرة فالمتنجس مع الواسطة لا یصدق علیه الطاهر.

و أجاب سیدنا الأستاد رحمه‌الله‌تعالی عنه: بأنّ عدم جواز الوضوء بالماء الملاقی للکفّ الغیر الطاهرة لعلّه من حیث المنع إستعمال الماء المستعمل لرفع الخبث، فی رفع الحدث و إن فرضنا طهارته کماء الغسالة أو المستعمل فی الإستنجاء مع أنّه طاهر بلا کلام.

أقول: فی ما أفاده مجال للتأمل فالروایة مجملة عند الأستاد رحمه‌الله‌تعالی.

قال السید رحمه‌الله‌تعالی فی العروة: حتی برأس إبرة من الدم الذی لا یدرکه الطرف.

حکی عن الشیخ رحمه‌الله‌تعالی فی الإستبصار و التهذیب بعد نقل حدیث علی بن جعفر «فی رجل رعف فامتخط فصار بعض ذلک الدم قطعاً صغاراً فأصاب إنائه هل یصلح له الوضوء منه؟ فقال: إن لم یکن شیئاً یستبین فی الماء فلا بأس و إن کان شیئاً بیّناً فلا تتوضّأ منه ...»[3] عدم لزوم الاجتناب عما إذا کان الدم مثل رأس الإبرة التی لاتحس و لاتدرک فإنّ مثل ذلک معفو عنه. و علّل ذلک فی محکی المبسوط بأنّه لایمکن التحرز عنه. و الروایة صحیحة السند إنّما الکلام فی دلالتها: و ذکر فیها وجوهاً:

الأول: ما عن شیخنا الأنصاری رحمه‌الله‌تعالی من کون وقوع الدم داخل الإناء أحد طرفی العلم الإجمالی و طرفه الآخر خارج الماء و هو الإناء و بما أنّ الخارج لا یکون طرفاً للإبتلاء فلا یکون العلم الإجمالی منجزاً فتجری قاعدة الطهارة فی الماء.

الثانی: ما حکی عن شیخنا الطوسی رحمه‌الله‌تعالی من التفصیل بین الدم الذی یستبین و ما لا یستبین.

الثالث: ما إحتمله صاحب الوسائل و شیخنا الشریعة رحمهما‌الله‌تعالی فی بحثه من حمل الشبهة علی الشبهة البدویة و أنّ المراد احتمال وقوع الدم علی الإناء دون مائه و دون الأعم منه و من الماء و أنّ السائل علم بوقوع قطرة دم علی الإناء ولکن شکّ فی أنّها هل أصابت الماء أم لا. ففصّل الإمام بین صورتی العلم بوقوع الدم فی الإناء و الماء فحکم بنجاسة الماء و الشکّ فی إصابة الماء فحکم بطهارته فالمراد بالاستبانة هو العلم بوقوع القطرة فی الماء فإذا لم یکن ذلک معلوماً فلیحکم علیه بالطهارة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo