< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ مصطفی الأشرفي

40/05/22

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: فقه الطهارة

إنتهی کلامنا إلی ما أفاده سیدنا الأستاد رحمه ‌الله‌ تعالی فی ردّ قول المحقّق الخراسانی رحمه ‌الله‌ تعالی من عدم تنجیس المتنجس تمسکاً بعدة روایات تکون المسؤول فیها ملاقاة عین النجس فأجاب الأستاد رحمه‌الله‌تعالی عنها بالروایات المطلقة الشاملة بإطلاقها لملاقاة الماء مع المتنجس فإنّها دلّت علی إنفعال الماء الملاقی لما أصابه النجس و إن لم تکن العین باقیة معه.

(منها) مؤثقة سماعة «إن أصاب الرجل جنابة فأدخل يده في الإناء فلا بأس ، إذا لم يكن أصاب يده شيء من المني.»[1] حیث أنّ الإصابة أعم من تلوث الید بالمنی.

و (منها) مؤثقة الأخری «سألته عن رجل يمس الطست، أو الركوة، ثم يدخل يده فى الإناء قبل أن يفرغ على كفيه؟ قال: يهريق من الماء ثلاث حفنات، و إن لم يفعل فلا بأس، و إن كانت أصابته جنابة فأدخل يده في الماء فلا باس به إن لم‌يكن أصاب يده شيء من المني. و إن كان أصاب يده فادخل يده في الماء قبل أن يفرغ على كفيه فليهرق الماء كله.»[2]

و (منها) حسنة شهاب‌بن‌عبدربه «في الرجل الجنب يسهو فيغمس يده في الإناء قبل أن يغسلها، قال: إنه لا بأس إذا لم يكن أصاب يده شيء»[3] فی الطریق علی‌بن‌الحکم المشترک بین الثقة و غیره.

و (منها) صحیح البزنطی «عن الرجل يدخل يده في الإناء وهي قذرة؟ قال: يكفىء الإناء.»[4] حیث أنّ القذر یطلق علی المتنجس و إن لم یکن متلوثاً بعین النجاسة.

و (منها) ما تقدم فی الأمس من روایة أبی‌بصیر «سألته عن الجنب يحمل (یجعل) الركوة أو التور، فيدخل أصبعه فيه؟ قال: و قال: إن كانت يده قذرة فأهرقه، وإن كان لم‌يصبها قذر فليغتسل منه. هذا مما قال الله‌تعالى ﴿ما جعل عليكم في الدين من حرج﴾[5] »[6] فإنّ القذر هو ما أصابه القذارة بقرینة المقابلة مع قوله (و إن کان لم یصبها) فإنّ التفصیل قاطع للشرکة.

ألا أنّه ربّما یتوهم تقیید هذه الإطلاقات بروایة أبی‌بصیر منهم «إذا أدخلت يدك في الإناء قبل أن تغسلها فلا بأس، إلا أن يكون أصابها قذر بول أو جنابة، فإن أدخلت يدك في الماء وفيها شيء من ذلك فأهرق ذلك الماء.»[7] بدعوی أنّ المستثنی من عدم البأس إنّما هو خصوص ما کان فیه قذر البول أو المنی لقوله علیه‌السلام «و فیها شیء من ذلک» فالممنوع إدخال الید فی الإناء إذا کان فیه عین البول أو المنی فیبقی الرخصة ما إذا لم یصبه النجس رأساً أو أصابه ولکن لم یکن مُتلوّثاً به.

و أجاب الأستاد رحمه‌الله‌تعالی عنه: بأنّ الإستدلال مبنی علی إرادة القذر بمعناه الوصفی فتکون الإضافة بیانیة و قوله «ذلک» إشارة إلی عین النجاسة إلّا أنّه من المحتمل إرادة المعنی المصدری أی التنجس الناشی من البول أو المنی لا نفسهما و یکون المراد من اسم الإشارة نجاسة البول و المنی لصحة إرجاع الضمیر إلی القذر بکلا معنییه (الوصفی و المصدری) و معه تصبح الروایة مجملة ساقطة عن الاستدلال مضافاً إلی صفتها لوقوع عبدالله‌بن‌مغیرة و لم‌یثبت أنّه الثقة. فتأمل.

و أما الکلام فی جهة الثالثة: أعنی ما أفاده المحقّق الهمدانی رحمه‌الله‌تعالی من عدم التنجیس الشیء إذا أصابته النجس مع الواسطة بدعوی أنّ المتنجس بالواسطة غیر مشمول لتلک الإطلاقات و لانری بأساً فی الالتزام بعدم انفعال الماء القلیل بالمتنجس مع الواسطة و إن التزمنا بتنجسه إذا أصابه المتنجس بلا واسطة و ذلک لقصور الأدلة من التعمیم إذ هی شاملة لتنجس الماء بخصوص المتنجس بعین النجس کالید التی أصابها البول أو المنی مثلاً و أما المتنجس بالید التی أصابها البول فغیر مشمولة لتلک الإطلاقات و لم‌یطلق علیه القذر کما اطلق علی المتنجس بلاواسطة و لفظ القذر و إن کان یطلق علی المتنجس -کما ذکرنا- إلّا أنّ إطلاقه علی المتنجس بالواسطة غیر معلوم.

نعم قد یقال باستفادة ذلک من روایتین وردتا فی الکلب و سؤره، إحداهما صحیحة الفضل‌أبی‌العباس «سأله عن الكلب؟ فقال: رجس نجس لايتوضّأ بفضله، و اصبب ذلك الماء و اغسله بالتراب أوّل مرّة، ثمّ بالماء»[8] حیث أنّها تشمل المتنجس ولو مع الواسطة لإطلاق النجس علی المتنجس لأنّه فی مقابل الطاهر سیّما مع التعلیل و مثلها روایة معاویة بن شریح. «قال: سأل عذافر أباعبدالله عليه‌السلام و أنا عنده عن سؤر السنور و الشاة و البقرة و البعير و الحمار و الفرس و البغل و السباع، يشرب منه أو يتوضأ منه؟ فقال: نعم اشرب منه و توضأ. قال: قلت له: الكلب؟ قال: لا. قلت: أ ليس هو سبع؟ قال: لا والله إنه نجس، لا والله إنه نجس.»[9] و سیأتی مزید البحث فی ذلک فی الدرس الآتی إنشاءالله تعالی.

یمکن الاستدلال لتنجیس المتنجس بما رواه أبوالعباس فضل ‌بن‌ عبد الملک البقباق «قال: سألت أباعبدالله عليه‌السلام عن فضل الهرة و الشاة و البقرة و الإبل و الحمار و الخيل و البغال والوحش و السباع، فلم أترك شيئا إلا سألته عنه؟ فقال: لا بأس به، حتى انتهيت إلى الكلب؟ فقال: رجس نجس لا تتوضأ بفضله و أصبب ذلك الماء، و اغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء.»[10] حیث إنّ الظاهر وقوع الفضلة فی الإناء فی غیر الکلب قال (لا بأس) و فی الکلب نهی و أمر بالغسل بالتراب ثم بالماء فیدلّ علی عدم تنجیس الماء للظرف بل و لا عدم تنجس نفس الماء مع کون الظاهر قلة الماء و یعلم منه خصوصیة فی الکلب دون غیره من النجاسات.

و نظیره خبر محمد بن مسلم: «عن أبي‌عبدالله عليه‌السلام قال: سألته عن الكلب يشرب من الإِناء. قال: اغسل الإِناء، الحديث.»[11]

فیدلّ علی تنجیس الماء للإناء مع کون الماء متنجساً نظیره صحیح علی‌بن‌جعفر فی شرب الخنزیر من الإناء فقال: «یغسل سبع مرات»[12] .

ذکر فی المنجد: قَذَر–ُ قَذُر–ُ قذِر–َ قذراً و قذارة ضد نظف کان وسِخا فهو قذُر و قذِر و قُذُر و قَذَر -إلی أن قال- القذر مصدر، الوسخ و قد یطلق علی الغائط.

قال فی مجمع البحرین: القذِر مصدر قَذِر الشیء فهو قَذِرٌ من باب تعب إذا لم یکن نظیفاً و القَذَر: النجاسة و بکسر المعجم، المتنجس و منه شیء قذر: بیّن النجاسة و منه قول الصادق علیه‌السلام «کلّ ماء طاهر الا ما علمت أنّه قَذِر»[13] .


[5] حج/ سوره 22، آیه 78.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo