< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ مصطفی الأشرفي

40/05/07

بسم الله الرحمن الرحیم

«بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ»

موضوع: (فقه الطهارة)

مسألة 8: إذا تغیّر بعض الجاری دون بعضه الآخر فالطرف المتصل بالمادة لا ینجس بالملاقاة و إن کان قلیلاً و الطرف الآخر حکمه حکم الراکد إن تغیّر تمام قطر، ذلک البعض المتغیّر وإلّا فالمتنجس هو المقدار المتغیّر فقط لاتصال ما عداه بالمادة.

هذه المسألة مشتملة علی فروع الأول حکم بعض الجاری المتصل بالمنبع (أو المادة) و الظاهر الاتفاق علی طهارته مع فرض عدم تغیّره بالنجس سواء کان کرّاً أم قلیلاً و الوجه فی الطهارة اتصاله بالمادة مع عدم تغیّر أوصافه و ذکر سیدنا الحکیم رحمه‌الله‌تعالی عن بعضهم الحکم بعدم الانفعال مع القلة مع اعتباره الکرّیّة فی الجاری معلّلاً بأنّ جهة المنبع فی الجاری أعلی سطحاً فلا تسری النجاسة إلیه من المتغیّر السافل عنه.

و أورد علیه: بأنّ العلو الموجب للجریان لا یمنع من سرایة النجاسة إلی العالی.

أقول: و فیه تأمل بعد إعتراف المستشکل بعدم سرایة النجاسة من السافل إلی العالی لمکان التدافع أو لعدم وحدة الماء إلّا أن یقال أنّ الماء الجاری لا علو فیه غالباً فی السطح کما تری ذلک فی العیون المستخرج من تحته الماء ثم یجری الماء من جوانبه العالیة فإذا فرضنا تغیّر الجانب العالی بالنجاسة و المفروض اتحاده مع الماء المستخرج من التحت فلا موجب لعدم تنجس الطرف إذا کان قلیلاً. لکن یرده أن تدافع ما یخرج من التحت مانع من انفعال الماء المتصل بالمنبع بنجاسة الماء غیر المتصل به کما هو الحال فی الفوارة.

الثانی: أنّه لا ریب فی تنجس الماء المتوسط الذی تغیّر أحد أوصافه الثلاثة بلا فرق بین کونه قلیلاً أو کثیراً علی ما تقدم الکلام فیه.

الثالث: حکم الماء المتأخر عن المتوسط المتنجس فقد فصّل الماتن رحمه‌الله‌تعالی بین ما إذا کان التغیّر بالنجاسة مشتملاً علی جمیع قطر الماء من الجانب العالی و السافل فحینئذ المتأخر بمنزلة الراکد فإن کان کرّاً فهو عاصم و طاهر و إن کان قلیلاً فهو متنجس بملاقاته للمتوسط المتنجس لعموم أدلة انفعال القلیل بملاقاة النجس و القول بطهارته عملاً بإطلاق ما دلّ علی اعتصام المتصل بالمادة، مندفع بانصراف الإطلاق إلی صورة اتصال الأثر لا بنحو یکون منفصلاً کالقطرة فإن ذلک خلاف المرتکز العرفی المنزل علیه التعلیل. نعم إذا لم یکن المتوسط متغیّراً بجمیع قطر قابل تغیّر بعض قطره و بقی الباقی علی حالته الأولی کان البعض المتأخر طاهراً لاتصاله بالمادة بالبعض الباقی غیر المتغیّر.

لکن صاحب الجواهر رحمه‌الله‌تعالی -بعد ما جزم بأنّ الحکم بطهارة الماء المتأخر القلیل فی غایة الضعف- قال (و المسألة لا تخلو من تأمل لأنّه یمکن أن یقال إن تغیّر بعض الجاری لا یخرج البعض الآخر عن هذا الإطلاق و إیضاً احتمال الدخول تحت الجاری معارض باحتمال الخروج فیبقی أصل الطهارة سالماً فیحکم علیه بالطهارة) إنتهی.

و أورد علیه سیدنا الحکیم رحمه‌الله‌تعالی بقوله: إذ فیه أنّ الإنصراف موجب للخروج عن الإطلاق (یعنی إطلاق قوله علیه‌السلام «فإنّ له مادة») و إنّ معارضة احتمال الدخول باحتمال الخروج مرجعها إلی إجمال دلیل اعتصام الجاری و المتعین الرجوع حینئذ إلی عموم انفعال القلیل لا إلی إصالة الطهارة" انتهی.

و ذکر سیدنا الأستاد رحمه‌الله‌تعالی رداً علی صاحب الجواهر رحمه‌الله‌تعالی أولاً بأنّ الموضوع للحکم بالاعتصام لیس هو الجاری کما عرفته سابقاً (أقول: و فیه تأمل) و إنّما حکم علیه بعدم الانفعال لأنّ له مادة علی ما استفدناه من صحیحة ابن‌بزیع و المادة -کما أسلفناه- بمعنی ما یمد الماء و ما منه یستمد بخروج المقدار المحتمل من الماء و هذا المعنی غیر متحقّق فی الماء المتأخر إذ لایستمد ذلک من المادة بوجه لانفصاله عنها فحکمه حکم الراکد فینفعل بالملاقاة مع المتوسط المتنجس. هذا بخلاف الماء المتصل بالمنبع لأنّه یستمد من المادة.

ثم لو فرضنا إجمال الصحیحة فی الشمول لمثل المقام و احتمال کفایة صدق الجاری علی الماء فی الحکم بالاعتصام فالمقام من أحد موارد إجمال المخصّص الذی یتردد الأمر فیه فی غیر المقدار المتیقن بین الرجوع إلی استصحاب حکم المخصّص أو الرجوع إلی عموم العام و هو نزاع معروف.

و فی المقام نقول: أنّه دلّ العموم علی إنفعال ماء القلیل بملاقاة النجس و قد خرج عنه القلیل الذی له مادة المشکوک شموله للماء المتأخر فیدور الأمر بین الرجوع إلی الاستصحاب أو العموم و مع التوقف إلی قاعدة الطهارة لا محالة و لعلّ صاحب الجواهر رحمه‌الله‌تعالی یرجع استصحاب حکم المخصّص فی أمثال المقام الذی لا یکون الزمان مأخوذاً فیه علی وجه التقیید کما ذهب إلیه جمع من الأعلام کشیخنا الأنصاری و صاحب الکفایة رحمهما‌الله‌تعالی بدعوی أنّ الشک إنّما هو فی حکمه بعد التخصیص لا فی مقدار ما وقع علیه التخصیص.

قال الأستاد رحمه‌الله‌تعالی: حیث إنّا أخترنا فی محله الرجوع إلی العام مطلق سواء أخذ الزمان فیه ظرفاً أو علی وجه التقیید فالمتعین هو انفعال المتأخر بمقتضی عمومات الانفعال و الذی یسهل الخطف إجمال المخصّص لأنّ الصحیحة لصدرها و ذیلها دلت علی أنّ المناط فی الاعتصام هو اتصال الماء بالمادة و هذا غیر صادق علی الماء المتأخر عن المتغیّر.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo