< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ مصطفی الأشرفي

40/02/04

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: (فقه الطهارة)

حاصل ما أفاده السید الأستاد() فی المرحلة الثانیة و هی تنجس المضاف بالملاقاة و إن کان کثیراً و أدلته:

(الأول): أنّ المستفاد من الروایات الأسئار أنّ نجاسة الملاقی من آثار النجاسة الملاقا و دلّت موثقة عمار بعمومها علی وجوب غسل کلّما لاقاه تنجس حیث ورد فیها لزوم تطهیر کلّما لاقاه الماء المضاف فبعمومه دلّ علی إقتضاء نجاسة الملاقی کثیراً کان أو قلیلاً ماء کان أو مضافاً و الخروج عن تحت هذا العموم یحتاج إلی دلیل و دعوی عدم إنفعال الملاقی محتاجة إلی إثبات عدم تأثّر و إنفعاله بالملاقاة و لم یقم الدلیل فی غیر الکرّ من الماء المطلق فعلیه أن یغسل ثیابه و یغسل کلّما أصابه ذلک الماء[1] .

(الثانی): و إستشهد لذلک إیضاً بالإستثناء الواقع فی بعض الروایات الواردة فی الأسآر فی شرب سؤر الکلب[2] بما إذا کان السؤر حوضاً کبیراً یستسقی منه حیث أنّ الإستسقاء قربتة علی کون المراد بالحوض الکبیر الذی یستقی منه حوضاً مشتملاً علی الکرّ بل الأکرار ففی غیره دلّت الروایة علی نجاسة السؤر بلا فرق بین کونه ماءً لم یکن کرّاً أو غیر ماء کالمضاف و إن کان کثیراً لیس بفضل السئور بأس .... و لا یشرب سؤر الکلب إلّا أن یکون حوضاً کبیراً یستقی منه.

(الثالث): ثم إستدلّ علی ذلک بروایتین أحدهما صحیحة زرارة فی وقوع الفارة فی السمن و ماتت و إن کان ذائباً فلا تأکله و إستصبح به و الزیت مثل ذلک[3] حیث أنّا نقطع من قوله() و الزیت مثل ذلک أنّ الحکم المذکور أعنی النجاسة ملاقی النجس لا تختصّ بالسمن و الزیت و إنّما هو مستند إلی میعانهما و ذؤبالها فکلّ مایع له ذؤبان یحکم بنجاسة إذا لاقی نجساً بلا فرق فی ذلک بین کثرته و قلّته و إلّا فلا ریب أنّ الزیت و الثمن خارجان من المضاف و إن تنجسها مستنداً إلی میعانها.

(الثانی من الروایتین) موثقة عمار فی السؤال عن وقوع بعض الحشرات فی البئر و موتها فیه أو فی السمن أو الزیت قال: کلّ ما لیس له دم فلا بأس[4] حیث یظهر منها أنّه لا خصوصیة للزیت و السمن بل المراد مطلق المایع و أقرّ الإمام() السائل فیما هو علیه من أنّ وقوع میته ما له نفس سائل فی شیء من المایعات یقتضی نجاسة و قد دلّت بإطلاقها علی عدم الفرق فی المایع بین المضاف و المطلق و بین کثرته و قلته. أقول: و بهذا المضمون روایات آخر فی الباب.

(الرابع): روایتان آخریان ذکرهما الأستاد() بعنوان المؤیّدین (أحدهما) روایة السکونی إنّ علیاً() سأل عن قدر طبخت و إذا فی القدر فارة؟ قال: یهراق مرقها و یغسل اللحم و یؤکل[5] (ثانیهما) روایة ذکریا بن آدم عن قطرة خمر أو نبیذ مسکر قطرت فی قدر فیه لحم کثیر و مرق کثیر؟ قال یهراق المرق أو یطعمه أهل الذمة أو الکلب و اللحم أغسله و کله ....[6] .

و ذکر سیدنا الأستاد() فی تقریب الإستدلال بهاتین الأخریتین أنّهما دلّتا علی إنفعال المضاف و هو المرق مع کثرته عند ملاقاته النجس و لا إستبعاد فی کون المرق بمقدار کرّ بل حکی عنه: أنّ العرب فی مضایفهم ربّما یطبخون بعیراً فی القدر و لا ریب فی زیادة القدر المزبور عن الکرّ سیّما علی تقدیر الکرّ سبعة و عشرین شبراً.

و دعوی إنصراف الأخبار عن المضاف الکثیر لقلّة وجوده – لو سلّمت – فإنّما تتمّ فی البلدان و الأمضا دون القری و البرادی لأنّهم کثیراً ما یجمعون الألبان فی القدور و غیرها بما یزید عن الکرّ بکثیر.

(الخامس): أنّ القول بعدم إنفعال المضاف ان کان مستنداً إلی عدم إنفعال رأساً، فلا ریب فی بطلانه صراحة الأدلة الماضیة و إن کان مستنداً إلی إنفعاله فی خصوص حوالی النجاسة الواقعة فیه و أطرافها فیقع الکلام فی تحدید ذلک و إنّه یتنجس بأیّ مقدار مثلاً بمقدار شبر أو بأزید أو بأقلّ لا سبیل إلی تعیین شیء من ذلک إذ لو قدّرنا الإنفعال بمقدار شبر فلنا أن نسأل عن أنّه لماذا لم یقدر بشیر و أصبع زید علیه و هکذا سایر المقادیر فیتعیّن أن یحکم بنجاسة جمیعه.

و خالف الأستاد سیدنا الحکیم() فی المستمسک مستدلّاً بعدم السرایة فی مثل (ألف کرّ بمجرد ملاقاة النجاسة ولو بمقدار رأس أبرة فی أحد أطرافه فینجس کلّه) کما ذکره صاحب العروة() نظر ما یأتی من عدم السرایة إلی العالی الجاری إلی السائل، و النصوص الواردة فی السمن و المرق و نحوها غیر شاملة لمثله و ثبوت الإجماع علی السرایة فی الکثرة المفرطة غیر ظاهر و من هنا یسهل الأمر فی عیون النظر المستخرج فی عصرنا، المعلوم غالباً مباشر الکافر له بالرطوبة المسریة إنتهی.

و أفاد السید السبزواری() فی کتابه مهذّب الأحکام: أنّ القول بتنجس الکثیر من المضاف أن کان لأجل المرتکزات فالمتیقّن منها غیره قطعاً و من الممکن أن تکون سرایة النجاسة کسرایة بعض الألوان و الروائح فی المضاف حیث أنّه لو ألقی بعض الألوان و الروائح فی المضاف یتغیّر خصوص الطرف الذی ألقی فیه.

و إن کان لأجل الإجماع فالمتیقّن منه لیس إلّا ذلک و لا وجه لشمول إطلاق معقده المطلق الکثیر لأنّه من التمسک بإطلاق کلمات المجمعین فی فرد غیر مأنوس بأذهانهم بل بأذهان المتشرعة إذ المأنوس فی أذهانهم هو مثل القدر و الحب و الطشت و الغدیر فی الجملة و المرکن و الخابیة[7] لا مثل أنابیب النفط التی تبلغ طولها فراسخ متعدّدة و إن کان لأجل الأخبار فلیس المذکور فیها إلّا القدر و الحب و نحوهما و إن کان لأجل قاعدة المقتضی و المانع بدعوی کون الملاقاة مقتضیة بالإنفعال إلّا مع الدلیل علی الخلاف.

ففیه: أنّه علی فرض إعتبارها إنّما یجری فیما إذا أحرز المقتضی مفصلاً و لکنا نشکّ فی إقتضاء ملاقاة النجس لإنفعال الجمیع فقاعدة الطهارة فی ما سوی المتیقّن الإنفعال تجری بلا دلیل حاکم علیها.

و دعوی صدق الوحدة المقتضیة للإتحاد فی الحکم مدفوعة بصدقها فی مثل الحب و القدر و أما الحوض الذی تسع ألف کرّ مثلاً لا نسلّم فی مثله عدم الإختلاف فی الحکم.

مع أنّ سرایة النجاسة فی مثل الدبس و الدهن المایع و نحوهما من موضع الملاقاة إلی سایر المواضع مشکل لقوة مانعیة الدسومة و الزوجیة عن السریان و یکفی الشکّ فی ذلک فی حکومة قاعدة الطهارة فی بقیة أمثال الدهن.

و أما صحیحة زرارة الظاهرة فی النجاسة السمن و الزیت الذین وقعت فهی الفارة و ماتت، فلأجل الإستقذار الموجود فیها لنوع النفوس فیمکن حمل النهی فیها علی التنزه کما ورد النهی عن أکل ما تمشه عن الفارة و الکلب إذا أکلا من الخبز أو شمّاه أ یؤکل؟ قال: یطرح ما شمّاه و یؤکل ما بقی[8] و إن أبیت عن ذلک و قلت بنجاسة الزیت و السمن الذائبین بوقوع الفارة فنأخذ بها فی خصوصها للتعبد بالنصّ دون سایر النجاسات کما خصّ التعفیر بولوغ الکلب دون سایر النجاسات.

و أما الإجماع فقدر المتیقّن منه خصوص ما کانت فیه رطوبة مائیة دون المضافات للشکّ فی السرایة فیها فتدفع بالأصل.

و ذکر فی دفع ما أفاده سیدنا الأستاد() تبعاً للمحقّق الهمدانی() من أنّ المفروس فی الأذهان أنّ الذوبان و المیعان علة لنجاسة الکلّ، بأنّه مجرد إدعاء و إثبات الکلیة فی الکبری یحتاج إلی دلیل هو مفقود.

و ذکر السبزواری() فی ذیل متن العروة (فینجس کلّه): أنّ المناط فی الإنفعال صدق الوحدة العرفیة و العلم بسرایة النجاسة و مع الشکّ فیهما فالمرجع قاعدة الطهارة و إستصحابها و ذکر فی الإستبعاد الوحدة أنّ المضاف الموجود فی أنابیب ضیقة طولها عشرون قداً أو أزید فی مکان غیر متحرک فصدق وحدة الموضوع عرفاً فی الطرف الآخر من الطرف الأول الملاقی مع النجس مشکل بل حاله البدن المتعرّق الذی لاقی بعض أجرائه النجاسة إنتهی.

أقول: حاصل ما أفاده السید الحکیم() و السید السبزواری() یرجع إلی وجوه:

الأول: إنکار السرایة فی المایعات الکثیرة و الروایات الواردة فی السمن و الزیت و الفارة غیر شاملة للکمیات الکثیرة البالغة حدّ الأکرار. الثانی: إباء ثبوت الإجماع فی مثل الکمیات البالغة حدّ الأکرار. الثالث: الشاهد علی عدم السرایة قیاس المقام بإدخال قطرة لون أحمر أو قطرة رائحة فی جانب الکثیر حیث أنّه لا یسری إلی الجانب الآخر عرفاً. الرابع: عدم صدق الوحدة فی الکمیات البالغة مع طول الظروف و منه أنابیب النفط و أقول لا بأس بهذه الوجوه إلی قاعدة الطهارة و إستصحابها.

ما أفاده الشیخ() سند بهذا الصدد: 1 – إطلاق النهی عن إستعمال الآنیة المستخدمة للخمر الشامل لإستعماله فی تناول المضاف (صحیح محمد بن مسلم) فی سؤال عن آنیة أهل الذمة و المجوس فقال: لا تأکلوا فی آنیتهم و لا من طعامهم الذی یطبخون و لا فی آنیتهم التی یشربون فیها الخمر[9] و مثلها صحیحة الأخری[10] و صحیحة أبی الربیع الشامی و إطلاق الأمر بغسل الإناء المتنجس کی لجوز إستعماله للمطلق المضاف مثل موثّقة عمار الساباطی أغسل الأناء الذی تصیب فیه الجرد میتاً سبع مرات و غیرها حیث أنّها بالإطلاق تشمل ما إذا أصیب فیه المضاف[11] و کذلک ما سأل عن قدح یشرب فیه الخمر هل یصلح أن یکون فیه خل أو ماء کالخ أو زیتون؟ قال: إذا غسل فلا بأس و قال أو إناء یشرب فیه الخمر قال: تغسله ثلاث مرات[12] و إیضاً تدلّ علی المضاف إطلاقات دلیل نجاسة سؤر الکافر و الکلب و الخنزیر و غیرها من الأعیان النجسة الشاملة للمضاف و دعوی الإنصراف إلی الماء لیست کاسرة للظهور الإطلاقی سیّما و أنّه ورد فی الأسئار الطاهرة ذکر مطلق الطعام فی مقابل الشراب و تدلّ موثّقة عمار فی الماء المتنجس بالفارة المیتة یغسل کلّ ما أصابه ذلک الماء علی تنجس کلّ ملاق له جسماً أو مایعاً مضافاً أو مطلق.

الکلام فی فرض کثرة المضاف ذکر الحکیم() عدم ظهور ثبوت الإجماع فی الکثیر و من هنا یسهل الأمر فی عیون النفط المشرح فی عصرنا. الأخبار الواردة فی إنفعال الماء القلیل أو المضاف، لا ریب فی أنّ المتشرعة بفطرتهم یستقذرون ملاقی القذر و ظاهر الفقهاء الإجماع علیه و یدلّ علیه فی الماء روایات باب 13 من أبواب الماء المطلق و روایات باب 11 من أبواب الماء المضاف.و إدعی الأستاد () أنّ إطلاق هذه الروایات یشمل ما إذا کان السؤر من المایعات المضافة إذ السؤر بمعنی کثمی باشره جسم حیوان ولو بغیرالشرب.

و روایات باب الأسئار باب 1 صحیح الفضل عن العباس و باب 26 من النجاسات حدیث 1 و حدیث 9 عدم الفرق فی المضاف بین القلیل و الکثیر حیث قال وجوب غسل کلّ ما لاقاه متنجس[13] و مما یوضح ذلک الإستفعاء الواقع فی بعض روایات الأسئار و هو الحوض الکبیر[14] و یدلّ علیه باب 5 من أبواب الماء المضاف حدیث 1 و باب 35 من أبواب النجاسات حدیث 1 إذا لم تغییر الریح أو الطعم من الماء فیتوضّأمنه وبشرب باب 3 من أبواب الماء المطلق و فی باب 4 أنّه یغسل کلّما أصابه ذلک الماء و یعید الوضوء و الصلاة.


[1] . موثقة عمار – وسائل الشیعة – باب4 من أبواب الماء المطلق – حدیث 1.
[2] . موثقة أبی بصیر – وسائل الشیعة – باب1 من أبواب الأسآر – حدیث 7.
[3] . وسائل الشیعة – باب5 من أبواب الماء المضاف – حدیث 1.
[4] .وسائل الشیعة – باب35 من أبواب النجاسات – حدیث 1.
[5] . وسائل الشیعة – باب5 من أبواب الماء المضاف – حدیث 3.
[6] . وسائل الشیعة – باب38 من أبواب النجاسات – حدیث 8. لا یخفی جهالة حسن بن مبارک علی ما أفاده الإسناد لکن الروایة مذکورة فی الکافی و التهذیب و قد بنینا علی قبول ما رواه إثنان من المشایخ الثلاثة.
[7] . هی الجرة الکبیرة کما وردت فی بعض الأخبار.
[8] . وسائل الشیعة – باب36 من أبواب النجاسات – حدیث 1.
[9] . وسائل الشیعة – باب27 من أبواب النجاسات – حدیث 2.
[10] . وسائل الشیعة – باب52 من أبواب النجاسات – حدیث 1.
[11] . وسائل الشیعة – باب53 من أبواب النجاسات – حدیث 1.
[12] . وسائل الشیعة – باب30 من أبواب الأشربة المحرمة – حدیث 1.
[13] . وسائل الشیعة – باب4 من أبواب الماء المطلق – حدیث 1.
[14] . وسائل الشیعة – باب1 من أبواب الأسئار – حدیث 7.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo