< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ مصطفی الأشرفي

40/01/22

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: (فقه الطهارة)

الذی تحصل من الأبحاث السابقة أنّ الآیة الأولی و هی قوله تعالی أنزلنا من السماء ماءً طهوراً وردت فی مقام الإمتنان علی البشر فی حیوته فی الکرة الأرضیة و قد سبقتها الآیات الأخری بهذا الصدد فقال و هو الذی جعل لکم اللیل لباساً و النوم سباتاً و جعل النهار نشوراً[1] و هو الذی أرسل الریاح بشراً بین یدی رحمته و أنزلنا من السماء ماءً طهوراً[2] لیحیی به بلدة میتاً و نسقیه مما خلقنا أنعاماً و أناسی کثیراً[3] فإنّ هذه الآیات تذکرة للإنسان بنعمه تعالی النازلة فی عالم الخلقة لمعیشة الإنسان القرینة للراحة و التمتع بنعمه تعالی لإستمرار الحیوة.

و لا ریب فی کون الماء من أحسن و أکمل ما یحتاج الإنسان إلیه فی حیوته لما فیه من رفع العطش و التمتع به فی دفع القذرات و الکثافات و زرع البذور و الأشجار إلی غیر ذلک.

و من کمال نعمة جعل هذا الماء طاهراً لذیذاً نقیاً عما یستقذره الطبع و کثیر من إنتفاع الإنسان من الماء تنظیف و تطهیر البدن و الألبسة من الأوساخ و هو معنی التطهیر الذی لازم کونه طهوراً فنفس تلک الخاصیة العظمی تنادی بکون الماء طاهراً فی نفسه و مطهّراً[4] للأوساخ و القذرات فالآیة لیست فی مقام الحکم التشریعی بل فی مقام ذکر نعم الله تعالی علی العباد و التوجه إلی مبدء الخلقة و باریها اللطیف الرحیم رب العالمین.

لکن هذه الخاصیة[5] تقتضی کونه بنفسه طاهراً غیر وسخ و لا دنس و مطهراً من الدناسة و الکثافة و إما حصول الطهارة الشرعیة بما فیها من الشرائط کتعدد الغسل أو التعفیر بالتراب أو نحو ذلک مما إعتبر فی حصول الطهارة الشرعیة الخبثیة فی بعض النجاسات شرعاً،فالآیة لیس لها إطلاق من هذا الجانب. نعم لها دلالة واضحة علی المطهریة[6] من الأوساخ و الأقذار و منها النجاسات کالبول و

الغایة والمنی ونظائرها وعلیه إذا کانت النجاسة أمراً تکوینیاً واقعیاً لا مجرّد إعتبار محض– کما هو الحق-تدلّ الآیة علی أنّ الماء مطهر له[7] . و أما الآیة الثانیة المستدلّ بها فی المقام فهی قوله تعالی إذ یغشیکم الناس أمنة منه و ینزّل علیکم من السماء ماءً لیطهرکم به و یذهب عنکم الرجز الشیطان و لیربط علی قلوبکم و یثبّت به الأقدام[8] فجعل الماء فی هذه الآیة مطهّراً صریحاً.

و أورد علی الإستدلال بهذه الآیة – مع قطع النظر عما تقدم من کون الآیتین مختصتان بماء المطر و أنّ النکرة فی سیاق الإثبات لا تثبت العموم – بأنّها وردت فی طائفة خاصة و هم المسلمون الذین یحاربون الکفار فی وقعة بدر و مع إختصاص المورد لا یمکن التعدی عنه.

و الجواب: أنّ الروایات دلتنا علی أنّ مورد النزول لا یوجب التخصیص لأنّ القرآن یجری مجری الشمس و القمر و یشمل جمیع الأطوار و الأعصار من دون أن یختصّ بقوم دون قوم بل فی بعضها أنّ الآیة لو إختصّت بقوم تموت بموت ذلک القوم[9] .

و أما ما أورد الأستاد() فی الإستدلال بالآیتین بأنّ الطهور و الطهارة مما لم یثبت له حقیقة شرعیة و لا متشرّعیة فی زمان نزول الآیتین و لم یعلم أنّ المراد من الطهور و الطهارة، المطهر من النجاسات و لم یظهر أنّه بمعنی الطهارة المبحوث عنها فی المقام فقد عرفت الجواب عنه فی الدرس الماضی.

و أما الروایات الدالة علی طهارة الماء فهی طوائف یمکن دعوی تواترها إجمالاً

(منها) ما دلّ علی أنّ الماء کلّه طاهر حتی تعلم أنّه قذر سواء أرید إثبات الطهارتین الواقعیة بصدرها و الظاهریة بذیلها و هو قوله (حتی تعلم) أو خصوص الظاهریة بالمطابقة و الواقعیة بالإلتزام[10] .

و (منها) ما دلّ علی أنّ الماء إذا بلغ قدر کرّ لا ینجسه شیء[11] .

و (منها) ما دلّ علی أنّ الماء یطهّر و لا یطهّر[12] .

و (منها) ما دلّ علی أنّ ماء البئر واسع لا یفسده شیء[13] إلی غیر ذلک من الروایات الواردة فی غسل الأوانی و الثیاب و غیرها.

و أما الروایات الدالة علی مطهریة الماء عن الحدث و الخبث فکثیرة إیضاً کروایات أبواب الوضوء والغسل و ما دلّ علی مطهریة الماء عن نجاسة البول و ولوغ الکلب و غیرهما من النجاسات.

قال السید صاحب العروة(): (مسألة 1: الماء المضاف مع عدم ملاقاة النجاسة طاهر لکنّه غیر مطهر لا من الحدث و لا من الخبث ولو فی حال الإضطرار) هذا إشارة إلی ما عن الصدوق() من جواز التوضی بماء الورد لکنّ الحق کون السؤال فی الروایة إشارة إلی غیر الحلاب بل نوع ماء خلط بالورد من دون صیرورته مضافاً.


[1] . سورة الفرقان – آیة 47.
[2] . سورة الفرقان – آیة 48.
[3] . سورة الفرقان – آیة 49.
[4] . أی مزیلاً.
[5] . أی رفع القذارات و الکثافات بالماء.
[6] . أی منظفیة.
[7] . أی رافع بما فیه من الخاصیة المنعم بها علی البشر.
[8] . سورة الأنفال – آیة 11.
[9] . راجع صفحة 9 من الجزء الثانی من موسوعة الإمام الخویی(.) متناً و هامشاً
[10] . وسائل الشیعة – باب1 من أبواب الماء المطلق – حدیث 5.
[11] . وسائل الشیعة – باب9 من أبواب الماء المطلق – حدیث 2.
[12] . وسائل الشیعة – باب1 من أبواب الماء المطلق – حدیث 6.
[13] . وسائل الشیعة – باب14 من أبواب الماء المطلق.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo