< قائمة الدروس

بحث الفقه الأستاذ مصطفی الأشرفي

40/01/19

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع: (فقه الطهارة)

قد عرفت تقسیم الماء إلی المطلق و المضاف و نزید فی تعریفها (حیث أنّ لهما أحکام مختصة بکلّ واحد منهما) ما أفاده الأعلام فی المقام: فذکر فی الشرائع فی تعریف المطلق: (هو کلّ ما یستحقّ إطلاق إسم الماء علیه من غیر إضافة) و ذکر فی الجواهر: (أنّ الظاهر إستغناؤه عن التعریف کما فی سائر الألفاظ الواردة فی الکتاب و السنة، بل هو أولی منها فیدور الحکم مدار صدق إسمه و عدم صحة سلبه .... و إنّ الأولی ترک تعریفه لأنّه لا لفظ أوضح من لفظ الماء) و ذکران تعریف الشرائع للتمییز بین المطلق و المضاف و لا ینافی صدق الماء المطلق وقوع بعض الأفراد منه مضافة کماء البحر و ماء البئر لوضوح إستحقاق إطلاق الماء بلا إضافة إلی کلّ من ماء البحر و ماء البئر.أقول: فالإضافة فیهما، لأجل الإشارة إلی التنویع فی الماء المطلق لا إلی إعتبارها فی صدق کلمة (الماء علیهما).

و زاد بعضهم علی ما ذکره فی الشرائع قوله: (یمتنع سلبه عنه) و کأنّه مستغنی عنه إذ إطلاقه إحیاناً علی المضاف لأجل وجود القرینة. ولو شکّ فی الصدق فإن کان لعروض عارض جری علیه حکم معلوم الصدق بناءً علی صحة إستصحاب الموضوع فیه و فی نظائره من الألفاظ العرفیة، و إلّا جاز شربه و سائر إستعماله فی کلّ ما لم یشترط فیه المائیة، و إما ما کان کذلک کإزالة الخبث أو الحدث فلا، للأصل فی المقامین، إیراد بالأصل فی جواز الشرب و نحوه، إصالة الطهارة أو إصالة الحلیة و بالأصل فی إزالة الخبث و الحدث: إستصحاب بقائلها عند الشاک فی الرافع.

و ذکر الوالد() (فی الجزء الأول من کتابه فی الطهارة)[1] أنّه یشکل تقسیم الماء إلی قسمین (المطلق و المضاف) بأنّه لو کان التقسیم حقیقیاً لزم صدق الماء حقیقة علی المضاف کماء التفاح و ماء البرتقال و المختلط بالطین إکثیر و ماء الورد و هو باطل لصحة سلبه عنها، و إن کان التقسیم لفظیاً من قبیل المشترک اللفظی لزم صدق الماء علی المضاف بإعتبار معنی الثانی للفظ الماء بلا حاجة إلی الإضافة إلّا لتعیین أحد المعنیین المشترکین و لا إشکال فی بطلانه لصحة سلب لفظ الماء عند إطلاقه عن ماء البرتقال و التفاح .... و حمل المقسم علی عموم المجاز کالمایع خلاف الأصل و الظهور إذ الظاهر من المقسم إرادة معناه عند الإطلاق.

و من هنا صار بعضهم بصدد رفع الإشکال بأنّ المیاه المضافة کماء الوحل و ماء اللحم لیست إلّا حقیقة الماء لکنّه إختلط الجسم الآخر کالوحل و اللحم، غایة الأمر إذا کان الخلیط کثیراً غیر مستهلک فی الماء تحقّق شیء ثالث لا یستحقّ إطلاق إسم الماء علیه بلا إضافة بل یستحقّ الإطلاق مع الإضافة إلی جزئه المخلوط به، فمرجع قولنا: ماء الوحل إلی إطلاق إسم الماء علی الجزء الأول المخلوط بالجزء الثانی[2] ولو صار المرکب مسمّی بإسم آخر غیر إسم الماء و بذلک ظهر أنّ لفظ الماء بما له من المعنی یصحّ إطلاقه حقیقة علی المضافات إذا قیّدت بالإضافة لا مطلق لصحة سلب الماء المطلق عنها بعد الترکیب و هذا من خصوصیات الترکیب الإنضمامی بخلاف الترکیب الإتحادی الذی یصحّ إطلاق مقسم علیه بلا إضافة إلی قید و أنّه لا یصحّ سلب إسم المقسم عنها.

نعم قد یقال بعدم جریان هذا المقام فی المعتمر من الأجسام کماء التفاح و ماء الرمان، لعدم وجود جزء مائی فیهما قبل الترکیب فحاله فی الإطلاق حال إطلاق ماء الوجه فی المجاز أو الکنایة. و إن أمکن الجواب عنه بإمکان تجزئه الماء الموجود فیهما عن غیره فیصحّ إطلاق الماء علیه مع الإضافة دون ماء الوجه.

و ذکر بعض المحقّقین[3] أنّ الماء الذی هو أحد العناصر الأربعة لیس من أفراده المیاه المضافة و إطلاقه علیها لیس من باب إطلاق لفظ الجامع علی المصادیق بل لإثبات أنّ منزلة هذا المایع بالنسبة إلی ما یضاف إلیه کمنزلة الماء بالنسبة إلی الأشیاء التی حیوتها بالماء و هذا إطلاق شایع یثبت منزلة شیء مع شیء آخر فقولک علی هارون محمد(صلی‌الله علیه و آله) مفاده أنّ منزلة علی() بالنسبة إلی محمد(صلی‌الله علیه و آله) منزلة هارون من موسی و یدلّ علی عدم کون المضاف ماءً، عدم صدق الحمل علیه من دون إضافة ولو کان ماء حقیقة لصحّ إطلاقه علیه من دون حاجة إلی الإضافة .....

فظهر أنّ تقسیم الماء إلی المطلق و المضاف مما لا معنی له أصلاً لأنّه تقسیم للشیء إلی نفسه و غیره فعدم کون المضاف مطهراً إنّما هو لأجل خروجه عن حقیقة الماء فلا یخفی علی من له أدنی تأمّل أنّ المعتصر من الأجسام لیس أجزاء مایعاً من تلک الأجسام. فهل یتوهّم متوهّم أنّ المعتصر من البطیخ لیس سوی البطیخ و هل یشکّ أحدان للبطیخ أجزاء أحدها هو المایع المعتصر منه ولو کان ذلک هو الماء حقیقة لکن الأشیاء المختلفة الحقائق متحدة فی الحقیقة فیتحد الصئب و البطیخ و الرقی و الرمان لأنّ العمدة فی هذه الأشیاء هو الجزء المایع.

و أما المختلط بالأجسام فإن کان الماء غالب علی ذلک الجسم غیر معتمحل فیه یترتب علیه أحکام الماء لأنّه لا یخرجه عن عداد الماء و إما إذا غلب الجسم المختلط علی الماء و إستهلک فیه فلا یترتب علیه حکم الماء و المرجع للتمییز هو العرف، و لیس عدم ترتب أحکام الماء علی الماء المستهلک فی الجسم الآخر لأجل کونه ماءً مضافاً بل لأجل هذا الجسم لیس بماء عرفاً و وجود الماء فیه بحسب الحقیقة لا یفید فی مرحلة الأحکام.

و الحاصل أنّ السالبة لأجل إنتفاء الموضوع لا لتخصیصه بخصوصیة مخصوصة غایة الأمران الإنتفاء بحسب العرف لا بحسب الحقیقة ولو کان المناط الحقیقة لکانت الأراحی الرطبة مطهرة إذا کانت أجزاء المائیة فیها بمقدار یبلغ الکرّ فی صورة التبخرته و بطلانه من أبده البدیهیات فی الفقه و کذلک المقدم و مع الشکّ الحاصل من الإختلاط فالمرجع هو الأصل ثم ذکر توجیه التطهیر بماء الورد.

و ذکر أنّ جواز الإغتسال و الوضوء بماء الورد فی بعض الروایات الذب أفتی به الصدوق() مجهول علی الماء الممتزج بأجزاء الورد لا المعتصر منه لشیوع إطلاق ماء الورد علی الماء الممتزج به. أقول: لقد أجاز هذا المحقّق().

ثم أنّه لا إشکال فی کون الماء المطلق طاهر مزمل للحدث و الخبث کتاباً و سنة کادت تکون متواترة، و إجماعاً محصّلاً و منقولاً نقلاً مستغیضاً بل متواتراً مما عن سعید بن المسیّب من عدم جواز الوضوء بماء البحر و ما عن عبدالله بن عمر من أنّ التیمم أحبّ إلیه لا یلتفت إلیه. هکذا جاء فی الجواهر.

و إستدلّ لذلک من الکتاب بقوله تعالی و أنزلنا من السماء ماءً طهواراً[4] فإنّ المراد من الظهور هنا المطهّر فیوافق قوله تعالی و ینزل علیکم من السماء ماءً لیطهّرکم[5] .

و قد وقع إستعمال طهور فی هذا المعنی فی جملة من الأخبار المعتبرة کقوله(صلی‌الله علیه و آله) جعلت لی الأرض مسجداً و طهوراً و أیّما رجل من أمتی أراد الصلاة فلم یجد ماء و وجد الأرض لقد جعلت له مسجداً و طهوراً[6] و قوله(صلی‌الله علیه و آله) طهور إناء أحدکم إذا ولغ الکلب أن یغسله سبعاً[7] و قوله(صلی‌الله علیه و آله) التراب طهور المسلم[8] و قوله(صلی‌الله علیه و آله) التویة طهور للمذنب و قوله(صلی‌الله علیه و آله) النورة طهور و قوله(صلی‌الله علیه و آله) النورة طهور للجسد و قوله(صلی‌الله علیه و آله) غسل الثیاب یذهب الهمّ و الحزن و هو طهور للصلاة و قوله() و قد سئل عن الوضوء بماء البحر هو الطهور ماؤه الحل میتته[9] و قال الصادق() کان بنو إسرائیل إذا أصابهم قطرة من البول قرضوا لحومهم بالمقاریض و قد وسع الله علیکم بما بین السماء و الأرض و جعل لکم الماء طهوراً فأنظروا کیف تکونون[10] و قوله تعالی و سقاهم ربهم شراباً طهوراً[11] بمعنب المنظف لأنّه ینظف عما أکل فیخرج عن جلده رشحاً علی ما قیل أو لأنّه یطهر شاربه عن المیل إلی غیر الحسنات أو الإلتفات إلی ما سوی الحق تعالی.

و قد نسب الشیخ() فی التهذیب إستعمال الطهور فی المطهّر إلی لغة العرب و أختاره فی المعتبر و نقله عن الشیخ() و علم الهدی() فی المصباح و هو المنقول عن الترمزی من أکابر أهل اللغة و عن نهایة إبن الأثیر (أنّ الطهور فی اللغة هو الذی یرفع الحدث و یزیل النجس، لأنّ فعولاً من أبنیه المبالغة فکأنّه تناهی فی الطهارة) و عن المصباح المنیر قال: (و طهور قیل هی مبالغة و أنّه طاهر و الأکثر أنّه لوصف زائد) قال إبن طرس: (الطهور هو الطاهر فی نفسه المطهّر لغیره) و قال الأزهری: (الطهور فی اللغة هو الطاهر المطهّر) و قوله() هو الطهور مائه أی الطاهر المطهّر، قال إبن أثیر و فی القاموس: (الطهور المصدر و إسم ما یطهر به) و عن الزمخشری أنّه حکاه عن أحمد بن یحیی و عن المغرب أنّه حکاه عن تغلب و فی المصابیح السید البحرالعلوم() (أنّ المشهور بین المفسّرین و أصحاب الحدیث و الفقهاء و أئمة اللغة أنّه بمعنی المطهّر أو الطاهر المطهّر) إنتهی. هذا خلاصة ما ذکره فی الجواهر فی المقام.

و بذلک ظهر أنّه لا ینبغی الشکّ فی إستعمال ظهور فی ذلک فما عن أبی حفیفة و الأصم و أصحاب الرأی من إنکار ذلک و جعله بمعنی الطاهر لا غیر مستدلین بأنّ فعولی الذی للمبالغة لا یکون متعبداً و لوروده لهذا المعنی کما فی قولها الشاعر (رتعین طهور) و قوله تعالی و سقاهم شراباً طهوراً غیر صحیح لما عرفت من الإستعمالات فی المطهّر للغیر من دون نکیر و ما تقدم من أقوال الفقهاء و أهل اللغة.

نعم قد یقال أنّه توقیفی لا یقتضیه القیاس من جهة أنّ فعول الذی هو للمبالغة لا یکون متعدیاً و إسم الفاعل منه غیر متعمد و لا ریب أن طاهراً، لا یتعدی و من هنا إعترف فی المعتبر و کنز الوفان أنّ الکلام أبی حنیفة موافق لمقتضی القیاس اللغوی غیر موافق لمقتضی الإستعمال.

لکن أنّ الشیخ() فی التهذیب بعد أن أورد الدلیل لأبی حنیفة قال (أنّه غلط لأنّا وجدنا کثیراً ما یعنبرون فی أسماء المبالغة التعدیة و إن کان إسم الفاعل منه غیر متعد).

هذا لکن جمع من أهل اللغة نخوا التعدیة فی فعول إذا کان إسم الفاعل لازماً منهم الزمخشری و تغلب و صاحب الطراز (و ذکروا أنّ فعولاً لیس من التفعیل فی شیء و قیاسه علی ما هو مشتق من الأفعال المتعدیة کمتوع و قطوع غیر سدید إلّا أن یکون المراد بذلک بیان کونه بلیغاً فی الطهارة فهو حسن صواب إذ کانت الطهارة بنفسها غیر قابلة للزیادة فمرجع الزیادة إلی إنضمام التطهیر لا أنّ اللازم قد صار متعدیاً) إنتهی ما عن الطراز.

و بالجملة عمدة الإشکال فی الإستدلال بالآیة لمظهریة الماء أنّ (طهوراً) صیغة المبالغة من الطاهر و هو لازم بمعنی کون الماء طاهراً فی نفسه و طهوراً أی بلیغاً فی طهارته و هذا لا یستلزم کونه مطهراً للنجس و لا للحدث قال فی الحدائق[12] : (أنّ طهوراً هنا لا یجوز أن یکون علی بائه عن المبالغة فی أمثاله لأنّ المبالغة فی فعول إنّما هی بزیادة المعنی المصدری و شدته فی کأکول و ضروب و کون الماء

مطهراً لغیره أمر خارج عن أصل الطهارة التی هی المعنی المصدری فکیف تراد منه؟ بل هو حینئذ بمعنی الطاهر) إنتهی.

و أجیب عن ذلک بوجوه:

الأول: ما عرفت من الشیخ() و بعض أهل اللغة من کون صیغة المبالغة من الطهارة موضوعة لمعنی التعدی أی المظهر للغیره لکنّک قد عرفت الإشکال فی ذلک من جمع من خبراء أهل اللغة و المتعضد بما حکاه الحدائق عن الشیخ حسن() فی المعالم و السید السند() فی المدارک.

الثانی: ما هو المشهور بین أهل اللغة – علی ما نقله جمع من الخاصة و العامة – من أنّه إسم لما یطهر به کالسجود و القعود و الغسول

و نحوها و حمله علی هذا المعنی ممکن فی تلک الآیات و إن أحتاج وصف الماء به إلی نوع تجرید، لأنّ أسماء الآلة کأسماء الزمان و المکان لا یوصف بها مثل المشتقات.

الثالث: أنّه صرّح الفاضل الغیومی() فی کتاب المصباح المنیر قوله: (و طهور قیل مبالغة و أنّه بمعنی طاهر و الأکثر أنّه لوصف زائد) و قال إبن فارس: (قال ثعلب: الطهور هو طاهر فی نفسه المطهر لغیره) و قال الأزهری إیضاً: (الطهور فی اللغة هو الطاهر المطهّر)، قال: و فعول فی کلام العرب لمعان (منها) فعول لما یفعل به مثل الطهور لما یطهر به، و الوضوء لما یتوضا به، و الفطور لما یفطر علیه، و الغسول لما یغتسل به الشیء، و قوله() هو طهور مائه أی طاهر المطهّر قاله إبن أثیر قال: (ما لم یکن مطهّراً فلیس بطهور) و قال الزمخشری: (الطهور البلیغ فی الطهارة) و قال بعض العلماء: و یفهم من قوله تعالی و أنزلنا من السماء ماءً طهوراً أنّه طاهر فی نفسه مطهّر لغیره، لأنّ لقوله: (ماءً) یفهم منه أنّه طاهر، لأنّه ذکر فی معرض الإمتنان، و لا یکون ذلک إلّا بما ینتفع به فیکون طاهراً فی نفسه و قوله (طهوراً) یفهم منه صفة زائدة علی الطهارة و هی الطهوریة فإن قیل: قد ورد طهور بمعنی طاهر کما فی قوله (رتعین طهور) فالجواب إن ورده کذلک غیر مطرد بل هو سماعی و هو فی البیت مبالغة فی الوصف أو واقع موقع طاهر لإقامة الوزن، ولو کان طهور بمعنی طاهر مطلق، لقیل ثوب طهور و خشب طهور و نحو ذلک و هو ممتنع. إنتهی کلام صاحب المصباح().

و ذکر الحدائق عن الشیخ() فی التهذیب ما ملخصّه: أنّه لو قیل أنّ الطهور لا یکون بمعنی المطهّر لأنّ إسم الفاعل منه غیر معتد، و کلّ فعول ورد فی کلام العرب متعدّیاً لم یکن إلّا و فاعله متعدّ.

قیل له: أنّه لا خلاف بین أهل النحو أنّ فعولاً موضوع للمبالغة و تکرّر الوصف (الصفة) و عدم حصول المبالغة علی ذلک الوجه لا یستلزم عدم حصولها بوجه آخر و المراد هنا بإعتبار کونه مطهّراً. إنتهی.

و ذکر المحقّق الفیض السمنانی()[13] : أنّ هیئة فعول تفید المرکزیة للمادة کما یشهد به الإطراد فی جمیع الموارد فالطهور بمعنی المرکز للطهارة

و معدنها و مقتضی المرکزیة للشیء إستفادة ذلک الشیء منه و کذا الحال فی الصبور و الوقور بمعنی مرکز الصبر و الوقار أی ما یبرز منه هذان الوصفان فإستفادة ذلک الشیء منه بحسبه و الظلوم من یصدر منه الظلم. و علیه فالطهور لإشتماله علی هذه الهیئة المفیدة لهذا النحو من المفاد یفید فائدة المتعدی مع کونه بحسب المادة لازماً و علیه فالتعدی من ناحیة إفادة الهیئة لا المادة التی هی لازمة لأجل و خفاء هذه الدقیقة علی أبی حنیفة و غیره إستشکل علی من إستدلّ بالآیة المذکورة لمطهریة الماء و علیه لیس المقام من إستعمال اللفظ فی غیر ما وضع له حتی یکون مجازاً حیث أنّ المادة مستعملة فی معناها و هی الطهارة و الهیئة دالة علی المرکزیة للمادة المستلزمة للتعدی من دون أن یستعمل اللفظ فی المتعدی.

و القول بأنّ الطهور إسم لما یطهر به أی الآلة للتطهیر مردود بأنّ إسم الآلة له ضیغ مخصوصة کالمعفل و المعفال و لیست صیغة الفعول من تلک الصیغ و لیس له معناً إسمیاً وراء معنی الوصفیة اذ مشتق من المشتقات و المشتق لا یکون إلّا الوصف و أما إرادة الآلیة من لفظ الوقود فلیس لأجل کونه إسماً لما یتوقد به بل معناه مرکزیة الإیقاد و الوقد و المرکزیة له تستلزم الآلیة فالآلیة مستفادة من خصوصیة المورد و الحاصل: أنّ الطهور و إن کان بحسب المادة لازماً إلّا أنّ إشتماله بالهیئة المعیدة للمرکزیة یستفاد منه التعدیة. إنتهی ملخّصاً. و هذا توجیه آخر لدلالة الطهور علی المطهّریة و له وجه.

ثم أنّه إستشکل علی الإستدلال بالآیة لمطهریة الماء مطلقاً بأنّ الدلیل أخصّ من المدعی لأنّ الآیة دلت علی الطهوریة الماء المنزل من السماء دون جمیع المیاه.

و أجاب عنه غیر واحد و منهم صاحب الحدائق() و سیدنا الأستاد() بأنّ المستفاد من الآیات القرانیة أنّ الماء أصله کلّه من السماء قال الله سبحانه و أنزلنا من السماء ماءً بقدر فإسکناه فی الأرض و أنّا علی ذهاب به لقادرون[14] و روی القمی() فی تفسیر الآیة عن الباقر() قال: هی الأنهار و العیون و الآبار و قال تعالی أ لم تر أنّ الله أنزل من السماء ماءً فسلکه ینابیع من الأرض ثم یخرج به زرعاً مختلفاً أنوانه[15] و قال تعالی هو الذی أنزل من السماء ماء لکم منه شراب و منه شجر (إلی قوله) ینبت لکم به الزرع ....[16] و قال تعالی أنزل من السماء ماءً فسألت أودیة یقدرها[17] فإنّ ظاهر هذه الآیات تکون المیاه فس الأرض حتی البحار من نزول ما فی السماء و إن أیبت عن تکون البحار من ذلک فلا یضرنا خروج ماء البحر عن عموم الآیة الشریفة بعد عدم القول بالعضل بینه و بین سایر المیاه.

هذا مضافاً إلی إمکان إرادة التقدیر و الخلق من الإنزال کقوله تعالی و أنزلنا الحدید فیه بأس شدید و منافع للناس و قوله تعالی یا بنی آدم قد أنزلنا علیکم لباساً یواری سوآتکم وریشاً و لباس التقوی ذلک خیر و قوله تعالی و إن من شیء إلّا عندنا خزائنه و ما نزله إلّا بقدر معلوم فإنّ المراد من الإنزال فی هذه الآیات هو الخلق و التقدیر و القضاء و لا ریب فی عموم ذلک فی مخلوقات الله تعالی.

و قد یستشکل علی عموم الإستدلال بأنّ کلمة (الماء) نکرة فی سیاق الإثبات فلا یفید العموم و یندفع بأنّ الآیة فی مقام الإمتنان و لا إمتنان فی ظهوریة ماء مجهول.


[1] . صفحة 3.
[2] . أعنی الوحل.
[3] . کتاب الطهارة للشیخ محمدرضا الفیض السمنانی – صفحة 17.
[4] . سورة الفرقان – آیة 50.
[5] . سورة الأنفال – آیة 11.
[6] . مستدرک الوسائل – باب7 من أبواب التیمم – حدیث 3.
[7] . مستدرک الوسائل – باب43 من أبواب النجاسات و الأوانی – أحادیث 3 و 4.
[8] . مستدرک الوسائل – باب5 من أبواب التیمم – حدیث 3.
[9] . مستدرک الوسائل – باب2 من أبواب الماء المطلق – حدیث 4.
[10] . مستدرک الوسائل – باب1 من أبواب الماء المطلق – حدیث 4.
[11] . سورة الدهر – آیة 21.
[12] . جلد 1 – صفحة 172.
[13] . صفحة 20.
[14] . سورة المؤمنون – آیة 19.
[15] . سورة الزمر – آیة 23.
[16] . سورة النحل – آیات 11 و 12.
[17] . سورة الرعد – آیة 17.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo