< فهرست دروس

درس خارج فقه استاد اشرفی

کتاب الزکاة

89/08/15

بسم الله الرحمن الرحیم

موضوع البحث: تتمة في زكاة النقدين

وجوب الزكاة في النقود الرائجة من غير الذهب و الفضة

      قد ظهر مما سبق في بحث زكاة النقدين أن الذهب و الفضة لو كانا بنحو المسكوكات بسكة المعاملة، زكاتهما واجبة و لكن لو كانت السكة مسبوكة أو كان الذهب أو الفضة بنحو الأواني أو الحلي ففي مذهبنا ليست زكاتهما واجبة. و الآن نبحث عن النقود الرائجة بصورة ما يسمّى بالاسكناس و قد عرفت في أوائل بحث زكاة النقدين نفي علمائنا الأعلام وجوب الزكاة فيها لعدم كونها من الذهب و الفضة المسكوكين الرائجين في المعاملات

      نعم مر كلام العامة من أن النقود الرائجة في عصرنا مما قابل الذهب و الفضة فزكاتها واجبة و نتيجة كلامهم أن زكاة كل هذه الأموال أي النقود التي كانت رائجة في عصرنا واجبة و ذكرنا في أوائل البحث أن في النظر الأولي عدم وجوب زكاة هذه النقود الرائجة التي لم تكن من الذهب و الفضة مشكل، و أن فقهائنا لم يأثروا على دليل لوجوب زكاتها و لم يفت بذلك أحد منهم. و بذلك قد انتفى وجوب الزكاة بالنسبة إلى معظم متعلقات الزكاة أعني النقدين في عصرنا الآن. مع ما ترى من تسلم كون النقدين من أهم مصاديق الزكاة في العصور الماضية، و قد زال وجوبها لما في صحيحة علي بن يقطين و رواية جميل من الضابطة.

      هذا و لكن بعض من معاصرينا قد احتمل وجوب الزكاة فيها استنادا إلى أن هذه الإسكناسات و المسكوكات من غير الذهب والفضة قد روجت في عصرنا من قبل سبعين سنة و لسهولة حملها و تناولها حيث أن الرائج في المعاملات قبل ذلك من صدر الإسلام بل قبل الإسلام النقود من الذهب و الفضة و الافتاء لعدم وجوب الزكاة موجب لزوال زكاة كثيرة من أموال الأغنياء مما قد انتفع بها الفقراء. و هل يوافق هذا مع فلسفة الزكاة سيما بعد كون النقود في عصرنا بإزاء الذهب و الفضة و الثمرات الهائلة.

      من الأزمنة المتمادية هذه المسألة قد خلجت في فكرتنا من أنه كيف يمكن عدم وجوب الزكاة في هذه النقود الرائجة في عصرنا مع وجود كثير من الآيات و الروايات في فلسفة وجوب الزكاة و الترغيب الكثير من الشارع المقدس بل من الشرايع السابقة ـ كما سنشير إلى آياته ـ و الأمر بالزكاة كثيرا ما كان في لسان النبيين و قد مرت في باب 1 و 3 من أبواب وجوب الزكاة كونها لرفع حاجة الفقراء و سد خلاتهم و تحصين أموال الأغنياء. مع هذا كله كيف يمكن تصور اضمحلال الوجوب مرة و كيف يمكن لنا القول بأن حكم هذه الشريعة و حكم الشرايع السابقة قد انهدم مرة لأن يد البشر قد بدلت النقود السابقة بالإسكانس مثلا مع أن الحكمة و فلسفة وجوبها قد كانت موجودة بطريق أولى.

      نحن قد راجعنا كرارا إلى الآيات و الروايات حتى نستظهر بأنه هل يمكن لنا تنقيح المناط الجزمي لجريان حكم زكاة النقدين في النقود الرائجة أم لابد لنا من التعبد بظاهر الأدلة ـ أعني هذه الأحاديث المحدودة ـ و التوقف في الذهب و الفضة؟

      مر أن قول علماء العامة قد ذكر في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة ـ المؤلف و المطبوع بجامع الأزهر ـ بوجوب الزكاة في النقود الرائجة. و لكن هم القائلون بالقياس و الاستحسان و نحوهما. و نحن لا نقول بها إلا في موارد فجزم و تقطع بوجود المناط الساري في غير ما ورد في موضوعات الأحكام.

      و نحن أيضا مع التعبد بالنصوص لم نلتزم بالجمود على لفظ الأخبار كالأخباريين بل نتجاوز عن الروايات بما استفدنا منها.

      ذكر بعض معاصرينا بأن الأئمة المتأخرين سلام الله أجمعين قد جعلوا الخمس مقام الزكاة حتى بذلك يسدون خلة الفقراء. حيث أن الأئمة المتقدميين مثل أمير المؤمنين و الحسنين و السجاد عليهم السلام لم يكن في كلامهم خمس أرباح المكاسب و لم نجد حتى رواية واحدة في كلمات أمير المؤمنين إلى السجاد عليهم السلام على وجوب الخمس في ارباح المكاسب مع أن المراجع العظام يقبضون خمس أرباح المكاسب حيث أن ساير الأرباح من ساير الناس قليل جدا فالكنز و خمس الغنائم و نحوهما لم يكن موجودا في كثير من الأحيان.

      الخمس الذي قد تذكّر به من زمن الإمام الباقر و الإمام الصادق عليهما السلام و وكلاء الإمام صار مذكورا في كلماتهم من عصرهما و عصر الأئمة المتأخرين و كان وكلاء الأئمة عليهم السلام هم الذين قد أخذوه من الشيعة في الأقطار المختلفة و ذهبوا به إلى الأئمة عليهم السلام فهذا الخمس إلى زماننا الآن على العمدة خمس أرباح المكاسب و بقول هذا العلم المعاصر أن السر في ذلك ـ أعني توسعة دائرة الخمس حتى اشتملت أرباح المكاسب من زمن الصادقين عليهما السلام إلى ما بعده ـ من جهة أن الزكاة قد أخذها السلاطين قهرا و يد المستضعفين و الفقراء خالية من هذه الأموال فائمة الدين لجبران ذلك قد شرّعوا و أكّدوا به حتى يسد به خلة الفقراء الممنوعين عن الزكاة لجور السلاطين. و هذا استظهار من فقيهنا المعاصر.

      مع التوجه إلى ما تقدم منا و منه نرجع إلى الروايات و الآيات حتى يتبين لنا ما هو الواقع في هذه القضية.

      و الآيات الشريفة في المقام أربعة أنحاء: الأولى الآيات التي فيها الأمر بالجهاد بالأمول في سبيل الله و الثانية الأمر فيها بوجوب الزكاة مثل أقيموا الصلاة و آتوا الزكاة و الثالثة الأمر بالإنفاق كثيرا ما بصيغة الأمر و الرابعة الوعيد على ترك الإنفاق. و ليس في كل هذه الآيات عنوان من المسكوكات.

      أما الأولى: الأنفال 72:

إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض ....

      التوبة 20:

الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون.

      و آية 44 و 81 و 88.

      الحجرات 15 :

إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون.

      النساء 95 :

لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما.

      و غيرها من الآيات الأخر.

      يمكن أن يقال: أن هذه الآيات في قضية الجهاد فبعض الناس قد جاهدوا بأنفسهم و بعضهم قد جاهدوا بأموالهم أعنى أعطوا المال لجيش المسلمين و تجهيزهم.

      و لكن أقول: أن الجهاد المالي لم يختص بالحروب بل الجهاد بمعنى السعي لله بصرف المال و من مصاديقه ما صرف لمستضعفي الناس مثل أصحاب الصفة حتى قد نجوا من بلية الفقر و أمكنهم المشاركة في جهاد العدو.

      و الطائفة الثانية من الآيات التي ورد فيها وجوب أداء الزكاة و أخذها:

      قد أبلغ أزيد من إثنين و ثلاثين آية نشير إلى بعضها:

      التوبة 103:

خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم.

الليل 18: الذي يؤتي ماله يتزكى.

      فهذه الزكاة الخاصة التي شرعت في الإسلام بما لها من النصاب و الموارد التسعة لم تكن قبل الإسلام و لم تكن في صدر الإسلام بمكة بل أمر بها رسول الله صلى الله عليه و آله في مدينة ثم أخذ بها من سنته الآتية بعد سنة الإعلام. و مع ذلك نحن نشهد في كثير من الآيات المكية و الآيات التي كانت في شرح حال الأنبياء قد أمر بها و بهذا يظهر أن الزكاة مطلق الصدقة كما جاء في اللغة و منها يظهر أن في الزكاة فلسفة عظمية على النحو الذي قد كانت في الشرايع السابقة أيضا حيث كانت قبل تشريع في شريعة الإسلام.

      و الطائفة الثالثة من الآيات التي ورد فيها الإنفاق بصيغة الأمر و هذه الطائفة قد بلغت حسبما أحصيناه إلى قريب بالإثنتين و ثلاثين آية منها:

      فصلت آية 7 :

الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون.

      مر في كلامنا أن هذا الاصطلاح الخاص أعني وجوب الزكاة في التسعة لم يكن هو المراد من القرآن لما مر أن هذا مشرع في الشرايع السابقة و كذا في صدر الإسلام قبل الهجرة بل الزكاة قد استعملت في معناها اللغوي أعني مطلق الصدقات.

      مريم 31:

أوصاني بالصلاة و الزكاة ما دمت حيا

مريم 54 و 55: و كان رسولا نبيا و كان يأمر أهله بالصلاة و الزكاة و ...

و الأنبياء 72 و 73: و وهبنا له اسحاق و يعقوب.... و جعلناهم أئمة يهدون بأمرنا و أوحينا إليهم فعل الخيرات و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و كانوا لنا عابدين.

     و آيات الإنفاق أيضا ثلاث و سبعون آية.

      و للكلام تتمة سيأتي إنشاء الله تعالى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo