< قائمة الدروس

الأستاذ السيد يوسف الأرزوني

بحث الفقه

34/05/27

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الطلاق \ شروط صحة الطلاق \ عدالة الشاهدين
 قلنا بأن العدالة بحسب الظاهر لم تستعمل بلسان الشارع إلا بحسب معناها اللغوي
 هذا كله بغض النظر عن الاخبار واما بالنظر الى الاخبار فقد يقال ان المستفاد من الاخبار ان العدالة هي ملكة الاجتناب عن المعاصي وانها أمر نفساني لان العدالة في الروايات قد اخذ في موضوعها اوصافا وعناوين لا تنطبق الا على صاحب الملكة كالعفاف والصلاح والمأمونية ( والمرضي والخير والصائن ) مع قيام الاجماع على عدم اعتبارها زائدة عن العدالة .
 كما في خبر يونس وفيه فاذا كان ظاهر الرجل مأمونا جازت شهادته ولا يسأل عن باطنه " . وخبر عمار بن مروان " لا بأس بذلك إذا كان خيرا " وخبر السكوني اذا كان مرضيا وخبر ابن ابي يعفور وسيأتي ذكره منفردا
 وقد اجاب السيد الخوئي عن ذلك فقال: ( أن كون الرجل مرضيا بمعني أن يكون أفعاله مما يرضى به الناس ، كما إذا لم يظلمهم ، ولم يكذبهم ، ولا أنه عمل عملا ينافي لرضاهم فهو من صفات الأعمال الخارجية وليس من الصفات النفسانية في شئ . نعم الرضا صفة نفسانية ، إلا أنه أجنبي عن المتصف بالعدالة لأنه أمر قائم بالغير ، إذ العادل هو المرضي ، والراضي عن أفعاله هو الغير . ومعنى كونه صالحا أن لا يكون فاسد العمل ولا مفسدا به فهو أيضا من صفات الأعمال الخارجية . وكذلك كونه مأمونا فإن الأمن وإن كان بمعنى اطمئنان النفس وسكونها في مقابل اضطرابها وتشويشها ، إلا أنه أمر قائم بالغير دون المتصف بالعدالة ، لأنه المأمون وهو إنما يتحقق بكونه مستقيما في أعماله ووظائفه بعدم أكله أموال الناس وترك الخيانة في أعراضهم ونفوسهم حتى يطمئنوا به وأما الستر فهو بمعنى التغطئة وكون المكلف ساترا إما بمعنى أنه ساتر لعيوبه عن الله سبحانه فهو بهذا المعنى عبارة أخرى عن اجتنابه المعاصي لئلا ينهتك سره وتظهر عيوبه لدى الله ، وإما بمعنى كونه مستورا لدى الناس ومعناه أنه لا يتجاسر بالمعاصي ولا يتجاهر بها لدى الناس فهذا أيضا من عناوين الأعمال الخارجية وليس من الصفة النفسانية في شئ كما أن الخير هو الذي كانت أعماله خيرا . والصائن من ترك المعاصي مع وجود المقتضي لارتكابها والعفة بمعنى الامتناع عما لا يحل ففلان عفيف أي ممتنع عما لا يحل كأذى الناس وغيره من المحرمات الإلهية ، ويأتي للعفاف بيان زائد على ذلك عند التكلم على الوجه الرابع والمتحصل أن العناوين المذكورة غير منطبقة على الصفات النفسانية بوجه ) [1]
 واما خبر ابي يعفور: محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن عبد الله بن أبي يعفور قال: ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام : بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم ؟ فقال : أن تعرفوه بالستر والعفاف وكف البطن والفرج واليد واللسان ويعرف باجتناب الكبائر التي أوعد الله عليها النار من شرب الخمر ، والزنا والربا وعقوق الوالدين ، والفرار من الزحف ، وغير ذلك ، والدلالة على ذلك كله أن يكون ساترا لجميع عيوبه ، حتى يحرم على المسلمين ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه وتفتيش ما وراء ذلك ، ويجب عليهم تزكيته وإظهار عدالته في الناس ، ويكون منه التعاهد للصلوات الخمس إذا واظب عليهن وحفظ مواقيتهن بحضور جماعة من المسلمين ، وأن لا يتخلف عن جماعتهم في مصلاهم إلا من علة ، فإذا كان كذلك لازما لمصلاه عند حضور الصلوات الخمس ، فإذا سئل عنه في قبيلته ومحلته قالوا : ما رأينا منه إلا خيرا مواظبا على الصلوات متعاهدا لأوقاتها في مصلاه فان ذلك يجيز شهادته وعدالته بين المسلمين ، وذلك أن الصلاة ستر وكفارة للذنوب ، وليس يمكن الشهادة على الرجل بأنه يصلى إذا كان لا يحضر مصلاه ويتعاهد جماعة المسلمين ، وإنما جعل الجماعة والاجتماع إلى الصلاة لكي يعرف من يصلى ممن لا يصلى ، ومن يحفظ مواقيت الصلاة ممن يضيع ، ولولا ذلك لم يمكن أحد أن يشهد على آخر بصلاح ، لأن من لا يصلى لا صلاح له بين المسلمين ) [2]
 والكلام في هذا الخبر تارة من حيث السند لتعبير كثير من الفقهاء عنه بصحيحة ابن ابي يعفور . واخرى من حيث الدلالة فهل السائل سأل عن مفهوم العدالة أو سأل عن الطريق الكاشف عنها بعد معرفة مفهومها عنده .
 فهنا مقامان:
 المقام الاول: ان الخبر روي بطريقين أحدهما في الفقيه والآخر في الاستبصار وكلا الطريقين فيهما ضعف
 اما طريق الصدوق: ففيه احمد بن محمد بن يحيى العطار وقد مر سابقا عدم ثبوت وثاقته .
 وما طريق الشيخ: ففيه محمد بن موسى الهمداني وقد ذكر ابن الوليد ان الرجل كان يضع الحديث وهو مطلق ولا يختص بما قيل من ان الرجل وضع اصلين لزيد والرزاد وان هذا اشتباه لان الواضع هو السمان وعليه يكون كلام ابن الوليد في غير محله لمعرفة الواضع الحقيقي وما يدلك على ان كلام ابن الوليد مطلق ان الصدوق في المقنع قال : وروي انه لا يجوز للرجل ان يصلي على جنازة بنعل وكان محمد بن الحسن يقول كيف تجوز الصلاة الفريضة ولا يجوز صلاة الجنازة وكان يقول لا يعرف النهي عن ذلك الا عن رواية محمد بن موسى الهمداني وكان كذابا قال الصدوق وصدق في ذلك الا اني لا اعرف عن غيره رخصة واعرف النهي وان كان غير ثقة .
 والمتحصل عدم حجية الخبر ولذا قال السيد الماتن عن هذا الخبر والذي يسهل الخطب ان الرواية ضعيفة السند وغير قابلة للاستدلال بها على شيء .
 المقام الثاني: في دلالة الحديث على ان العدالة بمعنى الملكة .
 وتقريب الاستدلال بان يقال ان ظاهر السؤال بما انه يسأل عن المفهوم والامام علي عليه السلام اجاب بما هو حد أو رسم للعدالة وان العفاف والستر من الصفات النفسانية وهي التي وقعت معرفا للعدالة وبالتالي ينتج ان العدالة ملكة ومن الصفات النفسانية بل لو قلنا ان ظاهر السؤال هو السؤال عن طريق العدالة والمعرف الاصولي اللغوي اي ما ينكشف به الشيء لكن يتعين حمله على السؤال عن المفهوم بقرينة الجواب فان الستر والعفاف المذكورين في الجواب من الصفات النفسانية وما بعده من سنخ الافعال .
 
 


[1] - كتاب الاجتهاد والتقليد " الخوئي" ص 263
[2] - الوسائل باب 41 من ابواب الشهادات ح1

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo