< قائمة الدروس

الأستاذ السيد يوسف الأرزوني

بحث الفقه

34/04/21

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الطلاق \ صيغة الطلاق \ تخيير الزوجة
 كان الكلام في تخيير الزوج للزوجة وقد نقل كلام بعض الأصحاب لتحرير محل النزاع لاختلافهم بهذه المسألة فذهب بعضهم إلى عدم وقوع الطلاق وهو قول الأكثر وآخرون إلى القول بوقوع الطلاق والقائلون به اختلفوا على قولين قول بوقوعه رجعيا وقول بوقوعه بائنا
 قال في السرائر: ( ومتى جعل إليها الخيار ، فاختارت نفسها ، فقد اختلف أصحابنا في ذلك ، فبعض يوقع الفرقة بذلك ، وبعض لا يوقعها ، ولا يعتد بهذا القول ، ويخص هذا الحكم بالرسول صلى الله عليه وآله ، وهذا هو الأظهر الأكثر المعمول عليه بين الطائفة ، وهو خيرة شيخنا أبي جعفر ، والأول خيرة السيد المرتضى ) [1]
 وقال الشيخ الصميري: ( ولو خيرها وقصد الطلاق فان اختارته أو سكتت ولو لحظة فلا حكم ، وإن اختارت نفسها في الحال ، قيل : تقع الفرقة بائنة ، وقيل : تقع رجعية ، وقيل : لا حكم له ، وعليه الأكثر .
 أقول : البحث هنا في موضعين :
 أ - وقوع التخيير وكونه طلاقا ، وبوقوعه قال ابن أبي عقيل وأحمد بن الجنيد بشروط ثلاثة ، وقوعه في طهر لم يقر بها فيه بجماع ، وحضور شهود ، وجوابها على الفور ، والمستند الروايات ، وصورة التخيير أن يقول لها : اختاري نفسك ، أو جعلت أمرك بيدك ، أو خيرتك ، أو جعلت لك الخيار ، فان قالت : اخترت نفسي ، طلقت عند القائل به ، وإن قالت : اخترتك أو سكتت ثبت النكاح .
 وقال الشيخ : لا يقع به الطلاق ، وبه قال ابن إدريس واختاره المتأخرون ، وهو المعتمد ، لأصالة بقاء النكاح ، والروايات الواردة بالجواز معارضة بغيرها .
 ب - اختلف القائلون بوقوعه ، فقال بعضهم : إنه يقع طلقة واحدة رجعية ، وقال بعضهم : إنه يقع واحدة بائنة ، ومنشأ الاختلاف اختلاف الروايات ) [2]
 وقال في المسالك: ( اتفق علماء الاسلام ممن عدا الأصحاب على جواز تفويض الزوج أمر الطلاق إلى المرأة وتخييرها في نفسها ناويا به الطلاق ، ووقوع الطلاق لو اختارت نفسها إلى أن قال: - وأما الأصحاب فاختلفوا ، فذهب جماعة منهم ابن الجنيد ، وابن أبي عقيل ، والسيد المرتضى ، وظاهر ابني بابويه إلى وقوعه به أيضا إذا اختارت نفسها بعد تخييره لها على الفور مع اجتماع شرائط الطلاق من الاستبراء وسماع الشاهدين ذلك وغيره . وذهب الأكثر - ومنهم الشيخ والمتأخرون إلى عدم وقوعه بذلك .
 ووجه الخلاف اختلاف الروايات الدالة على القولين ، إلا أن أكثرها وأوضحها سندا ما دل على الوقوع ، أورد الشيخ في التهذيب منها ستة أخبار أكثرها من الموثق وفيها الحسن و الصحيح إلى أن قال - وحجة المانع أربع روايات بعضها ضعيف السند وبعضها من الموثق ) [3]
 وقال في الحدائق: ( لا خلاف بين علماء العامة في صحة التخيير بمعنى تفويض الزوج أمر الطلاق إلى المرأة وتخييرها في نفسها قاصدا بذلك الطلاق ، فإذا اختارت نفسها وقع الطلاق ، وأن ذلك بمنزلة توكيلها في طلاق نفسها ، فالتخيير كناية عن ذلك ، واحتجوا بآية التخيير النازلة على النبي صلى الله عليه وآله بعد اعتزاله أزواجه .
 وأما أصحابنا فقد اختلفوا في ذلك ، فذهب جمع منهم ابن الجنيد وابن أبي عقيل والسيد المرتضى ، ونقل عن ظاهر الصدوق إلى وقوع الطلاق به إذا اختارت نفسها بعد تخييره لها على الفور مع اجتماع الشرائط من الاستبراء وسماع الشاهدين ، والمشهور - وهو مذهب الشيخ ، وبه صرح الشيخ علي بن بابويه في الرسالة وجملة المتأخرين - عدم وقوع الطلاق به ) [4]
 وقال في الجواهر: ( ولو خيرها وقصد تفويض الطلاق إليها وجعله بيدها فإن اختارته أي الزوج أو سكتت ولو لحظة تقدح في الاتصال عرفا فلا حكم له عندنا ، بل وعند المخالفين عدا مالك منهم ، فإنه قال : " تكون عنده مع اختيارها له على طلقة " وفي إيضاح الفخر " إذا تأخر اختيارها لم يقع اتفاقا وإن اختارت عقيب قوله بلا فصل فالا كثر كالشيخ أنه لا يقع " لكن عن ابن أبي عقيل الاكتفاء باختيارها في المجلس ، ولعله لخبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام " قلت له : رجل خير امرأته ، فقال : إنما الخيار لهما ما داما في مجلسهما ، فإذا تفرقا فلا خيار لهما " . وإن اختارت نفسها بقصد الطلاق في الحال قيل والقائل بعض العامة : تقع الفرقة بائنة نعم عن ابن الجنيد منا ذلك إذا كان بعوض .
 وقيل والقائل بعض آخر منهم وابن أبي عقيل منا : تقع الفرقة رجعية . وقيل : لا حكم له أصلا وعليه الأكثر بل لم يحك الخلاف في ذلك إلا من ابني أبي عقيل والجنيد والمرتضى ، بل ظاهر ما حضرني من انتصار الأخير منهم عدم القول به ، فينحصر الخلاف حينئذ في الأولين ، وأما الصدوق فأقصاه أنه روى ما يدل على ذلك ، وقد رجع عما ذكره في أول كتابه من أنه لا يروى فيه إلا ما يعمل عليه ، كما لا يخفى على المتصفح له ، وعلى كل حال فهو من الأقوال النادرة المهجورة ) [5]
 وأما مراجع العصر فذهب الكل إلى عدم وقوع الطلاق بتخيير الزوج لها ولو باختيارها نفسها واحتاط وجوبا السيد الهاشمي مع التخيير بإجراء الطلاق معه أيضا.
 دليل المشهور على عدم وقوع الطلاق بالتخيير
 قبل التعرض للأدلة نقول أن القاعدة الأولية هي كما بينا سابقا أن كل طلاق لا يقع إلا بصريح لفظ الطلاق ولا يقع بالكناية لأن النكاح مستفاد من الشارع ويتوقف زواله على إذن الشارع والاختيار منها لنفسه لا يدل على الطلاق والأصل عدم وقوع الطلاق به وصحة وقوع الطلاق به يحتاج إلى الدليل
 هذا إذا كان فردا من الطلاق وأم إذا كان قسما برأسه فلا يستدل على عدم صحته بالروايات الحاصرة للطلاق بالصيغة المعروفة ولكن قلنا سابقا أنه ليس قسم مستقل بنفسه
 استدل المشهور أولا بالروايات الحاصرة للطلاق بالصيغة الخاصة إذ ليس التخيير على القول بوقوع الطلاق به قسم من أقسام الفرقة وإنما هو من الطلاق الكنائي فيصح نفيه بالأخبار الحاصرة وإن احتمل بعضهم كون الكناية تخييره لها بقصد الطلاق ومرجعه إلى الطلاق منه معلق على اختيارها ولذا استدل بعض الأصحاب على البطلان بما دل على فساد التعليق في الطلاق ولكن أقوى الاحتمالات هو كون قولها اخترت نفسي طلاقا بالكناية
 وثانيا: بالأخبار الخاصة
 منها: موثق عيص بن القاسم
 عن ابن سماعة ، عن ابن رباط ، عن عيص بن القاسم ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ( سألته عن رجل خير امرأته فاختارت نفسها بانت منه ؟ قال : لا ، إنما هذا شئ كان لرسول الله صلى الله عليه وآله خاصة أمر بذلك ففعل ولو اخترن أنفسهن لطلقهن " لطلقن " وهو قول الله عز وجل : " قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا ) [6]
 منها: محمد بن يعقوب ، عن محمد بن أبي عبد الله ، عن معاوية بن حكيم ، عن صفوان ، وعلي بن الحسن بن رباط ، عن أبي أيوب الخزاز ، عن محمد بن مسلم قال: ( سألت أبا جعفر عليه السلام عن الخيار فقال : وما هو وما ذاك إنما ذاك شئ كان لرسول الله صلى الله عليه وآله ) [7]
 منها: عن ابن سماعة ، عن ابن رباط ومحمد بن زياد ، عن أبي أيوب الخزاز ، عن محمد بن مسلم قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام إني سمعت أباك يقول: ( إن رسول الله صلى الله عليه وآله خير نساءه فاخترن الله ورسوله فلم يمسكهن على طلاق ولو اخترن أنفسهن لبن ، فقال : إن هذا حديث كان يرويه أبي عن عائشة وما للناس والخيار إنما هذا شئ خص الله به رسوله ) [8]
 منها: محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: ( ما للنساء والتخيير إنما ذلك شئ خص الله به نبيه صلى الله عليه وآله ) [9]
 وفي قبال هذه الأخبار أخبار تصلح للاستدلال للقول الآخر وهو صحة وقوع الطلاق بتخيير المرأة واختيارها
 يأتي


[1] - السرائر " ابن إدريس" ج2 ص 676
[2] - غاية المرام " الشيخ الصميري" ج 3 ص 207
[3] - مسالك الأفهام " الشهيد الثاني " ج 9 ص 80
[4] - الحدائق الناضرة " البحراني " ج 25 ص 217
[5] - جواهر الكلام " الجواهري " ج 32 ص 67
[6] - وسائل باب 41 من أبواب الطلاق ومقدماته ح 4
[7] - وسائل باب 41 من أبواب الطلاق ومقدماته ح 1
[8] - وسائل باب 41 من أبواب الطلاق ومقدماته ح 3
[9] - وسائل باب 41 من أبواب الطلاق ومقدماته ح 13

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo