< قائمة الدروس

الأستاذ السيد يوسف الأرزوني

بحث الفقه

34/03/10

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الطلاق \ شروط صحة الطلاق \ تعيين المطلقة
 الدليل التاسع لشرطية التعيين:
 بعدما سلم أن أدلة الطلاق الواردة في الكتاب والسنة لم ترد لمشروعية ما يسمى الطلاق أي ليس مطلق ما يسمى الطلاق يترتب عليه الأثر بخلاف البيع فمطلق ما يسمى البيع يترتب عليه الأثر وذلك لأن الطلاق أمر توقيفي لما ورد عليه من تقييدات كثيرة ومقتضى الأصل هو فساد الطلاق بدون تعيين لاستصحاب عدم ترتب الأثر على الإيقاع الفاقد للتعيين
 وفيه: لو سلم ما ذكر من عدم امكان التمسك بالعموم والاطلاق لنفي الشرطية فإن هذا الاستصحاب محكوم لأصالة البراءة عن شرطية التعيين في ايقاع الطلاق لأن الشك في ترتب الأثر والصحة ناشئ من الشك في اشتراط التعيين فيكون أصلا مسببا ومن المعلوم أن الأصل الجاري في الشك السببي وهو البراءة في المقام مقدم بالحكومة على الأصل الجاري في الشك المسببي وهو استصحاب بقاء العلقة الزوجية أو عدم ترتب الأثر على هذا الايقاع
 وقد أشار إلى هذا الإشكال المحقق الايرواني في حاشيته على المكاسب وكذلك المحقق الخوانساري في جامع المدارك قال الأخير: ( وأما الاستصحاب فمع قطع النظر عن الإشكال في جريانه في الشبهات الحكمية يشكل جريانه من جهة شمول حديث الرفع لكل ما شك في شرطيته وكان بيانها راجعا إلى الشارع إن استشكل في إطلاق الأدلة ومع الإطلاق لا إشكال ) [1]
 من هنا لا بد من فتح البحث حول مسألة سيالة في كل العقود والايقاعات وهي عند الشك في شرطية شيء في عقد أو ايقاع حينئذ إما أن يكون هناك دليل اجتهادي من اطلاق وارد لترتب الأثر لمطلق ما يسمى عقد أو ايقاع عرفا فيتمسك به لنفي الشرطية وإما لا يكون عندنا اطلاق أو عموم لعدم كونه في مقام بيان جميع الأجزاء والشرائط بل لبيان أصل التشريع فلا يمكن التمسك به حينئذ يأتي الكلام ما هو الأصل العملي هل هو استصحاب عدم ترتب الأثر يعني أصالة الفساد في العقود والايقاعات أم أن المقام مجرى البراءة قد يقال : ان الشرطية غير قابلة للجعل او انها حكم وضعي وليس حكما تكليفيا واجراء البراءة من اجل نفي استحقاق العقاب والأحكام الوضعية ليس على مخالفتها عقاب او ان البراءة في المقام اصل مثبت و من هنا استشكل بعضهم بإجراء البراءة عن الشرطية وقد ورد في كلام للميرزا والسيد الماتن ما يدل على عدم جريان البراءة عن الشرطية في باب العقود والايقاعات لا بأس بذكره .
 قال السيد الخوئي في بحث الاستصحاب: ( إن الأصل الأولي في العقود والايقاعات هل يقتضي الصحة أم يقتضي الفساد ، ذهب جمع إلى الأول وذهب جمع آخر إلى الثاني ، وهو الحق كما عليه المصنف ( رحمه الله ) . والوجه في ذلك أن نتائج العقود والايقاعات - من الملكية والزوجية والعتاق والفراق - أمور حادثة ومسبوقة بالعدم ، كما أن نفس العقود والايقاعات كذلك ، فإذا شككنا في تحققها في الخارج من ناحية بعض ما يعتبر فيها من الشروط كان الأصل عدمه ، وحينئذ فيحكم بفسادها .
 وقد ناقش في ذلك المحقق الإيرواني بأنه لا مانع من جريان أصالة البراءة من الشروط التي يشك في اعتبارها في تأثير العقود والايقاعات ، وقال : لا مانع من هذه الأصالة بناء على جريان البراءة في الأحكام الوضعية كما يظهر من استدلال الإمام ( عليه السلام ) بحديث الرفع على فساد طلاق المكره
 وعتاقه ، فينفي بأصالة عدم الوجوب وجوب كل خصوصية شك فيها ، بمعنى عدم دخلها في تأثير السبب ، وعدم كونها من أجزاء السبب ، ولا يبقي معها مجال الرجوع إلى استصحاب عدم تحقق النقل والانتقال ، لأن هذا في مرتبة السبب وذاك في مرتبة المسبب ، والاستصحاب إنما يقدم على أصالة البراءة حيث يكونان في مرتبة واحدة ( 1 ) . وتندفع هذه المناقشة بأن حديث الرفع وإن كان يشمل الأحكام الوضعية - كشموله للأحكام التكليفية - إلا أنه لا يعم خصوص الجزئية والشرطية والمانعية ، ضرورة أن هذه الأمور الثلاثة أمور غير قابلة للوضع فلا تكون قابلة للرفع أيضا إلا برفع منشأ انتزاعها ، وعليه فإذا شك في شرطية شئ ء أو جزئيته أو مانعيته لم يجز الرجوع فيها إلى البراءة
  • ثم قال - أن الأحكام الوضعية على ثلاثة أقسام :
 1 - أن يكون مجعولا بنفسه ، كالملكية والزوجية والرقية ونحوها ، فإنها أمور متأصلة ، أي مجعولة بنفسها وغير منتزعة من التكاليف الشرعية ، بديهة أن انتزاعها من الأحكام التكليفية وإن كان ممكنا في مقام الثبوت ولكن لا دليل عليه في مقام الاثبات . إذ النسبة بين الملكية - مثلا - وبين جواز التصرف أو عدم جوازه هي العموم من وجه ، لأنه قد توجد الملكية ولا يترتب عليها جواز التصرف في المملوك ، كالأشخاص المحجورين عن التصرف في أموالهم لسفه أو فلس أو صغر ، وقد يتحقق جواز التصرف ولا توجد الملكية كالمباحات الأصلية ، فإنها غير مملوكة لأحد ويجوز التصرف فيها لكل شخص ، وكأولياء السفهاء والمجانين والصغار ، فإنه يجوز لهم التصرف في أموال هؤلاء المحجورين وليسوا بملاك ، وقد يجتمعان وهو كثير . وإذن فلا نعقل وجها صحيحا لانتزاع الملكية من الحكم التكليفي دائما .
 أضف إلى ذلك أن المستفاد من الأدلة أن الأحكام التكليفية تترتب على الملكية والزوجية والرقية وأمثالها ترتب الحكم على موضوعه ، ومن الواضح جدا أن مرتبة الموضوع متقدمة على مرتبة الحكم فيستحيل
 انتزاع الأمر المتقدم من الأمر المتأخر . ومثال ذلك أن جواز تصرف الانسان في ماله مستفاد من قوله ( صلى الله عليه وآله ) : إن الناس مسلطون على أموالهم ، وحرمة تصرفه في مال غيره بدون إذنه مستفادة من الروايات المستفيضة الدالة على ذلك .
 ومن الضروري أن جواز التصرف أو حرمته مترتب على المال المملوك ، فلا بد من فرض وجوده قبل الحكم عليه بجواز التصرف وعدمه ، بحيث يكون هذا الحكم من آثار المال المملوك ، وبديهي أنه لا يمكن الالتزام بانتزاع الملكية من آثار نفسها ، وهذا واضح لا ريب فيه .
 2 - أن يكون الحكم الوضعي راجعا إلى الحكم نفسه ، كالشرطية والسببية والمانعية للوجوب - مثلا - فإن الحكم الشرعي إذا لوحظ بالإضافة إلى شئ فإما أن يكون مطلقا أو مقيدا بوجوده أو بعدمه ، لا كلام لنا في فرض الاطلاق ، أما على فرض التقييد فإن كان الحكم الشرعي مقيدا بقيد وجودي فيكون القيد معتبرا في موضوعه ، وعندئذ تنتزع منه الشرطية تارة والسببية أخرى ، لأن مرجعهما إلى شئ واحد
 وإنما الفرق بينهما اصطلاح محض ، إن كان الحكم الشرعي مقيدا بقيد عدمي - كتقيد وجوب الصلاة بعدم الحيض - فتنتزع منه المانعية . وإذن فالشرطية والسببية والمانعية كلها منتزعة من جعل الحكم ولحاظه مقيدا بقيد وجودي أو عدمي .
 3 - أن يرجع الحكم الوضعي إلى متعلق التكليف ، كالشرطية والجزئية والمانعية للمأمور به ، فإنها منتزعة من كيفية الأمر ، وذلك لأنه إذا تعلق الأمر بالمركب من الأشياء العديدة انتزعت منه الجزئية ، وإذا تعلق بشئ مقيدا بوجود شئ آخر - كالأمر بالصلاة مقيدة باستقبال القبلة والستر - انتزعت منه الشرطية ، وإذا تعلق بشئ مقيدا بعدم شئ آخر ، كتقيد الصلاة بعدم استصحاب المصلي أجزاء ما لا يؤكل لحمه في الصلاة ، انتزعت منه المانعية . وإذن فالجزئية والشرطية والمانعية للمأمور به منتزعة من كيفية الأمر )
 وللكلام تتمة


[1] - جامع المدارك " الخوانساري " ج 4 ص 505

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo