< قائمة الدروس

الأستاذ السيد يوسف الأرزوني

بحث الفقه

33/12/08

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الطلاق \ شروط المطلق \ الاختيار
 بعدما ثبت بالأخبار العامة والخاصة بطلان طلاق المكره تعرض السيد الماتن لمسألة وهي بأن المكره على الطلاق لا يصح طلاقه ولو رضي بعد ارتفاع الإكراه وكذلك صرح باقي فقهاء هذا العصر بل جل فقهاء الشيعة وإن دغدغ بعضهم في ذلك
 وهذه المسألة كما قيل يوجد إجماع عليها ولكن بعد التتبع تبين أنه إجماع منقول وليس بمحصل لان كثيرا من الفقهاء عند ذكر هذه المسألة أطلقوا فقالوا طلاق المكره غير صحيح من دون التفصيل بين الرضا المتأخر بعد زوال الإكراه ويمكن أن يكون مرادهم أصل الإكراه بالجملة فيمكن ان يكونوا من القائلين بالصحة مع تعقب الرضا وبما أنه لم يقيدوا قيل ان إطلاق كلامهم بعدم الصحة يشمل محل الكلام .
 وقد تسأل: ما الفرق بين طلاق المكره وعقد المكره فنفوا صحة الأول مع تعقب الرضا بعد زوال الإكراه وقالوا بصحة الثاني كذلك
 فكما أن طيب النفس لم يكن موجودا حين الإيقاع لم يكن موجودا حين العقد ومع زوال الاكراه تحقق طيب النفس فكيف أثر العقد أثره وصح بخلاف الطلاق مع أن الشيء إذا وقع باطلا لا ينقلب عما كان عليه من البطلان.
 المشهور بين الأعلام صحة بيع المكره بعد زوال الإكراه وأطلق بعضهم القول بعدم صحة بيع المكره من دون التعرض للرضا المتأخر بعد زوال الإكراه بل نقل عن مجمع الفائدة وصاحب الحدائق عدم الصحة ولو مع الرضا المتأخر بعد زوال الإكراه ونقل أيضا عن جامع المقاصد والرياض والجواهر أن مسألة تصحيح بيع المكره برضاه المتعقب بعد زوال الإكراه إن لم تكن إجماعية فللنظر فيها مجال
 حتى أن بعضهم جعل المائز بين العقود والإيقاعات بعد اشتراكها في البطلان مع الإكراه أن العقود المكره عليها كالنكاح تصح بتعقب الرضا ولحوقه دون الإيقاعات المكره عليها فإنها لا تصح ولو تعقبها الرضا مع أن المائز بينها جوهري على أساسه اختلف الرضا اللاحق في التأثير وعدمه
  ونوقش في تصحيح عقد المكره بعد زوال الإكراه
 أولا: أن الرضا بالعقد مأخوذ في مفهوم العقد فإذا فقد لم يكن ثمة عقد ليحكم بصحته
 وفيه: أنه لا شاهد على هذه الدعوى لا عرفا ولا لغة مع أن لازم ذلك أن عقد الفضولي وعقد المكره ليسا من العقود حقيقة مع أنهما عقدان أكمل ؟
 ثانيا: اعتبار رضا العاقد في تأثير عقده
 وفيه: أن لازمه عدم صحة عقد المكره بحق وهو باطل
 ثالثا: مقارنة الرضا للعقد هو الشرط في الصحة
 وفيه: أنه وإن كان يمكن أن يكون كذلك ثبوتا لكن لا دليل عليه إثباتا لأن ما يمكن أن يقيد اطلاقات " أوفوا بالعقود" إما الإجماع أو العقل أو آية التجارة عن تراض أو الروايات الدالة على حرمة التصرف بمال الغير بغير رضاه أو حديث الرفع
 أما الإجماع: فهو دليل لبي ومعقده شرطية الرضا مطلقا أعم من اللاحق والمقارن
 أما الآية والروايات: فهما تدلان على توقف الحلية على الرضا فقط ولا تدلان على شرطية المقارنة ولا سيما ان الرضا وطيب النفس في العقود هو شرط في التأثير لا عدمه مانع.
 وأما حديث الرفع: فلا يدل إلا على عدم ترتب الأثر على بيع المكره ما دام الإكراه فإذا زال وتبدل بالرضا فلا مانع من التمسك بالعمومات الدالة على الصحة
 إذا لا دليل على مقارنة الرضا لتأثير العقد حينئذ نتمسك بالعمومات أوفوا بالعقود لاثبات الصحة.
 
 قال السيد محسن الحكيم: ( والأولى أن يقال : إن المائز بين العقد والإيقاع أن المفهوم المنشأ إن كان متعلقا بطرفين على وجه يكون تعلقه بكل منهما خلاف السلطنة عليه يكون عقديا ، أو لا يكون كذلك ، فيكون إيقاعا . مثلا تمليك مال إنسان لآخر لما كان على خلاف سلطنة المالك والمتملك - فإن خروج مال إنسان عن ملكه إلى ملك غيره خلاف سلطنة المالك على ماله ، وخلاف سلطنة المتملك على نفسه - ، كان التمليك مفهوما عقديا . وإسقاط ما في الذمة لما لم يكن خلاف سلطنة من له الذمة كان إيقاعا ، فيجوز وقع الثاني بلا حاجة إلى إعمال سلطنة صاحب الذمة ، ولا يجوز وقوع الأول بلا سلطنة المتملك . ومن ذلك تعرف أن إنشاء المفهوم العقدي لا يكون إلا بإعمال سلطنة كل من الطرفين ، فيكون إيجابا من طرف وقبولا من طرف آخر ) [1]
 وبعبارة أخرى: أن الإيقاع يكفي في حصوله إعمال سلطنة سلطان واحد ، والثاني يتوقف حصوله على إعمال سلطنة سلطانين ، ولا يكفي في حصوله إعمال سلطنة واحدة . فإذا قال الإنسان لزوجته : " طلقتك " فهذا إيقاع لأنه يكفي في حصوله إعمال سلطنة الزوج ، فالطلاق وإن كان تصرفا في الزوجة ، إلا أن الشارع جعله تحت سلطان الزوج بينما التزويج يتوقف حصوله على إعمال سلطنة الزوج والزوجة لأن الشارع جعله تحت سلطان الزوجين معا فكان عقدا
 وهذا معنى ما يقال: إن المفهوم المنشأ في العقود استمراري وفي الإيقاعات حدوثي فلذا يؤثر الرضا اللاحق في العقود دون الإيقاعات بعد زوال الإكراه فالرضا المتأخر لايؤثر في صحة الطلاق وذلك لعدم استمرارية المفهوم في عالم الاعتبار فحين الانشاء لم يكن الشرط متحققا وحين تحقق الرضا لم يكن للطلاق بقاء حتى يؤثر الطيب فيه وهذا بخلاف العقد والا فلو كان مفهوم الطلاق استمراريا لما كان هناك فرق كما لا يخفى .
 بل قد يقال سلمنا ان الطلاق ليس استمراريا ولكن من الجائز ان يكون له مراتب من استعداد وفعلية بحيث تكون فعليته بفعلية شرطه وهو الرضا المتأخر وبالتالي يصح الطلاق ملحوقا بالرضا.
 اللهم الا ان يقال ان هذا لو تم لتم في مثل الوقف والعتق والتدبير ولا يتم في الطلاق بدعوى ان الشارع قيد الطلاق بقيود عديدة بحيث خرج عن المعنى المتعارف فصار حقيقة اخرى غير ما يفهمه العرف فيشك في صحته مع الرضا اللاحق والاصل عدم الصحة.
 او يقال ان الادلة الخاصة في الطلاق قد عنونت بعنوان الاكراه
 اي عنوان أن لا يكون المطلق مكرها يعني الإكراه مانع من صحة الطلاق وليس شرطا كما في البيع ومن المعلوم ان الشرط يكفي حصوله في ترتب الاثر ولو متأخرا بخلاف المانع فانه
 يقع مقارنا لوجود المقتضي فيقع باطلا وإذا وقع باطلا فالرضا المتأخر لا يصحح به الطلاق فيشك بالصحة والأصل في المعاملة عند الشك في الصحة الفساد ومن هنا قيل أن طلاق المتعقب بالرضا المتأخر باطل تمسكا بأصالة الفساد عند الشك في الصحة فتأمل.
 


[1] - مستمسك العروة ج 13 ص 50

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo