< قائمة الدروس

الأستاذ السيد يوسف الأرزوني

بحث الفقه

33/06/17

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب النكاح \ أحكام النفقات \ قبول النفقة للإسقاط مستقبلا
 والتحقيق أن يقال تارة نلتزم بأن الزوجة تملك نفقتها في ذمة الزوج من أول زمان الزوجية إلى زمان انتهائها وعليه فلا إشكال في جواز الإسقاط بالنسبة إلى الأزمنة المستقبلية لأن الإسقاط على هذا يرجع إلى الإبراء
 وإن قلنا بأنها تملك نفقتها صبيحة كل يوم فليس لها الإبراء إلا بالنسبة إلى ذلك اليوم دون الأيام الآتية وعليه فإن قلنا بصحة إسقاط ما لم يجب فلا شك في صحة الإسقاط وقد حققنا في محله إمكان ذلك ولا دليل على بطلانه إلا التعليق غير المجمع عليه في المقام لا سيما بعد وجود المقتضي .
 والحاصل أن المراد بإسقاط ما لم يجب هو إنشاء الإسقاط فعلا وتحقق الشرط في ظرف ثبوته فيكون الإنشاء فعليا والمنشأ استقباليا.
 ولنعم ما قال السيد الماتن في خصوص إسقاط ما لم يجب: (ولكن الظاهر أنه لم يدل دليل على عدم جواز الإسقاط بما لم يجب إلا ما يتوهم من كونه تعليقا ، ومن الواضح أن المتيقن من ذلك هو العقود
 بالنسبة إلى التعليق بأمر مجهول ، فلا يجري في غيره . وعلى الجملة لا نعرف أساسا صحيحا لعدم جواز إسقاط ما لم يجب ، فلا نرى في أن يسقط الإنسان بما يتعلق له من الحق بذمة غيره قبل تعلقه بها ، ولم يرد في آية ولا في رواية ما يمنع عن ذلك ، كما هو واضح لا يخفى ، بل هو من جهة الإجماع ، ولعله ليس إجماعا تعبديا بل من جهة عدم اعتبار العقلاء بمثل ذلك ، ويمكن أن يكون مدرك الإجماع ما ورد من النهي عن بيع ما لم يملك بعد وعن بيع ما ليس عندك ، والعقلاء لا يعتبرون الملكية في أمثال ذلك أيضا ) [1]
 وأما ما يقال من أن القاعدة العقلية لا تخصص فهو صحيح إلا أنه لا مسرح للعقل في الأسباب والمسببات الاعتبارية من العقود والإيقاعات لأنها ليست بمثابة الأمور التكوينية الواقعية في ترتب المسببات على أسبابها قهرا بلا دخل لاعتبار المعتبر
 فالأسباب الاعتبارية ليست مؤثرة بنحو القهر في المسببات لأن المسببات اعتبارية تابعة في الحق الاعتباري لمبادئها الخاصة بها فالبيع المنشأ بألفاظه موضوع لاعتبار العقلاء لنقل المبيع إلى المشتري والثمن إلى البائع ولا مؤثر قهرا في ذلك ولو مع غض النظر عن اعتبار معتبر ما وعلى هذا لا يكون المنشئ قادرا إلا على إنشاء البيع والنقل الإنشائي مما هو موضوع لاعتبار النقل الواقعي عند العقلاء وهذا جار في جميع العقود والإيقاعات فإن نقل العوضين ليس تحت اختيار المتعاقدين لوجهين
 الأول: إن ترتب المسبب عليه ليس قهريا كالتكوين واعتبار العقلاء ليس تحت اختيار المتعاملين .
 الثاني: أن الإيجاب في الأصيل لا يعقل أن يكون ناقلا واقعا إلا بعد ضم القبول فكيف يعقل إنشاء النقل الحقيقي؟
 وعليه لا يكون بيد البائع إلا البيع الإنشائي ولا يترتب عليه أثر إلا مع ضم القبول وبعده يصير العقد صحيحا من غير إشكال في الإنشاء ولا في أثره فإن النقل الواقعي إنما هو باعتبار العقلاء.
 وعليه فإن الإسقاط الإنشائي اللحاظي لا يترتب على الثبوت الواقعي وإنما يترتب على الأعم ولو بلحاظ ثبوته مقابل عدمه فإنشاء الإسقاط لا يحتاج إلى أزيد من هذا الثبوت .
 وإلا كيف يمكن تفسير شرط سقوط النفقة وحق القسمة في ضمن عقد النكاح ؟
 ومن هنا أمكن القول بأن الإسقاط قبل إنشاء السبب غير عقلائي وبعد إنشاء السبب عقلائي ومن هنا لا يصح إبراء الدين قبل الاقتراض لكونه غير عقلائي والأسباب العقلائية تابعة لاعتبار العقلاء وفي غير مورده لا سببية لها .
 والحاصل أن صحة إسقاط النفقة من قبل الزوجة أبدا ليس ببعيد
 ان قلت :ان ظاهر ( لكل ذي حق إسقاط حقه) في فعلية المسقط وليس هو في المفروض ذا حق فعلي.
 قلت: ان الحكم المذكور عقلائي ولا فرق في نظر العقلاء بين إسقاط الحق الفعلي فعلا وبين إنشاء الإسقاط المتعلق بالحق الفعلي في ظرفه وغايته التعليق ولا دليل على بطلانه شرعا.
 الأمر الثاني: إسقاط نفقة الأقارب وعدمه
 ذهب المشهور إلى عدم صحة إسقاط نفقة الأقارب مطلقا وفي كل الأزمنة لأن نفقة الأقارب ليست من الحقوق فلا تكون قابلة للإسقاط.
 وخالف في ذلك السيد السيستاني فقال بصحة الإسقاط بالنسبة إلى الزمن الحاضر وعدم الصحة بالنسبة إلى الزمان الاستقبالي .
 قال السيد محسن الحكيم وتبعه السيد الشهيد الصدر: ( وأما نفقة الأقارب فلا تقبل الإسقاط لأنها من الأحكام لا من الحقوق نعم القريب يملك على قريبه أن ينفق عليه فالحق هو الإنفاق لا النفقة وهذا المعنى يقبل الإسقاط أيضا كما انه تصح المصالحة بين الزوج والزوجة على سقوط نفقتها وكذا تصح المصالحة بين القريب والمنفق على سقوط حق الإنفاق عليه )
 ولعل السيد الماتن يرى ذلك لأنه في بحث الضمان في شرحه على العروة ذكر أن الحكم التكليفي في نفقة الأقارب ليس كسائر الأحكام التكليفية بالمعنى الأخص وإنما هو من الحقوق حيث يقبل الإسقاط كما هو الحال في سائر موارد الحقوق ولذا كان لواجب النفقة رفع أمره إلى الحاكم إذا امتنع المنفق عن الإنفاق وللحاكم إجباره فإن امتنع جاز للحاكم الأخذ من ماله والإنفاق على قريبه لكونه ولي الممتنع .
 والظاهر أن الخلاف ناشئ من أن نفقة القريب من الحقوق أو الأحكام.
 فإن كانت من الأحكام فلا تقبل الإسقاط وإن كانت من الحقوق فتقبل الإسقاط.
 وقد قلنا سابقا إن معرفة الحق من غيره يتبع دليله ودليل النفقة بلحاظ الأقارب وان لم يكن ظاهرا في النفقة للقريب إلا أن هذا لا يلازم نفي الحقية ولا سيما أن نفقة القريب واردة في سياق نفقة الزوجة والتي هي من الحقوق المالية بل من الأملاك بلحاظ نفقة القوت وهذا هو الذي جعلنا نستظهر من دليل وجوب النفقة الحقية في الزوجة والقريب غايته أن الزوجة لها حق النفقة كعين والقريب وله حق الإنفاق عليه لا حق النفقة ولذا لم يكن يملك النفقة وإنما يملك الإنفاق فالقريب بملك على قريبه الإنفاق عليه ولولا هذا الحق المالي لا معنى لضمانها كما ذكر ي القواعد من ضمان نفقة القريب الحاضرة إذ الحكم التكليفي لا معنى لضمانه وكذلك لولا الحق المالي فلا وجه لرفع الأمر إلى الحاكم ولا لإذنه بالاستقراض.
 والعجب من أفتا منهم بذلك مع تصريحهم بأن نفقة القريب من الأحكام ولذا لا تقضى ولا تكون قابلة للإسقاط.
 ولذا قال السيد الحكيم أن الفرق بين نفقة الزوجة والقريب أن الأولى تملك النفقة والثاني يملك الإنفاق ويترتب عليه وجوب النفقة.
 والمحصل ان نفقة الأقارب قابلة للإسقاط حاليا وفي الاستقبال كنفقة الزوجةزمنن
 


[1] - مصباح الفقاهة الخوئي ج 4 ص 386

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo