< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/02/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - خاتمة في شرائط العمل بالأصول العملية

المانع الثاني: مناقشة ما أفاده المحقق النائيني (قده):

كان الكلام في إشكال المحقق النائيني (قده) على ما أفاده الآخوند (قده) فالمحقق الآخوند قال: إن هذا العلم الإجمالي الذي أُريد به التنجيز لوجوب الفحص في كل مورد من الشبهات الحكمية، أورد عليه المحقق صاحب الكفاية بأنه ينحل مع الظفر بمجموعة من الأحكام الإلزامية في الكتب المعتبرة، يكون عندنا قدر متيقن وشك بدوي في الباقي، يعني ينطبق المعلوم بالإجمال في العلم الإجمالي على ما بأيدينا فعليه ينحل العلم الإجمالي.

والمحقق النائيني قال: بأنه لا ينحل العلم الإجمالي في المقام لأنه هنا ذو علامة، المعلوم بالإجمال ذو علامة وفرق بين دوران الأمر بين الأقل والأكثر ابتداءً وبين ما إذا كان ذا علامة، إذا كان ابتداءً بدون أي علامة نعم ينحل العلم الإجمالي عندما نظفر بالقدر المتيقن، وأما إذا كان ذا علامة المعلوم بالإجمال فلا بد من الفحص، وما نحن فيه من هذا القبيل، هذا حاصل ما أجاب به عن المحقق صاحب الكفاية.

هنا أولاً نقول: بأن ما أفاده المحقق النائيني خلاف لمبناه في العلم الإجمالي وأن منجزيته بنحو الاقتضاء، كما مرّ علينا سابقاً في منجزية العلم الإجمالي عرفنا بأن هناك مسلكين، مسلك القول بالعلية أن العلم الإجمالي منجز بنحو العلية في الشبهات التحريمية والشبهات الوجوبية، هذا هو ما ذهب إليه المحقق العراقي (قده)، والمسك الثاني أن العلم الإجمالي بالنسبة إلى الشبهات التحريمية منجزيته بنحو العلية وأما في الشبهات الوجوبية فتنجيزه بنحو الاقتضاء لا بنحو العلية، يعني بالنسبة إلى الشبهات التحريمية لا بد من العلم بعدم المخالفة القطعية هذا هو مقصودنا أنه من حيث المخالفة القطعية هنا المنجز منجز بنحو العلية أما من حيث الموافقة فالتنجيز بنحو الاقتضاء، هذا على حسب ما تقدم سابقاً.

نقول: على مبنى المحقق النائيني يفترض أنه لا يقول بهذا الجواب؛ لأنه معنى ذلك بنحو الاقتضاء أننا لو أجرينا الأصول في جميع الموارد للزم منه المخالفة القطعية وجريان الأصول في بعض الموارد دون بعض يكون ترجيح بلا مرجح، وجريان الأصل في الفرد المردد فالفرد المردد لا ماهية له ولا هوية، فعليه: نقول بأن الأصول تتساقط في موارد العلم الإجمالي ويتنجز العلم الإجمالي، هذا مبنى الاقتضاء.

إذاً مبنى الاقتضاء قوامه أن الأصول يمكن أن تجري في كل مورد فلهذا تتعارض الأصول، وعند تعارضها تسقط ويتنجز العلم الإجمالي، أما لو فرضنا أنه يمكن جريان الأصل في مورد دون مورد لسبب من الأسباب فهنا لا يتنجز العلم الإجمالي وينحل ولو حكماً لأنه بنحو الاقتضاء كما قلنا فيفترض فيه أن يكون هناك تعارض بين الأصول، أما إذا أمكن جريان الأصل في مورد ولا يمكن جريان الأصل في المورد الآخر، أو إذا أمكن جريان الأصل في مورد بلا معارض فهنا ينحل العلم الإجمالي، ما نحن فيه من هذا القبيل، المحقق صاحب الكفاية يستطيع أن يقول: عندنا علم إجمالي بأحكام إلزامية في ضمن الكتب المعتبرة بهذا العنوان وبهذا التعنون ولكن فرض الكلام أنّا ظفرنا بمجموعة كبيرة من الأحكام في الكتب الأربعة، هذه الموارد التي هي من ضمن دائرة العلم الإجمالي لا يجري فيها الأصل لأننا ظفرنا بالحكم فيها، الموضوع الفلاني واجب والموضوع الفلاني حرام والموضوع الفلاني مستحب مثلاً، ظفرنا بالدليل عليه فلا يكون مجرى للأصل، هذه الموارد لا تكون مجرى للأصل، وبقية الموارد التي لم نظفر بها والآن قبل الفحص نقول جريان البراءة فيها لا معارض له إلا إذا فرضنا أنه العلم الإجمالي لازال باقي، يعني لو فرضنا ظفرنا بمائة حكم في مائة شبهة حكمية، وبقيت عندنا مائة أيضاً نعلم بوجود أحكام إلزامية فيها ذاك شيء آخر عندنا العلم الإجمالي لازال قائماً، أما إذا فرضنا الآن عندنا مائتا شبهة حكمية ونحن ظفرنا بأدلة مائة شبهة حكمية ولما ظفرنا بمائة شبهة حكمية هذه لا يجري فيها الأصل لقيام الدليل عليها، والمائة الأخرى نشك شكاً بدوياً يعني مجرى للبراءة بعبارة أخرى البراءة تجري فيها بلا معارض، فلا يتنجز العلم الإجمالي الأول، والعلم الإجمالي الأول ظفرنا بمجموعة كبيرة من مواره بحيث لا تجري فيها الأصول البقية تجري فيها الأصول بلا معارض.

إذاً حاصل الإشكال: أن نقول: بأن ما أفاده هنا مخالف لمبناه من أن تنجيز العلم الإجمالي بنحو الاقتضاء، ومعنى تنجيزه بنحو الاقتضاء هو عدم إمكان جريان الأصول في جميع الموارد لتعارض الأصول حينئذ وتساقطها، فلو أمكن جرسان الأصل في مورد لعدم وجود المعارض له لسقوط الأصل في المورد الثاني فلا يعارضه فهنا ينحل العلم الإجمالي، وما نحن فيه من هذا القبيل، فلا يفيد كلامه لرفع الإشكال.

الإشكال الثاني: لعله يظهر من غير واحد من الأعلام كالشيخ الوحيد (حفظه الله) والسيد الخوئي (ره) والسيد الروحاني (قده) يظهر منهم هذا الإشكال وإن لم يتفقوا على الصياغة التي سنذكرها، ولكن تقريباً المضمون واحد عند الجميع.

نذكره بهذه الصيغة التي أفادها الشيخ الوحيد (حفظه الله): يقول: بأن العنوان الموجود عندنا وهو عنوان ما في الكتب الأربعة، أعلم إجمالاً بوجود أحكام إلزامية في الكتب الأربعة، هذا العنوان الذي ركّز عليه المحقق النائيني بأن المورد إذا كان معنوناً بعنوان فلا ينحل العلم الإجمالي، عنوان ما في الكتب الأربعة هل هو عنوان موضوعي أو عنوان طريقي، يعني هل هو أُخذ بنحو الموضوعية أو أُخذ بنحو الطريقية، لو كان بنحو الموضوعية يتم كلام المحقق النائيني، ولكن في الواقع هو أُخذ بنحو الطريقية، يعني ما في الكتب الأربعة عنوان مشير إلى مجموعة من الأحكام فمتعلق العلم الاحكام الموجودة في الكتب الأربعة وعنوان ما جاء في الكتب الأربعة طريق وحاكي لتلك الأحكام، مثلاً: أنا أعلم بأن أواني زيد من بين هذه الأواني نجسة، هذا معنون وذو علامة المعلوم بالإجمال، أن أواني زيد بين هذه الأواني الموجودة نجسة، عنوان أواني زيد لا أثر له بل هو عنوان مشير إلى أن ما في الواقع الخارجي نجس، هناك آنية نجسة في هذا الواقع الخارجي، تمام المدار على المشار إليه لا المشير، هنا عندي حكم عقلي بتنجيز العلم الإجمالي العبرة بالمشار لا بالمشير بالمعنون لا بالعنوان، والمعنون والمشار إليه وجود النجس في ضمن هذه الأواني، فعليه: إذا ظفرت بقسم من الأواني النجسة وعلمت أن هذه نجسة قامت البينة على نجاستها حتى لو لم أعلم بأن هذه الأواني هي أواني كلها لزيد أو بقي هناك أو لا، هنا ينحل العلم الإجمالي، لأن المدار على المشار إليه.

وما نحن فيه من هذا القبيل، المعنون المشار إليه عبارة عن التكاليف الإلزامية للمولى وهذه التكاليف الإلزامية مرددة بين الأقل والأكثر وكلما تردد بين الأقل والأكثر بضرورة الوجدان يكون عندنا فيها متيقن ومشكوك، الأقل متيقن والأكثر مشكوك، وبعد الفحص يُظفر بمقدار تكون هذه المظفور بها معلومة بالتفصيل يقيناً، الباقي يكون مجرى للبراءة يعني الباقي نشك فيه شكاً بدوياً، فبالنسبة إلى المقدار المظفور به الذي قامت عليه الحجة لا يجري فيه الأصل باعتبار أنه معلوم بالتفصيل وما زاد على القدر المتيقن هنا يكون مجرى للأصل وينحل العلم الإجمالي.

إذاً حاصل الجواب: أن تعنون المعلوم بالإجمال بعنوان معين أو بعلامة معينة لا أثر له لأن هذا مجرد عنوان مشير والعبرة بالمشار إليه، الأحكام الإلزامية المشار إليها هي أحكام مترددة بين الأقل والأكثر فعندما أظفر بالأقل يعني صار عندي علم تفصيلي بالأقل بالنسبة إلى الأكثر يكون شكاً بدوياً وهو مجرى للبراءة وينحل العلم الإجمالي، وهذا جواب متين.

طبعاً عبارة السيد الخوئي (قده) كأنه يرجع إلى هذه النقطة: بأنه حتى لو كان متعنون المدار على أنه هل هذا المتعنون بعنوان يدور أمره بين الأقل والأكثر أو لا؟ إذا كان هو في نفسه يدور أمره بين الأقل والأكثر فهذا يوجب الانحلال، ما نحن فيه من هذا القبيل أن المعنون أو صاحب العنون أو صاحب العلامة هو في نفسه يدور الأمر فيه بين الأقل والأكثر، عليه: إذا ظفرنا بالمقدار الأقل صار عندنا علم تفصيلي بالأقل وشك بدوي في الزائد فيكون مجرى للبراءة، هذه العبارة من السيد الخوئي (ره) وهذه النقطة، يستفاد منها أنه في هذا الإشكال يفصّل بين ما إذا كان المعلوم بالإجمال أو ذو العلامة لا يدور أمره بين الأقل والأكثر فهنا يأتي كلام المحقق النائيني ولا ينحل العلم، وأما إذا كان ذا العلامة في نفسه يدور فيه الأمر فيه بين الأقل والأكثر فهنا لا يتنجز العلم بل ينحل، وما نحن فيه من هذا القبيل.

عند السيد الخوئي (ره) إشكال آخر، يرفع اليد كأنه عن التفصيل يعني في كلا الأمرين وفي كلا الحالين سواء كان نفس ذو العلامة متردداً بين الأقل والأكثر أو لا على كلا التقديرين أيضاً ينحل العلم الإجمالي، يعني حتى لو لم يكن مردداً ذو العلامة بين الأقل والأكثر، وذلك: إذا الآن علمنا بوجود إناء نجس بين أواني محصورة أحدها معنون بإناء زيد وهو معلوم بأنه نجس، إذا فرضنا الآن عندنا علم تفصيلي بعد الفحص بنجاسة إناء بعينه الإناء (أ) هذا نجس، ونحتمل أن يكون هو إناء زيد المعلوم النجاسة، في هذه الحالة أيضاً لا يبقى علم بوجود نجاسة في غيره من الأواني، عند عشرة أوانٍ نعلم بنجاسة إناء زيد في ضمنها وظفرنا بعلم يقيني بنجاسة الإناء (أ) ونحتمل أنه إناء زيد، لو علمنا قطعاً أن الإناء (أ) ليس بإناء زيد لا ينحل العلم الإجمالي، فرض الكلام أننا نحتمل أن الإناء (أ) نحتمل أنه إناء زيد، ومع وجود هذا الاحتمال الآن لا يبقى عندنا علم بوجود النجاسة في غيره، يعني لو أفرزنا هذا إناء (أ) وأبقينا التسعة وسألنا هل تعلم إجمالاً بوجود النجس في هذه التسعة أقول: لا، أنا كنت أعلم بنجاسة إناء زيد في ضمن هذه الأواني العشرة ثم علمت بنجاسة الإناء (أ) بطريق من الطرق، الآن رفعت الإناء (أ) جئت إلى التسعة قلت هل تعلم إجمالاً بوجود النجس فيها؟ أقول: لا، لأن العلم لا يجتمع مع احتمال الخلاف بالضرورة، فعليه: ينحل العلم الإجمالي بالوجدان وليس لنا علمان إجماليان، علم بوجود نجس مردد بين الأقل والأكثر وعلم بنجاسة إناء زيد، ليس الفرض هو هكذا، بل عندنا علم واحد وهو أن إناء زيد نجس ولم يتردد بين الأقل والأكثر كما في فرض الجواب السابق، الآن ظفرت بنجاسة الإناء (أ) وأحتمل أنه هو نفسه إناء زيد، إذاً لا يوجد عندي علم إجمالي في الباقي، فعليه: ينحل العلم الاجمالي.

فالنتيجة: أن كلام المحقق صاحب الكفاية (قده) مندفع سواء كان متعنوناً بعنوان وكان ذلك العنوان مردداً بين الأقل والأكثر كما يتضح من الجواب السابق، أو كان معنواناً بعنوان أو لم يكن نفس العنوان مردداً بين الأقل والأكثر، أيضاً ينحل العلم الاجمالي، عليه: إذا اندفع كلام المحقق النائيني.

فنقول: لازال كلام المحقق صاحب الكفاية على قوته أن العلم الاجمالي المدعى في القام لأجل لزوم الفحص منحل فإذا انحل لا بد أن نبحث عن مانع آخر عن الإطلاق وهذا لا يفيد، وللحديث بقية.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo