< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/01/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - خاتمة في شرائط العمل بالأصول العملية

أصالة البراءة:

فرغنا من الكلام حول الاحتياط وقد اتضح أنه لا يشترط في الاحتياط إلا تحقق عنوانه فإذا تحقق عنوان الاحتياط كان ذلك كافياً، إلا إذا لزم منه اختلال النظام فهنا وقع الكلام: هل هو هذا محقق لعنوان الاحتياط أو أنه شرط في العمل بالاحتياط؟

الذي يظهر من كلمات الشيخ (قده) بأنه محقق لعنوان الاحتياط، والذي يظهر من صريح كلام المحقق صاحب الكفاية (قده) أنه شرط للعمل بالاحتياط،

والصحيح: أنه محقق لعنوانه كما قدمنا، على كل حال الأمر من هذه الجهة سهلٌ، يعني هناك اتفاق على أن العمل بالاحتياط أُخذ فيه ألا يكون موجباً لاختلال النظام سواء كان هذا على نحو الشرط أو محقق للعنوان على كل حال هو مأخوذ فيه، فإذا لزم منه الاخلال بالنظام فهنا لا يحسن الاحتياط، وكذا ما يرتبط بذلك، مثلاً: لو لزم منه الوسوسة أيضاً لا يكون حسناً، هذا تقدم الكلام فيه.

الكلام الآن في أصالة البراءة:

هل يشترط شيء للعمل بها أو لا؟ وعلى فرض الاشتراط ما هو هذا الشرط؟ البراءة كما هو معلوم على قسمين:

عندنا براءة عقلية، وعندنا براءة شرعية، والكلام فعلاً في البراءة العقلية ويشترط في جريان البراءة العقلية الفحص، البراءة العقلية هي قبح العقاب بلا بيان، ويشترط في جريانها الفحص، يعني قبل الفحص لا يصح العمل بأصالة البراءة العقلية ولا يصح التمسك بالبراءة العقلية.

الدليل على هذا الشرط: ذُكر دليلان للزوم هذا الشرط:

الدليل الأول: هو أن موضوع استحقاق العقاب هو البيان، وموضوع عدم استحقاق العقاب هو عدم البيان، تقول: قبح العقاب بلا بيانٍ، إذاً موضوع استحقاق العقاب هو وجود البيان، إذا وُجد البيان للمكلف ولم يعمل على طبقه فيستحق العقاب، وإذا لم يوجد البيان ولم يعمل على طبقه هنا لا يستحق العقاب، قبح العقاب بلا بيان.

ما هو المراد من هذا البيان؟ هل المراد منه هو البيان الواصل للمكلف أو البيان الصادر من المولى وفي معرض الوصول؟

لا شك أن المقصود هنا من البيان هو البيان الصادر من المولى ويكون في معرض الوصول، يعني ديدن المولى وبناء المولى ليس على إيصال البيان لكل فرد فرد على نحو القهر، بل ديدن وبناء المولى أن يجعل البيان في معرض وصول المكلف، مثلاً: الله سبحانه وتعالى يرسل الأنبياء والرسل وهم يدعون والمكلف يذهب للسؤال والمعرفة وهكذا، الآن مثلاً المكلف يذهب إلى الكتب المعدة لذكر الروايات لأجل معرفة الحكم الشرعي، فالمهم بناء المولى هو على أن يصدر منه البيان ويكون في معرض الوصول وأن يضعه في معرض الوصول، والعبد بعد ذلك هو يفحص فإذا واجه مسألةً ما يفحص في المكان المعد لذلك فإن وجد البيان عمل على طبقه وإن لم يوجد البيان فتجري في حقه قبح العقاب بلا بيان، فالمولى لا يعاقبه لعدم وجدانه للبيان.

إذاً: نفس أخذ موضوع عدم البيان في قاعدة قبح العقاب بلا بيان هي بنفسها تقتضي أن يفحص المكلف عن وجود البيان، هل البيان موجود أو ليس بموجود؟ فلو فرضنا أن المكلف شك هل للمولى في هذه المسألة بيان بحيث لو فحصنا عنه لوجدناه أو لا يوجد عنده بيان؟ لو شك وتمسك بقبح العقاب بلا بيان يكون من باب التمسك بالدليل في الشبهة الموضوعية وهذا لا يصح.

النتيجة: أن الدليل الأول حاصله أن البيان المأخوذ في قاعدة قبح العقاب بلا بيان هو البيان الصادر من المولى والذي وضعه المولى في معرض الوصول وهذا بطبعه يقتضي أن يفحص عنه المكلف، فإذاً الدليل الأول هو هذا على شرطية الفحص.

الدليل الأول أشبه ما يكون مجمع عليه عند الأصوليين وهو محل اتفاق بينهم.

الدليل الثاني: إذا كان بناء المولى على بيان الأحكام وأغراضه هي الوسيلة العادية يعني الوسيلة المتعارف عليها ومعنى ذلك أن يصدر منه البيان ويضعه في معرض الوصول هذا الطبع العادي، والعبد هو الذي يفحص، كما تبين من الدليل الأول، إذا كان الفرض هو هذا فوظيفة العبد بما هو عبد الفحص عن بيان المولى فإذا فحص فقد عمل العبد بوظيفة العبودية، وإذا لم يفحص معناه تخلف عن وظيفة العبودية، والتخلف عن وظيفة العبودية ظلم من العبد على مولاه وموجب لاستحقاق العقاب، فهو إذاً ملزم بالفحص طبقاً لهذا الدليل وما لم يفحص لم يتحقق موضوع قبح العقاب بلا بيان.

هذا الدليل الثاني يختلف نوعاً ما عن الدليل الأول، الدليل الأول إذا لم يفحص العبد والبيان كان موجوداً في معرض الوصول فالعقوبة على المكلف على مخالفته للواقع، يعني أن الواقع قد بُين وكان في معرض الوصول ولم يفحص عنه المكلف فيستحق العقوبة على ترك الواقع، يعني لو فرضنا مثلاً أن الشارع صدر منه حرمة التتن وكان في معرض الوصول والمكلف لم يفحص عن الحكم وشرب التتن هنا يكون مخالفاً للواقع ويستحق العقوبة على ترك الواقع على مخالفته للواقع، هذا بمقتضى الدليل الأول، أما مقتضى الدليل الثاني أن العقوبة تكون على ترك الفحص لأنه ظلم للمولى وخروج عن رسم العبودية وزي العبودية فالعقوبة تكون على ترك الفحص فإذاً: حاصل الدليل الأول أن العقوبة تكون على ترك الواقع والدليل الثاني حاصله أن تكو العقوبة على ترك الفحص نفسه، وفرق بين الأمرين.

إذاً هذا دليلان على وجوب الفحص لأجل جريان قبح العقاب بلا بيان، وهذان الدليلان وقعا موقع الإشكال من المحقق الأصفهاني (قده) قلنا الدليل الأول شبه اتفاق ولكن المحقق الأصفهاني (قده) أورد إشكالاً على الدليل الأول وعلى الدليل الثاني.

بالنسبة إلى إشكاله على الدليل الأول: يقول هكذا: إنه نحن نريد بترك الفحص أن يتنجز التكليف الواقعي، إذا ترك المكلف الفحص نريد من ذلك تنجيز التكليف الواقعي، وقبل الفحص لا تجري قاعدة قبح العقاب بلا بيان كما ذكرنا وأردنا، فعليه: يتنجز التكليف الواقعي، بينما التنجيز أو التنجز مرتبة متأخرة عن فعلية الحكم، يعني أولاً يكون الحكم فعلياً ثم مع قيام المنجز يتنجز ذلك الحكم، وفعلية الحكم بالوصول إلى العبد لأن حقيقة الأحكام الإلهية هي بعثٌ وزجرٌ من المولى في الأحكام الوجوبية بعثٌ وفي الأحكام التحريمية زجرٌ من طرف المولى وما لم يصل التكليف للعبد لا تكون فيه إمكانية الباعثية والزاجرية، هذا البعث من طرف المولى إذا لم يصل إلى العبد ل يكون باعثاً للعبد ولا يكون زاجراً للعبد، يعني لا تكون فيه إمكانية الباعثية والزاجرية، وإذا لم توجد فيه إمكانية الباعثية والزاجرية فلا يكون حكماً لأن حقيقة الحكم ما يمكن أن يكون باعثاً وزاجراً وإمكان ذلك لا يكون إلا بالوصول وما لم يصل لا يكون هناك بعثٌ فعلي أو زجرٌ فعلي ومع عدمه لا يتحقق التنجز، فإذاً هو ذكر عدة مقدمات للوصول إلى هذه النتيجة.

المقدمة الأولى: أن مرتبة تنجز الحكم في مرتبة متأخرة عن مرتبة فعلية الحكم.

المقدمة الثانية: ثم مرتبة فعلية الحكم تكون بوصول الحكم إلى العبد لأن الحكم هو ما يمكن أن يكون باعثاً أو زاجراُ والبعث ما لم يصل إلى العبد لا يمكن أن يكون باعثاً أو يكون زاجراً.

النتيجة بعد ذلك يكون التنجز.

ونتيجة الكلام أننا نشترط الفحص لأجل تنجز التكليف الواقعي والتكليف الواقعي لا يكون إلا بعد فعليته وفعليته لا تكون إلا بعد الوصول، فالنتيجة أنه لا يكون هذا الفحص شرطاً لجريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان، هذا حاصل إشكاله.

هذا الكلام يتم في حال الالتزام بما أفاده من أن فعلية الأحكام دائرة مدار الوصول، ولكن هذا محل بحث، فمثلاً المحقق الآخوند (قده) يرى مراتب للحكم ويرى أن التنجز مرتبة متأخرة عن فعلية الحكم، يعني مرحلة الاقتضاء عنده ثم مرحلة الإنشاء ثم مرحلة الفعلية ثم مرحلة التنجز، ومرحلة الفعلية هي مرحلة تمامية الموضوع، الإنشاء يُنشئ الحكم على الموضوع المفروض الوجود وهذه تسمى مرحلة الإنشاء، بعد ذلك يتم الموضوع في الخارج يعني مرحلة الإنشاء يُنشئ وجود الحج على من فُرض أنه مستطيع بنحو القضية الحقيقية، بعد ذلك يوجد الموضوع في الخارج يوجد المستطيع ولما وجد المستطيع وصل الحكم إلى مرتبة الفعلية وبعد معرفة المكلف وعلم المكلف بالحكم وبتمامية الموضوع الآن تصل النوبة إلى مرتبة التنجز، على هذا المبنى مرتبة التنجز صحيح هي مرتبة متأخرة عن مرتبة فعلية الحكم ولكن مرتبة فعلية الحكم ليست بوصول الحكم وإنما بتمامية موضوعها أن يكون الموضوع فعلياً ويتحقق الموضوع في الخارج، لا ربط لها بوصول الحكم إلى المكلف، على هذا لا يرد كلام المحقق الأصفهاني.

أيضاً على مبنى غير واحد من الأعلام كالمحقق النائيني (قده) السيد الخوئي (قده) والشيخ الوحيد (حفظه الله) مبنى آخر الذي تنحصر مرتبة الحكم في مرتبتين وصاحب الكفاية ذكر أربع مراتب، اقتضاء وإنشاء وفعلية وتنجز، وهم يقولون: لا، الحكم له مرتبتان مرتبة هي مرتبة الجعل ومرتبة الجعل التي هي مرتبة الإنشاء عند صاحب الكفاية، يعمي أن يُجعل الحكم على الموضوع المفروض الوجود بنحو القضية الحقيقية، الشارع كما قلنا يُنشئ وجوب الحج على المستطيع يعني كلما وجد مستطيع في الخارج يجب عليه الحج، هنا مرحلة الإنشاء وهذه سموها بمرحلة الجعل، وعندنا مرحلة ثانية التي هي مرحلة المجعول ومرحلة المجعول هي مرحلة فعلية وجود الموضوع المفروض الوجود، في المرحلة الأولى نقول الموضوع المفروض الوجود، والآن في المرحلة الثانية مرحلة الفعلية نقول مرحلة فعلية وجود الموضوع الذي كان مفروض الوجود، الآن تحقق في الخارج، وبمجرد تحقق الموضوع تكون إرادة المولى وغرض المولى وحكم المولى يكون فعلياً، فهنا صار الحكم فعلياً لأن الموضوع قد تحقق في الخارج.

إذاً: بهاتين المرحلتين وُجد الحكم صار فعلياً، يعني بالمرحلة الأولى صار الحكم جعلاً يعني إنشاءً فقط وبالمرحلة الثانية صار الحكم فعلياً، لما تحقق الموضوع في الخارج صار الحكم فعلياً، ففعلية الحكم لا ترتبط بوصول المكلف.

إذا الآن تحققت فعلية الحكم يبقى الكلام في التنجز، التنجز على مبنى المحقق صاحب الكفاية جعله من مراتب الحكم والتنجز على هذا المبنى لا يكون من مراتب الحكم وإنما هو من آثار العلم بالحكم، فالأمر يبقى لما صار الحكم فعلياً صار المستطيع موجوداً الآن يبقى تنجز الحكم يدور مدار علم المكلف وجهله، فيكون المنجز للحكم الفعلي الذي كان فعلياً العلم التفصيلي بالحكم أو العلم الإجمالي بالحكم أو احتمال وجود الحكم قبل الفحص، فإذاً المنجز إذا علمت تفصيلاً بوجوب الحج صار منجزاً، علمت إجمالاً بوجوب صلاة مثلاً هنا صار هذا العلم الإجمالي منجزاً، إذا احتملت وجود حكم فعلي للمولى قبل أن أفحص هذا الاحتمال أيضاً منجز فالمنجز للتكليف هو إما العلم التفصيلي أو الإجمالي أو الاحتمال احتمال التكليف قبل الفحص، فإذاً مرحلة الفعلية تكون تامة والمنجز للحكم يكون تاماً قبل الفحص بمجرد الاحتمال، وبعد الفحص إذا وُجد علم تفصيلي أو إجمالي، وبعد الفحص إذا لم يوجد علم تفصيلي ولا إجمالي تجري قاعدة قبح العقاب بلا بيان.

إذاً ما أفاده المحقق الأصفهاني (قده) كإشكال على هذا الدليل هذا يبتني فقط على مبنى إذا قلنا بأن فعلية الحكم تدور مدار وصول الحكم إلى المكلف لهذا الإشكال مجال، أما إذا قلنا بأن فعلية الحكم مرتبة قبل مرتبة التنجز وهذه المرتبة تدور مدار تمامية الموضوع ولا ترتبط بعلم المكلف بالحكم وعدم علمه بالحكم فهنا لا يرد هذا الإشكال، فيكون الدليل تاماً.

إذاً نتيجة القول فعلاً: أن الدليل الأول وهو أن المقصود من البيان أن يصدر الحكم من المولى ويكون في معرض الوصول، فالمقصود من البيان ما كان في معرض الوصول وليس ما كان واصلاً، نفس أن يكون في معرض الوصول فإذا كان كذلك إذاً على المكلف أن يسعى لتحصيله وللوصول إليه، معنى ذلك أنه يجب عليه الفحص، فيشترط بمقتضى هذا الدليل لأجل جريان قبح العقاب بلا بيان يشترط الفحص، هذا بالنبة إلى الدليل الأول.

أما بالنسبة إلى الدليل الثاني وإشكال المحقق الأصفهاني (قده) إن شاء الله يأتي الكلام فيه.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo