< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/01/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - خاتمة في شرائط العمل بالأصول العملية

 

المقام الثاني: الاحتياط في العبادات:

 

مناقشة ما أفاده المحقق النائيني (قده):

كان الكلام في الاحتياط في العبادات ووصلنا إلى إشكال المحقق النائيني (قده) أنه مع الإمكان من تحصيل العلم لا تصل النوبة إلى الامتثال الاحتمالي فلهذا يكون الاحتياط في العبادات مع إمكان تحصيل العلم لا يخلو من الإشكال.

وحاصل ما ذكره: أن الامتثال له مراتب أربع،

المرتبة الأولى: هي مرتبة العلم التفصيلي بحيث يمكنني الفحص وأصل إلى النتيجة القطعية، يعني الوجوب أو الاستحباب أو ما شاكل،

المرتبة الثانية: مرتبة العلم الإجمالي أو الامتثال الإجمالي يعني أعلم بتحقق الامتثال في ضمن أحد الفردين مثلاً،

المرتبة الثالثة: الامتثال الظني يعني المعتمد على أمارة مثلاً أو خبر الثقة أو ما شاكل،

المرتبة الرابعة: الامتثال الاحتمالي.

ومع التمكن من المرتبة الأولى وهي تحصيل العلم لا تصل النوبة إلى المرتبة الثانية أو الثالثة أو الرابعة وهي التي محل الكلام وهي ما إذا احتملت وجود الأمر، والسبب في ذلك؛ علله بأن المعتبر في العبادة هو قصد الإطاعة وهي أن تكون إرادة العبد تابعة لإرادة مولاه وانبعاث العبد نحو العمل يكون تابعاً لوجود البعث المولوي الصادر من قبل المولى، وهذا المعنى من قصد الطاعة بهذا المعنى الذي ذكرناه يتوقف على العلم بالأمر، فالانبعاث عن احتمال الأمر أو عن الأمر المحتمل ليس انبعاثاً عن الأمر حقيقة فإذا أخذنا في العبادة قصد الطاعة وهي أن تكون إرادة العبد تابعة لإرادة مولاه لا يتحقق هذا المعنى في احتمال الأمر، النتيجة: أنه مع التمكن من العلم لا بد منه ولا تصل النوبة إلى احتمال الأمر، هذا في المرتبة الأولى.

ثم قال: بأنه على فرض الشك المرحلة الثانية وانتهاء الأمر إلى الأصول العملية فالمقام من موارد الاشتغال وليس من موارد البراءة، لأنه بحسب تعليله أن الأمر هنا يدور بين التعيين والتخيير يعني هل أن الامتثال متعين بخصوص الامتثال عن العلم بالأمر أو المكلف مخير بين أن يمتثل بداعي الأمر أو أن يمثل بداعي احتمال الأمر، يدور الأمر بين التعيين والتخيير ومقتضى القاعدة هو التعيين يعني هو الاشتغال خصوصاً أنه بحسب دعواه لا يوجد جامع بين الامتثال التفصيلي والامتثال الاحتمالي حتى نقول تجري البراءة، إذا وجد الجامع فالجامع قدر متيقن ونعلم به وما زاد على ذلك نشك فيه فيكون مجرى للبراءة، هنا ليس كذلك، يقول: هنا دوران الأمر بين التعيين والتخيير ولا يوجد جامع بين الامتثال التفصيلي والامتثال الاحتمالي حتى ندرجه في الشك بين الأقل والأكثر فعليه يكون مجرى للاشتغال وليس مجرى للبراءة.

إذاً المحقق النائيني (قده) عنده مرحلتان من الكلام، المرحلة الأولى أصل الجزم بأن الامتثال التفصيلي مقدم على غيره ولا تصل النوبة إلى غيره،

والمرحلة الثانية في حالة الشك لو شككنا يقول أيضاً المورد مورد اشتغال فإذا كان مورداً للاشتغال لا بد من الامتثال التفصيلي من المرتبة الأولى وإن لم نتمكن منه ننتقل إلى المراتب الأخرى، هذا الإشكال الذي أورده المحقق النائيني (قده) على الاحتياط في العبادات، يعني نتيجته أنه لا بد من الفحص في الاحتياط ولا نكتفي بالاحتياط بدون فحص، فإذاً يشترط في جريان الاحتياط الفحص.

طبعاً كلام المحقق النائيني (قده) وقع موقع بحث بين الأعلام، والآن نتعرض إلى ما أفاده الشيخ الوحيد (حفظه الله) في جوابه عن المحقق النائيني (قده).

يقول ما حاصله: إنه لا بد أن نلاحظ ونعرف ما هو الحكم من جهة ومن هو الحاكم أيضاً من جهة أخرى، أما بالنسبة إلى الحكم في الامتثال هنا في المقام هو لزوم الطاعة، الحاكم في المقام هو العقل فالعقل هو الذي يحكم بلزوم الطاعة ولهذا حُملت الأدلة اللفظية الدالة على لزوم الامتثال مثلاً (أطيعوا الله) على أنها أوامر إرشادية وليست أوامر مولوية، فإذاً الحاكم بالطاعة في المقام هو العقل، عليه: نقول: ما هي الطاعة؟ إذا قلنا الحكم هو لزوم الطاعة والحاكم هو العقل، ما هي الطاعة؟ الطاعة هي أن يؤتى بالمأمور به، والإتيان بالمأمور به إذا كان في التوصليات لا يشترط فيه شيء مجرد الإتيان به يسمى طاعة، وبالنسبة إلى العبادات فالإتيان بالمأمور به مضافاً إلى الله تعالى يسمى طاعة، العبادة إذا لم تكن مضافة إلى الله سبحانه وتعالى لا تسمى طاعة، فإذاً الطاعة في العبادات هو أن يؤتى بالمأمور به مضافاً إلى الله سبحانه وتعالى، إذاً هناك ركنان في تحقق الطاعة، الركن الأول الإتيان بنفس الفعل المأمور به، والركن الثاني أن يكون هذا الفعل مضافاً إلى الله تعالى، وفي الاحتياط يتحقق كلا الركنين بلا حاجة أن نشترط أن يكون العمل بداعي العلم بالأمر، نفس الاحتياط المطلوب الآن في الاحتياط يتحقق فيه كلا الركنين، يعني أن المكلف أتى بالمأمور به على فرض وجوده في الواقع فهو أتى به واقعاً، ومن جهة أخرى أتى به مضافاً إلى الله تعالى وإن كان بنحو الاحتمال، فالإضافة بالاحتمال أيضاً إضافة إلى الله تعالى، يعني أتيت بغسل الجمعة مضافاً إلى الله لأني أحتمل أن يكون واجباً والاستهلال لأني أحتمل أن يكون واجباً، هذا الاحتمال نوع من أنواع الإضافة ولهذا نفس المحقق النائيني (قده) لم ينكر أن يكون الامتثال عن الاحتمال نوع من أنواع الطاعة، يعني هو وإن قال بتقديم المرتبة الأولى وقال أيضاً أن الانبعاث عن الأمر المحتمل ليس انبعاثاً عن الأمر حقيقة ولكن مع ذلك يعترف بأن الانبعاث عن البعث المحتمل مرتبة من العبودية ونحو من الطاعة،

فالنتيجة: أن المقصود هو الإطاعة والإطاعة بحكم العقل والإطاعة تتحقق بالإتيان بالمأمور به بنفس الفعل المأمور به مضافاً إلى الله وهذا المعنى يتحقق في الاحتياط.

بل أكثر من هذا كما ذهب الشيخ الوحيد (حفظه الله) والسيد الخوئي (ره) والمحقق الأصفهاني (قده) قالوا بأن الإضافة إلى المولى باحتمال الأمر أقرب في العبودية من حالة العلم بالأمر بمعنى أنه إذا جاء المكلف بالمأمور به لوجود الأمر ويعلم بوجوده وأتى به هنا تكون عبادة وطاعة ومقرب ولكن إذا احتمل أن يكون للمولى أمر فأتى به بداعي هذا الاحتمال يكون أقرب وتكون الأقربية أكثر والطاعة أكثر، إذا علمت بوجود الأمر وانبعثت هذه طاعة لا إشكال، وإذا احتملت أن المولى يريد فقط ومع ذلك أقدمت على الفعل هنا تكون الطاعة أقرب في العبودية من وجود العلم بالأمر، المهم هذه نقطة إضافية يعني الأساس في رفع الإشكال هو أن نفس الطاعة تتحقق بتحقق ركنين، الركن الأول الإتيان بالمأمور به، والركن الثاني أن يكون هذا المأمور به مضافاً إلى المولى سبحانه وتعالى، وكلا هذين الركنين يتحققان في الاحتياط، هذا الذي يرفع الإشكال.

الإضافة هي هذه: أنه ترقي بأن الإضافة إلى المولى الناشئة من احتمال الأمر أقرب من الإضافة إلى المولى الناشئة من العلم بوجود الأمر وهذا يكاد أن يكون واضحاً عرفاً، إذا أنا كنت أعلم وامتثلت هذه طاعة لا شك فيها، وإذا احتملت أن المولى يريد ومع ذلك انقدت وامتثلت فهذا التقرب يكون بصورة أشد للمولى، المهم هذا المقدار يرفع الاستدلال الذي أفاده المحقق النائيني (قده).

يبقى نقطة وهي: أن مراتب الامتثال التي ذكرها المحقق النائيني (قده) هذه في حد نفسها لا شك فيها، يعني توجد مراتب، تارة أمتثل امتثالاً تفصيلياً أنا أعلم بوجوب الصلاة وآتي بالصلاة هذه مرتبة، ومرتبة أخرى أمتثل امتثالاً إجمالياً، أعلم بوجوب أحد فردين من الصلاة المتوجه إلى جهة الشرق أو جهة الغرب مثلاً إذا شككت في القبلة فعندما آتي بالصلاتين هنا امتثال إجمالي فالامتثال الإجمالي موجود، وتارة يكون امتثالاً ظنياً معتمداً على أمارة ظنية وتارة احتمالي، هذه المراتب بحد نفسها لا شك في حصولها ولا شك في وقوعها، الكلام كان مع المحقق النائيني هل أن ذلك بنحو الإلزام التراتبية يعني أولاً مرتبة أولى ثم الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة؟ إذا لم يكن السابقة تصل النوبة إلى اللاحقة، هل هذا بنحو الإلزام أو لا؟ هذا الذي يناقش فيه المحقق النائيني (قده).

ويقال له مضافاً إلى ما تقدم من أنه تتحقق الطاعة بالاحتياط: يضاف له أن هذا الإلزام بالتراتبية لا دليل عليه، لا يوجد عندنا دليل على اعتبار هذا الترتيب والترتيب واقعاً موجود ولكن هل هو مطلوب أو لا؟ أنا الآن عندي ثوبان أحدهما طاهر والآخر نجس ولا أريد أن أبحث وأكلف نفسي فأصلي في هذا تارة وأصلي في الآخر تارة أخرى، مع أنه يمكن لو بحثت عن الطاهر من النجس يمكن معرفته، هل هذا ملزم لي أو غير ملزم؟ هنا النقطة، الموجود أنا بإمكاني أن أحصل العلم وأعرف الثوب الطاهر وأصلي فيه ويصير امتثال تفصيلي ولكن أنا تكاسلاً أو أي نحو كان صليت مرتين بغض النظر الآن سيأتي الكلام فيما بعد في الاحتياط مع التكرار ولكن الآن بغض النظر عن هذه الجهة، نقول: هل هذه التراتبية ملزمة؟ نقول لا دليل على اعتبار هذا الترتيب، لا يوجد عندنا دليل يقول لنا بلزوم هذا الترتيب، والدليل الشرعي غير موجود، فالدليل أحد أمرين إما عقلي أو شرعي، الشرعي لا يوجد عندنا دليل شرعي يقول بلزوم الترتب في الامتثال، وأيضاً لا يوجد عندنا دليل عقلي لأن الدليل العقلي كما سبق وقلنا بأن العقل يكتفي بأن تأتي بالعمل المأمور به مضافاً إلى المولى، هنا يتحقق الامتثال، إذا هذا الإلزام الذي أراده المحقق النائيني (قده) لا دليل عليه لا شرعاً ولا عقلاً.

يأتي الكلام في حالة الشك التي ذكرها، قال: بأنه في المرتبة الثانية تصل النوبة إلى الشك وإذا وصلت النوبة إلى الشك فهنا مجرى للاشتغال وليس للبراءة، هنا أيضاً يناقش المحقق النائيني (قده) بأنه إذا وصلت النوبة إلى الشك ورجع الشك فهنا الشك لا بد أن نعرف مورده بالضبط، تارة تقول: بأن الشك يرجع إلى تحقق الإطاعة، هل تتحقق الإطاعة بدون الجزم بالنية؟ إذا أحتمل أن الجزم بالنية داخل في تحقق الإطاعة وشككت إذا أتيت بالعمل بلا جزم لأنه أتيت بالعمل بداعي الاحتمال وناشئ عن الاحتمال إذا كان كذلك يعني لا يوجد جزم وشككنا هل الطاعة تتحقق؟ العقل يقول لا بد من تحقق الطاعة والآن إذا أتيت بالعمل بنحو الجزم تتحقق الطاعة أما إذا أتيت بالعمل لا بنحو الجزم فهنا لا تتحقق الطاعة، أشك في تحقق الطاعة، وإذا شككت في تحقق الطاعة نعم كما قال المحقق النائيني القاعدة هي الاشتغال، بمعنى إذا أحتمل دخل الجزم في تحقق الطاعة فالعقل يحكم بإحرازها، أنا ملزم عقلاً بالطاعة للأمر وإطاعة الأمر إذا كان عن علم فأحرز تحقق الطاعة وإذا كانت الإطاعة ناشئة عن احتمال لا أحرز تحقق الإطاعة، ومع عدم إحراز تحقق الإطاعة لا يتحقق الحكم العقلي، فالعقل يقول لا بد من إحراز الإطاعة، فإذا أرجعنا الشك في المقام إلى الشك في تحقق الإطاعة وعدم تحققها فنعم كما قال هنا العقل يحكم بإحرازها فيكون المورد من موارد جريان أصالة الاشتغال، أما إذا أرجعنا الشك إلى اعتبار الجزم بالنية رعاً، يعني هل يشترط في تحقق الإطاعة أن أجزم بالنية شرعاً أو لا يشترط في الإطاعة ذلك؟ إذا أرجعنا الشك إلى هذا فالمورد مورد لجريان البراءة، لأن الإتيان بالمأمور به مضافاً إلى المولى لازم ومتيقن وهو متحقق، أما ما زاد عليه أن يكون الإتيان المضاف إلى المولى بنحو الجزم فهذا مشكوك فيه إذا شككنا فيه في جهة الجزمية هنا عندنا الأصل عدم اعتباره، وأيضاً هذا يكون استصحاباً وأيضاً يكون المورد من موارد الأمر بين الأقل والأكثر وليس من موارد الأمر بين متباينين أو تعيين وتخيير وإنما من موارد الأمر بين الأقل والأكثر، الأقل هو العمل المأمور به مع مطلق الإضافة وهذا مقطوع به والأكثر هو العمل المأمور به مع الإضافة الخاصة وهي الإضافة الناشئة عن العلم بالأمر لا مطلق الإضافة، هذا مشكوك فيه ومع الشك في هذا الزائد يكون مجرى للبراءة الشرعية والبراءة العقلية.

إذاً نتيجة الكلام: نقول: بالنسبة إلى المرحلة الأولى يعني ما قبل الشك نقول: إن المطلوب في الإطاعة التي هي حكم ومحكوم بحكم عقلي المطلوب فيها تحقق أمرين، الأمر الأول: أن يؤتى بالفعل المأمور به، الأمر الثاني: أن يؤتى به مضافاً إلى الله سبحانه وتعالى، وهذا الأمران متحققان في الاحتياط، لم أعلم بالأمر بنحو الجزم فأتيت بالعمل احتياطاً يتحقق أنه أتيت بالمأمور فإذا صادف الواقع وأنه مضافاً إلى الله سبحانه وتعالى فتتحقق الإطاعة في الاحتياط.

ثم على فرض الشك في المرحلة الثانية: فهنا ينبغي أن نحدد مورد الشك، إذا أرجعنا الشك في المقام نشك هل نحتاج إلى العلم بالأمر أو لا نحتاج إلى العلم بالأمر؟ إذا أرجعنا الشك إلى تحقق عنوان الطاعة بحيث إذا لم آتِ بالفعل المأمور به بداعي العلم بالأمر أو ناشئ عن العلم بالأمر أشك في تحقق عنوان الطاعة إذا شككت في تحقق عنوان الطاعة فهنا مورد للاشتغال لأنه لا بد من الطاعة يعني لا بد من إحرازها وإحرازها لا يكون إلا مع العلم بالأمر في حالة التمكن منه، أما إذا أرجعنا الشك إلى اعتبار الجزم بالنية يعني نشك في الطاعة لأننا نشك في اعتبار الجزم هل يشترط اعتبار الجزم في النية أو لا يشترط؟ إذا أرجعناه إلى هذه الجهة فهو مورد للبراءة وليس مورداً للاشتعال لأنه في الواقع عندي أقل وهو الإتيان بالفعل مضافاً إلى الله بالإضافة المطلقة هذا متيقن، وما زاد على ذلك وهو الإتيان بالفعل مضافاً إلى الله بالإضافة الخاصة وهي الإضافة الجزمية فهو مشكوك فيه ويكون مجرى لرفع ما لا يعلمون واستصحاب عدمه والبراءة العقلية.

هذا تمام الكلام في الاحتياط وهناك أبحاث ترتبط به تُبحث عادة ما بعد مباحث القطع وذكرت هناك، وهنا نقتصر على هذا المقدار المهم.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo