< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

42/01/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - خاتمة في شرائط العمل بالأصول العملية

المقام الثاني: الاحتياط في المعاملات:

كان الكلام في شرائط جريان الأصول، وقلنا بأن الشرائط هنا بالمعنى الأعم للمقتضي والشرط، وذكرنا ابتداءً أصل الاحتياط وقلنا له عدة صور، الصورة الأولى الاحتياط في التوصليات وقلنا بأنه لا يشترط فيه شيء أكثر من تحقق عنوان الاحتياط فإذا تحقق عنوان الاحتياط يحكم بحسنه أو بلزومه على حسب الموارد.

الصورة الثانية: هو الاحتياط في المعاملات، المعاملات طبعاً بالمعنى الأعم سواء كانت معاملات بمعنى العقود أو بمعنى الإيقاعات، الاحتياط فيها أيضاً بنحو مجمل هو حسنٌ بمعنى أنه عندما يتحقق عنوان الاحتياط يُحكم بحسنه في المقام.

ولكن ربما يورد إشكال على خصوص المعاملات ولا يرد هذا الإشكال على التوصليات، حاصل الإشكال: هو أن الاحتياط في المعاملات يتنافى مع الجزم في الإنشاء، ويشترط في معاملات الجزم في الإنشاء، يعني ألا يكون الُمنشئ متردداً في إنشاء المعاملة ولهذا اشترطوا عدم التعليق، يعني قالوا ببطلان المعاملة عند التعليق يعني لو مثلاً قال: بعتك إن قدم الحاج فهنا المعاملة باطلة لوجود هذا التعليق وعدم الجزم في الإنشاء، هنا عند الاحتياط معنى الاحتياط هنا في المعاملات إذا شككت في أن هذه الصيغة الفلانية هل هي تحقق الإنشاء وتحقق المعاملة أو لا تحقق المعاملة؟ إذا دار الأمر بين صيغتين فمقتضى الاحتياط أن أكرر يعني أن آتي وأنشئ العقد بالصيغة الأولى وأنشئ العقد بالصيغة الثانية، حين الإنشاء بالصيغة الأولى لا أكون جازماً لأنه ربما يتحقق الإنشاء بهذه الصيغة وربما لا يتحقق الإنشاء بهذه الصيغة، فإذاً عندي تردد ولا يكون عندي جزم بينما يشترط في المعاملة الجزم، فعليه: لا يصح الاحتياط ويلزم الفحص لإحراز ما يتحقق به الإنشاء، أفحص وأبحث حتى أصل إلى نتيجة أن الصيغة الفلانية هي التي تحقق الإنشاء، هذا ما ربما يورد على الاحتياط في المعاملات.

ولكن هذا الإشكال مندفع، وحاصل الدفع: أن هذا التردد ليس تردداً في أصل الإنشاء وإنما التردد وقع في أدوات الإنشاء هل هي أداة أو ليست بأداة؟ وفرق بينهما، المُنشئ عندما يُنشئ العقد غير متردد في إنشائه، عندما يقول ملكتك، حتى لو كان لا يعلم بأن كلمة ملكت هل يتحقق بها الإنشاء كبعتُ أو لا؟ هنا لم يكن هذا المُنشئ متردداً في الإنشاء ولكن هو لا يعلم بأن هذه أداة للإنشاء أو ليست أداة للإنشاء؟ التردد المانع هو عدم جزمه بنفس الإنشاء يعني يقول بعتك إن قدم الحاج يعني الآن لا يدري أنه قدم الحاج أو لم يقدم الحاج فهو لا يدري أنه يُنشئ أو لا يُنشئ لأن إنشائه معلق على قدوم الحاج، فإذا فعلاً لا يعلم بأن الحاج قد قدم وقال بعتك إن قدم الحاج هنا لا يتحقق منه الجزم، أما في المقام يقول: ملّكتك بضرس قاطع ويأتي بالصيغة الفلانية وأيضاً يأتي بها بنحو الإنشاء وليس عنده تردد ولكن لا يعلم أي الأداتين هي المحققة للإنشاء الواقعي، هذا يكون من قبيل مثلاً أن الأب إذا لم يعلم حكم الربا بينه وبين الولد وقلنا بأنه لا ربا بين الوالد وولده وأنه يجوز، على هذا الفرض هو لا يعلم وأجرى معاملة ربوية، هو حين الإجراء لا يعلم بالحكم وعدم علمه بالحكم لا يعني أنه متردد في إنشاء المعاملة، فإذا علم بعد ذلك أن المعاملة الربوية صحيحة بين الوالد وولده نحكم بصحة ما قام به وإن كان حين الفعل يعني حين الإنشاء لا يعلم بصحته، فإذاً علمه بالحكم شيءٌ وتردده في الإنشاء شيءٌ آخر، وفيما نحن فيه نقول: إن التردد ليس في أصل الإنشاء وإنما التردد في أداة الإنشاء، لا يعلم حكم الأداة هل هذه الأداة الأولى هي المصححة للحكم أو الأداة الثانية هي المصححة للحكم؟ إذاً هذا الإشكال يندفع.

فالنتيجة نقول: بأن الاحتياط في المعاملات بالمعنى الأعم الشامل للإيقاعات والعقود الاحتياط حسنٌ أيضاً، يعني إذا تحقق عنوان الاحتياط فلا يحتاج إلى شرط آخر، هذا واضح إن شاء الله.

الصورة الثالثة: هي الاحتياط في العبادات:

الاحتياط في العبادات الكلام فيه أكثر من غيره وتقدم الكلام فيه في مباحث القطع في أواخر مباحث القطع هناك صاغ الحديث حول الاحتياط في العبادات وهل يصح الاحتياط في العبادات أو يشترط فيه شروط، هنا نلخص المطلب يعني لا نتوسع كثيراً فيه.

نقول: الاحتياط في العبادات هنا أولاً العبادة نتصورها على صور:

الصورة الأولى: أنه لا يتمكن المكلف من تحصيل العلم، لو فرضنا مثلاً أنه يريد أن يصلي وهو لا يعلم بجهة القبلة ولا يمكنه تحصيل جهة القبلة، في مكان لا توجد عنده الأدوات التي يمكن أن تفيده في تعيين وتحديد القبلة، وأيضاً نفترض أن الجو غائم بحيث حتى من طريق الشمس أو النجوم لا يعرف، في مثل هذا الفرض هنا يحسن الاحتياط، يتوقع بأن القبلة في إحدى جهتين يصلي مرتين احتياطاً، هذا الفرض لا إشكال فيه، يعني الاحتياط في فرض عدم تمكن المكلف من تحصيل العلم هذا الاحتياط لا شبهة فيه وهو حسنٌ.

الصورة الثانية: أن الاحتياط في حال عدم تنجز الواقع، بمعنى في الشبهات الحكمية البدوية بعد الفحص بعد أن فحص عن الأدلة ولم يجد الدليل على هذا الشيء هنا الاحتياط في الشبهات البدوية بعد الفحص مع عدم تنجز الواقع لأن الواقع لم يتنجز ويتنجز الواقع إذا علمت به أو قام الدليل عليه أو احتملت الحكم قبل الفحص، الكلام الآن بعد الفحص في الشبهات الحكمية البدوية هنا لم يتنجز الواقع وبما أنه لم يتنجز الواقع نقول: أيضا الاحتياط فيه حسنٌ ولا إشكال فيه.

الصورة الثالثة: في الشبهة الموضوعية سواء كانت قبل الفحص أو بعد الفحص لم يتنجز الواقع فيها كالشبهات الحكمية بعد الفحص ولكن الموضوعية تختلف بأنه بعد الفحص أو قبل الفحص على حد سواء، الشبهات الموضوعية لم يتنجز فيها الوقع أيضاً يكون الاحتياط فيها حسنٌ، لا أعلم بأن هذا الماء هل هو نجس أو غير نجس؟ هنا شبهة موضوعية خارجية فهنا الاحتياط فيها حسنٌ، إذاً هذان القسمان القسم الأول الذي لا يتمكن المكلف فيه من تحصيل العلم والقسم الثاني في حالة عدم تنجز الواقع في هذين الفرضين نقول إن الاحتياط حسن بلا إشكال، الكلام فيما إذا تمكن المكلف من تحصيل الواقع وأن التكليف تنجز عليه يعني لو صادف الواقع يكون منجزاً بمعنى أنه الشبهة البدوية قبل الفحص، في مثل هذا هنا يتنجز هذا الاحتمال وأيضاً في صورة ما إذا تمكن من تحصيل العلم، الآن هو متردد ويريد أن يحتاط ولكن يتمكن من تحصيل العلم في هذه الحالة وفي حالة التنجز للواقع في كلتا الحالتين هل هنا يحسن الاحتياط بدون شرط أو لا يحسن إلا مع وجود شرط؟

في هذه المسألة كما ذكرنا أيضاً فيها صور ونجمل الكلام فيها:

الصورة الأولى: أن يكون هذا الاحتياط موجباً للتكرار.

الصورة الثانية: عدم إيجابه للتكرار، وهذه تختلف عن تلك، يعني تارة يكون الاحتياط يقتضي التكرار وتارة لا يقتضي التكرار، على الفرض الثاني إذا كان الاحتياط لا يقتضي التكرار ففي مثل هذا الفرض مثلاً أن أشك هل يجب غسل الجمعة أو لا يجب؟ هنا لا يقتضي التكرار فعندما أريد أن أحتاط آتي به فلا يقتضي التكرار، أشك هل الاستهلال واجب أو ليس بواجب؟ هنا أيضا الاحتياط لا يقتضي التكرار وإنما للاحتياط أقوم بالاستهلال وهكذا، في هذا الفرض إذا كان الاحتياط لا يقتضي التكرار فهل هو حسن أو ليس بحسن؟

هنا ربما يقال بأن الاحتياط بما أنه في فرض إمكان تحصيل العلم فالاحتياط لا يكون حسناً، بل يجب عليه تحصيل العلم، الإشكال في الاحتياط في هذه الصورة هو من الجهة الأولى أنه ينافي الجزم في النية وقصد الوجه، يعني إذا الآن شككت هل أن غسل الجمعة واجب أو ليس بواجب هنا عندما آتي به احتياطاً لا أجزم بوجهه يعني لا أجزم بأنه واجب فآتي به بنية الوجوب، كما أنه لا أجزم أنه مستحب فآتي به بنية الاستحباب، بما أن الاحتياط في مثل هذا الفرض يتنافى مع الجزم بالنية ويتنافى مع قصد الوجه في النية فلهذا لا يحسن بل يشترط فيه البحث والوصول إلى العلم، هذا الإشكال طبعاً-قصد الوجه- يبتني عل أنه هل قصد الوجه من الأمور الواجبة في العبادات أو ليست من الأمور الواجبة؟ هذا البحث عند المتقدمين كأنه كان له نوع من الوجاهة والاعتناء به، وفيما بعد عند المتأخرين تقريباً فرغوا عن عدم وجوب قصد الوجه وأنه لا يشترط قصد الوجه في العبادة، يعني لا يشترط أن أقصد الوجوب في مورد الوجوب أو أقصد الاستحباب في مورد الاستحباب، فتقريباً عند المتأخرين الأمر صار واضحاً ومفروغ عنه، وذلك:

أولاً: لإطلاق دليل العبادة، نتمسك بإطلاق دليل العبادة لنفي وجوب قصد الوجه، إن دليل العبادة مثل الصلاة أو مثل الغسل لم يوجد فيه قيد فنتمسك بإطلاقه لنفيه، هذا التمسك بالإطلاق يبتني على ما بُحث في التعبدي والتوصلي، هل يمكن التمسك بالإطلاق في أمثال المقام أو لا؟ هناك بحث وتفصيل بين الانقسامات الأولية والانقسامات الثانوية وأي الموارد يمكن فيها التمسك بالإطلاق وأيها لا يمكن التمسك بالإطلاق؟ بعضهم قالوا بأنه في مثل هذا المورد يمكن التمسك بالإطلاق في قصد الوجه بنفس دليل العبادة، ومن لا يقول بذلك للزوم الدور مثلاً باعتبار أنه من الانقسامات المتأخرة عن الأمر فيسعى إلى ذلك من باب متمم الجعل كما عليه المحقق النائيني (قده) من باب متمم الجعل يمكن أيضاً بمعنى أنه الشارع وإن لم يمكن في أصل الدليل الأول أن يذكر القيد وإذا لم يمكن القيد لا يمكن الإطلاق، يمكن من باب متمم الجعل أن يأتي بجعل ثانٍ، فمع عدم وجود الدليل الآخر أيضاً نتمسك بالإطلاق لنفيه، وعلى فرض أنه لا يمكن من جهة الدليل اللفظي كما عليه المحقق الآخوند (قده) يقول إن قصد التقرب أو قصد الوجه هذه أمور ليست شرعية وإنما هي أمور عقلية فيمكن التمسك لنفي قصد الوجه بعدم تنبيه الشارع عليه، وعلى فرض أيضاً ما أمكن التمسك بهذه الأدلة فيمكن أن يُرجع إلى الأصل العملي وإذا رجعنا إليه فعندنا في البداية استصحاب عدم لزوم قصد الوجه، ما أمكن التمسك بالاستصحاب يأتي لنا دليل الرفع نشك هل أن قصد الوجه جُعل من جملة الأجزاء الواجبة في العبادة أو لا؟ نتمسك بحديث الرفع-رفع ما لا يعلمون- وأيضاً عند التنزل يمكن التمسك بالأصل العقلي البراءة العقلية وهو قبح العقاب بلا بيان.

فنتيجة الكلام كله: أن هذا الإشكال وهو التردد في النية وعدم الجزم في النية المبني على قصد الوجه، هذا الإشكال مندفع بجميع تقاديره، وهذا أمر تقريباً صار من جملة الواضحات.

الإشكال الثاني: على الاحتياط في العبادة، ما أورده المحقق النائيني (قده) أيضاً يرتبط بالجزم بالنية، يعني أن الاحتياط في العبادة يتنافى مع الجزم في النية والامتثال له أربع مراتب:

المرتبة الأولى: الامتثال التفصيلي الناشئ عن علم تفصيلي بحيث أنا يمكنني أن أبحث مثلاً إذا تردد الأمر في الصلاة إلى أي الجهات يمكنني أن أبحث وأحصّل القبلة أو يمكنني أن أبحث عن وجوب غسل الجمعة وأحصّل الوجوب أو الاستحباب ويمكنني أن أبحث عن الاستهلال وأحصّل الوجوب أو الاستحباب في الاستهلال، المهم المرتبة الأولى هي الامتثال التفصيلي الناشئ عن علم تفصيلي.

المرتبة الثانية: الامتثال العلمي بالإجمال.

المرتبة الثالثة: الامتثال الظني.

المرتبة الرابعة: الامتثال الاحتمالي.

ويقول: إذا أمكن الإتيان على طبق المرتبة الأولى لا تصل النوبة إلى المرتبة الثانية، وإذا ما أمكن الأولى تأتي الثانية في حال الثانية لا تصل النوبة إلى المرتبة الثالثة وفي حال عدم الثانية تأتي المرتبة الثالثة ولا تصل النوبة إلى المرتبة الرابعة، وفي الاحتياط الذي لا يقتضي التكرار هنا مرتبة رابعة احتمالي، أحتمل أن غسل الجمعة واجب فآتي به على هذا الاحتمال وهذا الامتثال الاحتمالي مع فرض التمكن من الامتثال التفصيلي لا يصح الامتثال الاحتمالي فعليه الاحتياط لا يحسن إلا بشرط عدم التمكن من الامتثال التفصيلي والامتثال الإجمالي والامتثال الظني بعد ذلك تصل النوبة له، هذا حاصل اما أفاده المحقق النائيني (قده) ويأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo