< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/11/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تنبيهات دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين:

إشكال الشهيد الصدر (قده) على السيد الخوئي (قده) في المقام الثاني:

تقدم الكلام عندنا في مقتضى الأصل العملي عندما نشك في الجزئية المطلقة أو الشرطية المطلقة، هل أن هذا الجزء مأخوذ في المركب بنحو مطلق ونتيجته عدم صحة المركب لو فُقد هذا الجزء منه؟ أو أنه لم يؤخذ بنحو مطلق وإنما الجزئية مقيدة بحال عدم النسيان، فلو فُقد في المركب نسياناً لم يضر بصحة المركب؟

وتقدم الكلام في الأصل اللفظي وتقدم أيضاً في الأصل العملي، وقلنا في نهاية الكلام السابق بأن السيد الخوئي (ره) قال: بجريان أصالة البراءة في طرف وعدم جريانها في طرف، يعني هو فصَّل وذكر موردين: المورد الأول: أنه لا يتمكن من العمل مستجمعاً للشرائط بعد أن تذكر، والمورد الثاني: أن المكلف يمكنه الإتيان بالمركب مستجمعاً للشرائط بعد أن تذكر، في هذا المورد الثاني قال: بأنه على القول بإمكان تكليف الناسي فيكون المورد من موارد جريان البراءة لأنه شك في التكليف، وأما على القول بعدم إمكان تكليف الناسي بما عدا الجزء المنسي يعني ببقية الأجزاء فقال: هنا تجري أصالة الاشتغال، باعتبار أن الشك يكون شكاً في الامتثال وليس شكاً في التكليف بخلاف الفرض الأول، بمعنى أنه عندما أتى بهذا الفعل المركب الناقص الآن يشك هل أن هذا الفعل الناقص وافٍ بالملاك وبالغرض فيسقط به التكليف؟ أو ليس بوافٍ فلا يسقط به التكليف؟ فالنتيجة هو الاشتغال، لا تبرئ ذمته ولا يحرز فراغ ذمته فلا بد من الإتيان بالمركب مرة ثانية، هذا الكلام تقدم وتقدم توضيحه، بناءً على هذا المطلب.

إشكال السيد الشهيد الصدر (قده):

في هذا المورد عند الشهيد الصدر (قده) إشكال على السيد الخوئي (قده) وأن هذه الدعوة وهي ارتباط جريان الأصل بالمبنى وهو إمكان تعلق التكليف بالناسي وعدم إمكان تكليف الناسي، هذا الربط لا معنى له، هو يقول هكذا: إنه عندنا هنا في الواقع دعويان، الدعوى الأولى: أن المورد من موارد جريان البراءة، والدعوى الثانية: أن المورد لا يرتبط بالمبنى في إمكان تكليف الناسي وعدم إمكان تكليف.

بيان ذلك: يقول: إن النسيان لا يخلو أمره من حالتين:

الحالة الأولى: أن يستوعب الوقت كلّه، بمعنى أنه صلّى وترك التشهد مثلاً ناسياً ولم يتذكر إلّا بعد أن خرج الوقت.

الحالة الثانية: أن النسيان لم يستغرق الوقت كلّه، بل تذكر في أثناء الوقت، مثلاً: نفس المثال السابق، صلّى ناسياً للتشهد وبعد أن فرغ من الصلاة تذكر أنه نسي التشهد والوقت لازال موجوداً.

أما بالنسبة إلى الحالة الأولى: فنصوّر الشك شكاً في التكليف وليس شكاً في الامتثال ويكون من باب الشك في تكليفٍ جديد، طبعاً سواء قلنا بإمكان تكليف الناسي أو لم نقل به، نصوّر التكليف الجديد على التقديرين بهذا البيان: أن النسيان حسب الفرض في هذه لحالة الأولى استغرق الوقت كله فلم يتذكر إلا بعد انقضاء الوقت، هنا يشك هل يجب عليه القضاء والإتيان بالصلاة بالمركب مرة ثانية أو لا؟ سبب هذا الشك إما أن يكون التكليف يتعلق بالمركب بخصوص المركب التام غير الفاقد للجزء، وإما أن يتعلق التكليف بالمركب الأعم من التام والناقص، إذا فُرض أن التكليف تعلق بالمركب الأعم من التام والناقص فهنا قد أتى به وتحقق منه الامتثال ولا يجب عليه الآن القضاء، أما إذا كان التكليف متعلقاً بخصوص المركب التام فهنا لم يأتي بالمركب التام فيجب عليه أن يأتي بالصلاة مرة ثانية، إذاً هنا الشك صار شكاً في التكليف، هل يجب عليه الآن أو لا يجب عليه الآن؟ هذا شك في التكليف وهو موردٌ للبراءة.

يمكن أن يقال: بأنه نوجد علماً إجمالياً في المقام، بمعنى أنه في الوقت إما أنه يجب عليه الإتيان بالأقل أو يجب عليه الآن القضاء، نريد إدخال عنصر الإتيان بالأقل في الوقت فهنا نردد الأمر.

هذا المعنى يندفع: بأنه في الوقت تكليف الناسي بالأكثر لا معنى، لأن تكليف الناسي بالأكثر معناه تكليفه بالجزء المنسي وعلى حسب ما تقدم أن تكليفه بالجزء المنسي غير ممكن فلا يمكن توجه الخطاب له بالجزء المنسي، أو لا أقل نقول: هو مرفوع برفع النسيان، فإذاً التكليف بالمركب التام هنا غير ممكن، هنا يعلم أن ما أتى به إما أن يكون صحيحاً ومجزياً وهو الأقل فبالتالي لا يجب عليه القضاء، أو أن ما كُلف به لا يجزي فيجب عليه القضاء، هذا الشك يكون في هذه الجهة، وبالنسبة إلى احتمال التكليف بالأقل في الوقت فهو حتى ولو كان محتملاً إما أنه مكلف بالأقل في الوقت أو هو الآن مكلف فنحتمل التكليف بالأقل في الوقت إلا أنه بناءً على إمكان التكليف به الآن لا يمكن التكليف به لأنه ساقط لخروجه عن محل الابتلاء.

نعيد هذه الجهة: نحتمل أنه مكلف بالإتيان بالأقل في الوقت كاحتمال، هذا الاحتمال معقول ولكنه خارج عن محل الابتلاء لأن الفرض أن تذكَّره كان بعد خروج الوقت، فلو أردنا أن نشكل علماً إجمالياً الآن تقول: يعلم إما بوجوب الأقل عليه داخل الوقت وإما بوجوب الأكثر عليه خارج الوقت، هذا العلم الإجمالي غير منجز لأن أحد طرفيه وهو وجوب الأقل داخل الوقت خارج عن محل الابتلاء سقط بخروجه عن محل الابتلاء، فإذاً أحد طرفيه خارج عن محل الابتلاء فالطرف الفعلي الموجود يكون فيه الشك شكاً بدوياً وهو مجرى للبراءة، فالعلم الإجمالي غير منجز.

فحاصل الكلام في هذه الحالة الأولى: نلخصها هكذا، نقول: إن النسيان استوعب كل الوقت فتذكَّر بعد خروج الوقت، الدعوى نقول: إن الشك الموجود فعلاً هو شكٌ في وجوب الإتيان بالقضاء، الشك في الوجوب فهو مجرى للبراءة.

تقول: نحتمل أنه يجب عليه الأقل داخل الوقت فيوجد علم إجمالي إما بوجوب الأقل في الوقت أو وجب الأكثر خارج الوقت.

نقول: أحد الطرفين خارج عن محل الابتلاء يسقط العلم الإجمالي ولا يكون منجزاً على طبق ما ذُكر سابقاً من الأبحاث أن الخروج عن محل الابتلاء يوجب سقوط العلم الإجمالي.

إذاً هذه المرحلة الأولى لا فرق في أن نقول يمكن تكليف الناسي أو نقول غير ممكن تكليف الناسي، المهم أن يرجع الشك إلى الشك في التكليف فيكون مجرى للبراءة.

الحالة الثانية: أن يكون النسيان غير مستوعب لكل الوقت، بمعنى أنه تذكر أثناء الوقت وارتفع النسيان، بعد أن فرغ من الصلاة بأن الصلاة التي أتى بها كانت فاقدة للجزء أو الشرط، فهنا أيضاً نقول: بأن المرجع هو البراءة وليس الاشتغال بهذا البيان:

بما أنه تذكر في الوقت قبل خروج الوقت إذاً الآن عنده التكليف فعلياً، إذاً هذا التكليف الفعلي يمكن أن نصوره بهذا النحو: أعلم بوجوب إما الجامع الشامل للفرد الناقص نسياناً الشامل للفرد الناقص جزء أو الناقص شرط نسياناً، أو نعلم بالصلاة تامةً، إما أن أعلم بوجوب الجامع من الصلاة في الوقت يعني يشمل الفرد الناقص والتام، هذه الجهة المهمة أنه يشمل الفرد الناقص، أو نعلم بوجوب التام بخصوصه في الوقت، معنى العلم بالجامع هذا الطرف معناه اختصاص الجزئية بحالة عدم النسيان هذا معنى أن التكليف يتعلق بالجامع الشامل للفرد الناقص معناه أن الجزئية مختصة بخصوص حالة عدم النسيان، ومعنى نعلق التكليف بالفرد التام معناه أن الجزئية المطلوبة مطلقة، فإذاً دار الأمر بين كون الجزئية مقيدة أو الجزئية مطلقة في النتيجة، هنا يكون من باب دوران الأمر بين التعيين والتخيير وليس بين الأقل والأكثر، يجب إما خصوص الفرد التام بعينه وإما الفرد الشامل للتام والناقص المردد تام أو ناقص، في مثل هذا المورد أيضاً تجري البراءة في المقام حتى لو لم نجرِ البراءة عند دوران الأمر بين التعيين والتخيير، على ما تقدم عندنا أنه في دوران الأمر بين التعيين والتخيير هناك أقوال، قول بجريان الاشتغال وقول بجريان البراءة.

يقول السيد (ره): هناك إذا قلنا بجريان الاشتغال في هذا المورد بخصوصه نقول بجريان البراءة حتى على القول بعدم إمكان تكليف الناسي بغير الأجزاء والشرائط، وهذه النقطة المهمة.

بيان ذلك: يقول: بأنه جريان البراءة هنا ممكن بل أولى من جريانها بين الأقل والأكثر بهذا الفرض: أنه عندما أتى بالأقل قبل العلم الإجمالي، أي العلم الإجمالي انعقد بعد أن أتى بالفرد الأقل فصار العلم الإجمالي هكذا: إما أنه يكتفى أو يجب عليه الواقع الأقل أو يجب عليه الأكثر الآن، الأقل خارج عن محل الابتلاء إذاً الأكثر يكون مجرى للبراءة، النكتة هنا: أنا حسب الفرض ترددت في الجزئية المطلقة يعني الآن علمت إما بتعلق التكليف بالجامع الشامل للفرد الناقص الذي تُرك فيه الجزء حال النسيان، أو بالفرد التام، هذا العلم الإجمالي متى انعقد؟ انعقد بعد الإتيان بالأقل، قبل أن آتي بالأقل أعلم بأنه يجب عليَّ الإتيان بالصلاة تامةً هكذا وفي اعتقادي صليت ونسيت التشهد انتهيت من الصلاة تذكرت الآن صار عندي علم إجمالي -بعد أن فرغت- إما بوجوب الأقل الذي أتيت به أو وجوب الأكثر الصلاة التامة التي لم آتِ بها، هذا العلم الإجمالي أحد طرفيه خارج عن محل الابتلاء لأنه أتيت به وهو الأقل والعلم الإجمالي بعد الإتيان لا قبل الإتيان، إذا انعقد العلم الإجمالي بعد خروج أحد الأطراف عن محل الابتلاء فهذا العلم الإجمالي غير منجز، لا أعلم الآن على كل تقدير، الآن أعلم إما أنه يجب عليَّ صلاة تامة أو لا، أشك يعني، إما وجوب ذاك وإما وجوب هذا لا معنى له لأنه خرج عن محل الابتلاء إذاً هو مجرى للبراءة.

إذاً الآن النقطة التي نريد أن نبينها أن هذا المورد من موارد جريان البراءة لأن الشك فيه يرجع إلى الشك في التكليف في وجوب الإعادة، يجب الإعادة أو لا يجب، فهنا شك في التكليف يكون مجرى للبراءة.

تبقى الدعوى الثانية: أن السيد الخوئي يقول: ما عندنا مانع إذا كان ممكن تكليف الناسي إنما المانع يكون إذا لم يمكن تكليف الناسي لأنه عنده يكون اشتغال، الدعوى الثانية للسيد الصدر (ره) أنه على القول بعدم إمكان تكليف الناسي أيضاً يكون المرجع هو البراءة بهذا البيان:

يقول: الأقل الصادر من الناسي أحد أمرين، إن وافياً بملاك الواجب فمعناه يتقيد وجوب الواجب بعدم الإتيان بالصلاة ناقصة نسياناً.

نعيد هذه الجهة: نفس الإتيان بالأقل الذي صدر من الناسي إن كان في الواقع يفي بملاك الواجب معناه أنه يتقيد وجوب الواجب قهراً لا محالة بما إذا تحقق وجوب ذاك إذا لم يأتِ بالأقل نسياناً، أما إذا أتى به نسياناً لا يكون واجباً، وهذا الوجوب من أول الأمر يكون مقيداً وجوب الواجب بأنه يجب الإتيان بالفرد التام ما لم يأتِ بالأقل نسياناً، فإذا أتى بالأقل نسياناً لا يأتي بالفرد التام، إذا أرجعنا الأمر إلى وجوب الواجب يعني شككنا في وجوب الواجب هنا يكون مجرى للبراءة، هذا حاصل ما أفاده السيد (قده) ببيان منّا، وللحديث بقية. والحمد لله رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo