< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/11/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تنبيهات دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين:

المقام الثاني: مقتضى الأصول العملية:

كان الكلام فيما إذا عُلم بجزئية جزء أو بشرطية شرط ولكن شُك في جزئيته على الإطلاق أو في شرطيته على الإطلاق، بمعنى أنه هل هذا جزء من المركب مطلقاً بحيث لو تُرك حال النسيان لما تحقق الامتثال وحكمنا ببطلان المركب؟ أو أنه جزءٌ في حال التذكر؟ فإن تذكره أتى به وإن لم يتذكره ونسيه فقد حقق المأمور به وكان المأتي به مطابقاً للأمور به؟

قلنا بأن الكلام يقع في مقامين:

المقام الأول: في مقتضى الأصل اللفظي، وتقدم الكلام فيه تفصيلاً من حيث الكبرى ومن حيث الصغرى، والكلام الآن في المقام الثاني.

المقام الثاني: وهو مقتضى الأصول العملية، والمقام الثاني يأتي في مورد الصورة الرابعة التي تقدمت في المقام الأول، بمعنى أنه في المقام الأول قلنا توجد أربع صور، الصورة الرابعة إذا لم يكن لدليل المركب إطلاق ولم يكن لدليل الجزء أو الشرط إطلاق، في مثل هذا المورد لا يوجد عندنا دليل لفظي فتصل النوبة إلى مقتضى الأصل العملي.

إذاً الكلام في المقام الثاني وهو مقتضى الأصول العملية أُخذ فيه أو فُرغ عن القول بعدم وجود الدليل اللفظي، يعني في حال عدم وجود إطلاق لكلٍ من الدليلين دليل المركب ودليل الجزء أو دليل المركب ودليل الشرط، فما هو مقتضى الأصول العملية؟

طبعاً هذا البحث أشار إليه في البدء الشيخ الأعظم (قده) فقط نشير إشارة لمحل ما أشار إليه، هو قال: (وينبغي التنبيه على أمور متعلقة بالجزء والشرط، الأول: إذا ثبت جزئية شيء وشُك في ركنيته، فهل الأصل كونه ركناً أو عدم كونه كذلك أو مبني على مسألة البراءة والاحتياط في الشك في الجزئية أو التبعيض بين أحكام الركن؟) ..... إلى أن قال: (المهم بيان حكم الاخلال بالجزء في طرف النقيصة أو الزيادة وأنه إذا ثبت جزئيته فهل الأصل يقتضي بطلان المركب بنقصه سهواً كما يبطل بنقصه عمداً وإلا لم يكن جزءً؟ ثم قال: وهنا مسائل ثلاث: ثم قال: المسالة الأولى في ترك الجزء سهواً) قال: (أما الأولى: فالأقوى فيها أصالة بطلان العبادة بنقص الجزء سهواً، إلا أن يقوم دليل عام أو خاص على الصحة) فإذاً هنا الشيخ الأعظم (قده) يقرر أنه لو تُرك الجزء سهواً فالأصل بطلان العبادة بنقص الجزء سهواً، إلا إذا وجد دليل عام أو خاص دليل عام يقول بصحة الصلاة مثلاً أو صحة العبادة مثلاً أو دليل خاص في خصوص الصلاة مثلاً ( لا تعاد الصلاة) يعلل الشيخ بقوله: (لأن ما كان جزءً في حال العمد كان جزءً في حال الغفلة فإذا انتفى انتفى المركب) القراءة مثلاً أو التشهد مثلاً لا شك في كونه جزءً حال التذكر وحال العمد هو جزء، يعني ترك جزءً عمداً فيوجب البطلان، وأيضاً التشهد في حال الغفلة لا زال هو جزء للصلاة فيبطل بتركه، يعني ينتفي المركب بانتفائه، لأن المركب ينتفي بانتفاء جزئه لأن ما كان جزءً في حال العمد كان جزءً في حال الغفلة، فإذا انتفى انتفى المركب فلم يكن المأتي به موافقاً للمأمور به وهو معنى فساده، هذا ما بينه ثم دخل الشيخ في البحث مع وجود عموم أو عدم وجود عموم، لكن فقط أردنا أن ننقل ما أفاده مما يرتبط بالأصل العملي، من أراد المراجعة في كتاب الرسائل الجزء الثاني الصفحة 363، هذا محل الشاهد ويبدأ البحث في الصفحة 361، هذا فقط لبيان ما أفاده الشيخ.

وقع البحث في هذا المقام كما وقع في غيره.

نريد أن ننبه على نقطة نبهنا عليها سابقاً ثم نذكر ما ذكره الأعلام، النقطة هي هذه: تقدم الكلام عندنا بالنسبة إلى تكليف الناسي في غير الجزء المنسي كليفه ببقية الأجزاء والشرائط، قلنا بأن هناك قولين، القول الأول: إمكان تكليف الناسي، وهو الذي رجحناه بحسب ما أفاده المحقق صاحب الكفاية (قده) في البيان الثاني الوجه للثاني للإمكان وليس الوجه الأول، القول الثاني: عدم إمكان تكليف الناسي بغير ما نسيه بالأجزاء الأخرى.

هذا الخلاف الموجود هناك تظهر ثمرته في المقام كما سيتضح، في المقام نريد أن نتمسك بالأصل العملي فما هو مقتضى الأصل العملي؟

السيد الخوئي (ره) قال: بأن في المقام يوجد عندنا موردان:

المورد الأول: أن الناسي للجزء لا يمكنه أن يأتي بالمركب مستجمعاً لجميع الأجزاء.

المورد الثاني: أن يتمكن المكلف أن يأتي بالمركب مستجمعاً لجميع الأجزاء.

توضيح ذلك: أما المورد الأول: أن المكلف لا يتمكن من الإتيان بالمركب مستجمعاً لجميع الأجزاء بعد نسيانه، مثال ذلك: الآن كفرض الشارع أمر الحاج أن يقف في يوم عرفة من الزوال إلى غروب الشمس بين الحدين، لو نسي المكلف الوقوف في أول الوقت إلى مقدار ساعة مثلاً، الآن هو المكلف ترك جزءً من المركب نسياناً لأن الأمر تعلق بالوقوف بين الزوال إلى الغروب كفرضية الآن وفرضية أيضاً أنه لا يوجد عندنا عموم أو إطلاق فقط عندنا الآن دليل دل على الوقوف ما بين الزوال إلى الغروب ونسي جزءً هذا الوقت ذو أجزاء، يفترض إذا كان بحسب الساعات سبع ساعات مثلاً كل ساعة جزء نعتبر الآن، ترك جزءً م المأمور به نسياناً، الآن الحاج المكلف لا يمكنه أن يأتي بالمركب مستجمعاً لجميع الأجزاء والشرائط، هذا الوقت محدود ما بين زوال الشمس من يوم التاسع في عرفه في ذي الحجة إلى غروب الشمس، الآن لما نسي جزءً وساعةً من الوقوف لا يمكنه أن يأتي بالمركب مستجمعاً فيما بعد ذلك، في مثل هذا الفرض ما هو الحكم؟ هذا الشك في أن هذا الجزء هل هو مطلق أو هو مشروط بحال التذكر؟ إذا كان مشروطاً بحال التذكر فما سيأتي به الآن على طبق المأمور به، أما إذا كان هذا الجزء مطلوباً مطلقاً فالمركب بدونه باطلٌ فلا يجب عليها الإتيان ببقية الأجزاء، عليه: يكون هذا الشك الموجود في كون الجزء مطلقاً أو غير مطلق يرجع إلى الشك في وجوب الإتيان ببقية الأجزاء، هل يجب الإتيان ببقية الأجزاء أو لا يجب؟ فالشك صار في التكليف، هل يجب أو لا يجب؟ هل يجب الإتيان ببقية الأجزاء أو لا يجب الإتيان بها؟ في حال الشك في التكليف يكون المجرى مجرى أصالة البراءة.

طبعاً ننبه هنا أن ما ذكرناه مجرد مثال، فلو كان في غير يوم عرفة مثلاً أُمر هذا المكلف أن يقف بين الطلوعين لأي سبب كان يأتي المثال، المهم هذا مجرد مثال وفرض ألا يوجد عندنا دليل مطلق يتعلق بالمركب.

المهم: في هذا المورد وهو ما إذا لم يتمكن المكلف بعد نسيانه أن يأتي بالمركب مستجمعاً لجميع الشرائط فالشك في إطلاق الجزء أو في إطلاق الشرط يرجع إلى الشك في وجوب الإتيان ببقية الأجزاء، وعند الشك في التكليف تجري أصالة البراءة.

المورد الثاني: أن المكلف بعد نسيانه يمكنه أن يأتي بالمركب مستجمعاً لجميع الأجزاء، مثال ذلك: الصلاة، كما لو صلى في أول الوقت، الآن فعلاً نسي التشهد وانتهى من الصلاة، المكلف لما تذكر بعد الصلاة هو بإمكانه أن يأتي بالصلاة جامعة للأجزاء والشرائط في فرد آخر للصلاة، هذا الفرض يختلف عن الفرض الأول، ففي الأول لا مجال عنده الآن انتهى هو مخاطب بالوقوف في هذا الوقت والآن لا يستطيع أن يُرجع الوقت إلى ما كان عليه، هنا المركب يمكن أن يأتي به مرة ثانية المركب لا ربط له بالوقت فعلاً، هو صحيح الصلاة مثلاً بين الزوال إلى الغروب ولكن يمكن أن يوجد عدة أفراد، فالآن أتى بالفرد الأول ناقصاً يمكنه أن يأتي بالفرد الثاني تاماً وجامعاً للأجزاء والشرائط، في مثل هذا الفرض ما الذي يجري من الأصول؟ هل أصالة البراءة تجري أو أصالة الاشتغال؟ هنا الآن نريد أن نميز بين القول بإمكان تكليف الناسي ببقية الأجزاء وبين القول بعدم إمكان تكليف الناسي ببقية الأجزاء، أما على القول الأول: وهو إمكان تكليف الناسي ببقية الأجزاء، الشك الموجود يرجع أيضاً إلى الشك في التكليف ويكون مجرى للبراءة، بهذا البيان:

المكلف مأمور بالصلاة وأتى بالصلاة ناقصةً فاقدةً للجزء، الآن نشك هل يجب عليه إعادتها أو لا؟ هذا الشك منشؤه هل أن الجزء مطلوب مطلقاً؟ فما أتى به باطل فتجب عليه الإعادة؟ أو أن الجزء مطلوب حال التذكر؟ فما أتى به موافق للأمر يعني المأتي به موافق للمأمور به فلا تجب عليه الإعادة ونحكم بالصحة، هنا يمكننا أن نجري أصالة البراءة عن وجوب الإتيان بالفرد الجديد عن وجوب الإعادة، لا تجب عليه الإعادة.

وبعبارةٍ: إن وجوب الجزء والشرط حال النسيان، هل يجب الشرط حال النسيان؟ نقول بعدم وجوب الشرط حال النسيان.

وبعبارة أخرى: أفاد السيد الخوئي (ره) بعد أن علمنا بوجوب الصلاة وعلمنا بجزئية التشهد الآن نحن نشك، هل جزئية التشهد بنحو الإطلاق أو جزئية التشهد بنحو التقييد؟ يعني جزئية التشهد حال التذكر أو جزئية التشهد بنحو الإطلاق تذكر أو لم يتذكر، هنا في النتيجة يكون عندي علم بالجامع وشك في الزيادة فيمكن جريان البراءة عن هذه الزيادة فينحل العلم الإجمالي، هذا على القول بإمكان التكليف ببقية الأجزاء.

أما لو قلنا بعدم إمكان التكليف ببقية الأجزاء: فهنا يقول السيد (قده) تجري أصالة الاشتغال، وذلك: لأن المكلف يعلم بأنه مخاطب بالصلاة وعندما نسي التشهد مثلاً الجزء يشك هل أنما أتى به وافٍ أو لا؟ طبعاً هو عند النسيان قلنا غير مخاطب ببقية الأجزاء لأنه لا يمكن تكليفه ببقية الأجزاء إذاً هو غير مخاطب ببقية الأجزاء فلو أتى بالفرد الناقص للصلاة، نشك هل أن ما أتى به وافٍ بالمراد ومسقط للمأمور به أو لا؟ إن كان الجزء واجب في الصلاة مطلقاً فما أتى به غير وافٍ وإن كان الجزء واجب في خصوص حال التذكر فما أتى به وافٍ بالمراد، هنا يشك في وفاء ما أتى به بالمراد وعدم وفائه به، في هذه الحالة مقتضى القاعدة الاشتغال، يعلم بالتكليف وتعلق التكليف بالصلاة لكن لم نعلم أن ما أتى به وافٍ بالغرض ومحقق للمأمور به أو غير وافي؟ مقتضى قاعدة الاشتغال هو الإتيان به، الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني، هذا ما أفاده السيد الخوئي (ره) بهذا البيان الذي ذكرناه.

ولكن هنا يمكن أن يؤخذ على السيد الخوئي (ره) أن ربط جريان البراءة أو الاشتغال بالقول بإمكان تكليف الناسي ببقية الأجزاء والشرائط وعدم إمكان تكليف الناسي ببقية الأجزاء والشرائط هذا الربط غير تام ولا حاجة له، يعني يمكن أن نقول بجريان البراءة حتى على القول بعدم إمكان تكليف الناسي ببقية الأجزاء والشرائط، وهذا ما سنوضحه في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo