< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/11/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تنبيهات دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين:

البحث في إطلاق الجزء والشرط الصورة الثالثة والرابعة:

تقدم الكلام عندنا في التنبيه الأول، إذا شُك في إطلاق الجزئية أو الشرطية فما هو مقتضى القاعدة؟ قلنا بأن الكلام يقع في مقامين، المقام الأول: في الأدلة اللفظية والمقام الثاني: في الأصول العملية، أما بالنسبة إلى المقام الأول: فيمكن أن يقع البحث من جهتين، الجهة الأولى كبروية والجهة الثانية صغروية، أما الجهة الكبروية: فذكرنا سابقاً بأن الأدلة اللفظية يمكن أن تُتصور على أربع صور:

الصورة الأولى: أن يكون كلٌ من دليل المركب ودليل الجزء أو الشرط مطلقاً، يعني أن الدليل الموجَّه إلى المركب دليل مطلق يستفاد منه طلب الإتيان بالمركب في جميع حالاته، بمعنى سواء كان نسي القراءة أو لم ينسَ القراءة يجب الإتيان بالمركب، هنا نقول بأن دليل المركب مطلق، وأن يكون أيضاً دليل الجزء أو دليل الشرط مطلقاً، بمعنى أن يكون الجزء مطلوباً في المركب كيفما كان يعني في جميع حالات المركب فهو مراد مع المركب يدور مدار المركب وجوداً وعدماً بمعنى أنه مطلوب في المركب في جميع حالات المركب، هذان الإطلاقان كما قلنا سابقاً متعارضان من حيث النتيجة لأن نتيجة إطلاق دليل المركب أن يقع المركب صحيحاً لو نسي بعض أجزائه، يقول دليل المركب أن هذا مطلوب مطلقاً الصلاة مطلوبة مطلقاً فلو نسي التشهد أيضاً تكون مطلوبة ولو نسي الفاتحة كذلك تكون مطلوبة، نتيجة ذلك الحكم بصحة الصلاة لو ترك جزءً أو ترك شرطاً ونتيجة إطلاق دليل الجزء أو دليل الشرط عدم صحة الصلاة بدونه، الفرض أن يكون دليل الجزء مطلقاً يعني يراد أن يؤتى بهذا المركب مع هذا الجزء وأن هذا الجزء لا بد من وجوده في المركب نسي أو لم ينسَ، فعليه: إذا نسي الإتيان بالجزء فلا يكون المركب بدونه مطلوباً فيقع فاسداً، وبما أنه يوجد تعارض بحيث إن هذا يقضي بصحة الصلاة والآخر يقضي ببطلان الصلاة وفسادها، فنجمع بين الدليلين وكما قلنا بأن إطلاق الجزء إطلاق المقيَّد مقدَّم على إطلاق الكل وبيَّنَّا الوجه في ذلك.

الصورة الثانية: أن يكون دليل الجزء أو الشرط مطلقاً ودليل المركب ليس بمطلقٍ، في مثل هذا الفرض يكون الأمر واضحاً، وهو أن نأخذ بإطلاق دليل الجزء أو إطلاق دليل الشرط، والنتيجة أن نحكم ببطلان المركب إذا لم يؤتى بهذا الجزء أو إذا لم يؤتى بهذا الشرط، فالمركب الفاقد للشرط أو للجزء محكوم بالبطلان، وهاتان الصورتان قد تقدم الكلام فيهما.

الصورة الثالثة: تكون على عكس الصورة الثانية، بمعنى أن يكون دليل المركب مطلقاً ودليل الجزء غير مطلق، طبعاً كما نبّهنا سابقاً ولا بأس بالتنبيه الآن: أن الإطلاق يكون إذا كان الدليل لفظياً ولم يكن مجملاً وكان المتكلم في مقام البيان من الجهة التي نريدها في الإطلاق فهنا نقول بأن هذا الدليل مطلق، أما إذا كان الدليل لبّيّاً مثل الإجماع والسيرة، والدليل اللبي لا لسان له فلهذا لا يتحقق فيه الإطلاق، أو لو فرضنا بأن دليل الجزء لفظياً ولكنه مجمل أيضاً هنا لا يمكن أن نقول بتحقق الإطلاق فيه.

إذا اتضحت هذه فنقول: بأنه إذا كان دليل المركب لفظياً مطلقاً وكان دليل الجزء أو دليل الشرط ليس بمطلق فهنا واضح أن نتمسك بإطلاق دليل المركب ونتيجة التمسك بإطلاق دليل المركب هي الحكم بصحة المركب الفاقد لذلك الجزء نسياناً، فإذا نسي الجزء كفاتحة الكتاب مثلاً لو فرضنا أن دليلها لبي أو شيء آخر مثل الاستقرار كما سنوضح فيما بعد، الآن إذا كان دليل الجزء غير مطلق فمعناه أن المركب الفاقد لهذا الجزء نسياناً محكوم بالصحة باعتبار أن دليل المركب مطلقٌ، وهذه الصورة تكون واضحة الحكم من هذه الجهة، وهذه الصورة هي التي يرتبط الكلام المتقدم في إمكان تكليف الناسي وعدمه، يقع في هذه الصورة، يعني نقول: ثمرة الخلاف بين القولين القول بإمكان خطاب الناسي في غير ما نسيه بالنسبة إلى بقية الأجزاء والشرائط أو القول باستحالته، تقع الثمرة في هذه الصورة.

توضيح ذلك: إذا قلنا باستحالة تكليف الناسي بغير الجزء المنسي يعني تكليف الناسي بالأجزاء الأخرى من المركب الذاكر لها، إذا قلنا بامتناع تكليفه، هنا نقول: حتى لو كان دليل المركب مطلقاً لكن لا يسعنا التمسك بإطلاقه بل لا ينعقد الإطلاق فيه لأن مقتضى هذا الإطلاق هو تكليف الناسي وبما أن تكليف الناسي مستحيل حسب ما قُرّر، فعليه: لا يمكن أن نقول هذا الدليل مطلق يشمل حتى حالة نسيان بعض الأجزاء لأن أصل تكليف الناسي ببقية الأجزاء مستحيل، وهذا ذكرناه سابقاً ونؤكد عليه فعلاً ونقول: بأنه عندنا أمران، الأمر الأول: تكليف الناسي فيما نسيه هذا لا إشكال في استحالته، لا يخاطب الناسي بالإتيان بما نسيه، هذا لا كلام لنا الآن فيه، كلامنا إذا نسي بعض أجزاء المركب هل يمكن تكليفه بعنوان كونه ناسياً لبعض أجزاء المركب بالإتيان ببقية الأجزاء والشرائط أو لا؟ إذا فرضنا قلنا باستحالة ذلك فهنا في هذه الصورة الثالثة لو كان الدليل لفظياً ومطلقاً في نفسه إلا أنه لا يفيدنا فيما نريده فعلاً، الآن قلنا نحن نحتاج إلى إطلاق دليل المركب وعدم إطلاق دليل الجزء لنثبت صحة المركب حال فقد هذا الجزء نسياناً، فإذا قلنا من الأول لا يمكن تكليف الناسي ببقية الأجزاء إذاً لا ينعقد هذا الإطلاق ولا يصح، أما إذا قلنا بإمكان تكليف الناسي ببقية الأجزاء هنا نحكم بصحة المركب عندما كان دليله مطلقاً ولم يكن دليل الجزء مطلقاً.

إذاً ثمرة الخلاف المتقدمة سابقاً تظهر في هذه الصورة، الصورتين الأوليتين واضح تقديم إطلاق دليل الجزء ونتيجته بطلان العمل وعدم تكليف الناسي، لكن في هذه الصورة الثالثة تظهر ثمرة الخلاف.

الصورة الرابعة: ألّا يكون دليل المركب مطلقاً ولا دليل الجزء أو الشرط مطلقاً، نفترض أن دليل المركب الإجماع ودليل الشرط السيرة أو الإجماع كلاهما دليلان لبّيّان لا إطلاق فيهما، في هذه الحالة المرجِع هو الأصول العملية وننتقل إلى المقام الثاني، ليس عندنا في هذه الحالة مجال إلى الأصول اللفظية لعدم وجود الإطلاق في كلٍ من الدليلين لا دليل المركب ولا دليل الجزئية والشرطية.

هذه هي الصور الأربع المتصورة في المقام الأول وهي من حيث الكبرى، ونتيجة الكلام: عندنا نتائج ثلاث:

النتيجة الأولى: إذا كان دليل الجزئية أو الشرطية مطلقاً فنحكم ببطلان المركب إذا نُسي هذا الجزء، فالعمل باطل.

النتيجة الثانية: إذا لم يكن دليل الجزء مطلقاً، فإن كان دليل المركب مطلقاً وقلنا بإمكان تكليف الناسي فنحكم بصحة العمل المركب عندما يُنسى ذلك الجزء.

النتيجة الثالثة: إذا لم يكن دليل الجزء مطلقاً ولم يكن دليل المركب مطلقاً فالمرجع هو الأصول العملية.

هذه هي النتائج الثلاث التي نحصل عليها، وهذا كلُّه في المقام الأول الأصول اللفظية الجهة الأولى البحث من حيث الكبرى، نتصور هذه الصور الأربع.

الجهة الثانية: نحتاج إليها وهي بيان للصغرى التي تتحقق، وهنا من حيث الصغرى بعد ملاحظة الأدلة يمكن أن نحصل على بعض الصور:

الصورة الأولى: أن يكون دليل الجزء لبياً فالإطلاق هنا منتفي، سالبة بانتفاء الموضوع ليس عندنا لفظ حتى نتمسك بإطلاقه أو حتى ندّعي إطلاقه، مثال هذه الصورة: هو شرطية الاستقرار في الصلاة ودليلها الإجماع وهو دليل لبّي لا إطلاق فيه، في المقابل دليل الصلاة دليل لفظي مطلق فينطبق عليه الصورة الثالثة التي تقدم الكلام في بيانها كبروياً، دليل المركب مطلق ودليل الشرط لا إطلاق فيه لكونه دليلاً لبياً، فلو نسي الاستقرار في الصلاة نحكم على صلاته بالصحة بمقتضى إطلاق دليل المركب، وهنا أيضاً نؤكد الكلام على القول بإمكان تكليف الناسي بغير الشيء المنسي فيه.

الصورة الثانية: أن يكون دليل الجزء لفظياً مطلقاً وإذا كان كذلك فهنا يُتصور بنحوين من حيث الوقوع الخارجي لأن كلامنا الآن في الصغرى.

النحو الأول: أن يكون بلسان ليس لسان أمر، مثلاً: لسان (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب) هذا اللسان لبيان الجزء وهو مطلق، بمعنى أن فاتحة الكتاب جزء من الصلاة في جميع الأحوال مطلوبة في الصلاة في جميع الأحوال، فإذا نسيها وترك هذا الجزء تبطل الصلاة هذا بمقتضى دليل الجزء فقط، سنشير على نحوٍ آخر، أيضاً مثلا: (لا صلاة لمن لم يقم صلبه) هذا دليل لفظي وهو مطلق ومقتضاه أنه ما لم يتحقق هذا الشرط -وهو شرط إقامة صلبه ويحقق انتصاب قيامه في الصلاة- بطلان الصلاة مطلقاً، ولكن طبعاً حتى يكون الأمر واضحاً نظرنا لو خلينا ودليل الأمر المتعلق بالمركب بالصلاة ودليل (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب) أو (لا صلاة لمن لم يقم صلبه) لكن في خصوص باب الصلاة عندنا دليل (لا تعاد الصلاة إلا من خمسة) هذا الدليل مقدَّم على أدلة الأجزاء والشرائط، الدليلان الأولان دليلان على أصل الجزئية وهو مطلق، الدليل الثاني على الشرطية وهو مطلق، ولكن حديث (لا تعاد) حاكم على أدلة الأجزاء والشرائط، فلهذا نرفع اليد عن القول بالبطلان لا من جهة عدم إطلاق دليل الجزء أو الشرط في نفسه وإنما من جهة وجود دليل حاكمٍ عليه، في غير الصلاة يأتي الكلام الذي أشرنا إليه سابقاً وإمكان التمسك ب ( لا تنقض السنة الفريضة) أو لا، إذاً هذا نحوٌ من أنحاء أدلة الأجزاء والشرائط، ويستفاد منه الإطلاق في جميع حالات المركب.

النحو الثاني من حالات أدلة الأجزاء والشرائط: هو أن يكون دليل الجزء بلسان الأمر خطاب بالأمر، كأن يقول مثلاً: إذا جلست فتشهد، هنا ليس مثل (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب) أمرٌ بإيقاع التشهد، هذا الفرض يختلف عن الفرض الأول، ولهذا بعض الأعلام فصَّل بين الموردين، في المورد الأول قال يمكن التمسك بالإطلاق ولكن في المورد الثاني والنحو الثاني عنده إشكال وسبب الإشكال: يقول: بأن خطاب الناسي مستحيل، تقول للناسي للتشهد: تشهَّد، هذا مستحيل، يشترط أن يكون المكلف قادراً سواء كان شرط القدرة ناشئاً من نفس الخطاب كما عليه بعض الأعلام نفس الخطاب هو يستبطن أن يكون المخاطب به مقدوراً لقبح التكليف نحو غير المقدور والتحريك نحو غير المقدور، أو قلنا بأن شرط القدرة شرط عقلي، على الخلاف بين الأصوليين، على كل حال نشترط القدرة في التكليف، فإذا اشترطنا القدرة فيها الناسي غير قادر وإذا لم يكن قادراً على الامتثال لا يمكن أن يكلَّف فإذا كان لسا دليل الجزئية أو الشرطية بلسان الأمر لا ينعقد فيه إطلاق، هناك اللسان الأول قلنا ينعقد فيه الإطلاق وهذا اللسان لا ينعقد فيه الإطلاق لأن الناسي غير قابل للخطاب وللأمر (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب) كإخبار عن أن الفاتحة جزء للصلاة فتصور إطلاق في جميع حالاتها، أما الأمر بالتشهَّد الأمر بالجزء أساساً لا يشمل الناسي، إذاً لا إطلاق فيه فنرجع إلى دليل المركب هل هو مطلق أو غير مطلق، هكذا أفاد بعض الأصوليين.

ولكن أُجيب من غير واحد من الأعلام كالمحقق النائيني والمحقق العراقي والمحقق السيد الخوئي (ره) قالوا: بأن هذه الأوامر المتعلقة بالأجزاء والشرائط أوامر إرشادية يعني إرشاد إلى أن هذا جزء وإرشاد إلى أن هذا شرط وليست أوامر مولوية تطلب التحريك نحو الفعل، فالإشكال يندفع، الإشكال أن خطاب الناسي لا يمكن، هذه الأوامر على وزان الأوامر الموجودة في المعاملات أو النواهي الموجودة في المعاملات، عندما يأمر الشارع مثلاً بالموالاة بين الإيجاب والقبول هنا هذا الأمر إرشاد إلى شرطية الموالاة بين الإيجاب والقبول بحيث لو لم يتحقق الشرط لم يتحقق العقد، لما نهى النبي (صلى الله عليه وآله) عن بيع الغرر إرشاد إلى أن الغرر مانع في المعاملات، هنا أيضاً الأمر المتعلق بالأجزاء والشرائط إرشاد إلى الجزئية والشرطية، كأنه إخبار عن أن هذا جزء أو شرط، كما أن النهي الوارد فيها إرشاد إلى المانعية فإذا كان كذلك فلا فرق أن يكون اللسان لسان الأمر أو لسان ( لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب).

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo