< فهرست دروس

الأستاذ الشيخ نزار آل سنبل

بحث الأصول

41/11/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: - تنبيهات دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين:

بعد أن فرغنا عن أصل المطالب المتعلقة بدوران الأمر بين الأقل والأكثر بتفاصيلها يذكر الأصوليون عدة تنبيهات في ذيل أصل المطلب، والكلام الآن في التنبيه الأول.

التنبيه الأول:

وعقد هذا التنبيه لبيان الشرط أو الجزء الذي ثبتت جزئيته وشرطيته هل أنه شرط مطلقاً؟ يعني حال الذكر وحال النسيان، أو أنه شرط مقيداً بحال الذكر؟ ويترتب على ذلك آثار فقهية، نحن نعلم أن الشيء إذا ثبت أنه جزء أو أنه شرط وتُرك عمداً فالعمل يكون باطلاً، المشروط عدم عند عدم شرطه، والكل عدم عند عدم جزئه، يعني لا يتحقق الإتيان بالكل، هذا المقدار مسلَّم ومعروف، ولكن الكلام أنه هل أُخذ جزءً أو شرطاً مطلقاً؟ يعني حتى حالة النسيان هو شرط وهو جزء أو لا؟

يترتب على ذلك: أنه إذا قلنا بأنه شرط أو جزء مطلقاً فلو تُرك نسياناً يكون العمل باطلاً، وأما إذا كان الجزء أو الشرط مقيداً بحال الذكر فعندما يُترك نسياناً لا يوجب ذلك بطلان العمل؛ لأن العمل حينئذ يكون موافقاً للمأمور به.

فالبحث فعلاً يقع في هذه الجهة: هل أن الجزء أو أن الشرط أُخذَ مطلقاً أو لا؟ والكلام طبعاً في مقتضى القاعدة.قبل ذلك: هنا نقطتان تثاران في المسألة:

النقطة الأولى: إذا ثبت عندنا صحة العمل عند فقدان جزء أو فقدان شرط نسياناً فهل هذا العمل الذي حُكم بصحته بعد ثبوت الصحة، هل هذا العمل من باب أن المأتي به موافق للمأمور به فيكون المكلف امتثل المأمور به؟ أو من باب أن ما أتى به يسقط الأمر بمعنى أنه يفي بحصول الملاك؟ يعني وافي بالملاك الملزم، المأمور به فيه ملاك ملزم دعا إلى أن يؤمر به والمأمور به هو الكل المركب الكامل الذي فيه الملاك ولكن إذا أتى المكلف نسياناً بالمركب الناقص الفاقد لبعض الأجزاء والشرائط يكون وافياً بالملاك الملزم ومسقطاً للأمر.

نعيد هذه الجهة: نقطة البحث هنا، إذا ثبت لنا صحة العمل الناقص الفاقد لبعض الأجزاء أو الشرائط نسياناً فهل هذا الحكم بالصحة منشؤه أن المركب المأتي به موافق للمأمور به، فلهذا حكم الشارع بالصحة؟ أو لأن ما أتى به وافٍ بتحقق الملاك الملزم فيسقط الملاك الملزم؟ وبينهما فرق، قد لا تظهر الثمرة في حال ثبوت الحكم بالصحة، يعني الخلاف في أن ما أتى به موافق للمأمور به أو أنه مسقط للملاك في حال الحكم بالصحة لا تظهر الثمرة، لكن في حال عدم الحكم بالصحة ربما تظهر الثمرة في جريان الأصل، هل الأصل الجاري عند الشك هو البراءة أو هو الاشتغال؟ وهذه نقطة سيأتي التكلم فيها إن شاء الله فيما بعد.

النقطة الثانية: التي تُبحث قبل البحث فيما هو مقتضى القاعدة، هل هو الإطلاق أو التقييد؟ هل هو الإطلاق ما لم يثبت التقييد؟ أو مقتضى القاعدة التقييد ما لم يقم دليل على الإطلاق؟ يعني مقتضى القاعدة أن هذا الجزء أو الشرط أُخذَ بنحو الإطلاق إلا أن يدل الدليل على التقييد أو أن مقتضى القاعدة هو أن هذا الجزء أو الشرط أُخذ مقيداً بحال الذكر إلا أن يقوم دليل على الإطلاق؟

قبل البحث في مقتضى القاعدة بحث الأصوليون هنا مسألة مهمة: وهي هل يمكن تكليف الناسي في غير ما نسيه؟ يعني هل يمكن تكليف الناسي ببقية الأجزاء والشرائط التي لم ينسها أو أن ذلك مستحيل؟ نفترض أن الناسي نسي القراءة في الصلاة، هل هو الآن بما أنه ناسٍ مخاطب ببقية الأجزاء والشرائط؟ كأن يكون فرضاً الخطاب هكذا: أيها الناسي للقراءة يجب عليك الإتيان ببقية الأجزاء والشرائط، هل هذا التكليف ممكن أو مستحيل؟ بعد الفراغ عن أن تكليف الناسي بالنسبة على ما نسيه مستحيل، القراءة في المثال لما نسيها حال نسيانه يستحيل أن يخاطَب هذا الناسي: يا أيها الناسي إيتي بالقراءة، هذا مفروغ عنه، الكلام الآن: هل يمكن خطابه ببقية الأجزاء والشرائط أو لا يمكن ذلك؟ وقع البحث بين الأصوليين في ذلك، واختلفوا على قولين:

القول الأول: بالاستحالة، أنه يستحيل خطاب الناسي ببقية الأجزاء والشرائط، وذكروا لبيان وجه الاستحالة هذا الترديد: خطاب الناسي لا يخلو مع وجود هذا الخطاب لا يخلو الأمر من أحد أمرين: إما أن يلتفت للخطاب ويلتفت لكونه ناسياً فينقلب ذاكراً، ففي الواقع لا يوجد خطاب فعلي في حقه، الخطاب نفترضه موجه للناسي، أيها الناسي للقراءة يجب عليك الإتيان ببقية الأجزاء والشرائط، لما خوطب بخطاب أيها الناسي إذا التفت إلى نسيانه انقلب إلى كونه ذاكراً، ولما صار ذاكراً الآن لم يأتي خطاب له بعنوان أنه ناسٍ لأنه انقلب وصار ذاكراً، فلا يوجد إذاً خطاب فعلي في حقه بعنوان أنه ناسٍ، وأما الاحتمال الثاني: أنه لم يلتفت إلى نسيانه فإذاً هنا لا يوجد خطاب فعلي له لأنه لا يمكن تحقق الانبعاث عن الأمر، عندنا قاعدة وهي: أن الأمر الصادر من الشارع لأجل انبعاث المكلف نحو المأمور به نحو العمل، إذا لم يمكن الانبعاث إذاً لا يمكن البعث ولا يعقل البعث، الأمر جُعل لأجل الانبعاث انبعاث المكلف نحو العمل نحو المأمور به إذا لم يمكن الانبعاث عن الأمر نحو العمل فإذاً لا يعقل البعث نحو العمل، البعث يعني بعث المكلف لأجل الانبعاث فإذا لم يمكن الانبعاث لا يعقل البعث، هذه القاعدة نطبقها فعلاً، الخطاب في صورة عدم التفاته إلى كونه ناسياً، إذاً هو الآن لن ينبعث نحو العمل، لا يمكن انبعاثه عن هذا البعث وانبعاثه عن هذا الأمر، فإذا لا يمكن انبعاثه نحو العمل عن هذا الأمر إذاً لا يعقل جعل هذا الأمر، فعليه: النتيجة نقول: بالاستحالة، فنتيجة الكلام لهذا القول يقول: يستحيل فعلية التكليف في حقه ومع الاستحالة الفعلية للتكليف في حقه يمتنع الجعل، هذا القول الأول.

القول الثاني: قولٌ بالإمكان وعدم استحالة خطاب الناسي بالإتيان بما عدا الأجزاء المنسية، وذُكر في ذلك بعض الأوجه:

المحقق صاحب الكفاية (قده) ذكر وجهين في ذلك:

الوجه الأول لبيان الإمكان: يقول: بأن خطاب الناسي ليس بعنوان كونه ناسياً ليس بعنوان أيها الناسي يجب عليك أن تأتي ببقية الأجزاء والشرائط، لا، وإنما الخطاب له بعنوان ملازم لعنوان الناسي، مثلاً نفترض عنوان أيها القائم أيها الكاتب يجب عليك الإتيان ببقية الأجزاء والشرائط ليس بعنوان أيها الناسي إذا نسيت القراءة فيجب عليك البقية، وإنما أيها الكاتب أيها القائم مثلاً نفترض أن هذا عنوان ملازم للناسي هذا العنوان الملازم للناسي وإن لم يكن ملتفتاً المكلف لنسيانه فيمكن خطابه بهذا العنوان الملازم أو اللازم، فينحل الإشكال، الإشكال إذا خوطب بعنوان كونه ناسياً، أيها الناسي، يأتي هذا الترديد المتقدم في بيان الاستحالة، أما إذا كان بالعنوان الملازم الآخر فلا يرد هذا الإشكال.

هذا الوجه الأول أورد عليه: أورد السيد الخوئي (ره) عليه: بأنه هذا مجرد فرض وهمي لا واقع له ولا حقيقة له، خصوصاً وأنه لا توجد عندنا ضابطة للنسيان، والنسيان يختلف باختلاف الأفراد وباختلاف الأجزاء والشرائط وباختلاف الحالات، إذاً لا يوجد عندي عنوان لازم لعنوان الناسي حتى نقول: يُخاطب الناسي بهذا العنوان اللازم، لا يوجد عندي ذلك، فعليه: هذا مجرد فرض لا حقيقة له ولا واقع له فلا يفيدنا، يعني عنوان غير مضبوط، إذاً هذا الوجه غير تام.

الوجه الثاني الذي أفاده أيضاً صاحب الكفاية (قده): يكون بهذا البيان:

أن يوجَّه التكليف بأركان الفعل وما يتقوم به الفعل إلى جميع المكلفين، ويتوجَّه تكليف بما عدا هذه الأركان لخصوص الذاكرين فيكون عندنا في الواقع خطابان: الخطاب الأول: موجّه لجميع المكلفين الذاكرين والناسين ومتعلق هذا الخطاب هو أركان الفعل ما يتقوم به الفعل، أركان الصلاة مثلاً ما تتقوم به الصلاة، وعندنا خطاب خاص للذاكرين وهو متعلَّقه ما عدا الأركان الأجزاء والشرائط التي ليست مقومة للفعل، فأيضاً على هذا الأساس ينحل الإشكال، ونقول: يمكن خطاب الناسي والناسي مخاطب في خصوص ما يتقوم به الفعل.هذا الوجه الثاني ثبوتاً ممكن ولكن يحتاج إلى دليل إثباتاً، يعني يمكن أن نتصوره ثبوتاً لا استحالة فيه، يمكن أن نتصور وجود هذين الخطابين ولكن في مقام الإثبات نحتاج إلى دليل، في باب الصلاة قام هذا الدليل ووجد هذا الدليل.

والدليل حاصله في باب الصلاة: أنه بعد أن نلاحظ الدليل الدال على وجوب الصلاة ونلاحظ قاعدة لا تعاد حديث لا تعاد وبعض الأدلة الخاصة في الموارد الخاصة نخرج بهذه النتيجة: أنه عندنا خطاب عام لجميع المكلفين يجب عليهم الإتيان بالصلاة، بعد ذلك لما وجدت عندنا رواية (لا تعاد الصلاة إلا من خمسة) استكشفنا من ذلك أن الخطاب العام الشامل للناسي وغير الناسي يختص بخصوص الخمسة، هذا خطاب للجميع، وبالنسبة إلى ما عدا هذه الخمسة يكون الخطاب خطاباً لخصوص الذاكرين ولا يشمل الناسي، بالتالي المكلف الناسي للقراءة مثلاً بالنسبة إلى الأركان وبالنسبة إلى الأجزاء والشرائط الأخرى الذاكر لها يكون مخاطباً ويكون مأموراً، بالنسبة إلى الجزء المنسي وهو القراءة هو غير مخاطب لأنه قلنا بعد الجمع بين الأدلة خرجنا بهذه النتيجة: أن ما يتقوم به الفعل عام للناسين والذاكرين وأن ما عدا ذلك خاص بالذاكرين، إذاً الآن المكلف الناسي للقراءة بالنسبة إلى ما تتقوم به الصلاة الخطاب موجود وبالنسبة إلى بقية الأجزاء غير القراءة هو ذاكر فإذاً الخطاب له متحقق فإذاً هو يأتي بالصلاة الفاقدة للجزء عن انبعاث عن الأمر المتعلِق بها والمخاطب هو بها، غاية الأمر هو في ذهنه يعتقد أن ما يأتي به هو نفس ما يأتي به غيره الذاكر، لأنه هو غير ملتفت إلى نسيانه فيعتقد بأنه مخاطب بنفس خطاب الآخرين، هذا الاعتقاد لا يضر، هو انبعث عن وجود أمر متعلِق بهذه الأمور وموجّه له ولكن انبعث باعتقاد أن مثله مثل غيره فيعتقد أنه ينبعث عن الأمر المتوجه لغيره بينما هو ينبعث عن الأمر المتوجه له، هذا النحو لا يضر في الامتثال، وهذا النحو يمكن حمل كلام الشيخ الأنصاري (قده) عليه كما أفاد السيد الخوئي (ره).

هناك كلام للشيخ الأنصاري (قده) على أن هذا من باب الخطأ في التطبيق، المحقق النائيني (قده) ينقل عن الشيخ الأنصاري أنه يمكن التصحيح بنحو الخطأ في التطبيق، وأشكل عليه المحقق النائيني بأن الخطأ في التطبيق لا يشمل المقام، الخطأ في التطبيق فيما إذا أمكن توجّه كلا الخطابين في حد نفسهما ولكن في الواقع يوجد خطاب واحد وأتى به على أنه الخطاب الآخر، مثلاً: يمكن أن يكون الأمر المتوجّه لهذا الفعل الفلاني هو الوجوب أمر بالوجوب ويمكن أن يكون أمراً بالاستحباب، هذا الفعل يمكن للمكلف أن يوجه له الخطاب بوجوب هذا الفعل ويمكن أن يوجه له الخطاب بالاستحباب بالنسبة لهذا الفعل، هو أتى به على أنه واجب وتبين في الواقع أنه مستحب، هذا خطأ في التطبيق، وما نحن فيه يستحيل تكليف الناسي، فإذا كان يستحيل تكليف الناسي إذاً لا تنطبق قاعدة الخطأ في التطبيق؛ لأن أحد الفردين مستحيل، هكذا قال المحقق النائيني (قده).

السيد الخوئي (ره) يقول: لعل مراد الشيخ الأنصاري (قده) من الخطأ في التطبيق هو ما ذكرناه وهو أن المكلف الناسي للقراءة هو مخاطب في الواقع بالأركان وما يتقوم به الفعل وببقية الأجزاء والشرائط الذاكر لها، هذا الخطاب موجه له، وهو يعتقد بما أنه ناسٍ في الواقع ولا يعلم أنه ناسٍ يعتقد أن الخطاب الموجه له هو نفس الخطاب الموجه لغيره الذاكرين، يعني الشامل لما تتقوم به الصلاة وسائر الأجزاء والشرائط بما فيها القراءة، فهو انبعث عن الأمر ولك ن يعتقد بأن الأمر الذي انبعث عنه هو نفس الأمر الذي انبعث عنه غيره من الذاكرين، وفي الواقع هو الأمر الذي انبعث عنه الذي يخصه غير ما يشمل الآخرين، هذا المعنى عبر عنه بالخطأ في التطبيق.

على كل حال هذا الوجه وهو وجود خطابين في الواقع خطاب يتعلق بما يتقوم به الفعل وهذا شامل للناسين والذاكرين وخطاب خاص إلى خصوص الذاكرين وهو ما عدا هذه الأجزاء التي يتقوم بها الفعل، هذا خاص للذاكرين، هنا ينحل الكلام وثبوتاً مقبول وإثباتاً قام الدليل عليه في باب الصلاة كما أفاد السيد الخوئي (ره).

يمكن أن نضيف: بأن الدليل إثباتاً قام عليه أيضاً في غير باب الصلاة وذلك إذا تمسكنا بذيل (لا تعاد الصلاة) وذيلها يقول: (فإن السنة لا تنقض الفريضة) هذا التعليل يمكن أن يقال: كما نُقل في غير مقام عن سماحة السيد السيستاني (حفظه الله) أنه يتمسك بهذه القاعدة الكلية، يمكن أن نقول: هذه القاعدة الكلية (فإن السنة لا تنقض الفريضة) تشمل باب الصلاة وغير باب الصلاة، فلا تعاد الصلاة صغرى من صغريات قاعدة لا تنقض السنة الفريضة وهذه القاعدة لا تنقض السنة الفريضة يمكن تطبيقها في غير باب الصلاة فيكون عندنا إذاً دليل ممكن ثبوتاً وعندنا دليل إثباتاً في غير باب الصلاة.

فالنتيجة من ذلك: أنه لا يستحيل تكليف الناسي بهذا المعنى الذي ذكرناه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo